الرئيسية

بحث محمد السادس يكشف الطريقة التي تجنب بها الحسن الثاني محاولات القذافي قلب نظام الحكم بالمغرب

كان من المفترض، بموجب معاهدة وجدة، أن يشمل التعاون المغربي الليبي مجالات مختلفة إلى جانب المجال الدفاعي والسياسي والاقتصادي كما سلف بيانه. ومن بين المجالات هاته، وفق ما يؤكده الملك محمد السادس في بحثه، المجال الثقافي والرياضي. وقد فتحت المعاهدة، بالفعل، أبواب تعاون في هذا الإطار تفسر اليوم، وعلى سبيل المثال، سبب اختيار آلاف المغاربة ليبيا بلدا للهجرة خلال ثمانينات القرن الماضي.

وفي هذا الصدد يقول الملك: «نصت المادة الثامنة من معاهدة وجدة على نهج البلدين لسياسة مشتركة في مختلف الميادين. وتهدف السياسة المشتركة في المجال الثقافي طبقا للمادة التاسعة إلى إقامة تعاون يرمي إلى تنمية التعليم على اختلاف مستوياته وإلى المحافظة على القيم الروحية والخلقية المستمدة من تعالم الإسلام السمحة، وصيانة الهوية الوطنية العربية، واتخاذ ما يلزم من وسائل لبلوغ جميع هذه الأهداف ولاسيما بتبادل الأساتذة والطلبة وإحداث المؤسسات المشتركة ذات الصبغة الجامعية أوالثقافية أو المتخصصة في البحوث. فالمادة التاسعة، إذن تشير إلى تنمية التعليم على اختلاف مستوياته، ولا تشير إلى توحيد التعليم في البلدين، وهذا يعني أن المناهج داخل كل بلد قد تتغير تبعا للظروف المحلية، ولذلك فإن المعاهدة ترمي إلى رفع مستوى وحجم التعليم عن طريق التعاون الثنائي وتذليل الصعوبات وإنشاء المؤسسات المشتركة في هذا المجال. وعلى ذلك، فإن مجالات العمل المشترك يمكن أن تنصب على التنسيق وتبادل الخبرات، ويمكن أن تقوم بهذا العمل المشترك الإدارات المتخصصة في مجال التعليم بالإضافة إلى وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية. ويمكن في هذا الإطار أيضا تبادل البرامج الثقافية والإنتاج الأدبي والفكري والفني».

الملك محمد السادس يذهب في بحثه إلى أن مرمى معاهدة وجدة كان إقرار نموذج ثقافي عربي راسخ وصحيح، وهو ما عبر عنه الملك بالقول: «ويمكن القول بصفة عامة أن السياسة المشتركة في المجال الثقافي تستدعي ترسيخ المفهوم الصحيح للثقافة العربية، ووصلها بالتراث العربي الإسلامي، وتكاملها مع الثقافات العالمية. وكذلك تكوين الشخصية الذاتية العربية وصيانة هويتها الوطنية، وتهيئتها للوعي بتراثها وقيمها الروحية المستمدة من تعاليم الدين الإسلامي السمحة. بيد أن تحقيق هذه السياسة المشتركة يستدعي تحديد الأهداف المتوخاة منها بوضوح وتنظيم الأجهزة المشتركة ذات الصبغة الجامعية أو الثقافية أو المتخصصة في البحوث، وكذلك تبادل الأساتذة والطلبة وكل ذلك يتضمن ضمان تمويل العمل الثقافي المشترك، وتكامل أجهزة الثقافة والتعليم والإعلام، بالإضافة إلى توثيق التعاون بين البلدين وتنسيقه في مختلف هذه المجالات».

من الناحية المؤسساتية، أقر الاتفاق المغربي الليبي هيكلا إداريا لتدبير المسألة الثقافية بين البلدين. الملك محمد السادس يفصل هذه البنية المؤسساتية ذاكرا: «من الملاحظ أن معاهدة وجدة ربطت بين المجال الثقافي والمجال التقني بنصها في المادة الرابعة على إنشاء مجلس خاص بهما يسمى مجلس العمل الثقافي والتقني، ويمكن اعتبار ميثاق التكامل للعمل الهندسي من الخطوات العامة التي تم اتخاذها في إطار السياسة المشتركة في مجال التعاون التقني، فقد تم بمناسبة انعقاد المجلس الأعلى لاتحاد المهندسين العرب في الفترة ما بين 13-15 مارس 1985 بطرابلس بالجماهيرية العربية الليبية لقاء بين المؤتمر الهندسي العام للجماهيرية والاتحاد الوطني للمهندسين المغاربة، تم خلاله التوقيع على مشروع ميثاق التكامل للعمل المهني والهندسي في إطار الاتحاد العربي الإفريقي (…) وقد حدد الميثاق المذكور الوسائل الملائمة لتحقيق هذه الأهداف وتم في هذا الإطار إنشاء جهاز هندسي وحدوي، كما تم وضع برنامج عمل مشترك إلى جانب توثيق التعاون في المجالين الثقافي والتقني، تم التوقيع على اتفاقيات عديدة بين البلدين للتعاون في مجالات أخرى، ومن ذلك اتفاق التعاون في المجال الأمني وقطاع الشبيبة والرياضة».

وهنا ينتقل الملك إلى كشف مضمون أهم الاتفاقيات التي وقعت بين المغرب وليبيا تفعيلا لمعاهدة الاتحاد العربي الإفريقي ومن بين أهم المقتضيات التي جاءت بها الاتفاقيات هاته إقرار حق مواطني المغرب وليبيا في تملك العقارات والمنقولات والتصرف فيها في البلدين مع معاملتهما ضريبيا بالمعاملة ذاتها التي تخص مواطني البلد، كما أعطت الاتفاقيات لكل من ليبيا والمغرب الحق في منع أي من رعايا البلد الآخر من الدخول والإقامة والتوطن في أراضيه وإبعاده عنها، وذلك لاعتبارات أمنية سواء كانت داخلية أو خارجية، ومنعت على الطرفين السماح لمواطني الطرف الآخر بالقيام بأي نشاط سياسي مناهض للبلد الآخر.

هذا المقتضى الأخير كان بالغ الأهمية، وقد ورد في اتفاقية وقعها، كما يورد الملك في بحثه، وزير الداخلية المغربي وأمين اللجنة الشعبية العامة للعدل بليبيا، يوم 26 شتنبر 1984 بفاس. أبعاد هذا البند من الاتفاقية هي التي تحدد أهميته، ذلك أنه يعد بمثابة إعلان هدنة واضحة بين ليبيا والمغرب بعد مسلسل مناوشات سياسية، خصوصا من الطرف الليبي على اعتبار أن القذافي كان يدعم القوى السياسية المناهضة للحكم في المغرب ماديا وعسكريا، تحت غطاء دعمه لحركات التحرر، وقد كانت هذه المجموعات المدعومة بالمال والسلاح الليبي منتمية إلى اليسار أو اليمين على السواء، وبالتالي كانت خطوة ذكية من الحسن الثاني أن يتم الدفع في اتجاه أمن الجانب الليبي من مدخل التعاون، ولعل أذكى ما في الأمر التنصيص صراحة على منع المغاربة والليبيين على السواء من القيام بنشاط سياسي مناهض للبلد الآخر، بالأحرى دعم دول لمواطني دولة أخرى في سبيل ما من شأنه زعزعة نظام الحكم في البلد الآخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى