ثقافة وفن

المجلس الأعلى يناقش اليوم مشروع تحويل رؤيته إلى قانون ملزم

يعقد المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، اليوم (الثلاثاء)، دورة استثنائية للتداول في طلب الرأي الذي توصل به المجلس من طرف رئيس الحكومة، حول مشروع القانون-الإطار لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وذلك طبقا لأحكام المادة الثانية من القانون المتعلق بالمجلس، على أن تخصص هذه الدورة لتشكيل لجنة مؤقتة ستتولى إعداد مشروع هذا الرأي، وذلك بعد أن توصل المجلس بمشروع القانون الإطار والذي انتهت من إعداده لجنة مؤقتة، تم تشكيلها قبل أشهر، بدأت أشغالها في 29 يناير الماضي، على أن تشهد الجلسة ذاتها تقديم توصيات ومقترحات من طرف أعضاء المجلس، سيتم بلورتها في مشروع الرأي، ويتم تقديمها للجنة التي صاغت القانون الإطار قصد تعديل أو إضافة ما اقترحه المجلس، وذلك بعد أن حصل الأعضاء على نسخ من المشروع قبل أيام. مصادر الجريدة من المجلس أكدت أن الصياغة الأولية لمشروع القانون الإطار، والتي تم توزيع نسخ منها على أعضاء المجلس، تتضمن تجميعا مختصرا لما تضمنته الرؤية الاستراتيجية في نسختها المعدلة، وصياغتها في شكل قانوني معياري لا يسمح باختلاف التأويلات، حيث حاولت لجنة الصياغة اعتماد منهجية اختصار وتركيز المواد المتضمنة في القانون، لتتاح الفرصة للجهات الحكومية المعنية بالتعليم، على مدى خمسة عشرة سنة القادمة، اقتراح الصيغ القانونية لتنفيذ هذا الإطار. وعلة هذا الاختيار هو أن المقترح جاء في الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش لسنة 2015 بصيغة «قانون إطار»، والذي يعني صنف من القوانين ينظم الأهداف الكبرى لأنشطة الدولة في مجال التعليم، على أن يترك للقطاعات المعنية هامش اقتراح القوانين والمقررات القانونية الجزئية التي تهم مجالا معينا، لكن مع الاستناد دوما لمرجعية القانون الإطار. لذلك كانت اللجنة، في عملها، مجبرة على احترام المعايير القانونية المعمول بها في إعداد القوانين الإطار، كما كان عليها أيضا التركيز على تقنين المبادئ المرجعية الموجهة للمنظومة التربوية والمفاهيم المركزية التي تؤطرها، درءا لكل تأويل، وكذا على الهندسة العامة والجسور والممرات بين التكوينات، كما أكد على ذلك رئيس الحكومة، لحظة انطلاق أشغال اللجنة.

إدخال القانون الإطار في دواليب المشاورات لربح الوقت
أكد عضو بالمجلس، رفض الكشف عن اسمه في اتصال مع الجريدة، أن القانون الإطار تضمن كل ما يتعلق بالقضايا الأفقية التي تنتظم فيها المنظومة التربوية، وهي الهندسة اللغوية والتربية على القيم والشراكة والتمويل والتعليم الخصوصي والتكوين المهني والتعليم الأولي والتمدرس في العالم القروي ونظام التكوين الأساسي والتكوين المستمر للأطر التربوية والإدارية، علاوة على تنسيق التعليم العالي والبحث العلمي. أما عن أسباب تأخر لجنة الصياغة في بلورة القانون، حيث تجاوزت المدة الزمنية المخصصة لذلك (ثمانية أشهر)، أكد المصدر ذاته أن الحزب الأغلبي حرص أثناء صياغة اللجنة المؤقتة المكلفة باقتراح مشروع القانون الإطار على ترؤسها، وبعد ضغوطات سياسية توصل المجلس إلى اعتماد بعض التوافقات في هذا الصدد، حيث تم تكليف مستشار بنكيران «خالد الصمدي» بترؤس اللجنة، والتي تضم إلى جانب بعض أعضاء اللجان الدائمة، ممثلين للجهات الحكومية المعنية بالرؤية. ومن هنا، يفيد المصدر ذاته، فقد تمكن الحزب، ومن خلال ترؤسه للجنة من ضبط إيقاع عملها وتوجيه نتائج أشغالها بالشكل الذي يخدم مصالح الحزب، وخاصة على المستوى السياسي، لأن الحزب يعرف جيدا أنه ملزم بتطبيق ما سيتضمنه القانون، خاصة على مستوى التمويل، وهي نقطة خلافية كبيرة، تفيد المصادر ذاتها، ستضطر معها الحكومة إلى تضمين مشروع قانون المالية مخصصات إضافية لتنفيذ توصيات الرؤية، وهو الأمر الذي يتجنبه رئيس الحكومة في هذه المرحلة، ليس فقط لاقتناعه بلا جدوى التمويل العمومي لإصلاح التعليم فقط، ولكن أيضا لكون الرؤية تتضمن عدة توصيات لا تنسجم مع قناعات الحزب، ومنها مسألة اللغات مثلا، والتي أثارت جدلا سياسيا واجتماعيا كبيرا على هامش مذكرة لتدريس بعض المواد العلمية بالفرنسية، سبق لوزير التربية الوطنية أن أصدرها في منتصف السنة الدراسية الماضية. فإذا عدنا إلى الرؤية الاستراتيجية، يفيد نفس المصدر، وتحديدا إلى الرافعة الثالثة عشرة سنجد أن المجلس تبنى هندسة لغوية يتم العمل بها في الاتحاد الأوربي، وتعرف بـ«إميل»، أي تدريس مادة دراسية مندمجة بلغة أجنبية، وهي الهندسة التي تقتضي أن يتم تدريس بعض المواد العلمية في السلك الإعدادي باللغة الفرنسية، ثم باللغة الإنجليزية في التعليم الثانوي، أي أن المستفيد الأكبر من هذه الهندسة هو اللغات الأجنبية، والتي لن تبقى في وضعها كلغة «أجنبية»، بل ستصبح لغات شبه رسمية، حيث سينتقل التلميذ المغربي من مرحلة تعلم اللغة والتواصل بها، وهي الموجودة حاليا، إلى مرحلة التعلم بها، تعلم العلوم والمعارف، وهي الهندسة التي تثير تحفظ كثيرين، وخاصة أعضاء الحزب الأغلبي، والذين يعتبرون هذه الهندسة مساسا بالمكانة المركزية للغة العربية في النظام التعليمي. لذلك، وبحسب عضو المجلس نفسه، فإنه بالرغم من صدور الرؤية الاستراتيجية وتقديمها للملك في ماي ما قبل الماضي، فإن حرص عزيمان على الوفاء بالموعد الذي أعلنه للملك أثناء تشكيل أعضاء المجلس، جعله يؤجل الحسم في عدة قضايا خلافية، على أن يستأنف النقاش بصددها بعد ظهور الرؤية، والدليل على ذلك، يفيد نفس المصدر، هو أن الرؤية اكتفت بعموميات بخصوص التمويل، حيث لم يتعد الحيز المعطى للجماعات المحلية فقرة واحدة مكونة من أربعة أسطر، علما أن القانون التنظيمي للمنظم لصلاحيات المجالس الجهوية يدخل التعليم ضمن مخططاتها وبرامجها، وهو الأمر الذي كانت تفتقر له المجالس الجهوية في صيغتها السابقة. كما أن دور الفاعلين الاقتصاديين لم يتم تدقيقه، في ظل وجود أصوات من داخل المجلس تطالب، على مستوى التمويل، بسن ضريبة جديدة تحمل المقاولات الكبرى جزءا من تمويل المدرسة، ولاسيما التعليم المهني، والذي يبقى انخراطها في دعمه صوريا لا غير.

الحكومات المقبلة.. لا مجال لتسييس قضايا التعليم
ظهور القانون الإطار وفقا للإيقاع الذي تم العمل به، يعني أنه لن يخرج لحيز الوجود إلا بعد الانتخابات القادمة وتشكيل الحكومة الجديدة أيضا، ذلك أن المجلس سيعمل على تقديم رأيه في مشروع القانون الإطار، على أن تعمل لجنة الصياغة على تضمين مقترحاتها في المشروع الأصلي، وبعد ذلك يتم وضعه في مسار المصادقة في غرفتي البرلمان، ويخرج في الجريدة الرسمية ليصبح ساري المفعول، وهو ما يعني زمنا قدرته مصادرنا في المجلس الأعلى من سبعة إلى ثمانية أشهر أخرى.
فكرة القانون الإطار، هي حزمة إجراءات تبناها الملك محمد السادس شخصيا منذ خطاب عشرين غشت 2013، والذي حمل نقدا قويا للسياسة الحكومية في مجال التعليم، وعلى رأس هذه الإجرءات تفعيل الدستور فيما يخص تشكيل المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، ووضع قانونه التنظيمي، ثم تقييم تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين، حيث انكبت الهيئة الوطنية للتقييم على تفعيل هذا الإجراء، بتقويمها لـ 13 سنة من تطبيق هذه الوثيقة الهامة، أما الإجراء الآخر، والذي جاء ليعزز الاهتمام الملكي بقضايا التعليم وتوجيه النقاش الوطني حول مستقبله، فهو ما تضمنه الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش لسنة 2015، والذي أمر فيه الملك محمد السادس بوضع «قانون إطار» لتجنب ما أسماه جلالته بـ«الدوامة الفارغة لإصلاح الإصلاح». ذات الخطاب، أعاد التذكير بالمحاور الكبرى والتي ينتظر أن يتضمنها القانون الإطار بشكل واضح وملزم للجميع، وعلى رأسها:
أولا؛ إصلاح المدرسة العمومية لتخفيف العبء الاقتصادي على المواطنين الذين يكتوون بالتكلفة الباهظة لتعليم البعثات الأجنبية وكذا القطاع الخاص. ثانيا؛ وضع هندسة منفتحة على اللغات الحية وتحويلها من لغات مدرسة إلى لغات تدريس، وخاصة في المواد العلمية والتقنية. ثالثا دعم التوجه للتكوين المهني، وإدماجه داخل منظومة التربية والتكوين بدل أن يكون مجرد تكوين يضطر الفاشلون في التعليم العام للجوء إليه، مع ما يعنيه هذا من تعزيز لمعاهد التكوين في مختلف التخصصات، وفي نفس الوقت تغيير نظرة المواطنين نحو الباكلوريا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى