الرأي

الدرجة الصفر للحياء

مرت خمس سنوات من عمر هذه الحكومة، تغير كل شيء في قطاع التعليم. تغيرت الوجوه، وجوه الوزراء والمديرين الجهويين والإقليميين، وشمل التغيير أيضا الخطابات وتوجهات السياسات التعليمية، ومنها تغير النظرة للبرنامج الاستعجالي، من «طابو» في عهد محمد الوفا إلى «نموذج» تم استنساخه في عهد بلمختار، والآن تجري الوزارة تغييرا شاملا في هيكلة الأقسام والمصالح مركزيا، بعدما تم إجراء التغيير ذاته جهويا وإقليميا، باستثناء بنية واحدة بقيت عصية على كل تغيير، وهي بنية المديريات المركزية، فكل المديرين المركزيين الحاليين، والبالغ عددهم 22، منهم 11 مديرا وهميا، فضلا عن الكاتب العام والمفتشين المركزيين لم يتغيروا قط، علما أنه قد تم تعيينهم بطرق لم يحترم فيها قانون التعيين في المناصب السامية، والكارثة العظمى هي أن هؤلاء هم المسؤولون اليوم عن تنزيل دستور يربط المحاسبة بالمسؤولية.
فقد تعيين عدد من هؤلاء إما لعلاقاتهم الشخصية ونفوذهم العائلي، كحالة الكاتب العام للوزارة، والذي تم استقدامه في 2009 من مدرسة تقنية لكونه من أصهار «شخصية نافذة»، ويعمل منذ تعيينه على «تكريم» بعض أفراد عائلته و«قبيلته» في مناصب المسؤولية. أما المفتش العام للشؤون التربوية، فقد عينته الوزيرة السابقة لطيفة العبيدة في منصبه لقربه من عائلتها، وتحديدا من والدها، قبل أن يستغل منصبه ويحصل على منصب أستاذ للتعليم العالي في مركز تكوين المفتشين، لتضع في منصبه السابق، على رأس مديرية المناهج، مديرا آخر يرعى اليوم أكبر شبكة للريع عنوانها «الكتاب المدرسي».
أما صنف آخر من المديرين المركزيين، فقد تم تعيينهم قبل سبع سنوات لعلاقاتهم الشخصية، لكونهم دعموا الوزيرة نفسها، أي لطيفة العبيدة، عندما كانت مسؤولة في مفتشية وزارة المالية، قبل أن تقرر تكريم إفادتهم ونقلهم من مناصبهم الصغيرة في «وزارة الأرقام» وتعيينهم مديرين مركزيين في وزارة التربية، كمدير مديرية الشؤون القانونية والمنازعات، والذي لم يكتف بأن حارب محمد الوفا بأمر من ولية نعمته، بل وعوضها بطريقة غير شفافة في الفيلا التي كانت تحتلها بحي لالة عائشة الراقي في العاصمة، ثم مدير مديرية الميزانية والممتلكات، وهو أيضا احتل بطريقة غير شفافة مسكنا عبارة عن فيلا ضخمة تقع في مركز التوجيه والتخطيط بحي الرياض، فضلا عن مدير مديرية الاستراتيجية والإحصاء والتخطيط، والذي له حكاية عجيبة، فقد أعفاه محمد الوفا من منصبه، لكن بمجرد خروج الوزير السابق من الوزارة بعد شهر، عاد لمديريته بـ«الدقايقية» وسط زغاريد موظفات المديرية. وأغلب المديرين المركزيين المتبقين هم من بقايا اليسار في الوزارة، منهم من تم تعيينه في عهد الحبيب المالكي، ومنهم من تم تعيينه في عهد اخشيشن، عندما كان يهيئ لحركته السياسية «الشهيرة»، كحالة «مفتش للاجتماعيات» يحتل مكتبا صغيرا، مكتوبا على بابه «مديرية الأمن الإنساني». وآخر تم تعيينه أخيرا مديرا جهويا على رأس أكاديمية مراكش في «مسرحية» ترشيحات مفضوحة، والشيء نفسه بالنسبة لمدير مركزي آخر تم تعيينه بالإخراج المسرحي ذاته مديرا جهويا على رأس أكاديمية الدار البيضاء- سطات، وطبعا مفتاح فهم تفاصيل هاتين المسرحتين يوجد في معرفة رئيسي الجهتين.. ومدير مركزي آخر غادر أخيرا مديريته الوهمية المسماة التعاون الدولي نحو منصب أسمى تابع لوزارة الخارجية والتعاون، وهؤلاء المغادرون لم يتم تعويضهم إطلاقا لسبب بسيط هو أنهم كانوا أشباحا لسنوات دون أن تكون لمغادرتهم أية تأثيرات.. فهذه هي الكائنات التي تشرف اليوم على ورش إصلاح المدرسة المغربية.. إنها الدرجة الصفر للحياء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى