شوف تشوف

الرئيسية

«تابيرو».. بائع السمك الذي تزوج المطربة اليهودية الزوهرة الفاسي بعدما لقبته بـ «تون» البحر

ولدت الزوهرة الفاسي سنة 1900 في مدينة صفرو، واسمها الحقيقي إيستر، وعاشت في أسرة بسيطة، سرعان ما التحق والدها بمدينة فاس للاشتغال في مجال التجارة بائعا متجولا، إلا أن أحد التجار اليهود اقترح عليه الرحيل إلى الرباط قبل الاستقرار بمدينة الدار البيضاء، حيث حطت أسرة إيستر الرحال بالمدينة القديمة وتحديدا في «بوطويل»، معقل رجال الفن المغاربة واليهود، فيما كان والدها يعرض سلعته في درب «عوا» غير بعيد عن حي «كوبا».
بدأت الفتاة علاقتها بالطرب بتنشيط حفلات الرابطة اليهودية في الدار البيضاء، وهناك تعرفت على رموز فن الطرب اليهودي وتحدت أسرتها وهي تهرب من المدرسة لتتمرن مع فرق موسيقية مكونة من يهود ومغاربة، بدعم من موسيقيين يقتسمونها الهواية والديانة نفسيهما.
كتب للزوهرة عمر فني جديد في حي «بوطويل»، حيث مطربون يهود من قبيل السولامي وسليم عزرا وبوحبوط وشلومو الصويري، وغيرهم من الأسماء. واضطرت المغنية الشعبية التي كانت تلقب بـ«الصفريوية»، إلى حمل لقب «الزوهرة الفاسية» حتى تقتحم البيوت المغربية، وهي المتشبعة بروح الطرب الأندلسي والملحون، قبل أن يجرفها اللون الشعبي، حيث ذاع صيتها في أوساط العائلات البورجوازية المغربية التي كانت تستضيفها في جل المناسبات، ما جعل تراثها الغنائي يشكل مادة خصبة بالنسبة إلى جل المغنين الذين جاؤوا بعدها، وأعادوا تقديم أغانيها.
تزوجت الزوهرة بقرار من والدها، أول مرة في مدينة فاس من صانع تقليدي يهودي يدعى «عزرا» وأنجبت ابنين، إلا أن الزوج اعترض على حضور زوجته حفلات الطرب، ليحصل الطلاق وترحل إلى الرباط وهناك تزوجت مرة أخرى من تاجر يهودي من أصول إيطالية يدعى «تابيرو».
وحسب كتاب «ضروب الغناء وعمالقة الفن» للإذاعي أبو بكر بنور، فإن الفضل في اكتشاف الزوهرة الفاسية، يعود إلى الفنان إبراهيم الباشا، جد المطربة المغربية منى أسعد، حين انتقلت الفاسية إلى الرباط واستقرت بها. وهناك دخلت تجربة زواج ثانية، بعد تجربة أولى بفاس أنجبت منها ابنين، وهذه المرة ارتبطت بـ«تابيرو» التاجر اليهودي المختص في نقل السمك بالرباط.
كان «تابيرو» مهووسا بالفاسية إذ نادرا ما يخلف الوعد مع سهراتها، وقيل إنها أنشدت أغنية خصيصا له، لأنه كان عاشقا لفنها، وكانت تطلق عليه لقب «التون» نظرا لضخامته من جهة ولاشتغاله في قطاع السمك، إلا أن مقربين من الفن اليهودي تحدثوا عن عشق متبادل بين الطرفين قبل الزواج بحكم الجوار، إلى أن غنت قطعة «الجار» لإدريس بن علي، علما أن الزوج كان متيما بمطرب يهودي من أصول إيطالية يدعى «مويزو» كان له حضور في الملحون المغربي.
حين استقرت الزوهرة في الدار البيضاء، تنقلت عبر أحياء أخرى في محيط المدينة القديمة، منها «درب الإنجليز» ثم «ساحة فيردان»، قبل أن تقرر الانتقال رفقة زوجها إلى فرنسا، ومنها إلى إسرائيل سنة 1964، حيث استقرت بـ«أشكلون» أي عسقلان، إلى أن توفيت يوم 16 يوليوز سنة 1995. ويقال إن زوجها توفي قبل رحيلها بخمس بسنوات، وكانا يقطنان مسكنا في عسقلان في بيت أثثاه على الطريقة المغربية. وكان «تابيرو» عاشقا للجلباب المغربي والطربوش الوطني، في حين كانت الزوهرة مسكونة بالقفطان المغربي الذي لم يكن يفارقها حتى في أيامها العادية، وعلى جدران بيتهما صورة ضخمة للملك الراحل محمد الخامس، وكلما أمعنت النظر فيها أطلقت الزوهرة زفيرا من الأعماق.
يعتبر عازف القيتار المغربي-الفرنسي مارك طوبالي المزداد بفاس عام 1950، أحد أحفاد الزوهرة الفاسية، وهو الذي أعاد توزيع أغانيها، وينهل من رصيدها الغني بالأغاني الخالدة التي مازال مطربو الفن الشعبي يعبثون بها.
بعد وفاتها، قامت وزارة الثقافة المغربية بطبع أسطوانة خاصة بالفنانة الفاسية ضمن «أنطولوجيا الموسيقى المغربية» في الجزء الخاص بالمغنين اليهود المغاربة. والأسطوانة تتضمن ثماني أغان خالدة، خاصة وأن الزوهرة كانت أول مغربية تصدر أسطوانات وذلك في نهاية العشرينيات عبر «شركات الإنتاج».
ويرى المتتبعون للشأن الفني أن أغنيتها «حبيبي ديالي فاين هو» العمل الفني الأكثر تقليدا بلا منازع في خزانة الأغاني المغربية، حيث أداها كل المطربين اليهود المغاربة بل المغاربيين بدون استثناء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى