الرئيسيةالملف السياسي

القوانين المعلقة.. البرلمان يتحول إلى مقبرة لقوانين تهم ملايين المغاربة

إعداد: محمد اليوبي
مع اقتراب نهاية السنة التشريعية، يواجه كل من البرلمان والحكومة تحدي إخراج مشاريع ومقترحات القوانين المعروضة على اللجان البرلمانية الدائمة، خاصة أن هناك بطءا في الإنتاج التشريعي للحكومة الحالية والبرلمان، حيث مازالت هذه القوانين ذات الأهمية محتجزة داخل اللجان البرلمانية منذ سنوات، ويتعلق الأمر بالقانون التنظيمي للأمازيغية والقانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للغات والثقافة والقانون التنظيمي للإضراب وقانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين، أما القانون التنظيمي للنقابات مازالت الحكومة لم تفرج عنه.

هناك إجماع، من طرف أغلب الفرق البرلمانية، على «هزالة» الحصيلة التشريعية للبرلمان بغرفتيه، خلال الولاية التشريعية الحالية والتي مر من عمرها ثلاث سنوات، وذلك مقارنة مع العدد الكبير من القوانين التي تنتظر العديد من مكونات الشعب المغربي، إخراجها إلى الوجود لتفعيل الدستور الجديد، ورغم أن فرق الأغلبية الحكومية تبرر ضعف الأداء التشريعي للبرلمان بهيمنة الحكومة على العمل التشريعي فهذا لا يبرر أداء الفرق البرلمانية في أخذ المبادرة التشريعية وفق الصلاحيات التي خولها لها الدستور الجديد.
ومنح الدستور الجديد للبرلمان عدة صلاحيات في مجال الرقابة على العمل الحكومي، كما تم منح المعارضة بالبرلمان وضعية متميزة وحقوق متعددة.
ويبقى الهدف الأساسي من ذلك هو النهوض بالعمل البرلماني والرفع من جودة القوانين والسياسات العمومية، التي يتولى البرلمان تشريعها ورد الاعتبار للبرلمان كمؤسسة دستورية لازمة لتحقيق الديمقراطية التمثيلية الحقة وليس الشكلية، كما نص الدستور على تنظيم العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

من يتحكم في آلة التشريع؟
تكون مسطرة التشريع داخل البرلمان إما بمبادرة الفرق البرلمانية أو من الحكومة وحق المبادرة البرلمانية يكون من طرف عضو أو عدة أعضاء من الفرق البرلمانية الذين يتقدمون بمقترحات القوانين، أما الحكومة فتقدم مشاريع القوانين وتعرضها للمصادقة على المجلس الحكومي، قبل عرضها على البرلمان، بحيث تحظى بالأولوية أثناء إدراجها في جدول أعمال اللجان الدائمة المختصة، وهناك العديد من الإكراهات التي تقيد حرية البرلمانيين في التشريع، وهي إكراهات تكون إما بحكم القانون نفسه أو بحكم الواقع، وتكون للحكومة الحق في أن تدفع برفض كل مقترح أو مبادرة تعديل قانون تؤدي إلى خلق اختلال بميزانية الدولة أو الرفع من التكاليف أو تمس بالموارد المالية.
وحمل الحبيب المالكي، رئيس مجلس النواب، المسؤولية للحكومة بخصوص عدم تعاملها مع المبادرات التشريعية للبرلمانيين، وذلك بعدما كشفت حصيلة المجلس عن هيمنة الحكومة على الإنتاج التشريعي، وأكد المالكي في كلمة خلال جلسة اختتام الدورة الأولى من السنة التشريعية الحالية أن المجلس صادق خلال هذه الدورة على 44 مشروع قانون، وسلط المالكي الضوء على حصيلة المبادرة التشريعية للنواب، متمثلة في مقترحات القوانين، وفي التعديلات التي تقدموا بها على مشاريع القوانين التي صادق عليها المجلس، مسجلا تواضع نسبة ما تم التجاوب معه من مقترحات من جانب الحكومة، إذ لم تتجاوز المقترحات المصادق عليها 7.75 في المائة، أي تسع مقترحات من مجموع 116 مقترحا تقدم بها أعضاء المجلس منذ بداية
الولاية.
وأقرت مصادر برلمانية، بوجود الأيادي الخفية التي تتحكم في الآلة التشريعية داخل غرفتي البرلمان، وتتدخل هذه الأيادي في حل وجود مس بمصالح رجال الأعمال، حيث تتوفر «اللوبيات» الاقتصادية على كل الإمكانيات والآليات والوسائل لعرقلة كل مبادرة يمكن أن تؤثر على مصالحها، كما أن اللوبيات داخل المغرب تتحرك على شكل جمعيات مهنية أو نقابات، وهي مجموعات لا تجمع أصحابها أي علاقة أو ارتباطات إيديولوجية بقدر ما تجمعهم المصلحة في لحظة معينة، ولذلك توحدهم المصلحة من أجل الضغط، ويستعملون كافة وسائل الضغط، بما فيها استمالة البرلمانيين من أجل إدخال التعديلات التي يقترحونها، ويمكن أن توحدهم المصلحة رغم اختلافاتهم الحزبية والسياسية.

قوانين محتجزة
حسب أجندة اللجان البرلمانية، هناك حاليا 157 مشروع نص قانوني معروض على اللجان دون إخضاع هذه القوانين للمناقشة والدراسة، ما جعل بعضها يدخل طي النسيان بعدما تم تجميدها فوق الرفوف، بينها مشاريع قوانين عرضتها الحكومة على البرلمان بعد المصادقة عليها داخل المجلس الحكومي، ومقترحات قوانين قدمتها مختلف الفرق البرلمانية، بالإضافة إلى النصوص المتبقية من الولاية السابقة، والتي يتجاوز عددها حوالي 200 مشروع ومقترح قانون، منها قوانين مرت عليها أزيد من سبع سنوات. وأمام غزارة هذه القوانين، سيكون مكتب المجلس واللجان البرلمانية الدائمة أمام تحد كبير، يتعلق بإخراج هذه القوانين من «ثلاجة» التشريع وإدخالها إلى المسطرة التشريعية.
وتمر عملية التشريع التي تنتج القوانين تحت قبة البرلمان بعدة مراحل قبل الوصول إلى تطبيق هذه القوانين بعد نشرها بالجريدة الرسمية، فطبقا للنظام الداخلي الجديد لمجلس النواب تودع بمكتب المجلس مشاريع القوانين المقدمة من لدن الحكومة أو المحالة من مجلس المستشارين للمصادقة، ومقترحات القوانين ومقترحات القوانين التنظيمية المقدمة من لدن النواب أو المحالة من مجلس المستشارين للمصادقة. ويأمر مكتب المجلس بتوزيعها على النواب، ويحيل رئيس المجلس مقترحات القوانين المقدمة من لدن النواب إلى الحكومة، في أجل 20 يوما قبل إحالتها على اللجان الدائمة المختصة، وإذا انصرم الأجل يمكن للجنة الدائمة المختصة برمجة دراستها للمقترح. ويحيط رئيس المجلس الحكومة علما بتاريخ وساعة المناقشة في اللجنة، ويتعين على اللجان النظر في النصوص المعروضة عليها في أجل أقصاه 60 يوما، من تاريخ الإحالة، لتكون جاهزة لعرضها على الجلسة العامة للمناقشة والتصويت.
ويتكلف رئيس المجلس بإحالة على اللجنة الدائمة المختصة كل مشروع قانون تم إيداعه أو مقترح قانون تم إيداعه لدى مكتب المجلس، وتبرمج مكاتب اللجان دراسة مشاريع ومقترحات القوانين المعروضة عليها في ظرف أسبوع من تاريخ الإحالة عليها، وتنظر اللجان في النصوص المعروضة عليها، أولا بتقديم النص من طرف ممثل الحكومة بالنسبة لمشروع القانون، أو من طرف واضع مقترح القانون، ثم يتم الشروع في المناقشة العامة للنص، وبعد انتهاء المناقشة العامة يحدد مكتب اللجنة موعد جلسة لتقديم التعديلات كتابة. وتجتمع اللجنة بعد 24 ساعة للنظر في التعديلات بعد مناقشته، ثم بعد ذلك يتم التصويت على كل تعديل، قبل التصويت على النص التشريعي برمته.
حسب المعطيات التي استقتها «الأخبار» من مصادر برلمانية، هناك لوبيات تتحرك داخل غرفتي البرلمان المغربي للدفاع عن مصالحها الشخصية، ففي الوقت الذي توجد قوانين لم يقدر المشرع على تعديلها، وهناك العديد من مقترحات القوانين ومشاريع القوانين التي بقيت منذ سنوات مجرد حبر على ورق داخل رفوف مكاتب غرفتي البرلمان أو القطاعات الحكومية المعنية، مقابل ذلك هناك قوانين تتم دراستها والمصادقة عليها في وقت قياسي، لأنه بكل بساطة تكون وراءها جماعات ضغط تتحكم في دواليب الآلية التشريعية من خارج مؤسسة البرلمان، كما تتحكم في صنع القوانين التي تخدم مصالحها وتعرقل القوانين التي تمس مصالحها أو تخدم مصالح منافسيها، ويتوفر أصحاب المصالح الاقتصادية داخل البرلمان على كل الإمكانيات والآليات والوسائل لعرقلة كل مبادرة يمكن أن تؤثر على مصالحهم، وتتحرك على شكل جمعيات مهنية أو نقابات، ويستعملون كافة وسائل الضغط، بما فيها استمالة البرلمانيين.

الحكومة تحتجز القانون التنظيمي للنقابات
لم تفرج الحكومة عن القانون التنظيمي للمنظمات النقابية خلال الولاية الحالية، ولم تدرج هذه النقطة ضمن جدول أعمال الحوار الاجتماعي، ولم تكشف عن الأسباب الحقيقية لعدم إخراج القانون الثاني الذي يهم تنظيم الحياة النقابية وتعزيز الحكامة التنظيمية داخل الجسم النقابي المغربي، وكذلك تعزيز الرقابة المالية من خلال فتح المجال أمام آليات الافتحاص المالي للمركزيات النقابية من طرف قضاة المجلس الأعلى للحسابات، على غرار الأحزاب السياسية التي تقدم حساباتها السنوية إلى المجلس. في حين أخرجت الحكومة القانون الأول تحت ضغط أرباب العمل «الباطرونا» أمام صمت رهيب للنقابات التي كان غرضها هو عدم إخراج القانون الثاني.
ويرى المتتبعون للشأن السياسي والنقابي المغربي، أن التاريخ السياسي والدستوري المغربي يمر من مرحلة دقيقة، خاصة أن الدستور الجديد جاء بالعديد من المقتضيات التي ترمي إلى تنظيم الحياة السياسية والنقابية والمجتمع المدني. ومن أبرز المقتضيات تلك المتعلقة بالنقابات والإضراب، وخاصة المواد 8 و9 و29 من الدستور. وفي ما يتعلق بقانون النقابات والإضراب لأول مرة في تاريخ المغرب يتم التنصيص على الضمانات النقابية، على خلاف قانون الإضراب الذي صدر سنة 1962. ومنذ هذا التاريخ والدستور ينص على ضرورة صدور القانون التنظيمي للإضراب، لكنه لحد الآن لم يخرج هذا القانون إلى حيز الوجود.
وبخصوص الإضافة الجديدة التي جاء بها الدستور لتنظيم الحياة النقابية، ينص الدستور الحالي على الخطوط العريضة المتعلقة بالنقابة، وخصوصا في ما يتعلق بالحق في ممارسة الأنشطة النقابية بكل حرية. وهذه النقابات، كما ورد في الفصل 8، ستساهم في الدفاع عن المصالح الاقتصادية والحقوق الاجتماعية للفئات التي تمثلها، والنهوض بأوضاع هذه الفئات. ومن بين المستجدات في الدستور، التنصيص على ضرورة احترام الديمقراطية في هيكلة وتسيير النقابات، كما أن الفصل 8، إضافة إلى تأسيسه للخطوط العريضة للحرية والمطابقة والدمقرطة، يحيل كذلك على القانون الذي سينظم القواعد المنظمة لتأسيس المنظمات النقابية ومعايير تحويل الدعم المالي للدولة ومراقبة هذه النقابات، وبالتالي فإن دستور 2011، حدد الخطوط العريضة لهذا القانون ومن ثم فالحكومة ملزمة بتسريع إخراج قانون النقابات إلى حيز الوجود. إضافة إلى ذلك، فإن الدستور تضمن ضمن الفصل 9، مقتضيات تحدد الضمانات القضائية المتعلقة بالحل أو التوقيف. وهذا الفصل جاء لإعطاء ضمانات للمنظمات النقابية لممارسة أنشطتها بطريقة سليمة. ونجد كذلك أن الفصل 29 من الدستور أسس لمجموعة من المبادئ المرتبطة بالانتماء النقابي.
فضلا عن ذلك، حددت المقتضيات الدستورية مفهوم المنظمات النقابية ودورها في تأطير والدفاع عن الفئات التي تمثلها، وضرورة احترامها للدستور والتنصيص على الدمقرطة، وبالتالي فالحكومة ملزمة بإخراج القانون المتعلق بالمنظمات النقابية وملزمة بإخراج قانون حرية الانتماء النقابي. وتتجلى فعالية هذا القانون في ضمان النجاعة وحسن تسيير المنظمات النقابية، ولكن لا بد كذلك من أن يواكب ذلك بإخراج القانون التنظيمي للإضراب، لأنه لا يمكن إخراج قانون الإضراب دون تنظيم النقابات، لأنه لا بد من وجود بعض المقتضيات التي تنظم الهيئات والمنظمات النقابية التي بإمكانها القيام بالإضراب، مشيرا إلى أن المغرب أسس لقانون الأحزاب السياسية سنة 2004، وحاليا مطالب بإخراج قانون النقابات، ولا يمكن الحديث عن قانون تنظيمي للإضراب بدون صدور قانون النقابات لتأسيس ما يمكن أن نسميه الحقوق والحريات النقابية. ويطالب الاتحاد العام لمقاولات المغرب بالإسراع بإصدار القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب وكيفية ممارسته، لتنظيم هذا الحق الدستوري، وخلق نوع من التوازن بين الحق في الإضراب وحرية العمل، وإعطاء مجال أوسع للمفاوضات وإعمال آليات الوساطة والتحكيم والمصالحة بما يضمن حقوق الفئة العاملة، ومصالح المقاولة، ووتيرة التشغيل، ويساعد على منح الثقة الضرورية للفاعل الاقتصادي، وتكريس المغرب وجهة مفضلة للاستثمار. وكشف رئيس فريق «الباطرونا» بمجلس المستشارين، في إحدى الجلسات الشهرية لمساءلة رئيس الحكومة، عجز الحكومة عن التنزيل الفعلي للفصل 29 من الدستور، عبر إخراج القانون التنظيمي للإضراب وقانون النقابات، محذرا من التكلفة المترتبة عن ترك ممارسة حق الإضراب بدون قانون ينظمه، وتتمثل هذه التكلفة في الانعكاسات السلبية على مناخ الأعمال وعلى وتيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وخاصة مع تزايد الإضرابات، وظهور تنسيقيات وجمعيات، لا ترتكز على أية أهلية أو شرعية تمثيلية، أو منظور نقابي، تعرقل أو توقف العمل بمؤسسات حيوية، وتضرب التمثيلية الديمقراطية للنقابات، من خلال تزعم إضرابات غير مضبوطة ولا مسؤولة، وبدون أي إخطار.

أين اختفى قانون تنظيم الإضراب
مازال مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم الإضراب «محتجزا» داخل لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، منذ حوالي ثلاث سنوات، كما أن النقابات عبرت عن رفضها لهذا القانون، ووجهت اتهامات للحكومة بإحالته على البرلمان بطريقة سرية، دون فتح استشارة مع الحركة النقابية، حيث استنكرت الأمانة الوطنية للاتحاد المغربي للشغل محاولة الحكومة تمرير مشروع القانون التنظيمي لحق الإضراب الذي تعمل على تحويله من حق إنساني كوني إلى صك إدانة، من خلال ما أسمته «مشروع القانون التنظيمي/التكبيلي لحق دستوري»، واتهمت الحكومة «بإحالته على البرلمان سنة 2016 في سرية تامة، وفي مفارقة غريبة، دون أدنى استشارة مع الحركة النقابية». واعتبرت النقابة هذا المشروع بمثابة قانون جنائي، ويجعل ممارسة حق الإضراب مستحيلة ويتدخل في الشؤون النقابية للمنظمات النقابية.
وصادق مجلس الحكومة السابقة على مشروع قانون تنظيمي رقم 15-97 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، أثارت عدد من مضامينه جدلا واسعا، ومن بين الإجراءات التي قد تثير سخطا على الحكومة من قبل النقابات، النقطة المتعلقة بما سمته حكومة بنكيران في مشروع القانون التنظيمي المذكور، «مبدأ الأجر مقابل العمل»، الذي أكدت أنه يعتبر من بين المبادئ التي استقر عليها الاجتهاد القضائي، وهو ما يقضي أن يقتطع من الأجور، ما يقابل أيام التوقف عن العمل بسبب الإضراب، إذ تعتبر المادة 14 منه أن الأجراء المشاركين في الإضراب يعدون في حالة توقف مؤقت عن العمل، خلال مدة إضرابهم، وفي هذه الحالة لا يمكنهم الاستفادة من الأجر عن المدة المذكورة، فضلا عن اعتباره احتلال مقر المؤسسة أثناء الإضراب عملا غير مشروع، وأن هناك من التشريعات المقارنة، التي تعتبره جرما معاقبا عليه.
وجاء في مشروع القانون التنظيمي المذكور، أنه بقوة القانون سيمكن منع الإضراب على الموظفين الذين لا يؤمنون سير المصالح الضرورية، للعمل والمكلفين بالأمن والحفاظ على التجهيزات العامة، وكذا الأشخاص المكلفين بتأمين الحد الأدنى من الخدمة، وقد يمنع ما وصفه بـ «بعض الأشكال غير المشروعة للإضراب». وتنص المادة 19 من مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب، على أنه يجب على الجهة الداعية إلى الإضراب، أن تحيط علما الجهات المعنية سبعة أيام على الأقل قبل الشروع الفعلي في تنفيذه، وحددتها في رئيس الحكومة والسلطات الحكومية المكلفة بالداخلية والتشغيل والمنظمات المهنية للمشغلين، إذا تعلق الأمر بالدعوة إلى ممارسة حق الإضراب على الصعيد الوطني، كما يجب أن تحيط الجهة الداعية إلى الإضراب السلطة الحكومية، التابع لها قطاع الانشطة المعني، علما بقرار الإضراب، إذا تعلق الأمر بالدعوة لممارسة حق الإضراب، في جميع القطاعات أو بعضها أو قطاع واحد أو كان يهم أنشطة معينة داخل القطاع نفسه، أو في قطاعات مختلفة، بالإضافة غلى وجوب إخطار المشغّل ووالي الجهة أو عامل العامالة أو الإقليم، وممثل السلطة الحكومية، المكلفة بالتشغيل على صعيد الجهة أو العمالة أو الإقليم حسب الحالة.
ومن بين الإجراءات المثيرة، التي وردت في مشروع القانون التنظيمي المذكور، ما جاء في المادة 23، التي تنص على أنه لا يجوز في حالة إنهاء الإضراب أو إلغائه بمقتضى اتفاق مبرم، بين الأطراف المعنية على إثر الاستجابة للملف المطلبي، اتخاذ قرار إضراب جديد دفاعا عن المطالب نفسها، إلا بعد انصرام أجل سنة على الأقل يبتدئ من تاريخ إنهاء الإضراب أو إلغائه، فيما تشير المادة 26 منه، على أنه يمكن للمشغل في حالة ممارسة الإضراب خلافا لأحكام هذا القانون، أن يطالب الجهة الداعية للإضراب والأجراء المضربين، بالتعويض عن الخسائر والأضرار التي لحقت المقاولة من جراء الإضراب الذي تمت ممارسته بكيفية غير مشروعة.
أما في ما يخص موظفي القطاع العام، فقد جاءت المادة 33 بصفات الموظفين الذين يمكنهم ممارسة الإضراب، واستثنت القضاة وقضاة المحكام المالية، وأفراد القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي، وموظفي الأمن الوطني والقوات المساعدة وموظفي الإدارة الترابية، وموظفي وأعوان إدارة الجمارك وموظفي وأعوان إدارة السجون، وموظفي وأعوان الهيئة الوطنية للوقاية المدنية، وموظفي وأعوان المياه والغابات حاملي السلاح.

الحكومة ترفض قانون الملاحقة الجنائية للوزراء أمام المحاكم
بعد مرور ثماني سنوات على إقرار الدستور الجديد، ترفض الحكومة التعامل مع مقترح قانون معروض على أنظار لجنة العدل والتشريع تقدم به فريق الأصالة والمعاصرة منذ سنة 2013، يهدف إلى إلغاء الحصانة المقررة في قانون المسطرة الجنائية لفائدة أعضاء الحكومة في ما يتعلق بالمخالفات التي قد يرتكبونها خارج ممارستهم لمهامهم، ومحاكمتهم أمام المحاكم العادية عما يرتكبونه من جنايات وجنح أثناء ممارستهم لمهامهم.
وترتكز منهجية هذا القانون على تفعيل وأجرأة المساواة أمام القانون والقضاء الجنائيين وذلك لأعضاء الحكومة أمام المحاكم العادية عن طريق تحديد مسطرة المساءلة الجنائية، والاعتماد المبدئي للمسطرة المحددة في قانون المسطرة الجنائية، مع مراعاة بعض القواعد الخاصة المكرسة لبعض الضمانات بشأن مساطر البحث والتحقيق والحكم والطعن بالنسبة إلى المساءلة الجنائية لأعضاء الحكومة عن الجنايات والجنح التي يرتكبونها أثناء ممارستهم لمهامهم مراعاة لخصوصية مراكزهم، وإلغاء الحصانة في المخالفات بالنسبة لأعضاء الحكومة عند ارتكابهم لها خارج ممارستهم لمهامهم.
وينص القانون على تطبيق العقوبات الجارية عليها مقتضيات القانون الجنائي ومقتضيات قانون العدل العسكري عند الاقتضاء والمقتضيات الجنائية للقوانين الخاصة الجاري بها العمل وقت ارتكاب الأفعال، على أعضاء الحكومة في تحديد الجنايات والجنح التي يرتكبونها، كما ينص على أن أعضاء الحكومة مسؤولون جنائيا أمام المحاكم الزجرية للمملكة عما يتركبونه من جنايات وجنح أثناء ممارستهم لمهامهم الحكومية، ولا يجوز التمسك بالتعليمات الرئاسية إلا إذا كانت كتابية، مع التأكيد على ضرورة التحقيق الإلزامي في الجنايات والجنح المنسوبة إلى عضو من أعضاء الحكومة.
ويجري التحقيق، حسب هذا القانون، في الجنايات والجنح المنسوبة إلى أعضاء الحكومة أثناء ممارستهم لمهامهم حسب القواعد والكيفيات المبينة في قانون المسطرة الجنائية المتعلقة بالتحقيق الإعدادي، كما ينص على القانون على التقاط المكالمات والاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد وكذلك التفتيش والحجز لدى عضو من أعضاء الحكومة، وذلك بحضور الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف أو من ينوب عنه في ذلك إذا تعذر حضوره شخصيا. كما يتيح القانون لكل متضرر من الجنايات والجنح التي يرتكبها عضو من أعضاء الحكومة أثناء ممارسته لمهامه الحكومية الحق بالمطالبة بالتعويض عن الأضرار الناشئة عن الجرائم المذكورة، طبقا لمقتضيات قانون المسطرة الجنائية ذات الصلة.
ووفق القانون ذاته، تطبق على محاكمة أعضاء الحكومة قواعد قانون المسطرة الجنائية المتعلقة بعقد الجلسات والمداولات والحكم في الجرائم، وكذلك قواعد طرق الطعن في الأحكام الزجرية من القانون نفسه. كما أن الجلسات المختصة بالنظر في الجرائم المنسوبة إلى عضو من أعضاء الحكومة، تكون عمومية، مع إمكانية عقد بصفة استثنائية، جلسة سرية بمقرر معلل تعليلا خاصا، وتنشر أحكام الإدانة والبراءة النهائية والتي لا تعقيب عليها الصادرة في حق أعضاء الحكومة بسبب الجنايات والجنح التي يرتكبونها أثناء ممارستهم لمهامهم في الجريدة الرسمية.
وينص القانون على المسؤولية الجنائية عن الجنايات والجنح والمخالفات التي يرتكبونها خارج ممارستهم لمهامهم الحكومية، وتطبق عليهم المسطرة العادية المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية الجاري بها العمل، سواء بالنسبة إلى البحث التمهيدي والمتابعة أو التحقيق الإعدادي أو الحكم أو طرق الطعن أو تنفيذ الأحكام الزجرية.

قانون «ترقيم» المغاربة معلق بين الحكومة والبرلمان
قبل خمسة أشهر، صادق المجلس الحكومي على مشروع قانون رقم 72.18 يتعلق بمنظومة استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي وبإحداث الوكالة الوطنية للسجلات. لكن الحكومة مازالت تحتجز هذا القانون دون إحالته على البرلمان للمصادقة. ويهدف المشروع إلى «ترقيم» المغاربة، قبل رفع الدعم عن باقي المواد الاستهلاكية المدعمة من طرف صندوق المقاصة. ويروم هذا المشروع إرساء منظومة وطنية متكاملة ومندمجة لتسجيل الأسر والأفراد الراغبين في الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي التي تشرف عليها الإدارات العمومية والجماعات الترابية والهيئات العمومية، تستند على معايير دقيقة وموضوعية وتعتمد على التكنولوجيات الحديثة لتوفيرها، كما يهدف إلى إحداث آليات لتعزيز التناسق بين برامج الدعم الاجتماعي، من خلال وضع تصور موحد لتنفيذ هذه البرامج بشكل منصف وشفاف، وتجاوز الإشكاليات التقنية التي تعيق إيصال الاستفادة الفعلية من هذه البرامج إلى الفئات التي تستحقها فعليا، بالإضافة إلى ضمان التنسيق والالتقائية في برامج الدعم الاجتماعي قصد الرفع من فعاليتها ونجاعتها.
وتقوم هذه المنظومة على أربعة مرتكزات أساسية، أولها إحداث السجل الوطني للسكان. ويهدف هذا السجل إلى توفير المعطيات ذات الطابع الشخصي المتعلقة بالمغاربة والأجانب المقيمين بالتراب المغربي بطريقة إلكترونية، من خلال تجميعها وتسجيلها وحفظها وتحيينها، وتغييرها عند الاقتضاء، بالإضافة إلى توفير هذه المعطيات من أجل تيسير الولوج إلى الخدمات التي تقدمها الإدارات العمومية والجماعات الترابية والهيئات العمومية والخاصة. ويفتح باب التقييد في هذا السجل للمواطنين المغاربة والأجانب المقيمين بالتراب المغربي، وتكلل عملية التقييد به بمنح معرف مدني واجتماعي رقمي يمكن من التحقق من صدقية المعطيات الشخصية المدلى بها من قبل الأشخاص الراغبين في التقييد في السجل الاجتماعي الموحد من أجل الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي.
أما المرتكز الثاني فيتمثل في إحداث السجل الاجتماعي الموحد، الذي يعتبر بمثابة مسجل رقمي يتم في إطاره تسجيل الأسر قصد الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي التي تشرف عليها الإدارات العمومية والجماعات الترابية والهيئات العمومية، وذلك بناء على طلب يقدمه الشخص المصرح باسم الأسرة. كما يهدف إلى معالجة المعطيات الاجتماعية والاقتصادية للأسر بطريقة إلكترونية، من خلال تجميعها وتسجيلها وحفظها وتحيينها، وتغييرها عند الاقتضاء. وسيشكل هذا السجل المنطلق الوحيد للولوج لكافة برامج الدعم الاجتماعي من خلال تحديد مدى قابلية الاستفادة منها، عبر اعتماد معايير دقيقة وموضوعية، تتم وفق عملية تنقيط مبنية على المعطيات الاجتماعية والاقتصادية المتوفرة، وباستعمال التكنولوجيات الحديثة. ويشترط مشروع هذا القانون للتقييد في السجل الاجتماعي الموحد، أن يكون كل فرد منتم إلى الأسرة الراغبة في الاستفادة من الدعم الاجتماعي سبق له التقييد في السجل الوطني للسكان.
ويتمثل المرتكز الثالث لهذه المنظومة في ضمان حماية المعطيات الشخصية للأشخاص المقيدين في السجلات، حيث نص مشروع هذا القانون، في هذا الصدد، على ضرورة التقيد بأحكام القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي في ما يخص معالجة هذه المعطيات واستغلالها في مختلف تطبيقات المنظومة الوطنية لتسجيل الأسر والأفراد، وذلك بإلزام الوكالة بالحرص على معالجة المعطيات المضمنة بسجلاتها بطريقة نزيهة ومشروعة، والقيام بتجميعها لأجل تحقيق الأهداف المنصوص عليها في مشروع هذا القانون.
ورابع مرتكزات المنظومة، هو إحداث الوكالة الوطنية للسجلات، حيث أحدث مشروع هذا القانون مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية الاعتبارية وبالاستقلال المالي من أجل تدبير السجل الوطني للسكان والسجل الاجتماعي الموحد. كما تتولى الوكالة مهمة السهر على ضمان حماية المعطيات الرقمية وسلامة المنظومة المعلوماتية المتعلقة بالمسجلين فيهما. وتتولى الوكالة أيضا مهمة منح معرف مدني واجتماعي رقمي للأشخاص المقيدين بالسجل الوطني للسكان، بالإضافة إلى تقديم خدمات التحقق من صدقية المعطيات المضمنة بالسجل الوطني للسكان والسجل الاجتماعي الموحد، ومنح الاعتماد للهيئات الوسيطة في هذا المجال، والعمل على مراقبتها.

المعارضة تشتغل بدون قانون ينظم أعمالها بالبرلمان
من بين الانتقادات الموجهة إلى فرق المعارضة البرلمانية، في مجال التشريع، هو أنها لم تقدر على وضع مقترح قانون تنظيمي يحدد كيفية ممارسة الحقوق التي منحها لها الدستور بموجب الفصل العاشر، وترى فرق الأغلبية أن المعارضة تنتظر من الحكومة وضع قانون يحدد للمعارضة كيف تعارضها.
وينص الفصل 10 من الدستور على أنه تحدد كيفيات ممارسة فرق المعارضة لهذه الحقوق، حسب الحالة، بموجب قوانين تنظيمية أو قوانين أو بمقتضى النظام الداخلي لكل مجلس من مجلسي البرلمان، ولذلك توجه الأغلبية الحكومية في العديد من المناسبات، انتقادات قوية لفرق المعارضة، من خلال اتهامها بعدم قدرتها على ممارسة دورها الدستوري في مراقبة العمل الحكومي، في مقابل تتهم المعارضة الحكومة وأغلبيتها البرلمانية بحرمانها من هذا الحق الذي خوله لها الدستور الجديد، كما تتهم الحكومة بحرمانها من ممارسة حقها في التشريع، وشهدت جلسات البرلمان اندلاع العديد من الأزمات بين الأغلبية الحكومية وفرق المعارضة بهذا الخصوص، دفعتها في العديد من المرات إلى التهديد بمقاطعة الجلسات البرلمانية.
وخص الدستور الجديد فرق المعارضة بالبرلمان بمكانة متميزة، وخولها العديد من الحقوق، كما جعل منها شريكا أساسيا في صناعة التشريع والرقابة على العمل الحكومي إلى جانب الأغلبية البرلمانية، وخصص لها المشرع الدستوري الفصل 10 من الدستور، الذي ينص على ما يلي: «يضمن الدستور للمعارضة البرلمانية مكانة تخولها حقوقا، من شأنها تمكينها من النهوض بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسية، كما منحها الحق في العمل البرلماني بكيفية فعالة وبناءة».
ويضمن الدستور بصفة خاصة للمعارضة مجموعة من الحقوق، أهمها حرية الرأي والتعبير والاجتماع، وحيزا زمنيا في وسائل الإعلام العمومية يتناسب مع تمثيليتها، والاستفادة من التمويل العمومي وفق مقتضيات القانون، والمشاركة الفعلية في مسطرة التشريع، سيما عن طريق تسجيل مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي البرلمان، والمشاركة الفعلية في مراقبة العمل الحكومي، خاصة عن طريق ملتمس الرقابة، ومساءلة الحكومة، والأسئلة الشفوية الموجهة إلى الحكومة، واللجان النيابية لتقصي الحقائق، والمساهمة في اقتراح المترشحين وفي انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، وتمثيلية ملائمة في الأنشطة الداخلية لمجلسي البرلمان، ورئاسة اللجنة المكلفة بالتشريع بمجلس النواب، والتوفر على وسائل ملائمة للنهوض بمهامها المؤسسية، والمساهمة الفاعلة في الدبلوماسية البرلمانية، للدفاع عن القضايا العادلة للوطن ومصالحه الحيوية، والمساهمة في تأطير وتمثيل المواطنات والمواطنين، من خلال الأحزاب المكونة لها، طبقا لأحكام الفصل 7 من هذا الدستور، وممارسة السلطة عن طريق التناوب الديمقراطي، محليا وجهويا ووطنيا، في نطاق أحكام الدستور.
ويتضح من خلال مقتضيات الدستور المغربي الجديد أن المعارضة البرلمانية تتمتع بوضعية دستورية متميزة، حيث بإمكانها بقوة الدستور أن تشارك في التشريع كما في الرقابة على العمل الحكومي، وهذا الأمر فيه رفع للحيف والتهميش الذي كان يمس المعارضة في ظل الدساتير السابقة، فالوسائل والآليات التي كان منصوصا عليها في الدساتير السابقة، لم تكن لتمكن المعارضة من القيام بمهامها، وذلك بالنظر إلى الشروط المسطرية المعقدة والنصاب القانوني الكبير المتعلق بأهم آليات الرقابة كتكوين لجان نيابية لتقصي الحقائق، أو الطعن في دستورية القوانين العادية، وكذلك رئاسة إحدى اللجان البرلمانية الدائمة كلجنة العدل والتشريع. كما أن كل المقتضيات الدستورية سالفة الذكر، تؤكد بالملموس بأن دستور 2011 شكل قطيعة مع الدساتير السابقة على عدة مستويات، من بين أهمها ما يتعلق بالرقابة البرلمانية على العمل الحكومي، ودور المعارضة في إطار النظام البرلماني المغربي الجديد.

قانون التعليم يدخل «ثلاجة» مجلس النواب
مرت خمس سنوات على اعتماد الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم 2015-2030، التي وضعها المجلس الأعلى للتربية والتكوين، وهي ثلث المدة المحددة لتنزيل الاستراتيجية، لكن الحكومة وأغلبيتها البرلمانية مازالت لم تترجم هذه الرؤية إلى قانون إطار، كما دعا إلى ذلك الملك محمد السادس في خطاب العرش لسنة 2015، عندما أعطى تعليماته لصياغة الإصلاح في إطار تعاقدي وطني ملزم، من خلال اعتماد قانون- إطار يحدد الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم على المدى البعيد. كما يعد هذا القانون من أبرز المحطات التي اقترحتها الرؤية لإضفاء المشروعية القانونية، والانسجام المؤسساتي، والمصداقية السياسية على الإصلاح التربوي المنشود في أفق سنة 2030، كون هذا القانون يشكل ضمانة أساسية لتحصين الإصلاح من أي تراجع أو تعثر أو تردد.
ومازال قانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين يراوح مكانه داخل لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، بعد مفاوضات ماراثونية استمرت إلى منتصف الليل، بحضور وزير التربية الوطنية والتعليم العالي، سعيد أمزازي، ورئيس مجلس النواب، الحبيب المالكي، توصل رؤساء الفرق البرلمانية إلى توافق حول مشروع قانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين، وذلك بالإبقاء على المواد المتعلقة بتدريس اللغات كما وردت في النص الأصلي الذي أحالته الحكومة على البرلمان. وكان هذا الاجتماع آخر فرصة للتوصل إلى توافق على المواد الخلافية، خاصة المادة الثانية التي تنص على اعتماد التناوب اللغوي، باعتباره مقاربة بيداغوجية وخيارا تربويا يستثمر في التعليم المزدوج أو متعدد اللغات، بهدف تنويع لغات التدريس، وذلك بتعليم بعض المضامين أو المجزوءات في بعض المواد باللغات الأجنبية قصد تحسين التحصيل الدراسي فيها، وكذلك المادة 31 التي تنص على تدريس المواد العلمية بإحدى اللغات الأجنبية، حيث قدم كل من فريق العدالة والتنمية والفريق الاستقلالي تنازلات بخصوص تقديم تعديلات جوهرية تمس جوهر هاتين المادتين، والاكتفاء بتقديم تعديلات شكلية فقط تخص إعادة الصياغة دون المس بالمضمون.
لكن بعد خرجة رئيس الحكومة السابق والأمين العام السابق، عبد الإله بنكيران، وتحريض نواب حزبه على التصويت ضد القانون، قلب كل شيء، وأربك التوافق الذي حصل لإخراج القانون من عنق الزجاجة، ما أثار الكثير من الاستغراب بخصوص المواقف المتذبذبة لحزب العدالة والتنمية، لأن القانون وضعه بنكيران، خلال الولاية الحكومية السابقة، دون فتح المشاورات مع المعنيين بإصلاح منظومة التربية والتعليم، حيث شكل لجنة لإعداد مشروع القانون، تحت الرئاسة الفعلية لمستشاره المكلف بالتعليم آنذلك، خالد الصمدي، كاتب الدولة المكلف بالتعليم العالي في الحكومة الحالية. وبعد تشكيل حكومة العثماني، صادقت على القانون في المجلس الحكومي، كما صادق عليه المجلس الوزاري. ويستند القانون إلى توصية الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030 التي أقرها الملك محمد السادس، والداعية إلى تحويل اختياراتها الكبرى إلى قانون – إطار يجسد تعاقدا وطنيا يلزم الجميع، ويلتزم الجميع بتفعيل مقتضياته، واعتبارا لأهمية ومكانة منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي في تحقيق المشروع المجتمعي لبلادنا، ونظرا للأدوار المنوطة بها في تكوين مواطنات ومواطني الغد، وفي تحقيق أهداف التنمية البشرية والمستدامة، وضمان الحق في التربية للجميع، بما يجعلها في صدارة الأولويات الوطنية، واعتبارا لالتقاء إرادات مختلف مكونات الأمة، دولة ومجتمعا، من أجل تمكين المنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي من ترصيد مكتسباتها وتجاوز اختلالاتها الحالية وضمان إصلاحها الشامل كي تضطلع بأدوارها على النحو الأمثل، ونظرا لكون التنصيص على مبادئ وتوجيهات وأهداف إصلاح المنظومة في قانون- إطار، من شأنه أن يضمن التطبيق الأمثل لمستلزماته، ويؤمن استمراريته، باعتباره مرجعية تشريعية ملزمة في اتخاذ النصوص التشريعية والتنظيمية اللازمة لبلورة الأهداف والتوجيهات والمبادئ.
وتنص المادة 31 المثيرة للجدل كما وردت في القانون، على أنه تحدد الهندسة اللغوية المعتمدة عناصر السياسة اللغوية المتبعة في مختلف مكونات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي ومستوياتها، من خلال إعطاء الأولوية للدور الوظيفي للغات المعتمدة في المدرسة الهادف إلى ترسيخ الهوية الوطنية، وتمكين المتعلم من اكتساب المعارف والكفايات، وتحقيق انفتاحه على محيطه المحلي والكوني، وضمان اندماجه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والقيمي، وتمكين المتعلم من إتقان اللغتين الرسميتين واللغات الأجنبية، ولاسيما في التخصصات العلمية والتقنية، مع مراعاة مبادئ الإنصاف وتكافؤ الفرص. وتنص المادة على اعتماد اللغة العربية لغة أساسية للتدريس، وتطوير وضع اللغة الأمازيغية في المدرسة ضمن إطار عمل وطني واضح ومتناغم مع أحكام الدستور، باعتبارها لغة رسمية للدولة، ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء، وإرساء تعددية لغوية بكيفية تدريجية ومتوازنة تهدف إلى جعل المتعلم الحاصل على الباكالوريا متقنا للغة العربية، قادرا على التواصل بالأمازيغية، ومتمكنا من لغتين أجنبيتين على الأقل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى