شوف تشوف

الرئيسية

بكل ما تصفى من دمي

لا يحمل المبتورون هم الأحذية التي تضيق..
ولا يلعنون الجوارب الممزقة أبدا..
والذين عضوا أصابعهم كمدا.. لا يملكون رفاهية مسح الدموع.. لا تغويهم فتنة القفازات ولا أكواب الشاي الدافئة.. كمئذنة هجرها المصلون..
كنبي خانه الحواريون.. كمدينة دنسها الغازون..
ذلك حال الأفئدة التي ترهبنت في دير العزلة..
والتي تجرعت نبيذ الخيبة حتى ثملت..
لا تفتح أبوابها للطارقين المستوحشين..
ولا إفطار حب لصيام مشاعرها القسري يبل ريق بهجتها ويدب الحياة في أوصالها..
بل تنام الليل والنهار.. رغم بهجة الأضواء وزينة المحافل.. اغرس الخير في قلب غيرك ثم اسقه ونم بقربه قرونا ولن يثمر.. افعل المعروف وارمه في النهر ثم اقفز خلفه ومت غرقا.. قدم السبت والأحد والاثنين والثلاثاء وأزهق حياتك قرابينا مؤلفة ولن توقد شمعة يتيمة بجوار قبرك.. كن سمحا رقيق الفؤاد.. كن بريئا عفيف الخلق.. ساذجا كنعجة بيضاء.. طيبا كسنجاب ودود.. وعندما تستدير مغادرا مجالسهم.. تماسك.. احقن دموعك وكفكف دهشتك.. فتلك الابتسامات الوادعة ستستحيل حالا مسامير شرهة تقضم الرضا من بين عينيك.. لا تُلق بالا للطعون الماكرة التي ستأتيك من ألف خلف لتصفع قفاك وتلهب ظهرك.. بل أنفق عمرك حتى خسوف المشيب مداويا ندوب ثقتك وراتقا جراح عفويتك.. ململما شتاتك وأشلاء طهارتك.. وقبل انهيارك بغصة لا تنس.. ابتسم..!
فالمصور نفسه يشعر بذبحة..
تميمة الغرباء الخالدة أنهم منبوذون وينبغي أن ننفر منهم دوما.. ليت شعري لماذا ؟
ما فتئت أمي تحذرني منهم منذ أن كنت أحبو فوق مقاعد الدراسة وحبر الطفولة البريئة يزين أرديتي فتقول:
! احذري الغرباء كحذرك الغيلان وعفريت علاء الدين
لا تحادثيهم..!
لا تماشيهم..!
وإلا امتصوا دمك.. وأكلوا قلبك نيئا..!
وأذكر أنني كنت أجيبها بعتب:
ـ وإن قدموا لي الحلوى
.. ـ وإن وعدوك بأخذك إلى جزر الذهب
وكبرت وأنا أستغرب كل هذه الرهبة تجاه الغرباء.. وعندما عركتني الحياة بمراراتها وخبراتها وأظهرت لي وجهها القبيح..
أدركت أن أمي قد عنت العكس ولم تخبرني الحقيقة شفقة ورحمة بي..
هو جسدي المثخن ببضع وسبعين طعنة يخبرني أنها لم تكن يد غريبة البتة.. وإنما يد قريبة جدا.. ماهرة جدا.. عذرا أيها الغرباء..
بكل ما تصفى من دمي.. بكل ما تبقى من قلبي..
أنا أحبكم.. فتقبلوا توبتي..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى