الرأي

تطوران مفاجئان في الحرب اليمنية

تطوران رئيسيان تشهدهما الحرب التي “لم تعد منسية” في اليمن بعد مرور عام ونصف العام على اشتعالها، يؤشران إلى احتمالات توسعها، وتحولها إلى حرب إقليمية تستنزف المنطقة بشريا وماليا، لا تقل خطورة عن الحرب السورية.
الأول: إعلان التحالف “الحوثي الصالحي” على لسان العميد أشرف لقمان (عسيري اليمن) صواريخ باليستية من نوع “بركان 1″، وهو يرتكز إلى صواريخ “سكود” يصل مداها إلى 800 كيلومتر، ويقدر وزن رأسه الحربي بحوالي نصف طن، وطوله 12 مترا، وقطره 88 سنتيمترا.
الثاني: نقل حوالي خمسة آلاف مجند يمني في صفوف قوات تابعة للرئيس عبد ربه منصور هادي من المحافظات اليمنية الجنوبية، عبر ميناء عدن إلى ميناء عصب الإريتري، حيث ينخرطون في معسكرات وقواعد عسكرية
أقامتها السعودية وحلفاؤها في التحالف العربي، ويتم نقلها بعدها إلى الحدود اليمنية السعودية للتصدي لهجمات الحوثيين.
خطورة التطور الأول في امتلاك التحالف “الحوثي الصالحي” لتكنولوجيا الصواريخ الباليسيتة، على غرار “حزب الله” في لبنان، وحركة “حماس″ في قطاع غزة، لأن هذا النوع من الصواريخ غير مكلف ماديا، ويشكل الأسلوب الأنجع للرد على التفوق الجوي، مثلما هو حال السعودية واسرائيل اللتين تملكان طائرات أمريكية حديثة متقدمة لا يمكن إسقاطها بالدفاعات الجوية التقليدية.
ربما يجادل البعض بأن منظومات صواريخ “باتريوت” التي نصبتها السعودية على طول حدودها الجنوبية، نجحت حتى الآن في التصدي لهذه الصواريخ وتدميرها قبل وصولها إلى أهدافها، وهذا صحيح، ولكن صواريخ باتريوت الاعتراضية مكلفة جدا، وكل صاروخ يكلف 3 مليون دولار تقريبا، وإذا وضعنا في اعتبارنا أن ترسانة “حزب الله” تزدحم بأكثر من 50 ألف صاروخ من هذا النوع، إن لم يكن أكثر، فإن الكلفة ستكون عالية جدا ماليا، كما أن صواريخ باتريوت لن تستطيع منع مئات أو آلاف الصواريخ دفعة واحدة.
جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي اتهم إيران بتزويد الحوثيين والصالحيين بهذه الصواريخ، بينما قال متحدث باسم الرئيس هادي أن الخبراء الذين أشرفوا على تطويرها هم من “حزب الله” ومن إيران نفسها، وهذا غير مستبعد، ولكن ماذا يتوقع السعوديون والامريكيون من اليمنيين أن يرقصوا طربا للطائرات السعودية وهي تقصفهم، ويصفقون لها في كل مرة تقصف مستشفى، أو عرسا، أو مزرعة، أو مدرسة؟
آخر احصاءات الامم المتحدة الرسمية تؤكد مقتل عشرة آلاف يمني حتى الآن، واصابة حوالي 30 الفا، ومعظم هؤلاء القتلى والجرحى هم ضحايا الغارات الجوية، وتشريد ثلاثة ملايين، ومعاناة سبعة ملايين يمني من سوء التغذية، بسبب المجاعة الناجمة عن الحصار، أي ما يعادل ربع السكان.
المنظمة اليمنية للآثار والمتاحف قدرت الخسائر المادية في اليمن بتدمير القصف الجوي ست مدن اثرية، وست قلاع تاريخية، وثلاثة متاحف، ومسجدين، واربعة قصور، ومواقع اثرية، لا تقدر بثمن من بينها احياء في صنعاء القديمة.
اذا انتقلنا إلى التطور الثاني، أي نقل آلاف من المجندين اليمنيين من المحافظات الجنوبية إلى جبهات القتال للدفاع عن المدن والاراضي السعودية على الحدود الجنوبية، فإن هذه الخطوة ستكون لها تبعاتها الخطيرة على اليمن والسعودية معا، فمعظم هؤلاء الشباب تطوعوا للقيام بهذه المهمة الخطرة بسبب الفقر والحاجة والبطالة بالدرجة الاولى، ونسأل ما هي العقيدة القتالية لهؤلاء؟ الدفاع عن السعودية؟ وضد من؟ ابناء جلدتهم؟ ولاعادة من؟ الرئيس هادي الذي قاتلهم وآباءهم اثناء حرب الانفصال؟ والاسئلة هذه ليست من عندي، وانما ما سأله وزير يمني سابق عندما اتصلت به مستفسرا.
نقل متطوعين يمنيين للدفاع عن المدن السعودية في الجنوب على حدود اليمن يشكل اعترافا بعدم قيام القوات السعودية بهذه المهمة اولا، وتعاظم الاشتباكات الحدودية واتساعها ثانيا، وإعطاء الاولوية المطلقة لحرب الاستنزاف هذه ثالثا.
العميد لقمان (راقبوا هذا الاسم جيدا، ربما سيصبح أكثر نجومية من نظيره العسيري السعودي مستقبلا)، أكد وهو يعلن نبأ تطوير الصواريخ الباليسيتة، “أن العمليات العسكرية التي يشنها التحالف “الحوثي الصالحي” لن تتوقف في جيزان ونجران وعسير حتى تحقق أهدافها الاستراتيجية”.
العميد لقمان لم يحدد هذه الاهداف الاستراتيجية، فهل هي استعادة المدن الجنوبية للسيادة اليمنية (جيزان ونجران وعسير)، أم التوغل اطول في العمق السعودي شمالا ولما بعدها؟ إنها الحرب، وكل طرف يعلي سقف مطالبه حتما.
التورط السعودي وحلفائه في اليمن يتعمق ويزداد مأزقا، وارتفاع الخسائر البشرية والمادية بفضل القصف الجوي العشوائي الثأري، يفاقم الضغوط الاجنبية، ويعزز اتهامها بارتكاب جرائم الحرب، والادارة الامريكية باتت على وشك اتخاذ قرار بتجميد صفقة دبابات وبنادق آلية للسعودية بقيمة 1.2 مليار دولار بسبب رفض الكونغرس لها، وإلغاء المانيا صفقة دبابات مماثلة. “عاصفة الحزم” السعودية التي انطلقت قبل 18 شهرا لم تفرض الاستسلام على اليمنيين ولن تفرضه، ومشكلة السعودية ليست في صنعاء أو “تحريرها”، وإنما في صعدة وعمران وحجة، وهذه مدن يستحيل احتلالها، ولم يدخلها غاز على مر التاريخ، ناهيك عن انتصاره فيها، واسألوا الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي حاول ست مرات، وفشل عندما كان في قمة ذروة حكمه، ويحظى بدعم السعودية.
العواصف توّلد غيرها، و”عاصفة الحزم” أنجبت الحرب على الحدود السعودية اليمنية، وهي حرب ستحدد مستقبل الحكم السعودي، وربما المنطقة بأسرها.. والأيام بيننا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى