الرئيسية

القانون الجديد للتعليم يلزم الحكومة بإصدار 14 نصا تنظيميا لتفعيل الإصلاح

هل سيؤثر الاستعجال على جودة النصوص التنظيمية الخاصة بالقانون الإطار؟

المصطفى مورادي

تنص المادة 59 من القانون الإطار للتعليم على أن الحكومة مجبرة على إصدار العديد من النصوص التنظيمية التي بدونها لا يمكن تفعيل ما تضمنه هذا القانون. ويبلغ عدد هذه النصوص 14 نصا تشريعيا، تتراوح بين مرسوم وقانون تنظيمي. وهو مجهود تشريعي كبير حدد القانون الإطار أجل ثلاث سنوات منذ لحظة نشره في الجريدة الرسمية، وهو ما يعني أن حكومة العثماني مجبرة على إصدار هذه النصوص قبيل نهاية ولايتها. هذا التحدي يطرح معضلة أمام الحكومة عموما ووزارة التربية الوطنية خصوصا، يتمثل في ضمان جودة هذه النصوص القانونية، سيما وأن بعض هذه النصوص لا تقوم بنسخ نصوص سابقة تمكن الاستفادة من تجربة تشريعها وتطبيقها، بل نصوص قانونية جديدة تماما، خاصة تلك المتعلقة بملفات جديدة اختارت الرؤية الاستراتيجية تبنيها، على غرار التناوب اللغوي، الذي ينتظر أن تصدر بصدده الحكومة نصا تنظيميا يلزم الحكومات المقبلة بتبني التعريف الوارد في القانون الإطار بخصوص هذا المفهوم. وضمن أولى هذه النصوص التي أصدرتها الحكومة قبل أيام، مرسوم بتحديد تأليف اللجنة الوطنية لتتبع ومواكبة الإصلاح.
إصدار أول نص تشريعي للتطبيق
أعلنت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، أنها شرعت فعليا في تنزيل مقتضيات القانون الإطار رقم 17- 51 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، بعد صدور الظهير الشريف رقم 1.19.113 مؤرخ في 7 ذي الحجة 1440 الموافق لـ9 غشت 2019. وتعد أول لبنة في هذا التفعيل مصادقة مجلس الحكومة، الخميس 3 أكتوبر الجاري، على مشروع مرسوم رقم 2.19.795 بتحديد تأليف اللجنة الوطنية لتتبع ومواكبة إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي وتنظيمها وكيفيات سيرها.
ويأتي مشروع المرسوم في سياق تفعيل أحكام المادة 57 من القانون الإطار رقم 17-51 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، والتي تنص على إحداث لجنة وطنية تتولى تتبع ومواكبة إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، (مع الإحالة على نص تنظيمي لتحديد تأليف هذه اللجنة وتنظيمها وكيفية سيرها). وبمقتضى مشروع المرسوم، فإن رئاسة اللجنة الوطنية تعهد إلى رئيس الحكومة، وتركيبتها تتألف من السلطات الحكومية المكلفة بقطاعات كل من حقوق الإنسان، الداخلية، الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، الأوقاف والشؤون الإسلامية، ، الأمانة العامة للحكومة، الاقتصاد والمالية، الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، إعداد التراب الوطني، التعمير والإسكان وسياسة المدينة، التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي، التجهيز والنقل واللوجستيك والماء، الصحة، السياحة والنقل الجوي والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي، والشباب والرياضة، الثقافة والاتصال، الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، الشغل والإدماج المهني، إدارة الدفاع الوطني، العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية. كما تتضمن تركيبتها المندوب السامي للتخطيط والأمين العام للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، والأمين العام للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ورئيس جمعية رؤساء جهات المغرب. وتتولى هذه اللجنة تتبع ومواكبة إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وتضطلع بمهام حصر مجموع الإجراءات والتدابير اللازم اتحاذها لتطبيق القانون – الإطار، ومواكبة وتتبع إعداد مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية التي يحيل عليها، وتلك التي يستلزمها التطبيق الكامل لمقتضياته، وكذا اقتراح كل تدبير من شأنه ضمان التقائية السياسات والبرامج القطاعية في مجال التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، ودراسة مطابقتها للاختيارات الاستراتيجية لإصلاح المنظومة، فضلا عن تتبع تنفيذ الأهداف المحددة في القانون- الإطار داخل الآجال القانونية المحددة لها.
وتسند مهام الكتابة الدائمة لهذه اللجنة إلى وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي التي تتحدد في التحضير لاجتماعاتها، التي تعقد كل ثلاثة أشهر على الأقل وكلما دعت الضرورة إلى ذلك بدعوة من رئيسها، وكذا في إعداد محاضر هذه الاجتماعات ومشاريع الاقتراحات المزمع عرضها، بتنسيق مع أعضاء اللجنة، واقتراح جدول أعمالها على رئيسها. كما تسهر على حسن سير أشغال اللجنة ولجانها المتخصصة وتتبع تنفيذ القرارات والتوصيات الصادرة عنها، إلى جانب مسك وضبط وحفظ ملفاتها وتقاريرها ومستنداتها ومحفوظاتها وإعداد تقرير سنوي يتضمن حصيلة أنشطتها.
وللإشارة، وفي إطار أجرأة أحكام القانون- الإطار سالف الذكر، أعدت الوزارة مشروع مخطط تشريعي وتنظيمي، يتضمن لائحة مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية والوثائق المرجعية التطبيقية لهذا القانون، والتي تهم جميع مكونات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، والذي سيتم عرضه على أنظار أعضاء المجلس الحكومي في أقرب الآجال، وكذا على اللجنة الوطنية لتتبع ومواكبة إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي.
مخاطر الاستعجال قائمة
تنص العديد من مواد القانون الإطار على وضع نصوص قانونية لضمان التطبيق الأمثل لها، وهذه المواد هي: 13 و 14 و 16 و 17 و 18 و 20 و 26 و 29 و31 و35 و37 و41 و 56 و 57. الأمر الذي يعني أن وضع هذه القوانين يتطلب من جهة الاستعجال ومن جهة أخرى الجودة على المستوى التشريعي، خصوصا وأنها ستكون مرجعا لسنوات طويلة..، حيث سيحتل التشريع مكانة محورية في مجهودات إصلاح التعليم. فالتشريع في مجال السلطة التنظيمية يتطلب نوعا من السرعة في سن ونفاذ قواعده على المستوى التشريعي، نظرا لارتباطه بالتنظيم والنشاط الإداري للقطاعات المعنية بالتربية والتكوين والتي تتجاوز 18 قطاعا حكوميا.
وحسب خبراء في التشريع، فهناك عوامل تعزز من جودة الصياغة القانونية وتجعلها داعمة للحكم الجيد، أهمها: ديموقراطية الصنع، حيث إن الصياغة التشريعية الجيدة هي التي لا تأتي مبتورة، أو غير واضحة، بل تكون مؤدية للغرض الذي جاءت له، ومعبرة عن الواقع الاجتماعي. لهذا فإن الصياغة الجيدة تميل إلى الاستقرار، أما الصياغة الرديئة فلا تتسم بهذا الاستقرار. وحسب خبراء التشريع دوما، فاستقرار التشريعات يتأتى عندما تكون الصياغة القانونية متفقة مع الأفكار والتصورات والأغراض التي سعت القاعدة القانونية إلى تحقيقها، وأن تتسم بالوضوح والقابلية للفهم من المخاطبين بأحكامها، ولا تثير المشاكل عند التطبيق..، أي أن الصياغة المستقرة يفهمها الأمي والعالم، أو أي فئات اجتماعية متباينة في مهارتها العلمية أو اللغوية أو الثقافية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.
وعلى نقيض ذلك، تكون الصياغة غير المستقرة. فهي في الغالب لا تعبر عن فكر الجماعة وإنما تمثل رأيا محددا دون التعبير عن رأي المجموع. فالفكرة القانونية إذا كان مصدرها الجماعة فإنها تساعد على تطوير المجتمع، خاصة إذا كان المجتمع ديموقراطيا، أما في النظم الشمولية والسلطوية، فإن القاعدة القانونية يعبر عنها الحاكم أو قد تكون انعكاسا لفكرة السلطة الأعلى، وعلى المجتمع أن يرضخ لها حتى وإن جاءت غير متفقة مع إرادته.
وحسب خبراء القانون، فإنه من المهم أن يكون القانون مصوغا بلغة بسيطة قريبة ومألوفة من لغة تخاطب الرجل العادي، غير المتخصص في القانون. لهذا، من الأولى بالمشرع والصائغ توضيح فكرة التشريع والتعبير عنها بأبسط الطرق، بما يمكن المواطن من متابعة مدى احترام سيادة وحكم القانون، ومن مراقبة أداء الدولة، تشريعا وليس فقط تطبيقا. فالتشريع الجيد له قدرة تنافسية في مواجهة العالم المعاصر، الأمر الذي يتطلب القيام بدراسة وافية ولفترة كافية له، وعند نظر مشروع قانون ما فلا ضرر من عمل دراسة مقارنة مع القوانين المحيطة بنا، للتعرف على التطور التشريعي الحادث في العالم (والذي يفرض نفسه على الجميع، بطريقة أو بأخرى)، لا سيما إذا كانت لموضوع التشريع المقترح جذور أو امتدادات في اتفاقيات دولية. فالصياغة الجيدة ليست تلك التي تبدو بسيطة ومنطقية فقط، وإنما هي تلك التي تساعد على إنزال أحكام التشريع بعدالة وموضوعية. فهل تربح الحكومة هذا التحدي؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى