شوف تشوف

الضون شباط دو لاخنشة

لا أحد يجادل في الدور النضالي الذي قام به رجالات الرعيل الأول من حزب الاستقلال، إلى جانب الشعب المغربي، للدفاع عن استقلال المغرب وعودة العائلة الملكية ومحمد الخامس من المنفى إلى عرشه.
وإنها لفضيحة كبرى أن ينتهي الحزب الذي أنجب علال الفاسي، والمهدي بنبركة وعبد الله إبراهيم قبل أن ينشقا عنه ويؤسسا الحزب الذي سيصير الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، رهينة بين يدي سيكليس مهمته الوحيدة «فشان الروايض» للحزب وليس إصلاح ثقوبها.
لذلك فمسؤولية الباقين من الرعيل الأول لقدماء رجالات حزب الاستقلال، مولاي محمد الخليفة ومحمد بوستة والدويري والوافا، ومعهم عبد الواحد الفاسي ليس لشخصه وإنما احتراما لتاريخ والده، هو أن يعلنوا معركة تحرير حزب الاستقلال وطرد المحتل الغاشم حميد شباط وزبانيته من مقره.
إذ لا يعقل أن حزبا اسمه حزب الاستقلال يعيش مستعمرا بعدما طرد محتلوه بقوة المال والتهديد والوعيد، وبمساعدة مفتشي الحزب الذين يتقاضون رواتب مجزية مقابل اعتراض طريق المعارضين ومنعهم من الوصول إلى المؤتمر، مؤسسيه ورجالاته الذين لا يمكن تصور حزب الاستقلال بدونهم.
ولعل أول شيء يجب أن يعرفه هؤلاء الذين أوصلوا شباط إلى الأمانة العامة لحزب الاستقلال أن هذا «الزحلوطة» كما سماه مولاي محمد الخليفة ذات حوار، يحمل الجنسية الإسبانية، ولكم أن تتخيلوا كيف أن أمينا عاما لحزب يدعي المطالبة باسترجاع سبتة ومليلية المحتلتين من طرف إسبانيا يحمل جنسية البلد الذي يتهمه بالاحتلال.
وإذا كان شباط قد شرب هذه الأيام حليب السباع وخرج «يشير» ذات اليمين وذات الشمال معتبرا دولة ذات سيادة كموريتانيا امتدادا للمغرب، فلأن هذا الجواز الإسباني الأحمر الذي يضعه في جيبه «سخن» به كتفيه، معتقدا أن جنسيته الإسبانية ستحميه.
ولحسن الحظ أن نبوءة هبيل فاس لم تتحقق ولم يحصل حزب الاستقلال في عهده على المرتبة الأولى في الانتخابات، وإلا كنا قد وجدنا أنفسنا أمام رئيس حكومة مغربية يحمل الجنسية الإسبانية، ولكان اسمه هو الضون شباط دو لاخنشة، على وزن ضون كيشوط دي لامانشا، كسابقة لم تحدث قط في التاريخ السياسي المغربي.
إن معركة تحرير حزب الاستقلال من استعمار شباط وزبانيته ليست صعبة ولا مستحيلة، فهناك طعن يرقد في محكمة النقض في شرعية الانتخابات التي أوصلت شباط إلى الأمانة العامة لحزب الاستقلال، بمباركة من عباس الفاسي الذي يريد اليوم أن يلعب دور الضحية، وهذا الطعن وضعته جمعية «بلا هوادة» ويمكن تحريكه وإسقاط شباط من الأمانة العامة بالقانون.
أما المحيطون بشباط فتحسبهم واحدا وقلوبهم شتى، فجميعهم أصحاب مصالح وطلاب مقاعد وحقائب، ووجودهم إلى جانب «الزحلوط»، الذي لشدة طيرانه سينتهي «بلا كيلوط»، له هدف واحد هو تحسين وضعهم الاجتماعي.
وأكبر مثال على خسة هؤلاء التابعين عبد الله البقالي، الذي حينما كان عباس الفاسي أمينا عاما لحزب الاستقلال ووزيرا للتشغيل يعارض الحكومة ليس حبا في المعارضة بل من أجل الابتزاز، وقد تكللت جهوده بحصوله على حقيبة دولة، فقد كان البقالي من أشرس المعارضين لعباس الفاسي، حيث جمع المكتب الوطني للشبيبة الاستقلالية من أجل إصدار قرار يعارض دخول الاستقلال لحكومة جطو.
وبينما هو مجتمع مع أعضاء المكتب بمقر شارع ابن تومرت اتصل به عباس الفاسي وأخبره بأنه وافق على طلبه القاضي بالزيادة في أجرته التي تصرفها له إدارة جريدة العلم، حيث مكنه من زيادة قدرها 20000 درهم دفعة واحدة، وبعدها مباشرة أصدر البقالي بيانا مؤيدا لدخول حزب الاستقلال أمام ذهول أعضاء المكتب الوطني الذين انتقم منهم لاحقا وهمشهم.
أما الآخرون فيخضعهم بالملفات العفنة والعطنة التي يمسكها على كل واحد منهم، ولعله أكبر العارفين بفضيحة عادل بنحمزة الذي ضبط في الجامعة في امتحان السنة الرابعة متلبسا بالغش ولولا تدخلات من يعرفهم عادل جيدا لتم تحرير محضر وطرده دون شهادة.
أما عبد القادر الكيحل، المادة «الرمادية» لشباط، فهذا الأخير أكبر من يعرف الخطاط الذي خط له شهادة البكالوريا بعدما جاءت من ليبيا القذافي إلى مقر السفارة بالرباط، والخبر اليقين موجود في دار المغرب بمونتريال بكندا.
إن آفة حزب الاستقلال وأحزاب أخرى كحزب التقدم والاشتراكية، توجد في كونها أصبحت مثل الشركة «القابضة»، وأصبح الأمين العام مثل باطرون، والأجهزة التنفيذية مثل شركاء مساهمين يستفيدون من تقسيم الوزيعة والريع السياسي.
يدعي شباط أنه أعاد إلى حزب الاستقلال قراره السياسي الذي كان يفتقد إليه، وهو الذي لا يفرق بين الليف والزرواطة في السياسة فبالأحرى في العلاقات الدولية وفي مجال الدفاع عن المصالح العليا للوطن والشعب.
فالمصالح الوحيدة التي يتقن الدفاع عنها هي مصالحه الشخصية والعائلية ومصالح الأهل والأصحاب و«الصاحبات»، إلى درجة تحول معها موالوه كبنحمزة من ناطق باسم حزب الاستقلال إلى ناطق باسم شباط، حتى ولو غرقت سفينة الحزب بسبب ربان من درجة سيكليس لا دراية له بتقنيات الملاحة البحرية في بحر سياسي متلاطم الأمواج.
والواقع أن المشكل ليس في شباط لوحده، بل إن المشكل في تلك الآلة التنظيمية الحزبية التي يكفي لمن أراد السيطرة عليها أن يأتي بالمشرملين والبلطجية والطارئين من الفروع ويحسن انتقاء المؤتمرين لكي يتحكم في القيادة الحزبية، ويصبح دكتاتورا صغيرا على رأس تنظيم حزبي يزايد به على الدولة وثوابتها ومصالح الوطن العليا.
وفي هذا السياق بالضبط يندرج موقف شباط الانتحاري، فقد أراد أن يظهر للشعب المغربي أنه أكثر وطنية من الملك وأن أعضاء حزب علال ووريثه المسخوط شباط لا يريدون التفريط في شبر من الحدود التاريخية للمغرب، متجاهلا أن هذه المزايدة استعملها حزب الاستقلال في سياق تاريخي في إطار الحرب الباردة، أما اليوم فالقانون الدولي واضح والشرعية الدولية واضحة والمملكة المغربية دولة عضو كامل العضوية في هيئة الأمم المتحدة إلى جانب الجمهورية الموريتانية الشقيقة، لذلك فحديث شباط عن حدود المغرب التي تنتهي في موريتانيا، مثل حديثه سابقا عن الصحراء الشرقية، ليس سوى لعب بالنار ومحاولة يائسة للي ذراع الدولة. أما المزايدة على القصر بالتلاعب بالقضية الوطنية والمصالح العليا للوطن، وتبخيس الزيارة الملكية لدول إفريقية بشكل يمكن معه فهم كلام شباط بكون المغرب له أطماع توسعية في إفريقيا، فذاك عمل انتحاري يلفظه الشعب بالإجماع ويجرمه القانون.
إن خطر التربية الشعبوية وتسمين عجولها وبغالها يجعلان من الشعبوي خطرا على الوطن وعلى نفسه وعلى حزبه، لأنك تجد نفسك بالنهاية في مواجهة هبيل «ضربتيه راك ضربتي هبيل ضربك راه ضربك غير هبيل».
المشكل اليوم هو في كيف سينقذ حكماء حزب الاستقلال هذا الحزب الذي حوله شباط إلى طائرة انتحارية على شاكلة «كاميكاز» يبحث لكي يسقطها فوق المصالح الاستراتيجية الحساسة لإحداث أكبر قدر من الضرر.
صحيح أن السياسة ليس فيها بوليصة تأمين، كما قال عبد الرحمان اليوسفي، ولكن فيها التعويض عن الأضرار التي لحقت الوطن والشعب من تلك الحوادث القاتلة التي تورط فيها شباط، خصوصا وأن هذا الهبيل لا يملك أي تأمين على فمه الواسع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى