شوف تشوف

الافتتاحية

«تاحراميات» حكومية

دون خجل، وبحس يفتقد لأدنى درجات المسؤولية، اعترف لحسن الداودي، وزير الشؤون العامة والحكامة، أمام مشرعي الأمة، خلال آخر جلسة برلمانية، بأن الوعد الذي التزم به داخل قبة البرلمان بتسقيف أسعار المحروقات في أجل أقصاه شهر مارس الماضي، مجرد كلام أطلقه في الهواء، وأنه كان مقتنعا بعدم تمكنه من فعل ذلك، لكنه استغل منصة البرلمان ليمارس الضغط على شركات المحروقات من أجل التوصل إلى توافقات بشأن أسعار المحروقات التي طالب لجنة برلمانية قادها الحزب الحاكم بوضع سقف لها.
من المؤسف جدا أن يقوم وزير في حكومة يفترض أنها تتوفر على كل الصلاحيات لتنظيم السوق وضبط الأسعار بتحويل البرلمان إلى فزاعة لإخافة والضغط على المستثمرين في مجال المحروقات. فبدل أن تتحلى الحكومة بالشجاعة وتتخذ الإجراءات الضرورية والشجاعة لحماية القدرة الشرائية للمواطن، وفي الوقت نفسه تحفيز الاستثمار وتجنيبه ويلات الإفلاس، انبرت إلى ممارسة الحيل السياسية أو «تحراميات» واستغلال منصة البرلمان لتوجيه رسائلها إلى من يهمه الأمر.
وبدون شك، فإن هذا التلاعب والوعود الكاذبة لو حدثا في حكومة تحترم نفسها وناخبيها لعصفت بها رياح غضب الرأي العام إلى غير رجعة، لكن في بلدنا يمكن للوزير أن يكذب في كل شيء دون محاسبة.
الغريب في أمر هاته الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية، أنها اتخذت أمس قرارا شعبويا بتحرير أسعار المحروقات لتوفير أكثر من 3000 مليار سنتيم كانت تحولها الحكومات السابقة لصندوق المقاصة لدعم أسعار البنزين، دون أن ترفق ذلك بتدابير مصاحبة تحمي القدرة الشرائية للمواطن، واليوم تصور الأمر وكأنها تحقق إنجازا غير مسبوق وتتباهى ببذل الجهد المضني وتضييع الكثير من الزمن من أجل الدفاع عن جيوب المواطنين، وهي التي باعتهم في سوق التحرير الجشع.
فالجميع يدرك أن الارتفاع الصاروخي لأسعار المحروقات ليس ذنب المستثمرين في هاته المادة الحيوية بالنسبة للمغاربة، بل يعود إلى قرارات حكومية ارتجالية لم تكن مرفوقة بدراسة للجدوى ولا مصاحبة بتدابير الدعم الاجتماعي.
فحكومة بنكيران التي ابتلانا بها قدر «الربيع العربي» قررت بناء على حسابات ميزانياتية ضيقة تخفيف العبء على مالية الدولة والتخلص من كل مظاهر دولة الحماية والرعاية وقررت تخفيض دعم صندوق المقاصة من 5600 مليار سنتيم إلى 1200 مليار سنتيم، بينما تركت المواطن يواجه مصيره أمام قانون السوق المحكوم بالعرض والطلب بينما هي إلى سلطة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
فهل هناك «تاحراميات» حكومية أكبر من هذه؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى