الرأي

الخارجون من «الكاراجات»

بتفعيل الاتفاقيات الجديدة بين الصين والمغرب، يكون وجود الصينيين في محلات «درب عمر» بالدار البيضاء، قد اتخذ شكلا آخر من أشكال النجاح الاقتصادي.
فالمغرب الذي يردد أغلب أبنائه أنه «كحل» ولا فرص شغل بداخله، يعتبر وجهة مهمة من بين الوجهات التي اختارها الصينيون خلال العشرين سنة الأخيرة لبدء مشاريعهم التجارية. قبل سنتين، عاش صينيو الدار البيضاء أزمة كبيرة عندما سُجن مواطن صيني بسبب سيوف «الساموراي» التي وُجدت داخل محل تجاري كان يكتريه لممارسة التجارة في منطقة «درب عمر» الشهيرة بالدار البيضاء. وكان هذا الملف مثيرا للكثيرين، لأن الحديث في الكواليس، كان يدور حول وجود «مافيا» صينية تستهدف الصينيين الذين يشتغلون خارج الصين، وتمارس ضدهم أنواعا من الابتزاز المالي، لتمكينها من جزء من الأرباح التي يحصدها الصينيون في المغرب، وربما في دول أخرى أيضا.
الصينيون مواطنون مثل بقية مواطني العالم، وكل ما يروج حولهم في السينما، من أنهم مهووسون برياضات الدفاع عن النفس والحركات العجيبة في الهواء، لا يعدو أن يكون مجرد حصيلة لسنوات من السينما الصينية التي قدمت المواطن الصيني على أنه عضو دائم في مدارس تعليم الكونغ فو والكاراتيه. لكن الحقيقة أن رياضات الدفاع عن النفس، على الطريقة الصينية، صنعت جزءا من ثورة الإنسان الصيني ضد الديكتاتورية. فأحد رموز مواجهة الاستعمار الياباني في الصين ليس إلا معلما لمدرسة متفردة بأسلوب نادر للدفاع عن النفس. وهكذا كبرت أجيال من الصينيين، في تأهب دائم للدفاع ليس عن النفس فقط، وإنما عن الجيب أيضا، دون استعمال النفوذ أو السلطة أو اللوبيات أو «المعارف» إلى أن أصبح الاقتصاد الصيني لوبيا لوحده.
أحد الصينيين في المغرب، تعرض لسرقة في الشارع العام، كما يقع لآلاف المغاربة يوميا، وعندما توجه إلى مصالح الأمن لوضع شكاية في الموضوع، وهذا ما لا يفعله آلاف المغاربة يوميا للأسف، سأله الشرطي لماذا لم يستعمل فنون الدفاع عن النفس للنيل من «الشفار» الذي سلبه هاتفه؟ وهذا أكبر دليل على أننا في المغرب، وربما في أماكن أخرى من العالم، نعتقد أن الإنسان الصيني خارق بطبعه ويستعمل فنون الدفاع عن النفس لإخراج سلة القمامة وتقشير الموز وأشياء أخرى.. وهذا جهل كبير بخصوصيات الشعوب.
الصينيون عانوا، خلال عقود طويلة، من الديكتاتورية التي تجعل البلاد كلها في خدمة رجل واحد. ولعل الفترة «الماوية» أبرز شاهد على ما عاناه الصينيون مع الأنظمة الاستبدادية. ولا تزال تبعات المراحل السياسية السابقة التي مرت بها الصين، حاضرة إلى اليوم. فالعلاقات الصينية- الأمريكية تشهد دائما تشنجات بسبب الماضي السياسي والحاضر الاقتصادي الذي اكتسح فيه الصينيون كل شيء. الصحافة الأمريكية تخصص يوميا، وهذا أمر لا مبالغة فيه، حيزا مهما لانتقاد الاقتصاد الصيني وتحركات رجال الأعمال الصينيين والصفقات الكبرى، للانفراد بتصدير أو استيراد أغلب المنتوجات التي تكون مطلوبة لدى أغلب الدول. وهذه العداوة الثابتة، لا صواب فيها بحكم أن الأمريكيين يسعون اليوم، أكثر من أي وقت مضى، لضرب الصين ضربة موجعة، وهو الأمر الذي لم ينجح فيه الأمريكيون إلى اليوم، رغم كل هذه السنوات من المحاولات.
في المغرب، تعرفنا على الصين من خلال الشاي الصيني، الذي كان متوفرا دائما في المغرب حتى في سنوات المجاعات الكبيرة التي لم يجد فيها المغاربة أي شيء، ووجدوا الشاي الصيني الذي يقال إن الناس أكلوه مطبوخا بسبب الجوع. فبعد أن أنهوا شرب الشاي اكتشفوا أنه لا يسد الجوع بقدر ما يعدل المزاج، لذلك أكلوا محتوى البرّاد لطرد الجوع عن البطون.
ومن الصين أيضا، جاء المرهم العجيب الذي يطرد الزكام والتشنجات العضلية، واستعمله المغاربة لأغراض أخرى لا تخطر على بال، ولا يتسع المجال لذكرها هنا.. للأسف.
ما يعاب على المنتوج الصيني هو التقليد الرديء للمنتوجات العالمية. حتى أن الدول الأوربية فرضت على المنتوجات الصينية التوفر على معايير صارمة من الجودة قبل السماح بترويجها في السوق الأوربية. فبلد المليار مواطن وأكثر، يلعب دائما على الكم وليس الكيف. لكن في المقابل، هناك صناعات دقيقة يشارك الصينيون في إخراجها إلى الوجود، وهنا بالضبط يكمن الرهان.
آن الأوان لـ «درب عمر» أن يستريح.. فالواضح الآن أن الحلم الصيني في المغرب، لم تعد تسعه «الكاراجات» الضيقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى