الافتتاحية

الرباط- مدريد

لا تحتاج الزيارة الرسمية التي يقوم بها العاهل الإسباني فليب الثاني، مرفوقا بزوجته ووفد وزاري مهم إلى بلدنا، بدعوة من ملك المغرب محمد السادس، الكثير من الفهم لاستيعاب خلفياتها وأبعادها السياسية والاقتصادية والأمنية والدبلوماسية. فهي بالتأكيد زيارة تتوج مسار التطور الإيجابي لعلاقة الشراكة المتينة بين الرباط ومدريد خلال العقد الأخير، بقيادة عائلتين ملكيتين تربطهما أواصر التاريخ والحاضر والمستقبل.
والمؤكد أن لغة الأرقام كافية لتؤكد حقيقة العلاقات المتنامية بين الجارين، فالجارة الإيبيرية أصبحت منذ ست سنوات الزبون الأول للمغرب بميزان تجاري يناهز 1500 مليار سنتيم سنويا، وثاني مصدر للإيرادات السياحية بالمغرب، وثاني بلد مصدر لتحويلات أموال المغاربة المقيمين في الخارج، بالإضافة إلى استقرار أكثر من 1000 شركة إسبانية في المغرب.
في المقابل، يحتل المغرب الرتبة الثانية كمصدر للألبسة الجاهزة نحو إسبانيا بحصة 16 في المائة، وراء العملاق الصيني الذي اكتسح أسواق العالم. أما في ما يخص الصادرات الإجمالية، فقد حسن المغرب حصته في السوق الإسبانية ليصبح المورد 14 للجارة الإيبيرية متقدما بـ11 مرتبة مقارنة مع سنة 2001، وذلك رغم المنافسة القوية لدول الجوار الأوربي والصين ودوّل أمريكا اللاتينية، وخصوصا البرازيل.
طبعا لا يمكن فصل تنامي المعاملات التجارية عن مسار بناء الثقة بين البلدين، الذي سمح لرأسمال البلدين بالتحرك والاستثمار بكل أمان. فالمملكة الإيبيرية تدرك جيدا أن جزءا كبيرا من سلامة أراضيها وأمنها الاستراتيجي يوجد بالرباط، فلا يمكن لمدريد أن تواجه لوحدها آفة الإرهاب بتنظيماته وشبكاته المتعدّدة والممتدة، أو أن تحاصر الهجرة غير المنظمة وما تطرحه من أزمات إنسانية ومقتضيات أمنية، أو أن تحارب شبكات الاتجار بالمخدرات دون تنسيق مع السلطات الأمنية والاستخباراتية المغربية التي لطالما تقدم خدمات أمنية مصيرية لأمن جارتنا الأوربية.
والمغرب يعي بما يكفي أن جزءا من قوة مركزه التفاوضي حول سيادته ووحدة أراضيه مرهون بالدعم السياسي لمدريد وقدرتها على لعب أدوار حاسمة في مساعدة المغرب على محاصرة أطروحة الانفصال، خصوصا وأن إسبانيا تعاني من ويلات الحركة الانفصالية في إقليم الكطالان.
لذلك، فإنّ تحقيق مثل هاته الأهداف الكبرى، وتخطيها نحو شراكات تجارية واقتصادية وثقافية أوسع وأشمل، يحتاجان إلى علاقة شراكة استراتيجية طويلة الأمد، وهذا يتطلب مزيدا من التنسيق والتعاون الدولي والإقليمي لمواجهة المخاطر المحدقة بأمن واستقرار البلدين، في مراعاة لواجب الجوار واحترام تام لسيادة كل جار على حدوده وداخل مجاله الترابي.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى