الرأي

النصب والاحتياج

ضرب إمام مسجد بالدار البيضاء كفا بكف وهو يكتشف سقوطه في فخ أشخاص انتحلوا صفة «لجنة دعم المطرودين من خيرية عين الشق»، وحولوه إلى أداة لجمع ما تيسر من أموال وأغطية، قبل أن تبتلعهم الأرض مخلفين وراءهم واعظا حائرا ومحسنين شاردين وفتاوى معلقة.
انتشرت الجرائم الكاتمة للصوت، وأبدع المجرمون في وضع مخططات تمكنهم من بلوغ أهدافهم وهم يرسمون على محيا ضحاياهم تقاسيم الرضا والحبور. وهو ما جعل زعماء التطرف وصناع الموت يلجؤون لتقنية الاحتيال والنصب في تأويل مغرض للقول الكريم «إذا فرغت فانصب».
انتحل خالد البكراوي، أحد منفذي اعتداءات بروكسيل الأخيرة، صفة لاعب سابق للوداد البيضاوي، يدعى إبراهيم معروفي، وجاب أوربا طولا وعرضا بهذه الصفة الرياضية التي تبعد عنه الشبهات، وكاد أن يوقع عقدا مع وكيل أعمال لاعبين في اليونان ويحصل على مقدم عقد، لولا خشيته من إلزامية الاختبار التقني والبدني، وخوفه من الظفر بالحذاء الذهبي على وجهه.
وقبل أن تهدأ فورة بروكسيل، انتحل رجل مصري صفة إرهابي وحبس أنفاس العالم وهو يحول اتجاه طائرة مصرية نحو مطار لارنكا في قبرص، بعد أن كانت في طريقها إلى الإسكندرية، حيث مكن المسافرين من السفر إلى قبرص مجانا ودون تأشيرة، وخاطبهم بعد استسلامه وأخذ صور للذكرى معهم، «عذرا عن الإزعاج»، قبل أن تطلب المضيفة من الركاب التصفيق بحرارة للخاطف الذي وزع بطاقة زيارته على طاقم الطائرة، وقال لهم: «أنا رهن الإشارة أي خدمة؟»، أما المصريون فقد أطلقوا حملة في مواقع التواصل الاجتماعي عنوانها «يارتني كنت معاهم».
وبرع كثير من المغاربة في انتحال صفة لاجئين سوريين للدخول إلى ألمانيا، بل منهم من حفظ عن ظهر قلب خريطة بلاد الشام واستظهر في نقطة الحدود النشيد الوطني السوري، ومنهم من اكترى طفلة لدعم مشروع انتحال صفة. ولم يقتصر الأمر عند حدود تمثيل دور مزدوج في فيلم اللجوء، بل إن أحد محترفي النصب والجر اختار تقنية تقليد أصوات كبار المسؤولين، مدعيا قدرته على منح ونزع مأذونيات النقل، قبل أن يسقط في شراك الأمن.
أما الناخب الوطني السابق بادو الزاكي فقد لجأ إلى ولاية الأمن في اليوم الموالي لمباراة الرأس الأخضر، وقدم شكاية ضد مجهول انتحل صفته وفتح صفحة فايسبوكية باسمه، هنأ من خلالها المنتخب المغربي على تأهله لنهائيات كأس أمم إفريقيا. أعلن الزاكي براءته من الفايسبوك وقال للمحققين إن التهنئة مزورة ودعاهم للقبض على المجرم الذي قال «ألف مبروك» نيابة عن بادو، ولازال البحث جاريا عن الفاعل بينما يبحث البوليس الإلكتروني عن تهمة تتماشى والفعل، ودار سجال قانوني حول تكييف التهمة قبل أن يتم حفظ الشكاية إلى ما بعد تصفيات كأس العالم.
في جلسة رمضانية مع أحمد الغول، أشهر فتوات الدار البيضاء، حين كانت المدينة بالأبيض والأسود، سألته عن سر اللحية التي تغطي الجزء الأعلى من صدره، فكشف أن بعض المجرمين تقمصوا في السبعينات شخصيته وظلوا يعترضون سبيل الرجال والنساء ويوهمونهم بأن الغول معتد آثم، فاختار لحية تميزه عنهم وخلص البوليس من حيرتهم.
هناك جهابذة لا يسع المجال لذكرهم، يقضون لياليهم في البحث عن مخططات سيئة للإطاحة بذوي النيات الحسنة، وهم يتابعون نبض المجتمع ويؤمنون بأهمية الحدث في صنع المحتال المناسب للقضية المناسبة، فانتفاضة الأساتذة واعتصام الأطباء ومسيرة الاحتجاج على بان كي مون، تحولت إلى مجال استثماري لكائنات لا تستعمل المخ إلا في «الساندويشات»، ولا تتردد في الركوب على صهوة نكبات الآخرين ابتغاء المال، من خلال لجان دعم تنال فور ولادتها حق المنفعة الخاصة.
الآن نحن في أمس الحاجة لمناقصة دولية بحثا عن مواطنين حقيقيين بعيدا عن قوانين الصفقات العمومية.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى