الرأي

العرايشي بين القضاء والقدر

في ظرف أسبوع واحد، تردد اسم فيصل العرايشي رئيس القطب السمعي البصري مرتين، المرة الأولى على لسان شركات إنتاج عربية زودت قنواته ببرامج ومسلسلات لكن إدارة التلفزيون ترفض بتاتا الوفاء بالديون المترتبة عليها وتمتنع عن الرد على المراسلات والمكالمات وأغلقت أبواب دار البريهي في وجه المنتجين العرب الذين تحملوا مشقة السفر إلى المغرب من أجل تحصيل حقوقهم. وفجأة انفكت عقدة لسان مدير «عدم التواصل» بعدما صام عن الكلام سنوات، فتلقى «الأوامر العرايشية» لكي يدعو الشركات المتضررة إلى اللجوء إلى القضاء، مما يذكرنا بالأجوبة الجاهزة التي يقدمها وزير الاتصال، حين يسأله الصحافيون عن قضايا عويصة فينصحهم بدق أبواب القضاء وانتظار القدر.
الغريب أن الخلفي الساكت الرسمي عما يجري ويدور في هذه المؤسسة يعتبر نفسه لا يملك أية صلاحية أو سلطة على التلفزيون المغربي، مفضلا التملص من المسؤولية وكأنه وصي على الإعلام في دولة أخرى غير المغرب.
وإنه لمن المثير أن العرايشي الذي صرف الملايير على إنتاجات رديئة لم تجد طريقها للبث، قد عين عشرات المديرين بتكلفة مرتفعة ويعتزم بناء مقر جديد للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة بتكلفة 45 مليارا، لم يعد راغبا في أداء قيمة ما استهلكته قنواته من إنتاجات عربية، وهو ما من شأنه أن يضرب مصداقية المغرب على هذا المستوى بالذات وسيدفع بالعديد من الشركات الأجنبية إلى الامتناع عن التعامل مستقبلا مع التلفزة المغربية. وقد أخبرنا مدير لإحدى الشركات العربية المتضررة بأنهم يعتزمون تنظيم مظاهرة احتجاج أمام مقر الإذاعة والتلفزة بالرباط بعدما استنفدوا كل الوسائل والسبل ووصلت بهم الأمور إلى اليأس.
الخطير أنه في نفس الأسبوع طفا اسم العرايشي على السطح من جديد حين اتهمه المخرج محمد شفيق السحيمي صراحة بأنه يتقاضى نسبة تقدر بحوالي 20 في المائة من ميزانية المسلسلات والأعمال الدرامية التي يصادق عليها. إنه إتهام بالغ الخطورة كان يستدعي على الأقل إصدار إدارة العرايشي لبلاغ توضيحي يطمئن الرأي العام إلى سلامة أوضاع هذا القطاع الممول من جيوب المواطنين، لكن الإدارة راهنت على ما يبدو على ضعف الذاكرة الجماعية وسربت «معلومات» حول نيتها مقاضاة السحيمي الذي بثت التلفزة 27 حلقة فقط من مسلسله من أصل 60، في انتظار مرور العاصفة كما مرت عواصف أخرى قبلها دون أن تحرك ساكنا أو تصحح وضعا شاذا أو تفتح آفاقا لإصلاح هذه المؤسسة التي يدير العرايشي شؤونها منذ عام 1999 ويتحكم في مصير 2300 موظف يشتغلون تحت إمرته في صمت تام، بعدما أدى أولئك الذين بادروا إلى التنديد بالأوضاع الثمن غاليا سواء بالطرد التعسفي أو التهميش، فيما تفاقمت الحالة الصحية لتلك المؤسسة بعد أن استفاد مدراؤها من البلبلة التي خلقتها مسألة دفاتر التحملات، حيث تم تجميد الإنتاج لسنوات عديدة واقتصد القطب السمعي البصري الملايير التي لا يعرف أحد وجهتها الحقيقية، فيما أدى المشاهد المغلوب على أمره الثمن المباشر لتلك البلبلة حين أغرقته القنوات بإعادة البرامج والمسلسلات والأفلام القديمة، وهو ما يعني أن المشاهد المغربي في عرف العرايشي هو الحلقة الأضعف في المعادلة وليس جديرا بالحد الأدنى من التقدير والاحترام. وكان جواب المشاهدين الطبيعي أن فروا بعيونهم من قنوات العرايشي إلى الفضائيات العربية، بل إن مؤسسات الإشهار المغربية سارت على خطى المشاهدين وشرعت في بث الإشهارات المغربية في الفضائيات العربية بعد أن تأكدت من أن بثها على القنوات المغربية أصبح من قبيل العبث وإهدار الجهود والأموال .
يتعلق الأمر إذن بمؤسسة عمومية، لذلك لا يمكن التغاضي عن مسلسل تدهورها وانهيارها بدعوى أن «شوف وسكت» هو الحل الوحيد في مواجهة مسؤولين لا تهمهم تطلعات الجمهور ومطالب الفنانين المشروعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى