شوف تشوف

الرأي

المال لا يشتري الأخلاق

يعيش داخل فيلا فخمة في أرقى الأحياء، يملك سيارة فاخرة تقدر بأغلى الأثمنة، متزوج وأب لثلاثة أطفال. لديه عمل قار يدر عليه الكثير من المال، إضافة إلى امتلاكه وإدارته لمشاريع ناجحة جعلته يدخل إدارة الأعمال من أوسع أبوابها.
أطفاله يدرسون في أغلى المدارس، زوجته تقتني ملابسها ومجوهراتها من أشهر «الماركات» العالمية، يمضون عطلتهم الصيفية في أشهر البلدان وأجملها، وكل من يعرفهم يغبطهم أو يحسدهم على فخامة الحياة التي يعيشونها!
هذا الرجل، رب العائلة، ولد بين أحضان أسرة متوسطة، ضحى الوالدان بأغلى ما يملكان من أجل توفير الظروف الملائمة لابنهما الوحيد.. مات الأب بعد ذلك بسب مرض خبيث، فترملت أمه بعده ومرضت، واحتاجت لمن يعتني بها ويأخذ بيدها في أوقاتها الصعبة تلك. وضعت كل آمالها في ابنها الوحيد، الذي عندما أحس بثقل المسؤولية التي تنتظره، قرر أن يرمي والدته في دار للعجزة، بدعوى أن عمله يأخذ كل وقته، وأنها هناك ستجد من يعتني بها أفضل منه!
في الوقت نفسه، وغير بعيد منه، يجلس رجل في الخمسينات من عمره، تبدو على ملامحه علامات التعب والجهد، وتظهر على محياه آثار قسوة الزمن وجبروته. هذا الرجل يعمل حارسا لمنزل وممتلكات السيد المليونير، يعيش داخل بيت صغير لا يكاد يكفيه هو وأسرته الصغيرة، يتعب ليل نهار من أجل أن يوفر لقمة عيش يسد بها أفواه أطفاله، يحاول جاهدا أن يوفر أدنى ظروف العيش لأسرته، ويحرم نفسه من الكثير، كي يستطيع أن يشتري الدواء لأمه المريضة التي تقطن معه في البيت نفسه!
حارس المنزل الفخم لا يتوفر على عمل قار يعرف أنه سينقذه مما تبقى من حياته، هو لا يعرف ما معنى الثراء، زوجته تكتفي بأرخص الحاجيات وأقدمها كي تستطيع أن تعيش هي وأطفالها.. لم تتح له الفرصة لكي يكمل دراسته ويعلق الشهادات العليا فوق جدران بيته، إلا أنه، ورغم قلة اليد وصعوبة الظروف، لم يفقد هذا الرجل ولو لدقيقة، حبه واحترامه للإنسانة التي أعطته للحياة، اعتنى بها وأحبها وأسكنها معه، لم يبخل عليها بشيء رغم أنه ربما يكون محتاجا أكثر منها، لم يفضل الدنيا على أمه، وعرف جيدا  أن لا شيء ولا أحد، يمكن أن يعوض وجود أم إلى جانب ابنها أو ابنتها!
بينما صاحب المنزل الفخم، تخلى عن أمه ببرودة أعصاب لا مثيل لها، ظنا منه أن بعض الدريهمات التي يرسلها إليها من حين إلى حين ستجعلها سعيدة ومرتاحة، هو لم يعرف أنها بحاجة إلى حضن ابنها، بحاجة إلى أن ترى أحفادها يكبرون أمام عينيها، نسي أن المال لن يشتري له أما تعطف عليه، وأن رضا الأم لا يقدر بثمن أبدا!
فمالك ولو استطاع أن يشتري لك كل الدنيا، فهو إن لم يستطع أن يشتري لك أخلاقا تحترم من أجلها، ورجولة تقف تقديرا واحتراما لها، فهو لا يساوي شيئا أبدا!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى