شوف تشوف

الرأي

الصدام التركي الكردي المتصاعد أفضل هدية للنظام السوري..

خطاب الرئيس السوري بشار الأسد الذي ألقاه قبل يومين في تجمع لمندوبي النقابات والاتحادات المهنية، انعقد في دمشق، انطوى على صورة أقرب إلى التشائمية، جرى استخلاص بعض أبعادها من خلال فقرات اعترف فيها بعدم قدرة الجيش السوري على القتال على جبهات عديدة، في مواجهة معارضة شرسة مسلحة بأحدث الأسلحة، واعترافه بحدوث انسحابات من بعض المناطق للدفاع عن مناطق أخرى قد تكون أكثر أهمية، الأمر الذي فتح مجالا واسعا للتأويلات والتفسيرات، ومن بينها بدء العد التنازلي لقيام دولة علوية الطابع في الساحل السوري.

الجيش السوري يعيش حالة من الإنهاك فعلا بعد أربع سنوات من حرب الاستنزاف المتواصلة لم يتمكن فيها من التقاط أنفاسه، وفي ظل دولة محاصرة، وخطوط إمداد متقطعة وغير آمنة، نجحت فيها المعارضة المسلحة في إرباكه، وتشتيته، وهذا النجاح يحسب لها، ولكن ربما يكون من المبكر الذهاب بعيدا وتوقع انهيار النظام في الأسابيع أو الأشهر المقبلة، لأن المتغيرات على الساحتين الإقليمية والدولية بدأت تشكل ضغوطا كبيرة على الآخرين أيضا في متاهة كبرى اسمها «الشرق الأوسط».

الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية والعربية المنضوية تحت خيمة تحالفها في المنطقة، تتبع في الملف السوري الحرب نفسها التي اتبعتها للتمهيد لاحتلال العراق، ومن ثم تغيير النظام في بغداد، من حيث إقامة مناطق عازلة، وتشديد الحصار الخانق، بما يؤدي إلى خلق فجوة بين النظام والشعب أولا، وبين النظام وجيشه ثانيا، وانهيار منظومة القيم التي تدعو للصمود والمقاومة، واستبدالها بقيم وأخلاق أنانية بحتة تبحث عن الخلاص بأي طريقة ممكنة بغض النظر عن الكيفية وهوية الجهة المخلصة (بتشديد اللام).

هذه الاستراتيجية حققت بعض النجاحات الملموسة حتى السنة الثالثة من الأزمة السورية، انعكست في انشقاقات وموجات نزوح، وانخفاض في المعنويات، ولكنها سرعان ما تراجعت أو تجمدت بالأحرى، بسبب بزوغ نجم قوة ثالثة على درجة كبيرة من القوة والخطورة تتمثل في «الدولة الاسلامية»، أحدثت انقلابا في سلم الأولويات الأمريكية والدولية، وانعكس هذا الانقلاب في الانتقال في الحديث من العمل على إسقاط النظام إلى التمسك به، ومؤسساته لعدم تكرار التجربتين الدمويتين في ليبيا والعراق، وتوحيد كل الجهود في الحرب لمواجهة خطر «الدولة»، بل وظهرت نظريات تدعو إلى إشراك النظام، باعتباره يملك الخبرة الأهم، في الحرب المذكورة، وبعد ذلك لكل حادث حديث.

هناك تطوران رئيسيان في المشهد السوري ربما يؤديان إلى خلط الأوراق والتحالفات، بما يمكن أن يخفف الضغط على النظام السوري ولو بشكل مؤقت:
الأول: الصدام المتصاعد بين النظام التركي وحزب العمال الكردستاني، وانهيار هدنة عام 2013 بين الجانبين، وما يعنيه هذا من احتمال حدوث تصدع في الخريطة الطائفية والعرقية التركية.

الثاني: الاتفاق النووي الإيراني- الأمريكي وما بات يتكشف من ملاحق سرية له تتحدث عن تفاهمات إقليمية بين الطرفين حول الوضع في كل من سورية والعراق، الأمر الذي أثار ويثير دولا مثل السعودية وتركيا.

إذا بدأنا بالتطور الأول يمكن القول إن الحرب الكردية التركية قد تجعل الأكراد في تركيا وسورية والعراق يتوحدون بشكل أقوى من أي وقت مضى ضد حكومة أنقرة، ويلتفون في الوقت نفسه حول النظام في دمشق، أو يخففون، والأكراد السوريون خاصة، من عدائهم له، والتخلي ولو بطريقة براغماتية مؤقتة عن طموحاتهم بالاستقلال إو إقامة مناطق حكم ذاتي خاصة بهم على غرار كردستان العراق.

مسألة أخرى تستحق التوقف عندها، وهي أن الذهاب إلى انتخابات تركية مبكرة قد تعطي نتائج غير التي يريدها حزب العدالة والتنمية بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان، أي الحصول على الأغلبية البرلمانية مجددا، لأن الأكراد قد يتحالفون مع العلويين في جبهة متشددة تعزز أحزاب المعارضة وهؤلاء يمثلون مجتمعين، بالإضافة إلى أقليات أخرى، أكثر من نصف الشعب التركي.
إما إذا انتقلنا إلى النقطة الثانية وهي الاتفاق النووي الإيراني- الأمريكي، فإنه نقل المنظومة الإيرانية، ومن ضمنها سورية، من خانة الأعداء إلى خانة عدم الأعداء ولا نقول الحلفاء، وألا نعتقد أن النظام السوري الذي يواجه هذا التحالف الجبار ضده بسبب انحيازه لإيران، لن يخرج من جَمل الاتفاق بأقل من كبده.

إقامة منطقة حظر جوي في مثل هذه المنطقة السورية الشمالية الغربية، حيث نقطة تقاطع دول إقليمية ودولية، ربما لن تكون عملية سهلة ويسيرة، وهذا ما يفسر التسريبات الأمريكية حول عزم موافقة واشنطن «كليا» على قيام هذه المنطقة، فهناك روسيا والصين، وعلينا أن نتذكر أن الرئيس العراقي صدام حسين كان يقف وحده ودون مساندة هاتين الدولتين له أثناء فرض مناطق الحظر خارج مظلة الأمم المتحدة وبقرار منها، لأسباب ليس هنا مجال ذكرها.

النظام السوري ما زال يعيش مأزقا خطيرا رغم وجود حالة شبه إجماع دولي على عدم سقوط الدولة السورية، ولكن مأزق الآخرين من أعدائه الإقليميين خاصة، بدأ ينمو ويتعمق بسرعة مع فارق أساسي أن السوريين الموالين للنظام بدؤوا يتعايشون مع الحرب مكرهين، بينما ليس هذا هو حال الآخرين.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة حاليا، هو هل تريد تركيا توريط أمريكا في سورية، أم العكس؟
لا نملك الإجابة، ولكننا نملك ترف التكهن، ونجازف بالقول إن أمريكا هي التي تريد توريط تركيا في سورية، تماما مثلما ورطت الرئيس صدام حسين في الكويت، فطموحات الرئيس أردوغان في إعادة إحياء الخلافة العثمانية، وإخراج المارد التركي من قمقمه، في صورة قوة اقتصادية عظمى، في وقت يعاني فيه الغرب من صعوبات شتى، يشكل خطرا حقيقيا عليه ومصالحه في المنطقة، وأكبر بكثير من خطر النظام السوري، و«الدولة الإسلامية»، متفرقين كانا أو مجتمعين، والله أعلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى