الرئيسية

بالوثائق.. هكذا تخلى رباح عن ملايير ذعائر «الهناء» وعبد الطريق لـ «كرامة بيس»

تحقيق: محمد سليكي

في السابع عشر من شهر غشت 2011، أي بعد أقل من ثلاث سنوات على إحكام عزيز رباح قبضته على كرسي رئاسة الجماعة الحضرية لمدينة القنيطرة، ستوقع هذه الأخيرة بالأحرف الأولى مع شركة النقل العمومي حافلات «الكرامة» على اتفاقية التدبير المفوض باستثمار بلغت قيمته 540 مليون درهما (54 مليار سنتيم).
توظيف انتخابي لـ «الكرامة»
انطلقت الشركة الجديدة، وفق نص الاتفاقية، في مرحلة أولى بتشغيل 12 خطا أحدثها المجلس البلدي على أن تستغل مجموع شبكات الاستغلال في سنة 2015 تاريخ انتهاء عقد الامتياز الذي يربط المجلس بشركة «حافلات الهناء».
كان المجلس الجماعي للقنيطرة وقتها، قد أعد تقريرا «أسود» حول خروقات شركة «الهناء» استعدادا لمحو أثرها بالمدينة وجند لترويج مضامينه بين الساكنة ما يسمى بـ«الجيش الالكتروني» للبيجيدي. بالمقابل أصر رئيس المجلس البلدي على القيام باستعراض احتفالي بقدوم شركة الكرامة.
قدم رباح نماذج حافلات روجت لها قواعد حزب العدالة والتنمية تحديدا وهي تجوب شوارع المدينة، على أنها تضاهي حافلات باريس في الخدمات والألوان.. قبل أن يطلق على غالبيتها بعد نهاية «شهر العسل بين المواطن وشركة كرامة بيس»، لقب«المقاتلات».
لم يترك وقتها رباح وصقور حزب «المصباح» بمجلس بلدية القنيطرة والبلاد على أبواب انتخابات 2012، أي مناسبة تمر دون أن يُسود صفحة المجلس السابق ورئيسه محمد تلموست متهما إياهما بالتسبب في متاعب الساكنة مع شركة الهناء، إذا أُعلِن حسب وثائق حصلت عليها «الأخبار»، أن الشركة الجديدة ستستفيد من عقد يمتد على 15 سنة بتشغيل 29 خطا بعد رحيل حافلات الهناء، وستنطلق بـ 65 حافلة جديدة سيرتفع عددها خلال خمس سنوات الأولى إلى 180 على أن تبلغ في 15 سنة 235 حافلة، مع التزامها بتجديد أسطول الحافلات كل سبع سنوات.
إدراك رباح قوة تأثير لعبه على وتر جيوب المواطنين لاستمالة الناخبين سيجعله يفرض، وفق الوثائق نفسها، على الشركة الجديدة التوقيع على تحديد مبلغ التذكرة خلال السنوات الخمس الأولى في 3 دراهم بدل 5،3 درهما التي كانت تقدم بها حافلات الهناء خدماتها، لا بل وتوقيع الشركة بالنسبة للنقل المدرسي على أن «يشمل الاشتراك تخفيضا على كل الخطوط (80 درهما) ومنح اشتراكات تفضيلية للمتقاعدين (100 درهم) ولمستخدمي الجماعة (150 درهما) والمجانية للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة».
ظل التوظيف الانتخابوي لملف النقل الحضري بالمدينة من طرف حزب رباح حاضرا بقوة، وهو يلعب ورقة شركة الكرامة، وهو ما سيظهر بجلاء في وعده بإدماج جميع المستخدمين المطرودين من قبل شركات طنجيس وحافلات الهناء، وتوقيعه مع الشركة الجديدة على «تمتعهم بكل امتيازات قانون الشغل (الحد الأدنى للأجور، وصندوق الضمان الاجتماعي، والتعويضات العائلية)، وتشغيل المستخدمين الذين مازالوا يعملون في حافلات الهناء مع استفادتهم من سنوات الأقدمية».
شرعت الشركة الجديدة تدريجيا في الاستجابة لهذه الالتزامات، التي تترجم على أرض الواقع حسابات انتخابية لحزب رباح. غير أن الصدمة كانت قوية مع خروج نتائج انتخابات 2012 إلى العلن بمنح القنيطرة لحزب «البيجيدي» مقعدين بمجلس النواب وقيادة رباح للجلوس على كرسي وزارة التجهيز والنقل في حكومة بنكيران، إذ استبدلت الشركة الجديدة جلودها بأخرى، وهي تركب مسارا يعاكس غالبية التزاماتها، خاصة تلك التي تهم جيوب الركاب وجودة الخدمات..
كم كان لافتا، وفق وثائق رسمية للجماعة، أن بعض تلك التراجعات التي وقعت عليها الشركة ولعب عليها رباح انتخابيا، جرت بموافقة المجلس الجماعي، الذي استفاق في السنتين الأخيرتين تحديدا، على سخط المواطن القنيطري وصفعة تقارير المجلس الأعلى للحسابات والداخلية والمجتمع المدني..
مطيع يبعثر الأوراق ورباح يضيع الملايير
مع بيع شركة الكرامة-القنيطرة عام 2013 أسهمها لشركة كرامة بيس التابعة لمجموعة سي بيس لمالكها علي مطيع، والتي تحتكر النقل الحضري بفاس ومكناس وتطوان التي يسير «البيجيدي» جماعتها، سيأخذ تطبيق دفتر التحملات منحى آخر جعل المجلس البلدي برئاسة رباح وجها لوجه مع المواطن القنيطري، وهو العام الذي سيكشف فيه المجلس الأعلى للحسابات عن خروقات اقترفها رئيس المجلس في تدبير ملف هذا المرفق، ما أضاع على خزينة بلدية القنيطرة الملايير.
كان أول ما أثاره تقرير المجلس الأعلى للحسابات هو اتهام المجلس بعدم اطلاع الجماعة على الوثائق المحاسبية لمستغل حافلات النقل الحضري. يقول التقرير: «لا تقوم الجماعة بتتبع سير مرفق النقل الحضري الجماعي بسبب عدم إطلاعها على المعلومات والوثائق الكفيلة بتمكينها من تفعيل مراقبتها للمستغل». هذه الوضعية، وفق المصدر نفسه، أدت إلى «تدهور جودة خدمة المستغل وتراكم ديونه المستحقة لفائدة الجماعة، الأمر الذي يعرض استمرارية مرفق النقل أو تفويضه لمستغل آخر لمخاطر كبيرة».
تقرير قضاة جطو الذي وقعته القاضية زينب العدوي رئيسة المجلس الجهوي للحسابات بجهة الرباط –القنيطرة سابقا والوالي جهة الغرب عامل إقليم القنيطرة حاليا، سيفجر فضيحة مال عام من العيار الكبير في وجه رباح.
لقد اتهم التقرير بلدية رباح بـ «التقصير في تطبيق الذعائر المترتبة على امتياز استغلال حافلات النقل العمومي». يقول التقرير في هذا الصدد: «أصدرت الجماعة أمرا بتحصيل المداخيل الباقي استخلاصها على شركة الهناء بمبلغ 50,86 مليون درهم الأمر عدد 547 بتاريخ 02 غشت 2011، نتيجة تطبيق الذعائر المترتبة على مخالفة دفتر التحملات التي تمت معاينتها من طرف مصالح الجماعة ابتداء من سنة 2003 «.
غير أن تأخر الجماعة في تطبيق هذه الذعائر وعدم اتخاذ الإجراءات القانونية لتحصيلها في آجال معقولة، «جعل إمكانية استخلاصها مستعصية بحيث اقتصر القابض الجماعي بالتكفل بمبلغ 4,021 مليون درهم بتاريخ 17 يناير 2012»، يكشف تقرير قضاة جطو.
ظلت منذ ذلك الحين عدة أسئلة معلقة عند الرأي العام، بدون جواب حول أسرار عدم استخلاص رباح لذعائر تناهز 5 ملايير من شركة الهناء التي شن عليها حربا مفتوحة لإفساح الطريق أمام حافلات الكرامة بيس لدخول القنيطرة. فهل كانت هناك صفقة بين الطرفين؟ وهل بلدية القنيطرة في غنى حد الزهد عن استخلاص تلك الملايير؟..
لم يجد المجلس البلدي للرد على تقرير المجلس الأعلى سوى القول بأنه: «على إثر المراقبة اليومية التي تقوم بها مصلحة النقل الحضري بالجماعة، وكذا المراقبة التي تقوم بها لجنة المراقبة، تبين أن شركة الهناء لم تحترم منذ بداية الامتياز، سواء تعلق الأمر بعدد الخطوط المستغلة أو عدد الحافلات أو جودة الخدمات وغيرها من الالتزامات التي تتحملها، مما اضطر المجلس الجماعي إلى إقالتها».
جواب بلدية رباح سيمضي قائلا: «إن تطبيق الذعائر بالنسبة للفترة ما قبل 2007 تمت بشكل جزئي، حيث تم إرسال أمر بالتحصيل إلى القابض الجماعي، وبعد انتداب المجلس الحالي، تم تشديد المراقبة وتوجيه إنذارات للشركة قصد وفائها بالتزاماتها، ولما تم استنفاد جميع الإجراءات الحبية، تم اللجوء إلى فرض الذعائر طبقا لمقتضيات كناش التحملات».
المجلس البلدي سيعترف بعجزه عن استخلاص تلك الملايير بقوله أيضا: «وتبعا لذلك، فإن المجلس الحالي لم يتأخر في اتخاذ الإجراءات اللازمة رغم امتناع القابض الجماعي عن التكفل بتحصيل ما مجموعه 50 مليون درهم إلا بتدخل السلطات المركزية وإيجاد حلول لتقسيط هذه الذعائر».
رباح والمال العام .. من إهمال لآخر
بعد مرور أكثر من سنتين على تقرير المجلس الأعلى للحسابات المذكور وتعيين من وقعته الوالي على جهة الغرب والعامل على إقليم القنيطرة، سيعد خبراء متطوعون لفائدة حزب الاتحاد الاشتراكي بالقنيطرة دراسة موضوعاتية حول أزمة النقل الحضري وجهت إلى أكثر من جهة معنية، بدأت بعدة تساؤلات من قبيل: ما مدى التزامات البلدية بملاحظات قضاة جطو؟ وهل يراقب المجلس عبر مصالحه تدبير مرفق النقل الحضري وينجز تقارير في هذا المجال؟ وهل يطلع على الوثائق المحاسباتية للشركة؟ وهل استخلصت مصالح الجماعة الذعائر المتراكمة على شركة الهناء بعد تقسيطها؟.
لقد كان من المفترض على شركة الكرامة توفير الأسطول المتعاقد عليه والمتكون من 185 حافلة جديدة في السنة الثالثة من الاستغلال، كما هو مقرر في الجدول 1 من الملحق التعديلي رقم 01/13 الذي صادق عليه المجلس بالمقرر 31/2013، إلا أنه لوحظ عدم احترام هذا التعاقد دون أن يتخذ المجلس أي إجراء زجري في حق الشركة، تقول الدراسة التي حصلت «الأخبار» على نسخة منها.
الدراسة ذاتها ستلفت انتباه رئيس المجلس البلدي إلى ملاحظة المجلس الأعلى للحسابات، حول شركة الكرامة حين قال في تقريره: «كما عاينت مصلحة النقل الحضري مجموعة من المخالفات التي قامت بها شركة «ك» محضر مخالفات شتنبر 2012 نتيجة عدم احترامها لمقتضيات عقد التدبير المفوض رقم 11 / 01 المتعلق بتفويت خطوط النقل الحضري بواسطة الحافلات. غير أن الجماعة لم تتخذ الإجراءات القانونية لتصحيح هذه الوضعية، لاسيما تطبيق الذعائر المنصوص عليها في عقد التدبير المفوض».
ووفق أحد معدي هذه الدراسة فجواب رباح عن هذه الملاحظة سيكشف حظوة هذه الشركة عند رئيس بلدية القنيطرة عندما قال: «ليس هناك أي مبرر قانوني لفرض هذه الذعائر عليها، خصوصا بعد إدلائها بشهادة صادرة من المزود تثبت اقتناءها الحافلات المتبقية. وأن عدم توصلها بباقي الحافلات لا يعود لخطئها».
رد رئاسة بلدية القنيطرة على المجلس الأعلى للحسابات هذا وعلاقته بوعودها في الدورات، سيدفع بأصحاب هذه الدراسة عام 2014 إلى طرح عدة تساؤلات، منها: هل مازال المزود لم يسلم الحافلات إلى شركة الكرامة منذ 2012؟ وفي أي إطار سمح لشركة الكرامة بإدخال حوالي 40 حافلة قديمة يتجاوز سنها أكثر من 7 سنوات ؟ ولماذا لم تطبق الغرامات على المخالفات إلى حد الآن؟..
ومع استفحال أزمة النقل وارتباك حسابات ورهانات رباح على شركة الكرامة بيس، ستقابله رئاسة البلدية باجترار وعود لم تتحقق دون أن يقوى على إقالة صاحب الامتياز كما حصل مع شركة الهناء، وهو ما يظهره محضر الدورة الاستثنائية للمجلس بتاريخ 30 شتنبر 2013، إذ سيقول الرئيس بالنيابة رشيد بلمقيصية وفق المصدر نفسه : «إن شركة الكرامة ستوفر 140 حافلة في نهاية سنة 2013 وستصل إلى 180 عند نهاية سنة 2014.»
معدو الدراسة سيرصدون عدم تصريح الرئيس بالنيابة بوجود حافلات قديمة رغم جولانها بالمدينة وهو ما يتناقض، حسبهم، مع «عقد التدبير المفوض الذي يتكلم عن حافلات جديدة حسب مقتضيات المادة السابعة من العقد ت.م 01/2011» قبل أن يتساءلوا مع بداية العام الجاري: هل وصلنا إلى عدد 180 في نهاية 2014 ؟ هذا مع الأخذ بعين الاعتبار أنه «من المفترض الوصول إلى 185 حافلة، حسب مقتضيات المادة الخامسة من الملحق عدد 01/13»، يوضح المصدر نفسه.
لم تنحصر الأحلام المؤجلة لتخليص القنيطريين من كابوس «الطوبيس» عند رشيد بلمقيصية فقط بقدر ما تعدته الى رباح شخصيا. فبالعودة إلى دورة 31 أكتوبر 2013 سيصرح عزيز رباح رئيس المجلس البلدي كما هو موثق في (الصفحة 34 من محضر الدورة) بأنه «ستضاف 10 حافلات فولفو جديدة قبل نهاية شهر نونبر 2013 وستضاف 50 حافلة قبل نهاية 2013 سنة وستكون هناك 187 حافلة في سنة 2014».
اليوم ونحن في عام 2015 ما الذي تحقق من تلك الوعود التي أطلقها رباح وتلك الالتزامات التي وقع عليها صاحب الامتياز؟ يتساءل المواطن القنيطري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى