الرأي

تحية أهل الكتاب في أعياد رأس السنة

مع كتابة هذه الأسطر نكون قد دخلنا العام الجديد عام 2016 م ونكون قد احتفلنا بعيد ميلاد رسولين التحما في وقت متقارب، يسوع ومحمد عليهم صلوات الله، وهو ما يذكرني بشهود يهوه الذين اجتمعت بهم في ألمانيا، وهم قوم ناشطون جدا بقدر سطحيتهم وسذاجتهم.
قالوا لي إن الكتب المقدسة واحدة فنحن نقرأ العهد القديم والجديد، قلت لهم لماذا لا تضمون القرآن للمجموعة؛ فتفعلوا ما فعل غاندي عليه السلام، حين كان يقرأ في الوقت الواحد الإنجيل والتوراة والزبور والفيدا والقرآن وكلمات كونفوشيوس وتأملات زن الياباني؟ قالوا محمد كذاب ثم وضعوا بين يدي فورا مقالات كتبها مفكروهم عن كذب النبي (ص)، تذكرت مع كلماتهم كلمات القرآن وإن يكذبوك فقد كذب قوم من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات والزبر والكتاب المنير، بل يذهب القرآن أبعد من ذلك حين يقول: وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه فأخذتهم فكيف كان عقابي؟ ومن هذه المسرحيات المخيفة كيف عمدوا إلى القبض على يسوع وكأنه لص ثم يحكم عليه السنهدريون بالإعدام؟ وهنا تختلف رواية القرآن عن الرواية المعتمدة عند المسيحيين في القضاء عليه وانتشار دعوته، ولكن كلا الفريقين قد اتفق على الجريمة، في القبض على رجل سلامي ومحاكمته، ثم إعلان حكم الإعدام وتقديمه لأشنع أنواع الميتات، إلى درجة أن بيلاطس حاكم فلسطين الروماني أراد يومها إنقاذه من يد أولئك الظلاميين المتشددين، كما في جماعة داعش الحالية وأصنافهم من المتطرفين الذين يجيدون القتل باسم الله، كما كان كهنة السنهدرين قديما، وذكر لي مالك بن نبي الذي كتب كتابا حول المسألة لم ير النور، أن زوجة بيلاطس كانت مؤمنة كما هو الحال في زوجة فرعون. فالقصة مكررة كما نرى في كل زمان وعصر.
ومع كتابة هذه المقالة نكون قد شهدنا نهاية عام 2015 ميلادية الذي نأمل أن تكون فيه حفلات سفك الدم في الشرق الأوسط قد قاربت النهاية، وهو أمر مشكوك فيه، مع دخول بوتين الرياضي صاحب العضلات، ورجل المخابرات الفاشل الذي هربت منه زوجته لاجئة إلى دير حسب مجلة در شبيجل الألمانية (كان يدير الشتازي الألماني في ألمانيا الشرقية سابقا، وهو صاحب السر الدفين في كيفية تدمير جروزني فبنى من جماجم الضحايا مجده الإجرامي ويكمله حاليا بقتل الأطفال السوريين).
مع هذا دعنا نتفاءل ولكن بهذه المناسبة أتذكر تاريخي الشخصي جيدا في هذه المناسبة، فأنا رجل ولد في مدينة اسمها القامشلي فيها 10 لغات، و8 أديان، بما فيها المسيحية النسطورية (المنقرضة) يسمون أنفسهم الكلدان، إضافة إلى العلويين والشيعة والدروز والكاثوليك والبروتستانت واليزيديين (الذين يرون أن الإجرام والفساد في الأرض لا تفسير له إلا أن إبليس هو الذي يحكم الوجود لمدة عشرة آلاف سنة القادم؟). وهم غير زيديي اليمن، فضلا عن الحوثيين الذين يقولون بنظرية الاصطفاء ما يذكر بالنظرية الآرية في أرومة الدم واستدارة الجمجمة، وأن هناك دماء مقدسة وأخرى هجينة؟ كما أن هناك لغات السريان، والأرمن، والآشوريين، والكلدان، والمارليين والداغستان، والشراكسة، والشوام… إلخ. فكل شارع بلغة ومدرسة وكنيسة، وكل دكان بطربوش وطاقية وعمة وعقال وشرشوبة وشروال!
والدي اعتمر الطربوش العصملي الأحمر، وخالي يونس من عشيرة طيء بعقال، وقريب آخر أمه أرمنية من أيام «القفلات: حفلات التهجير الجماعية»، وهي الزيجات التي تمت أثناء الترحيل القسري للأرمن من تركيا في عشرينات القرن الفائت، ففاز بعضهم بفتيات جميلات، أسلمن وحسن إسلامهن.
لذا أقول كما قال الغزالي القديم وهو يستعرض آراء الفرق والجماعات؛ لا غرابة عندي إن ناقشت أرثوذكسياً عن سبب انشقاق الكنيسة عند صدع البلقان على طبيعة الأب والابن وروح القدس، ومن أين اشتق روح القدس هل من الأب أم الابن أم من كليهما معاً؟ وماهي طبيعة المسيح هل هو طبيعتان أم طبيعة واحدة كما يقول الأرمن بامتزاج الإلهي بالبشري في صورة وحيدة؟ أو كاثوليكياً لماذا يرسمون صدورهم بالصليب وهي أداة قتل المسيح؟ وهل يقدس أهل القتيل المسدس الذي قتل به ولدهم، كما يعترض شهود يهوه عليهم؟ مع ذلك علينا أن نتذكر تعليم القرآن أن لا نجادل أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، وأن نحترم آراء الآخرين فلا نسب ولا نعيب ولا نسخر ولا نغتاب ولا نصخب ولا نشغب، وإذا كان ثمة مجال لمناقشة هادئة كان حسنا، وإلا فالاحترام والتقدير للجميع، كما جاء في الفيلم الهندي أن عبادة الحجر هي رموز للعميق وتقديس البقر رمز للحياة.
أذكر أننا كنا نحتفل معهم في أعياد الميلاد، كما نحتفل بعيدي الفطر والأضحى. أصدقائي «رافع أبو الحسن» الدرزي، و«هابو» وأخوه «جيجي» الأرمني، و«جودت» وابن أخيه «سمير» العلوي، و«جورج» ابن الصائغ الكاثوليكي، و«دنحو» السرياني… قبل أن يرسخ حزب «البعث» الطائفيةَ وصولا إلى حواف الحرب الأهلية.
إلا أن التشدد داهم العالم العربي كله تقريباً، وأذكر في يوم من أيام عيد الميلاد، كيف تربص «الشباب الطيبون» في القصيم في السعودية بمجموعة من الممرضين والممرضات الفليبينيين، فكبسوا البيت عليهم عسى أن يضبطوهم متلبسين بـ«الجريمة النكراء» وهم يحتفلون بعيد الميلاد الذي احتفل به أجدادهم من قبل، ويحتفل به أهلوهم في كل مكان.
إن «الشباب الطيب» من المتعصبين المتشددين، يرتكبون 3 جرائم دون أن يشعروا برائحة جريمة: التجسس على القوم، ودخول البيوت من غير أبوابها، واقتحام الخصوصيات من غير استئذان، وأخيراً نار التعصب، لظى نزاعة للشوى. والله حرم التجسس، وحرم الاقتحام، وأمر بالاستئذان والرحمة والمرحمة، لكن بيننا وبين هذه المفاهيم العظيمة مسافات ضوئية.
وفي النقاش الذي دار في ما سبق بين «جيمس سواكرت» و«ديدات»، قال له: سمحنا لك أن تبشر بالإسلام هنا في بوسطن وفيلادلفيا ونيوجرسي، فهل يمكن أن تعاملونا بالمثل فنعرض أفكارنا بين أظهركم كما فعلتم بنا؟ كان جواب ديدات -رحمه الله- نعم حين تأذن تأشيرة دخول لبلدنا، وهي أن تعلن إسلامك! والأمر هنا يصلح للنكتة وليس للنقاش. والله يقول: «ولا تخاطبوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن»، لكن بعضهم منا حريصون على أن نخاطبهم بالتي هي أسوأ. وفي يوم عيد الميلاد بدل أن نهنئهم ونبذل لهم المعروف؛ فإن بعضنا يبدو حريصاً على اعتباره بدعة، و«كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار».
وعلى نفس المنوال يفتون بعدم جواز مبادأتهم بالسلام، وإذا كنا في طريق فتجب إزاحتهم على جنب، وإجبارهم إلى أضيق الطريق، وتحويل حياتهم بيننا إلى جحيم وعداوة، تحت أقاويل وفتاوى مشبوهة! فلا عجب أن علَّم ابن حنبل ابنه 5 آلاف حديث مكذوب، ليقول له في النهاية: إذا مرت عليك فانتبه لها، فكلها أحاديث مكذوبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى