شوف تشوف

الوشائج الخطرة (2/1)

استغرب البعض لصدور تقرير يطالب فيه البرلمان البريطاني، عبر لسان لجنة الشؤون الخارجية، حكومة بلاده بدعم العدالة والتنمية المغربي، معتبرا أن حزب العدالة والتنمية يتبنى سياسة براغماتية ويعطي الأولوية للسياسة الاجتماعية.
وطبعا فمحررو تقرير لجنة الخارجية بالبرلمان البريطاني يعرفون أنهم يكذبون على حكومتهم، لأنهم يعرفون أكثر من غيرهم أنه إذا كان هناك من حزب يضرب السياسة الاجتماعية فهو حزب العدالة والتنمية، والدليل أنه طوال خمس سنوات من وجوده في دفة الحكم لم يوفر جهدا في ضرب كل القطاعات الاجتماعية، حيث رفع الأسعار وحذف الدعم وفرض الضرائب على الصغار وأعفى منها الكبار وشجع على خوصصة الصحة والتعليم، وأغلق المستشفيات والمدارس العمومية.
لذلك فدفاع لجنة الخارجية بالبرلمان البريطاني عن حزب العدالة والتنمية ليس بسبب تبنيه سياسة اجتماعية وإنما لسببين اثنين، الأول تاريخي والثاني مصلحي.
فأما السبب التاريخي فيكمن في كون بريطانيا كانت دائما حاضنة لقادة تنظيم الإخوان المسلمين، وخلال حملة عبد الناصر في مصر سنة 1954 على الإخوان قدم هذا الأخير وثائق تثبت عمالة الإخوان لمخابرات التاج البريطاني، أما عندما قاد الإخوان حربا مسلحة ضد النظام في سوريا فقد منحتهم بريطانيا إذاعة خاصة بهم، فضلا عن أن راشد الغنوشي ممثل تنظيم الإخوان في تونس عبر حركة النهضة قضى عشرين سنة منفيا في لندن.
وعندنا في المغرب ما زلنا نتذكر كيف سرب المنسق العام للحوار الوطني حول المجتمع المدني، عبد العالي حامي الدين، ملخصا للتقرير النهائي للحوار إلى المستشارة السياسية في السفارة البريطانية لكي تطلع عليه قبل الجميع.
وعندما نشرنا الخبر في هذا العمود سارع حامي الدين ورئيسه الشوباني إلى نفيه ثم وضع ضدنا شكاية أمام القضاء وخسرها.
علاقات قياديي العدالة والتنمية ببريطانيا، على منوال الإخوان، لم تزدد مع مرور الزمن سوى قوة، ومؤخرا عقدت البرلمانية آمنة ماء العينين وعضوة المجلس الأعلى للتعليم ندوة سياسية تواصلية مع أفراد الجالية المغربية ببريطانيا داخل مسجد تابع للمركز الثقافي الإسلامي بلندن حول الموضوع نفسه الذي ألمح إليه تقرير لجنة الخارجية بالبرلمان البريطاني «المستجدات السياسية بالمغرب وآفاق العمل الحكومي بعد 2016»، واستغلت ماء العينين مرورها بذلك المسجد لمهاجمة خصوم حزبها مستعملة إحالات على مفردات تنتمي لمعجم تنظيم الإخوان مثل «الانقلاب على الشرعية».
فكما لو أن إخوان بنكيران يهيئون منفاهم الاختياري في عاصمة الضباب من الآن بعدما فهموا أن الزمن السياسي المغربي يشهد أفول العدالة والتنمية.
ولذلك يكثف البرلمانيان حامي الدين وماء العينين زياراتهما للندن وقطر بحثا عن ملاذ آمن في حالة ما إذا فشل الحزب في الاستمرار في مشروعه لاختراق مؤسسات الدولة من الداخل.
لقد أصبح اليوم واضحا أن حزب العدالة والتنمية له علاقة مع أجندات خارجية هي اليوم بصدد إعادة تشكيل الخارطة السياسية بجهة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وهي للذكر جهة غنية جدا اسمها قطر، وجهة فاصلة بين معسكرين لم ينفضا بعد من صراعهما القديم الذي يتجدد كل 50 سنة اسمها تركيا، وجهة طاعنة في التخلف وسهلة التمطيط والتحكم عن بعد.
حكومة بن كيران تجد راحة كبيرة في التموقع مع قطر وتركيا وإخوان مصر، وهو التموقع الذي دلت عليه مجموعة متواترة من الأحداث والسلوكيات السياسية للعدالة والتنمية المغربية، فهناك بعثات كوادر الحزب من وإلى قطر بشكل منتظم، بحيث إذا تم الرجوع لكشوفات سجلات مغادرات المطار والطيران وحجوزات السفر وفنادق الإقامة، سنجد أن حركية الحزب نحو قطر وتركيا نشيطة بشكل مباشر، من خلال أنشطة قادة الحزب هناك وبشكل غير مباشر من خلال أنشطة جمعيات الطلاب المغاربة هناك وأنشطة نوادي الاستثمار والاقتصاد.
المراكز البحثية القطرية، أو الممولة من طرف قطر، وهي مراكز صنع قرارات جيوسياسية أكثر من كونها مراكز بحث تربط علاقات متينة مع «أنتلجنسيا» الحزب وكوادره المكلفين بالعلاقات الخارجية والإعلام، ومن ذلك الزيارة التي قام بها وفد من الحزب الحاكم كما قام بها المعطي منجب وحامي الدين إلى الدوحة، استعدادا لإصدار بوعشرين ناشر «أخبار اليوم» الناطقة باسم العدالة والتنمية، والمحامي النويضي الذي أكل الغلة في ديوان اليوسفي، لكتاب حول الربيع العربي تحت توجيه عزمي بشارة وبتمويل من قطر، والتقرير الأخير الذي نشره معهد بشارة والذي يتهم فيه الداخلية التابعة للقصر بتوجيه الانتخابات هو أحد نتائج هذا التنسيق بين هؤلاء الزوار ومعهد بشارة.
هذه العلاقات المتينة تم تتويجها بتقديم منح سخية للأساتذة المقربين وبتنظيم لقاءات تأطير واستقطاب من تنشيط قطري، كمحاضرات عزمي بشارة ومقالاته.
بل إن التطبيع مع قطر وصل إلى درجة أصبحت معها حكومة العدالة والتنمية تسمح بانتقال فيلق من الأساتذة للإشراف على إجراء امتحانات في الدوحة لزوجة حاكم قطر المسجلة بالجامعة المغربية على عهد وزير التعليم العالي الداودي.
يعي حزب العدالة والتنمية شيئا بالغ الأهمية والخطورة في الوقت نفسه، وهو الحزب المجرب لأهمية حساب التوازنات مع القصر ومحيطه، بأن العامل التاريخي في انفتاح النظام السياسي بالمغرب، إثر اهتزازات الشارع المغربي سنة 2011، هو عامل تاريخي حاسم يجب استغلاله جيدا حتى ولو تطلب الأمر الدفع باتجاهه.
فالقاعدة السياسية التي تقول إن هذا الشارع الصاخب والمضطرب، الذي منح الحزب فرصة الحكم، لم يعد عاملا عرضيا وعابرا بل مكونا هيكليا في وجود الحزب وسلطته، ولذلك تحدى بنكيران الدولة علانية عندما قال إنه سيرجع إلى الشعب في حالة فوزه ورفض الأحزاب تشكيل الحكومة معه، فليس لأن الدستور سكت عن هذه النقطة فإن بنكيران سيسمح لنفسه لكي يلغي المؤسسة الملكية من الحساب في حالة وقوع احتباس، وهو ما نعيشه اليوم، فالملك دستوريا هو الضامن لحسن سير المؤسسات، والحكومة مؤسسة من المؤسسات.
لكن يبدو أن قناعة العدالة والتنمية أصبحت هي العودة المرتقبة ودائمة الاحتمال إلى الشارع كمصدر للقوة والمفاوضة الدائمة من أجل البقاء في السلطة أطول وقت ممكن، وهذا هو المحدد النووي للخطاب السياسي لزعيم الحزب الحاكم، كيفما كان سياق كلامه ومكانه فإنه دائم التوجه بخطابه إلى الشارع، فهو يخاطب الشارع وهو في البرلمان وهو في مجلس الحكومة وهو في قمة خارج المغرب، وهو في عشاء رسمي، وكتائبه تتبعه وتسجل «خطابه» لتعممه لمن يهمه الأمر.
ولأن تحريك الشارع من تحت سيكون مغامرة غير مأمونة المخاطر وسيعرض الحزب للمساءلة والمسؤولية القانونية المباشرة، فإن الدهاء السياسي دفع الحزب الحاكم لتحريك الشارع من فوق، وذلك بصفر إصلاحات، وصفر إجراءات شعبية، وقائمة هائلة من صلاحيات قدمها الحزب للمراكز الاقتصادية النافذة والباطرونا.
هذا الحجر الذي صوبه الحزب الحاكم يضرب به عصفورين دفعة واحدة، الأول يضمن به عودة ميمونة إلى الشارع، بذريعة تصادمه مع التماسيح، والثاني يضمن تعايشا مسالما مع بعض الجهات النافذة في الدولة لضمان بقائه في أسلاك السلطة.
غدا نشرح السبب الثاني، والأخطر، الذي يقف وراء دعم بريطانيا لحزب العدالة والتنمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى