شوف تشوف

ثقافة وفن

تارنتينو.. الذي يسقطه النقاد وترفعه الجماهير

سهيلة التاور

كوانتين تارنتينو هو المخرج ذو البصمة المميزة، بتعابير وجهه المضحكة والغريبة، وحديثه السريع جدا وغير المفهوم تقريبا. يمكن نسبه لواحد من المرضى العقليين أحيانا. مولود في شهر مارس 1963 في ولاية تينيسي الأمريكية، من أبرز المخرجين عالميا، ومن المفضلين في قائمة موقع IMDB الشهير الذي وضعه في قائمة أهم 10 مخرجين في تاريخ السينما الأمريكية.

تكتظ ساحة السينما في الوقت الحالي بالمخرجين المحترفين بدون شك، لكن تظل بصمة كوينتن تارنتينو مميزة عن أي بصمة أخرى، لدرجة أن عند مشاهدتك لفيلم من إبداعه لا تحتاج لرؤية اسمه بين لائحة الساهرين على الفيلم، بل تنسب إليه الفيلم مباشرة من خلال قصته. تارنتينو منذ 1992 من خلال فيلمه «مستودع الكلاب» كان ولا يزال حالة خاصة بدون منازع وأفلامه من حقها أن تُنسب إليه أولا قبل أن تُنسب لأي تصنيف أو وصف آخر.
فالمخرجون عادة يخوضون في أنواع مختلفة وأصناف الأفلام من الأكشن إلى الدراما أو المغامرة ولم لا الحرب أو الويستيرن، الشيء الذي يجعل من المساحات المشتركة بين الأفلام تظل شبه منعدمة أو بالأحرى يصعب علينا كمشاهدين تمييزها أو ربط الصلة بينها ونسبتها كلها لمخرج واحد. ونأخذ كمثال المخرج سبيلبرج، عند مقارنة فيلم المغامرات في سلسلة إنديانا جونز، والفيلم المقتبس من واقعة حقيقية مثل ميونخ 2005، وفيلم السيرة الذاتية مثل لنكولن 2012، والفيلم الحربي مثل إنقاذ الجندي ريان  والفيلم الدرامي الكوميدي مثل صالة المطار 2004سنجد صعوبة في إيجاد أوجه الشبه بينها. إلا أن كل أفلام تارنتينو تحمل جيناته ومن السهل جدا أن نقول هذا الفيلم لتارنتينو. فهو يكتب سيناريوهات أفلامه بنفسه الشيء الذي يعتبر نقطة مشتركة بينها.
تظل التركيبة التي يُقحمها تارنتينو في أفلامه فريدة ومميزة، غير أن العديد من النقاد والمتخصصين يعتبرون التقنية التي يشتغل بها فوضوية والتي تؤدي به لصناعة أفلام من خلال حواديث مسلية، بطبيعة صبيانية كارتونية دموية، دون اعتراف بها فعليا كأفلام عظيمة تشتمل على معاييرهم الدقيقة لمنحها طابع فيلم عظيم. غير أن معايير الجمهور تختلف تماما عن معاييرهم. فالجمهور يقيس عظمة الفيلم من خلال معيار «التسلية». وهذا ما يفسر تواجد خمسة من أفلام من أفلام تارنتينو السبعة في قائمة موقع IMDB الجماهيرية الشهيرة لأفضل الأفلام في التاريخ. فيلمان فقط خارجها (Death Proof – Jackie Brown).
تارنتينو مهووس بفكرة الأشرار، ويعترف لهم بقدرتهم على الانتصار. ونجد هذا في فيلمه مهمات حربية ضد النازيين، وهو ما يستحضر الثنائي الأساسي في الأفلام الحربية (خير ضد شر)، حيث اختار الفوز والانتصار للفريق الأمريكي الشرير السادي (براد بيت ورفاقه)، بدلا من الفريق الآخر الأكثر أخلاقية والتزاما (مايكل فاسبندر ورفاقه). وبناء على هذه الفكرة تم صنع فيلمه الثامن الذي يحمل نفس الرقم في عنوانه الثمانية المكروهون، إلا أنه في يناير 2014، قام موقع غوكر (Gawker) بتسريب نسخة من نصه بعد انتشار النص على مواقع الأنترنت، قرر بذلك تارانتينو إلغاء المشروع برمته واستخدام القصة كرواية بدلا من فيلم. وبعد رفع تارانتينو دعوى حقوق الطبع والنشر ضد غوكر، قام بإسقاطها لاحقا وصرح أنه بدأ في العمل على الفيلم الذي هو أحد أهم أفلام العام المُنتظرة والذي يدخل ضمن قائمة أفلام تارنتينو المميزة ببصمته كالعادة. وتدور الأحداث بعد الحرب الأهلية الأمريكية بسنوات، ويندرج الفيلم في تصنيف الويسترن، مثل فيلمه السابق جانجو بدون قيود. بمشاركة صائد جوائز كيرت راسل الذي يصطحب مجرمة محكوما عليها بالإعدام  جينيفر جيسون لي، لتسليمها للسلطات مقابل مكافأة. لكن كل شيء يتغير عندما تُجبرهم عاصفة ثلجية خلال الطريق، على الإقامة مؤقتا في مأوى يضم ستة آخرين (صامويل ل جاكسون – تيم روث – والتون جوجينز – مايكل مادسن – بروس ديرن – دميان بشير).
ومن خلال العرض الأول للفيلم ثم العرض العالمي الذي بدأ في 8 يناير يجعل من الفيلم يتصدر الإيرادات الأمريكية، مما يرجحه أن يجعل قائمة أفلام تارنتينو تمتد لتشمل ثمانية رائعين. فكعادته ينسب  تارنتينو تجسيد قصته من طرف شخصيات رئيسية عملت في الأساس في مجال الإجرام السينمائي. ويعود للتعاون مع طاقم تمثيلي تعامل مع أغلبه سابقا. أخص بالذكر صامويل جاكسون الذي يتعامل معه للمرة السادسة صامويل تألق أوائل العام في Kingsman لـ «ماثيو فون» الذي لا يخلو من تأثره بتركيبة تارنتينو الفوضوية.
«الثمانية المكروهون» من أعمال تارنتينو التي تختلف عن أعماله الأخرى السابقة من خلال 3 نقاط مهمة؛ أولا، تارنتينو ألغى فكرة نجاح الأفلام على مستوى شباك التذاكر من خلال مقياس نجوم السينما. فهذه المرة عمل مع غير النجوم (باستثناء صامويل جاكسون). ربما سيتحول إلى نجم شباك كما حدث مثلا مؤخرا مع كريستوفر نولان. الشيء الذي سنعرفه عند عرض الفيلم عالميا.
ثانيا، خص تأليف الموسيقى التصويرية للفيلم للإيطالي إنيو موريكوني. صاحب كلاسيكيات الويسترن أشهرها A Fistful of Dollars – The Good, the Bad and the Ugly. الشيء الذي يمنح للموسيقار عودة جديدة في الموسيقى التصويرية بعد غياب امتد لأكثر من 40 عاما تقريبا. ثالثا، من المعروف أن تارنتينو يعتبر من أعداء الكاميرات الديجيتال الحديثة، تماما مثل كريستوفر نولان. فهذه المرة لم ينجز الفيلم بكاميرات الـ 35 ملم التقليدية كأفلامه السابقة، بل عمل من خلال استخدمه لكاميرات الـ 65 ملم التي لم تستخدم يوما على نطاق واسع. وبنسبة أبعاد عريضة جدا (2.75 : 1). فقام بعرض الفيلم على نطاق محدود في 25 دجنبر، بنسخ 70 مم في قاعات عرض مهيأة لذلك في أمريكا. أما في 8 يناير فقام بعرضه بنسخ الديجيتال السائدة حاليا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى