الرئيسيةخاص

العمـاري وبنكيران.. المواجهة المحتومة

محمد اليوبي- نعمان اليعلاوي- كريم أمزيان
هناك توقعات بأن العلاقة بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، ستزداد توترا وستحتدم أكثر في الأيام المقبلة، بعد انتخاب إلياس العماري، أمينا عاما لحزب «البام»، والذي جاء متزامنا مع اقتراب تنظيم الانتخابات التشريعية في شهر أكتوبر المقبل، وإعلان العماري موقف حزبه الداعي إلى مواجهة الإسلاميين دفاعا عن المسلمين.. فهل ستستمر المواجهة بين الطرفين إلى مداها الأقصى، أم أن نتائج الانتخابات ستمسح كل الخطوط الحمراء وتفتح صفحة جديدة بين الحزبين؟

أضحى الحديث عن عودة المواجهة بين طيفين سياسيين، هما عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وإلياس العماري، يفرض نفسه بقوة، مباشرة بعد انتخاب الأخير أميناً عاماً لحزب الأصالة والمعاصرة، الذي عاد إلى الواجهة السياسية، لكن هذه المرة بقوة، بعد سنوات من التواري خلف كواليس حزبه. وقال العماري، في ندوة صحفية عقدها بعد انتخابه أمينا عاما للحزب، إن حزبه، الذي تأسس 2008، جاء «ليساهم في مواجهة الإسلاميين، دفاعا عن المسلمين»، وفهم الكثير من المتتبعين ومنهم أعضاء بحزب «البام»، أن تصريحات العماري ستدفع باتجاه خلق المزيد من التوتر مع حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية الذي يقود الحكومة الحالية.

«البام» ومواجهة الإسلاميين
أثار تصريح العماري بكون حزبه جاء «ليساهم في مواجهة الإسلاميين، دفاعا عن المسلمين»، الكثير من التأويلات، لكنه أوضح المقصود من كلامه بأن «المغرب بلد مسلم، ونحن ندافع عن الدين، وليس الفكر الديني، وسبق لنا أن حذرنا من خوصصة المشترك، وأكدنا أن عدم الفصل بين السياسة والدين سيؤدي إلى أمور سيئة». وفي محاولة لتفادي أي تأويل لكلامه، بكون حزب «البام» جاء لمحاربة حزب العدالة والتنمية، وأنه تأسس لهذا الغرض سنة 2008، قال العماري: «ليس لدينا مع حزب العدالة والتنمية أي مشكل، لكن خلطه الدين بالسياسة أمر سيئ».
وأعادت هذه التصريحات إلى الأذهان، ما عرفه المشهد السياسي المغربي، منذ الإعلان عن تأسيس «حركة لكل الديمقراطيين» التي شكلت النواة الأولى لبروز حزب الأصالة والمعاصرة، الذي تصدر نتائج الانتخابات الجماعية سنة 2009، والتي زادت من حدة المواجهة بين حزبي الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية، قبل أن تخمد نيران المواجهة بين الطرفين، بعد تعيين فؤاد عالي الهمة مستشارا للملك عقب استقالته من حزب الأصالة والمعاصرة، ثم فوز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات التشريعية التي جرت يوم 25 نونبر سنة 2011، لكن حدة المواجهة وتبادل الاتهامات عادت إلى الواجهة قبل أشهر من الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة، والتي احتل فيها «البام» موقع الصدارة.
هذا وشكل انتخاب إلياس العماري على رأس «البام» إزعاجا حقيقيا لحزب العدالة والتنمية، رغم محاولات قادة الحزب إخفاء ذلك، واتضح الأمر من خلال الحملة التي قادتها «الكتائب الإلكترونية» للحزب عليه، قبل وبعد المؤتمر. وأصبح اسم العماري في نظرهم مرادفا لحزب «البام»، باعتباره «الرجل القوي» الماسك بكل خيوط الحزب، وما يؤكد ذلك هو كثرة ترديد اسمه في كل المناسبات، من قبل رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، إذ اندلعت بينهما حرب كلامية منذ سنوات، قبل كل استحقاقات انتخابية، تصل في كثير من الأحيان إلى الصدام وتبادل الاتهامات، التي قد تتطور، بحسب عدد من المراقبين، في المرحلة المقبلة، خصوصاً أنها فترة تمهيدية للانتخابات التشريعية. فبينما يعتبر البعض أن العماري جاء لقيادة حزب «الجرار»، يرى آخرون أنه يقوده من أجل مناهضة «إخوان بنكيران»، الذين يروجون أن بإمكانهم حصد نتائج مهمة في الانتخابات، ومن ثم قيادة الحكومة المقبلة، لأنهم يرون أن العماري هو «البروفايل» الوحيد القادر على مواجهة أمين عام العدالة والتنمية، ما يعني أن الأشهر المتبقية لشهر أكتوبر موعد الانتخابات التشريعية، ستكون موعداً لتسخينات متعلقة بمنازلة انتخابية، ومواجهة غير مسبوقة، للتسابق نحو من سيعمل على سحب البساط من تحت الحزب الآخر.

فرز حزبي أم إيديولوجي؟
يبدو أن المشهد السياسي المغربي يسير نحو فرز حقيقي بين الأحزاب السياسية، بتكوين قطبين داخل المشهد، أحدهما بقيادة حزب العدالة والتنمية، والثاني بقيادة حزب الأصالة والمعاصرة، الذي انتخب أخيرا إلياس العماري أمينا عاما. وبدأت معالم تشكل هذه القطبية الحزبية، منذ الانتخابات التشريعية التي جرت يوم 25 نونبر 2011، والتي أفرزت حكومة مكونة من تحالفات هجينة، جاءت محطة الانتخابات الجهوية والجماعية الأخيرة، لتعيد خريطة التحالفات إلى نقطة الصفر، ليتوج ذلك في جلسة انتخاب رئيس مجلس المستشارين، بحدوث شرخ كبير داخل الأغلبية وكذلك داخل المعارضة، فانقلب منطق التحالفات القائم حاليا بين الأحزاب المشكلة للأغلبية والأحزاب المشكلة للمعارضة.
وشكل حدث انتخاب رئيس مجلس المستشارين محطة مفصلية في إعادة بناء التحالفات السياسية بالمغرب، وقبلها ساهمت نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية في إعادة رسم الخريطة الحزبية، من خلال خلق تقاطبات جديدة بعيدا عن منطق الأغلبية والمعارضة التي انبثقت عن الانتخابات التشريعية التي بوأت حزب العدالة والتنمية المرتبة الأولى وقيادته للحكومة الحالية، لكن يوم 13 أكتوبر، الذي تزامن مع أول جلسة عقدها مجلس المستشارين لانتخاب رئيسه الجديد، وقع زلزال داخل التحالفات الحزبية التي عرفها المغرب خلال الأربع سنوات الأخيرة.
ويرى خالد الرحموني، عضو الأمانة العامة للحزب الحاكم، في حوار مع الموقع الرسمي للحزب، أن المشهد بدأ يفرز بشكل واضح، «بين من مع قضية الإصلاح الديمقراطي واستكمال ورش البناء المؤسساتي، والوفاء لروح برنامج الحركة الديمقراطية في البلد، المؤسس على قاعدة الكرامة والعدالة الاجتماعية وبسط الحريات ومأسسة القرار العمومي، وعقلنة هذا القرار، وتعميق الجهوية، وتحقيق منطق السيادة الشعبية، وما بين منطق آخر، يريد شد البلاد إلى الخلف، وغلق قوس البناء الديمقراطي الذي انفتح، ويمني نفسه وحلفاءه الظاهرين والمتخفين، بأنه مازال يملك سطوة القرار والنفوذ، والقدرة على توجيه الشأن العام»، ودعا من أسماهم الديمقراطيين بكل من حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي إلى «النقد البناء لمسارهم السياسي، وأن يعيدوا النظر في اختيارات قيادتهم واصطفافاتهم السياسية».
وكان إعلان حزب الاستقلال الخروج من المعارضة وممارسة «المساندة النقدية للحكومة»، قد خلف رجة سياسية قوية لازالت تداعياتها متواصلة، وذلك بعد القرار الذي اتخذه الحزب بالخروج من الحكومة.. لكن ما جرى في جلسة انتخاب رئيس مجلس المستشارين، سيعيد بكل تأكيد رسم معالم خريطة سياسية جديدة، ستكتمل فصولها مع موعد إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة والتي ستنبثق عنها حكومة ستقود المغرب خلال الخمس سنوات القادمة، حسب العديد من المتتبعين. فقد شكلت الانتخابات الجماعية والجهوية، التي توجت بانتخاب رئيس الغرفة البرلمانية الثانية، فرصة لإعادة النظر في التحالفات الحزبية بالمغرب ووضع حد لمعضلة البلقنة التي طالما عانى منها المشهد الحزبي المغربي، وخاصة أن الحكومة الحالية تشكلت على أرضية أغلبية هجينة تتشكل من أحزاب متباعدة من حيث المرجعية الإيديولوجية والسياسية والتاريخية.

موقف «البام» من الدين
جاء في الوثيقة السياسية والمذهبية التي صادق عليها مؤتمر الأصالة والمعاصرة، أن الحزب مدعو إلى ترسيخ العمل مع مكونات الصف الديمقراطي والحداثي، والمساهمة في تشكيل قطب سياسي فاعل يستجيب لاختيارات التحديث ومتطلباته الراهنة والمستقبلية، بدءا بتكريس وزرع قيم الانتساب السياسي الواعي إلى المفهوم العصري لـ«المواطنة» كفكرة سياسية تتضمن حقوقا وواجبات اجتماعية وسياسية وثقافية وقانونية تساوي بين جميع المواطنات والمواطنين، وكفضاء مدني عصري يتطلب الانتصار لقيم العقل والاختلاف والتعدد والانفتاح.
وأمام هذا الوضع، تقول الوثيقة: «أضحى سؤال الهوية يحتل موقعا مهما، سيما وأن البعض يعتبر أن النظام العالمي الجديد يقوم على استراتيجية محددة يتم تنفيذها قصد اجتياح العالم، وتقويض الثقافات الوطنية والمحلية. لذلك أضحت الشعوب والنخب تبحث عن شروط ومواصفات لتأكيد الخصوصية الثقافية، باعتبارها شرطا أساسيا في عملية التعايش الحضاري والحوار الثقافي».
وبخصوص موقف الحزب من الدين، اعتبرت الوثيقة أن سؤال التدين، بالإضافة إلى كونه سؤال التمفصل بين القداسة والإطلاقية والتعالي والخلود من جهة، والإنسية والواقعية والنسبية والمحدودية من جهة أخرى، فهو سؤال الإدراك بأن الاعتقاد لا يستغرق سوى جزء من المحدودية في الأمد، وهو يتطلب التمييز بين الدين والتدين. ففعل التدين، حينما يطرح كحاجة لدى الفرد، يتطلب ضرورة الارتكاز في عملية النهوض بالشأن الديني داخل المجتمع على ركنين أساسين، وهما الحق في الاختلاف وحرية الاعتقاد، فهما عماد تحرير المجتمع وتنظيمه، تحريره من كل أشكال الوصاية والحجر على الأفراد من جهة، وتنظيمه من حيث الالتزام باحترام إرادة الفرد واختيار معتقده وتوجيه سلوكاته وتصرفاته، بما لا يتناقض ولا يتعارض مع الإرادة الجماعية في التعاقد الاجتماعي العام من جهة أخرى.
واعتبرت الوثيقة أن قناعات وممارسة المغاربة للتدين ليست متجانسة، فهي تختلف، طقوسا وتعبيرا وقناعة، كما تختلف بين العديد من المناطق المشكلة للمغرب. وإذا كانت أنماط التدين متعددة، فإن انتشار مظاهر الإسلام السياسي اليوم، بتنظيماته وأذرعه، وانتشار النزعات الدينية المتطرفة، يطرح العديد من الأسئلة المرتبطة بواقع الحقل الديني ببلادنا، سواء في علاقته بالمؤسسات الحزبية أو بمؤسسات الدولة.

المواجهة المحتومة
يرى العديد من المتتبعين أن العلاقة بين حزبي الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية ستزداد توترا، لأن عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، يخوض صراعا ضد إلياس العماري شخصيا أكثر من حزب الأصالة والمعاصرة، ما يؤكد أن التوتر سيزداد أكثر. وبدأت فصول المعركة التي سيعرفها المشهد السياسي مستقبلا، تظهر ملامحها، منذ تاريخ انعقاد المؤتمر الوطني الثالث لحزب «البام»، والذي انتخب خلاله إلياس العماري أمينا عاما للحزب، حيث شن بنكيران في اليوم الثاني لانعقاد المؤتمر هجوما عنيفا على العماري وشكك في مصدر ثروته، وتساءل باستنكار: «من أين أتى بـ 65 مليون درهم، التي أطلق بها مشروعه الإعلامي؟ فليقل لنا من أين حصل على ذلك»، كما وصف حزب «البام» بأنه حزب «البانضية».
لكن العماري رفض الرد على هجوم بنكيران، أثناء الندوة الصحفية التي عقدها مباشرة بعد انتخابه أمينا عاما للحزب، وقال: «قطعت على نفسي وعدا كأمين عام للأصالة والمعاصرة ألا أتحدث مع رئيس الحكومة إلا بالمستوى الذي يليق بمؤسسة رئيس حكومة المغاربة»، و«لن أرد عليه إلا بأسلوب فيه احترام كبير للمؤسسة التي أتشرف برئاستها»، وأضاف: «نحن لا نهاجم الأشخاص، حتى في مراحل الاختلاف الذي قد يصل بعض الأحيان إلى نفي الآخر»، وأكد أن حزبه، الذي يشتغل في المعارضة، «ليس هدفه الهيمنة، وسنحتل الموقع الذي نستحقه بمعية الشركاء الذين نتقاسم معهم حب الوطن».
وفي الوقت الذي أعلن قياديون بالحزب الحاكم أنهم، بعد انتخاب العماري على رأس «البام»، لن يحتاجوا إلى خوض الحملة الانتخابية «لاكتساح الانتخابات التشريعية المقبلة»، وهي الانتخابات التي تم الإعلان عن موعد إجرائها بتاريخ 7 أكتوبر المقبل، فإن حكيم بنشماش، رئيس مجلس المستشارين، ورئيس المجلس الوطني للحزب، كشف لأول مرة منذ تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة، عن وجود مخطط لدى الحزب لاكتساح الانتخابات التشريعية المقبلة، والحصول على رئاسة الحكومة التي ستنبثق عن هذه الانتخابات، ونفى، في لقاء تواصلي عقدته مؤسسة الفقيه التطواني بمدينة سلا، وجود أي سيناريو للتحالف مع حزب العدالة والتنمية.
وأكد بنشماش، بلغة الواثق من نفسه، أن حزب الأصالة والمعاصرة سيتصدر الانتخابات البرلمانية المقبلة وقال «قررنا بعزيمة أننا سنتصدر نتائج الانتخابات المقبلة»، وبذلك سيقود «البام» الحكومة المقبلة، حسب ما ينص عليه الدستور، بتعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي يتصدر نتائج الانتخابات التشريعية لمجلس النواب. لكن العماري قلل من أهمية الانتخابات بالنسبة لحزبه، واعتبر أنها «ليست هاجسا وحيدا للحزب، بل هي من بين القضايا المطروحة على البلاد، من قبيل إصلاح التعليم الذي يهم البلد، والبطالة، حزبنا بهوية، والهوية ليست هي المواقف السياسية، وليست ردود الأفعال».

بنكيران والعماري..المواجهة المفتوحة
على مدى السنوات السبع التي تولى فيها عبد الإله بنكيران زعامة حزب العدالة والتنمية، ظل الأخير يهاجم بشراسة إلياس العماري، الذي كان إلى حدود يوم 25 يناير الماضي، يشغل منصب نائب الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، قبل أن يتولى قيادة الحزب في المؤتمر الأخير الذي انتخب فيه أمينا عاما، فقد صوب بنكيران في مناسبات متعددة وكثيرة نيران مدفعيته الثقيلة اتجاه خصومه السياسيين، وعلى رأسهم العماري.
ووصف بنكيران خصمه اللدود العماري خلال الملتقى الجهوي العاشر للهيئات المجالية بـ»إبليس»، وقال: «هداك إبليس ديال المملكة الذي وعد بعض الأحزاب برئاسة الحكومة»، كما هاجم العماري في مناسبة أخرى ردا على تصريح له يتهم فيه الخطيب، مؤسس العدالة والتنمية، بالضلوع في ملفات مرتبطة بخروقات لحقوق الإنسان، وذهب بنكيران حد وصف العماري بـ»صعلوك آخر الزمان»، وقال بأن «الدكتور الخطيب بزاف عليه».
اتهامات بنكيران للعماري لم تقف عند حدود الأوصاف القدحية، بل تجاوزتها إلى اتهامات بالرغبة في التحكم وقيادة مشروع إعلامي يعزز هذا التوجه، قال في مؤتمر لذراع العدالة والتنمية النقابي، الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، إن المشروع الإعلامي الذي أطلقه إلياس العماري «ظلامي وفاشل لأنه مؤسس على التحكم»، وأدخله في خانة مراكمي الثروات بدون حدود وبطريقة غير معقولة على حساب الطبقات الكادحة والمتوسطة، مضيفا أن «السلطة لم يعد بإمكانها حماية من يستأثرون بالمال بطرق غير مشروعة». كما ذهب بنكيران أبعد من ذلك وقال، خلال حديثه في الجلسة الافتتاحية للدورة العادية لجمعية مستشاري العدالة والتنمية، بالمقر المركزي، مطلع السنة الماضية، إن العماري هو من «يتحكم في وضع الأمناء العامين لحزب الأصالة والمعاصرة، الذي مات منذ 25 نونبر 2012، ولم يبق فيه إلا الجناح المافيوزي». وواصل بنكيران مهاجمة العماري، وعبره حزب الأصالة والمعاصرة، بالقول إنه الحزب الذي كان يهدد استقرار البلاد، حين تدخل في قضية وحدتنا الترابية بإكديم إيزيك.
وإن كان إلياس العماري يردد في العديد من المناسبات أنه لا يريد الدخول في صراع مع عبد الإله بنكيران، والرد على تصريحات، إلا أنه في بعض المواقف انخرط في الحرب الكلامية ضد العدالة والتنمية وزعيمه بنكيران، واتهم في لقاء أمام برلمانيي حزب «البام» بكلا الغرفتين، بنكيران بتكوين عصابة القتلة، مهددا إياه بكشف ملفات خطيرة كرد فعل على اتهامات بنكيران له بتجميع الثروة الفاحشة وتشييد مطبعة بـ12 مليار سنتيم، بل إن العماري بدوره ذهب للرد على تصريحات بنكيران التي يتهمه فيها بالمتاجرة في المخدرات، بعيدا، وطالبه في إحدى المناسبات بممارسة سلطاته وإعطاء أوامره بالاعتقال، إن فعلا يتهمه بالمتاجرة في المخدرات، معتبرا أن الاتهامات التي صدرت عن بنكيران لا تفهم إلى في سياق كونه رئيسا للحكومة، وليس أمينا عاما للحزب، وبالتالي فحسب العماري فالأمر يستدعي اتخاذ الأمور القانونية، أو اعتبار هذه التصريحات لا تسيء إلا لرئيس الحكومة والمؤسسة التي يمثلها.

بوانو: «تصريحات العماري بمواجهة الإسلاميين مدعاة للسخرية وتافهة وعبثية»
مباشرة بعد انتخاب إلياس العماري، أمينا عاما لحزب الأصالة والمعاصرة، عقب أشغال مؤتمره الوطني الثالث، خرج عبد الله بوانو، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، ورئيس فريقه النيابي بمجلس النواب، بتصريح صحافي عممه على مختلف وسائل الإعلام، أبان من خلاله عن مدى انزعاج قيادة الحزب الحاكم من وصول ابن الريف إلى كرسي قيادة حزب «الجرار».
وبعد خرجة بوانو، كتب سليمان العمراني، النائب الأول للأمين العام لحزب العدالة والتنمية، كلمة على الموقع الرسمي للحزب، لتأكيد توجس حزب رئيس الحكومة من القيادة الجديدة لـ«البام»، وخاصة بالتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية التي ستفرز الخريطة السياسية والحكومية المقبلة.
واعتبر بوانو الطريقة التي تم بها انتخاب إلياس العماري أمينا عاما لحزب الأصالة والمعاصرة تطرح علامة استفهام كبيرة حول الديمقراطية التي يؤمن بها هذا الحزب ومن بقي فيه، وتساءل عما إذا كان هذا الحزب قد احترم فعلا ما تنص عليه قوانينه الداخلية وكذا ما يدعو له الدستور وقانون الأحزاب، مؤكدا أن من شأن انتخاب العماري على رأس «البام» أن يوضح أكثر المشهد، وعموما مرحبا به تحت الأضواء الكاشفة.
أما بخصوص التصريحات التي قال فيها العماري إنه جاء ليواجه الإسلاميين، فاعتبرها بوانو «مدعاة للسخرية وتافهة وعبثية»، متحدثا عن «كثيرين سبقوا العماري إليها ولينظر أين هو مصيرهم اليوم»، وأضاف قائلا: «عليه أن يعلم أن المغرب خطا خطوات كبيرة على درب الإصلاح السياسي والديمقراطي بكل أطيافه وفعالياته الوازنة التي تهمها مصلحته ومستقبله ومستقبل استقراره»، معتبرا نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة كانت أحسن جواب على تصريحات العماري، بقوله: «لقد أجابه المواطنون إجابات وافية خلال انتخابات 2011 وخلال انتخابات 2015 وسيتلقى الجواب نفسه خلال انتخابات 2016، وعليه أن يعلم أن المغاربة قطعوا مع أسلوب التحكم في الحياة السياسية ولم يعودوا في حاجة إلى معاودة استنساخ تجارب أصبحت وراء ظهورهم كشفت تجربة الربيع العربي خطورتها على بنية الدول والمجتمعات.
واعتبر بوانو أن مواجهة العدالة والتنمية لا تكون بالتصريحات الفاشية والعنصرية والإقصائية، وإنما بمنافسته في خدمة البلاد وتحقيق مصالحها ومصالح المواطنين، أما «محاولات عرقلة الأوراش والإنجازات الحكومية التي حققها لصالح المواطنين، فإنها لا تزيده إلا قوة وشعبية وترسخا بين الشعب، واقتناعا بصوابية قراره بمواجهة التحكم مهما كلمه الثمن». وبدوره، تحدث سليمان العمراني، النائب الأول للأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عن أن أحزابا سياسية عريقة عانت وما تزال إلى اليوم من تدخل حزب الأصالة والمعاصرة في شؤونها الداخلية، وأدت الثمن من شعبيتها ومن مواقعها المؤسساتية ومن وحدتها الداخلية، داعيا إلى أن «تقع اليوم المفاصلة التامة مع النهج التحكمي الذي يحمل مشروعه الحزب المعلوم لا مجرد التململ والتذبذب واتخاذ أنصاف الخطوات والارتهان لمنطق الحسابات الصغيرة وسراب المواقع التي قد تأتي وقد لا تأتي، حتى إذا أتت فإنها سرعان ما تتبخر».
وأكد العمراني أن «البام» لا سبيل لكي يكون «حزبا حقيقيا محترما نافعا للوطن ومُعَزِّزًا للمشهد الحزبي، ما لم يتخل النافذون فيه عن نهج التحكم في الأحزاب وفي الحياة السياسية والإعلامية والاقتصادية، وما لم يؤسس لديمقراطية داخلية حقيقية مبنية على المؤسسات وما لم يتقدم في السُّلَّم الانتخابي بمعيار الاستحقاق والكفاءة وليس بمنطق «المنشطات» والترغيب والترهيب، وما لم يكن شفافا في تدبيره المالي وما لم وما لم…، وإلا فإن بيننا وبينه الأيام».

خليدي: «لن تكون هناك مواجهة مستقبلا بين الإسلاميين والحداثيين»
قال محمد خليدي، الأمين العام لحزب النهضة والفضيلة، المصنف ضمن خانة الأحزاب الإسلامية بالمغرب، بخصوص رده على دعوة إلياس العماري، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، إلى مواجهة الإسلاميين، (قال) إن الحديث عن هذا الموضوع يقتضي التذكير بأن المغرب دولة إسلامية تسير وفق منهاج ومقتضيات الدين الإسلامي الطبيعي، غير المستورد.
ويرى خليدي أن التوغل أكثر في الموضوع، خصوصاً في هذه الفترة بالذات، يفرض أن نعلم أن هناك تشويشا على الإسلام، في عدد من الدول الغربية ودول الشرق، بالنظر إلى أن عدداً منها زاغت عن الإسلام الحقيقي، وحرفته، ما جعله يؤكد أن ذلك ما جعل حزب النهضة والفضيلة ينادي بتصحيح عدد من المفاهيم، وفقاً للمنهاج النبوي، فـ«الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسبق له أن كان مع العنف سواء اللفظي أو المادي، فقد تعامل مع جميع الأطياف، ومنهم اليهود مثلاً. والدليل على ذلك أن أول وثيقة دستورية كانت هي الصحيفة التي تم تداولها في المدينة، وحددت الحقوق والواجبات»، مشيراً إلى أنه «لما تكون بعض المشاكل مطروحة، يجب تصحيحها بناءً على طريقة سليمة في التعاطي مع الأمور، وهو الخط الأساسي الذي نسير عليه، أما ما يلفق للإسلام من تعنيف وإرهاب، وللأحزاب الإسلامية، فهو غير صحيح».
ولتجاوز كل هذه الخلافات، أكد خليدي أنه «يجب تكثيف اللقاءات، وتبادل الآراء والأفكار بخصوص نقط الاختلاف، لأن هذه الأفكار مطروحة منذ زمان»، مطالباً بـ«التصدي لأي محاولات لخلق الفتنة، من خلال الدعوة إلى فتح نقاش جاد ومسؤول، من أجل دفع أي لبس بهذا الشأن».
هذا وعن المستقبل السياسي بين الجهة التي يمثلها الإسلاميون ومن يعتقدون أنهم حداثيون، أكد خليدي أنه «لا يظن أنه ستكون هناك مواجهة مستقبلاً بين الطرفين»، موضحاً أن ما سيكون «سيتعلق فقط بمجرد ردود أفعال ستقابلها ردود أفعال، لكن لن تصل إلى حد الصراع، لأن الضمانة الأساسية التي نتوفر عليها، هي الدستور المغربي، ونعيش في بلاد إسلامية»، وهي المعطيات التي جعلته يستبعد دخول حزبه مع حزب الأصالة والمعاصرة في مواجهة سياسية، وجعله يؤكد أن «الجو السياسي المشحون الذي يعيشه المغرب الآن، يفرض دخول العلماء والمجالس العلمية المحلية على الخط»، في الوقت الذي أكد أن «إلياس العماري، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، له الحق في قول ما يشاء، وذلك يدخل في إطار المزايدات السياسية ليس إلا».

4 أسئلة إلى محمد زين الدين : «العدالة والتنمية يتغذى انتخابيا من صراعه مع الأصالة والمعاصرة»
هل يمكن الحديث عن صراع حد التقاطب بين حزبي الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية؟
أعتقد أن المسألة ليست بالجديدة في العلاقة بين حزبي الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية على اعتبار أن «البام» خلق منذ البداية لمواجهة الإسلاميين، ويمكن العودة إلى تصريحات مؤسسة الحزب ولو على قلتها، فقد قال إنه جاء من أجل مواجهة الإسلاميين وليس مواجهة الإسلام، وبالتالي فالمشروع هو أصلا أنه خلق لمواجهة فصيل من الإسلاميين الذين يعتبرهم يشكلون خطرا على المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي الذي اختاره المغرب. وهذا الأمر يظهر حتى في أدبيات حزب الأصالة والمعاصرة والتي ترتكز بشكل كبير جدا على ما يعتبره جوهره، والذي يتمثل في المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي. ومن هذا المنطلق فأساسية المواجهة بين «البام» و«البيجيدي» هو ذلك الاختلاف في أدبيات الحزب بينهما، خصوصا إذا علمنا أن العدالة والتنمية تغذى على وجود الأصالة والمعاصرة، حيث قوى تواجده في الشارع من خلال استغلال بعض المحطات التي كان فيها حزب الأصالة والمعاصرة أو بعض قيادييه مستهدفين من قبيل احتجاجات «20 فبراير» وبعض المواقف التي تبناها قياديو «البام».

هل يمكن أن يتحول الأمر إلى ثنائية حزبية؟
إن الذي يحصل اليوم هو أن هناك متغيرات كثيرة جرت تحت الحقل السياسي المغربي، وخصوصا نتائج الاستحقاقات الجماعية والجهوية الأخيرة، والتي دفعت إلى ظهور نوع جديد من الاصطفافات على مستوى الحقل السياسي المغربي، والتي من أهمها تراجع حزب الاستقلال الذي بدا متذبذبا. ويظهر أن الصورة غير واضحة لدى قيادة الحزب الذي لم يختر بعد بشكل ثابت موقعه من الخريطة السياسة بين المساندة النقدية والمعارضة والتحالف. وأيضا هناك مؤشرات غير محسومة بخصوص هذه الاصطفافات، من قبيل السعي نحو إحياء الكتلة بإدخال «البيجيدي»، وهو ما عبر عنه بنكيران في عدد من التصريحات التي قال فيها إنه يريد «الاتحاد الاشتراكي ليسخن لي كتافي» أو كما قال في تصريحات سابقة، وإن كان وزن الحزب غير ما كان عليه في السابق كما يظهر التقارب بين الأصالة والمعاصرة الذي قال أمينه العام إنه يتموقع في وسط اليسار وأحزاب الإشتراكي الموحد والفيدرالية على العموم، في الوقت الذي تبقى أحزاب ذات استقطاب انتخابي للأعيان، وهي التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية في موقع الانتظارية لما يجري داخل الحقل السياسي الذي يتحرك بسرعة كبيرة جدا تغذيها أجندات الاستحقاقات التشريعية القادمة.

هل يحول تولي إلياس العماري قيادة الأصالة والمعاصرة الصراع مع «البيجيدي» إلى صراع شخصي بين الأمينين العامين؟
إن الصراعات التي تعتري الحقل السياسي المغربي اليوم هي صراعات مشخصنة، ولم يعد هناك مجال للحديث عن برامج أو إيديولوجيات، بل هناك شخصنة للصراع، وهو الأمر الذي برز بشكل كبير منذ وصول عبد الإله بنكيران زعيما لحزب العدالة والتنمية، وهو الأمر الذي تتغذى منه الأحزاب، حيث بدا الأمر بين بنكيران وحميد شباط وهو الأمر الذي يتكرر الآن بين بنكيران والعماري، رغم كون الرجل الثاني عبر في تصريحات مختلفة عن رغبته في عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع بنكيران، حيث إنه يركز على كونه سيتعامل معه كرئيس مؤسسة ولن يدخل معه في الصراع الشخصي كي لا يمنحه ورقة رابحة، علما أن بنكيران يوظف جانب الشخصنة بشكل كبير وينجح فيه. ولا أعتقد أن إلياس العماري سيسير في هذا الاتجاه، لمجموعة من الأسباب حولت الساحة السياسية إلى ساحة الصراع الشخصي بدل صراع البرامج. ولعل النقطة التي تثير الانتباه بشكل واضح هنا في الصراع بين الحزبين، هو خروج إلياس العماري للعلن في مواجهة مباشرة مع عبد الإله بنكيران، وإن كان الرجل نائبا للأمين العام السابق للحزب، ويدير عمليات ومواقف الحزب، فانتخابه أمينا عاما يجعله في المواجهة التي سيتحمل بشكل واضح نتائجها إيجابية كانت أو سلبية.

ما هي التوقعات حول هذا الصراع بعد الانتخابات التشريعية المقبلة؟
لا يجب البحث عن التحالفات التي تسبق الاستحقاقات التشريعة في أواخر السنة الحالية، بل يجب العلم أن التقاطب الحاصل بين حزب العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة هو تقاطب مصطنع، لأنه لا توجد الشروط لا الذاتية ولا الموضوعية لحصول الثنائية الحزبية في المغرب، وإن كانت الانتخابات ستدفع إلى اصطفافات لدى الطرفين إلى الجانبين في اتجاه الحزبين، لأن نمط الاقتراع لا يمنح هذه الإمكانية بل يمنح نوعا من البلقنة في المشهد الحزبي، إضافة إلى التقطيع الانتخابي الذي لا يساعد على نشأة التقاطب الثنائي، فضلا عن عدم الاستمرارية في المواقف السياسية للأحزاب المغربية، وهي المواقف التي تتغير بين عشية وضحاها على اعتبار أن الأحزاب المغربية ليست أحزابا إيديولوجية بل هي خليط بين أحزاب الرأي والأحزاب الإيديولوجية، وفي أي لحظة يمكن أن تنقلب أحزاب الحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار على العدالة والتنمية وتصطف إلى جانب الأصالة والمعاصرة، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ماذا سيترتب عن انتخابات 2016، خصوصا إذا تابعنا خلاصات الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة، والتي كانت نتائجها مختلفة عما أفرزته التحالفات في ما بعد، وهو السيناريو الذي يقع أيضا في الانتخابات التشريعية المقبلة، سيما إذا كانت برامج «البام» و«البيجيدي» متقاربة فسيكون الغريمان ملزمين بالدخول في تحالفات بينهما، وهو الأمر الأقرب إلى التوقعات.

3 أسئلة : إلى امحمد لقماني : «حزب الأصالة والمعاصرة لم يأت لمواجهة أحد لأنه ليس حزبا صداميا»
• أعلن إلياس العماري، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، أن الحزب سيعمل على مواجهة الإسلاميين، من يقصد بكلامه بالضبط؟
حزب الأصالة والمعاصرة لم يأت لمواجهة أحد لأنه ليس حزبا صداميا، بل أداة بناء. ويشترك في هذا الهدف مع جميع القوى التي يهمها دمقرطة المغرب وتنمية قدراته وكرامة شعبه، وليس لنا أبدا خط أحمر مع أي حزب طالما أنه يدين بالولاء للوطن.
أراد حزب الاصالة والمعاصرة، من خلال نتائج مؤتمره الثالث، أن يوجه رسائل واضحة إلى الفاعلين في المجال السياسي الوطني، وهي أن على الجميع أن يتحمل مسؤولياته التاريخية في الاصطفاف والتكتل لحماية المكتسبات الديمقراطية وتمتين البناء المؤسساتي للدولة ضمن نموذج مغربي أصيل يبدعه رجاله ونساؤه. وهذا التحدي يفرض علينا إزالة جميع الألغام في الطريق والتصدي لجميع المخاطر، أبرزها زحف موجات الفكر الديني المتخلف القادم من الخارج ومن حملته في الداخل. فهؤلاء يتحينون الفرصة لإثارة بذور الفتنة والانقسام، وعلينا أن نحمي وحدتنا الوطنية.

• هل يشكل الإسلاميون بالنسبة إليكم في الحزب، خطرا على الوحدة الترابية؟
بالنسبة إلينا فالرابطة الوحيدة الممكنة بين أبناء الوطن الواحد هي رابطة المواطنة، بما تعنيه من وحدة الانتماء للوطن والولاء للدولة ككيان سيادي جامع. لذلك نرفض أي تجنيد إيديولوجي أو ديني للدولة يعبث بثوابت البلاد ويفرض الوصاية على المجتمع باسم التفسير الماضوي للدين. فإسلامنا هو ذاك الذي جبل عليه المغاربة منذ قرون وتعايشوا في ظله بسلام. فالمفارقة العجيبة والخطيرة في الوقت نفسه هي خشيتنا أن نجد أنفسنا أمام واجب حماية المسلمين في بلد مسلم، بعدما كان المغرب يضرب به المثل في حماية الأقليات الدينية الأخرى.
لذلك نتوجه إلى جميع الديمقراطيين الحقيقيين على اختلاف مواقعهم، إلى حسم ترددهم وإعلان تموقعهم التاريخي وليس الانتخابي، عبر مواقف واضحة من مختلف المخاطر التي تهدد استقرار بلادنا وأمن شعبها.

• هل نفهم من هذا أنها دعوة من الأصالة والمعاصرة إلى القوى الديمقراطية لتشكيل قطب حداثي لمواجهة القوى المحافظة؟
نعتبر أن جميع القوى والأحزاب السياسية شريكة في البناء الديمقراطي. والدستور الجديد، بما هو تعاقد تاريخي، جسد هذا الحس التوافقي وهذه الرغبة الجماعية في تجاوز منطقة التوترات بدون تصدع الكيان الجامع، مع الحرص على وضع أسس البناء المستقبلي.
غير أن تعطيل الدستور لأكثر من أربع سنوات، كشف عن نيات مبيتة للقوى المحافظة في فرملة إرادة استكمال حلقات الانتقال الديمقراطي. وستكون لذلك كلفة باهظة في حال تجاوزتنا الأحداث، والحال أن عدوى الحروب والفتن الطائفية والحروب الأهلية قد تطرق باب بلادنا في أية لحظة، إذا لم نبادر إلى تقوية جبهتنا الداخلية وامتلاك حس استشرافي يقينا من الانعكاسات الخطيرة لأي تخاذل تاريخي في عالم لا مكان فيه للمتخاذلين.
وإذا أضفنا إلى هذه المخاطر مختلف أشكال التوترات الاجتماعية الداخلية الناتجة عن تراجع الدولة الاجتماعية، وضرب الديمقراطية التشاركية عرض الحائط، وتفقير الطبقة الوسطى وارتهان اقتصاد البلاد للدائنين من المؤسسات المالية الدولية،  وعدم الانتباه إلى مختلف التقارير الدولية التي تضعنا في أدنى سلم الترتيب في التنمية الاقتصادية والمالية والاجتماعية، يمكن القول إن كل الأسباب باتت مجتمعة لانفجار اجتماعي ستكون نتائجه كارثية.
ومع ذلك أقول إن الشعب المغربي عادة ما يكون في الموعد، ولا يتردد في الضرب على الطاولة في حال لاحظ تخاذل نخبه السياسية في القيام بمسؤولياتها. ولا يتعلق الأمر فقط بالمحاسبة أثناء اللحظات الانتخابية، بل حتى خارج هذه المواعد. فالتحولات البنيوية التي يعيشها المغرب أفرزت فاعلين جددا يؤثرون بشكل قوي في صناعة القرار السياسي بالبلاد. نحن، إذن، في حاجة إلى مخطط «ماريشال» يعيد ترتيب أوراقنا الداخلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى