الرئيسية

الفوائد التربوية للصور والرسومات التوضيحية في عملية التعليم

تساعد على جذب انتباه المتعلمين وتقرب المحتوى إلى وجدانهم وتشكل دعما حسيا للكلام المجرد

المصطفى الحسناوي
تشير نتائج العديد من الدراسات والبحوث التي أجريت في المجال التربوي، إلى أهمية الصور بأنواعها في عملية التعليم، والتي يمكن إجمالها في كون الصورة تجذب انتباه المتعلم وتثير اهتمامه، وتوفر عامل التشويق. وهذه الخصائص من أهم العوامل التي تؤدي إلى التعلم، ويمكن أن نلاحظ ذلك في انشغال الطالب بتصفح الكتب المصورة واقتناء الصور. فالصورة تساعد المتعلم على تفسير وتذكر المعلومات المكتوبة التي تصحبها. كما تعمل على تجسيد المعاني والخبرات اللفظية، بحيث يمكن أن يدركها المتعلم بسهولة.
1- الصورة في المجال التعليمي
الصورة وسيلة تعليمية مساعدة، ووسيط يتم من خلاله تحقيق وظيفة تعليمية معينة، كالعرض والوصف والشرح والتحليل، والبرهنة والتركيب والتقويم، وهي من أهم الدعامات الديداكتيكية التي تضفي طابع الواقعية على الدرس، وتدفع المتعلمين إلى تركيز الملاحظة لإنجاز مهارات عقلية متنوعة ومختلفة.
2- أنواع الصور
تتوفر الصورة على صنفين من الخصائص: خاصيات طبيعية ناتجة عن نوعية تركيبها المادي ومصدرها، إذ قد تكون إما صورة فوتوغرافية ناتجة عن تغييرات كيمياوية بفعل إسقاطات الضوء على أفلام خاصة، أو صورة «Peinture» ناتجة عن ريشة فنان بطلاء يضع بعضه بالقرب من بعض كشكل من أشكال التعبير الفني، وفي هذه الحالة يجب تمييزها عن الرسم «Dessin» المنجز بالأقلام والمداد.
وخاصيات دلالية ناتجة عن محتواها الذي يعطي لمشاهد الصورة معنى أو معاني متعددة: (بلاغة الصورة).
والصورة كوسيط إخباري تصلح لنقل جملة من المعارف أو الأحاسيس أو حتى الحكايات. كما هو الأمر في الأشرطة المصورة، وهي كوسيط تربوي تعد بامتياز أداة لتجسيد واقع أو أحداث أو حتى تأويل خاص، وجعله مدركا بواسطة العين. فالعين والسمع والعقل والفؤاد، تُمَكِّن الإنسان من التوظيف الأمثل لمؤهلاته.
الصورة أنواع متعددة منها:
الثابتة: فوتوغرافية أرضية، أو جوية أو بواسطة الأقمار الاصطناعية.
المتحركة: الأفلام التعليمية، أشرطة الفيديو، وقد تكون مقرونة بالصوت.
تتكون الصورة من جانبين:
الجانب التقني / الجمالي: نوعية اللقطة، المستويات المكونة للصورة، حجمها، زاوية التقاطها، الألوان، الإضاءة.
مضمون الصورة: يعكس المشهد الملتقط، الذي يتكون من عناصر مختلفة تبعا لنوعية وطبيعة الصورة: مشهد طبيعي، تجمع سكني، نشاط اقتصادي: فلاحي، صناعي، تجاري…
3- الأهمية الديداكتيكية لاستعمال الصورة
إذا كانت الصورة رسالة بصرية لها قدرة على نقل خطاب تعليمي معين، لتحقيق أهداف محددة لدى المتعلم(ة)، أو عن تمثيل مرئي للأحداث والظواهر التي يسهل إدراكها واكتشاف العلاقات الموجودة بين عناصرها..، فإن البحوث التي أجريت في هذا المجال تؤكد على أهمية الصورة والرسومات التوضيحية في عملية التعليم:
فهي تساعد على جذب انتباه المتعلمين، وتشكل دعما حسيا للكلام المجرد.
تساعد المتعلمين على تفسير وتذكر المعلومات المكتوبة التي ترافق الصور، وتجعل التعلم أكثر فاعلية وأقل رتابة. تزداد أهميتها كلما كانت وثيقة الصلة باهتمام المتعلم وميوله. وتنمي مهارة القراءة البصرية لدى المتعلم. وترسخ بعض القيم الإيجابية في عقل ووجدان المتعلم. وتساعد على تنويع طرق التعليم ووسائله، وتبعد المتعلمين عن الملل والضجر الذي يتسرب إلى نفوسهم نتيجة التلقين السلبي، كما تساهم في جَذْب اهتمامهم وتزيد من نِسْبَة إقبال التلاميذ على التعلم (التعلم الفعَّال).
ومن أهم مميزات الصورة، يمكن ذكر مايلي:
تحمل أخبارا متعددة على عكس الإرسالية اللفظية.
متعددة الدلالات: خلق بلبلة فكرية لدى التلميذ. لها قيمة انفعالية عالية التأثير: أي تكون أكثر تأثيرا من أية بلاغة لسنية. لها قيمة تحفيزية على عكس العلامات اللفظية. تنمي لدى المتعلم(ة) القدرة على الملاحظة والوصف والتفسير بإيجاد العلاقة بين مكونات الصورة، والقدرة على التعبير وذلك بتحويل معطيات الصورة إلى عبارات مكتوبة.
4- شروط وضوابط توظيف واستثمار الصورة في التدريس
الشروط البيداغوجية لتوظيف الصورة في التدريس:
إن توظيف الصورة يجب أن يتم في إطار شمولي نسقي يراعي ويتماشى مع خصوصيات نهج المادة، المُدَرَّسة ووفق الشروط البيداغوجية التالية:
+ أن تكون الصورة بسيطة في محتواها وتركيبها، بحيث تسهل على المتعلم(ة) قراءتها وتحليلها.
– أن تتميز بالصدق في التعبير عن الواقع.
– أن تتمحور حول فكرة أساسية لتحقيق الفائدة من توظيفها.
– أن تقترن الصورة بنص «موضوع» الدرس: عدم الفصل بين الصورة والنص المكتوب.
– أن تستثمر الصورة ضمن مشروع بيداغوجي منظم.
– أن يكون إنتاجها من الناحية الفنية جيدا.
– أن تكون في مستوى الفئة المستهدفة.
– إعداد منهجية توظيفها قبليا (التحضير القبلي) تجنبا لكل طارئ، وذلك بإعداد الأسئلة المناسبة لاستغلالها، مع مراعاة الإيجاز والبساطة والوضوح.
– اختيار الظرف البيداغوجي المناسب لإدراجها.
– آليات قراءة واستثمار الصورة أثناء بناء الدرس:
وبحكم ما تقوم به الصور من نقل للواقع إلى الفصل الدراسي، وما تختزنه من معارف ودلالات حول هذا الواقع وتجسيدها لكل ذلك بصريا، فقد شكلت إحدى الدعامات الموظفة بشكل كبير في الأنشطة التعليمية، خاصة منها أنشطة مادة الجغرافيا التي توظف فيها الصور عبر مختلف مراحل النهج الجغرافي: (الوصف، التفسير والتعميم)، بينما ظل استخدامها منحصرا في بعض الخطوات المنهجية لأنشطة مادتي التاريخ والتربية على المواطنة. ومهما تنوعت توظيفات الصور، فإنه من المفيد الوقوف عند بعض العناصر الأساس المتعلقة بقراءة الصور واستثمارها في جميع المواد الدراسية، وليس في الدراسات الاجتماعية فحسب، والتي يمكن إيجازها في ما يلي:
أولا تقنية توجيه ملاحظة الصورة. وهي تقنية تستند على طبيعة الرؤيا البشرية للواقع والتي تتحكم فيها آليات الدماغ في التقاط صور الواقع وإدراكه. فعندما يمر الضوء من قرنية العين إلى الجهاز العصبي ثم الدماغ، يقوم هذا الأخير بترجمة صورة الواقع المدرك بالشكل الذي يجعلنا نرى هذا الواقع بنظام تتوالى فيه الأشياء وتتغير أحجامها حسب قربها أو بعدها عنا، حيث إن الأشياء القريبة تَبْدو أكبر من الأشياء البعيدة، وللتأكد من صحة هذه الظاهرة المعروفة بوهم «PONZO»، فإنه إذا ما أخذنا صورة يظهر فيها ما يسمى «خط الأفق» في عمق مشهدها، ووضعنا شريطين أحدهما على مقدمة مشهد الصورة والآخر قريبا من عمق مشهد الصورة، فإن الشريط الموضوع في عمق مشهد الصورة يتبدى لنا أطول من الشريط الموضوع في مقدمة مشهد الصورة.
وهكذا يمكن اتخاذ هذه الشبكة كإطار لتوجيه الملاحظة، بحيث تأخذ الأسئلة الموجهة للمتعلمين بعين الاعتبار التقسيمات الواردة فيها، مثل: بماذا يختلف عمق الصورة في جزئه الأيمن عن الأيسر؟ أو ما هي الأشياء التي توجد في الجزء الأيمن من مقدمة مشهد الصورة ولا توجد في باقي أجزائها؟
ثانيا: بعض الخطوات الديداكتيكية المرتبطة بتنمية مهارة قراءة الصورة واستثمارها، والتي يمكن إيجاز أهمها في ما يلي: قراءة عنوان الصورة الذي يحدد في غالب الحالات مكان الصورة، والعمل على تَوْطين مكانها على الخريطة.
تحديد نوعية الصورة: جوية، مأخوذة من مستوى سطح الأرض، ذات أفق واسع، محددة الأفق. واستقراء عنوان الصورة إن كان يقدم بعض الإشارات حول محتواها. ومشاهدة أولية حرة للصورة من طرف المتعلمين واستطلاع زوايا رؤى كل منهم. والتحليل المنظم لمعطيات الصورة والبحث عن نوع المشاهد التي يقدمها، ودور الإنسان فيها، وتعيين مختلف مستوياتها. ويتم استنطاق محتوى الصورة بواسطة أسئلة مستمدة من السؤال الأصلي المرفق بها عبر أنشطة التعلم، والذي يبقى بمثابة الموجه الأساسي للملاحظة والوصف والتحليل.
تركيب مختلف عناصر الصورة وربطها بالسؤال الموجه للخروج بالإجابة المطلوبة.
5- تقنيات استخدام الصورة خلال الممارسة الصفية
لاستثمار الصورة في تدريس جُل المواد يجب التركيز على الجوانب التالية:
– وضع اللوحة/الصورة في السياق التاريخي، وذلك من خلال تحديد الموضوع، والتاريخ والأحداث المواكبة لموضوع الصورة.
– وصف مشاهد اللوحة: المكان والأشخاص، أي كل ما توحي به من تعبيرات.
– تمييز مختلف المشاهد التي توحي بها الصورة: الأمامية ثم الخلفية. إلا أنه يجب التأكد من صدق الصورة هل هي واقعية أو مركبة.
وفي التفسير تمكن الاستعانة بوثائق أخرى داعمة، يستعين الأستاذ(ة) بخبراته الفردية في التعامل مع الصورة، لوصف رموزها وتوضيح دلالتها أحيانا: (ألوان ورموز الأعلام الوطنية – شارات الجمعيات والمنظمات الدولية والوطنية – رموز الأحزاب السياسية – الرموز التراثية والحضارية والقانونية – الرموز والأدوات «الميزان مثلا…»)، فهذه الرموز والصور لها تاريخ خاص بها قد يكون مفعما بالمعنى الأسطوري والتاريخي، لكن تبسيطه للمتعلم فيه فائدة تربوية تتمثل في تقريبه إلى فكره ووجدانه بدون تدخل إيديولوجي.
(*) ممارس تربوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى