الرئيسية

تفاصيل قضية تسريح مدير وكالة للـ«BMCE» بدعوى أنه يعاني مشاكل نفسية

عزيز الحور

حصلت “الأخبار” على ملف مدير وكالة بنكية تابعة للبنك المغربي للتجارة الخارجية يكشف تفاصيل مثيرة تخص كواليس تدبير أحد أكبر الأبناك المغربية والذي يوجد على رأسه الملياردير الشهير عثمان بنجلون.
ويتعلق الأمر، وفق وثائق الملف، بقرار تسريح مدير لإحدى وكالات البنك بالدار البيضاء بطريقة مثيرة، إذ تكشف الوثائق أنه بتاريخ 11 فبراير 2013 تم استدعاء الموظف إلى قسم تدبير الموارد البشرية بالمقر المركزي للبنك لإعلامه باتخاذ قرار بمعاقبته دون توضيح سبب القرار، في الوقت الذي كان فيه مدير الوكالة قد تلقى تهديدا من طرف مالكة صيدلية بفصله عن عمله نظرا لعدم استجابته لطلب إجراء بنكي خاص بها.

قبل الفصل
كل شيء بدأ حين استقبال مدير الوكالة لزبونة ظهر في ما بعد أنها ليست مثل بقية الزبناء. امرأة تملك صيدلية تطلب من المدير أن يحول حسابها الشخصي في حساب جديد باسم الصيدلية. بعد فحص المسؤول البنكي للملف أخبرها بأن ما ترغب فيه غير قانوني مقترحا عليها صيغة أسلم. رفضت ذلك وهددته قائلة إنها ستتسبب في طرده.
كان القرار الذي اتخذه المدير، كما يقول، بناء أيضا على استشارة من القسم القانوني بالبنك المغربي للتجارة الخارجية. من الناحية القانونية لم يكن لديه ما يخاف منه. إلا أن النبرة الواثقة التي جاء بها تهديد المرأة جعله يوجل قليلا. وبالفعل، فبعد مضي أيام قليلة ورده خبر قلب حياته رأسا على عقب.
يشير الملف إلى أن مدير الوكالة نُقل إلى المقر المركزي للمؤسسة البنكية دون مهمة. التقى بالمسؤول عن الموارد البشرية وطلب منه توضيح سبب معاقبته، لكن المسؤول لم يوضح له أي شيء. “هناك أمر يدفع كثيرا من المستخدمين المعاقبين للمغادرة على الفور عبر تقديم استقالة؛ يتركون دون مهمة في مقر الشركة، بحيث يضطرون إلى الجلوس طوال النهار على كراسي في الأروقة بين المكاتب. الأمر ينطوي على عقوبة نفسية شديدة، إذ لا يتحمل مسؤولون ومستخدمون أن يجلسون دون عمل بينما بقية المستخدمين يمرون عليهم وهم ماكثون في الأروقة”، يشرح مدير الوكالة المعني بالملف في حديثه مع “الأخبار”.
ظل المستخدم المعاقب يجوب أروقة المؤسسة مدة أربعة أشهر تقريبا دون أن يتم اتخاذ قرار بشأنه. بدأ في هذه الفترة مراسلاته لمسؤولي المؤسسة البنكية، بشكل تراتبي. المراسلات تقدر بالعشرات حتى الآن. أغلبها دون رد. في تلك الفترة اجتمع مدير الوكالة المعاقب بمسؤول جهوي بالمؤسسة. لم يفض الاجتماع إلى تحديد طبيعة المخالفة التي ارتكبها.
ظل كل شيء يسير على هذا النحو الرتيب إلى حين إخباره صيف سنة 2013 بقرار نقله إلى وكالة توجد في قرية “با محمد” بضواحي تاونات، وهو التنقيل الذي لم تسبقه تدابير أو مهلة كافية للإعداد له وفق مدير الوكالة المعني. “بعد أيام قليلة من ولادة ابنتي تم إخباري بنقلي إلى قرية با محمد دون احترام مقتضيات التنقيل. ظهر أن الأمر محاولة أخرى للعب على نفسيتي. لكنني قررت عدم الوقوع في أي خطأ. انتقلت على الفور إلى مقر عملي الجديد. المنطقة عبارة عن مدار قروي نائي. إلى درجة أنني كنت أبيت في الأيام الأولى داخل سيارتي. حدث مشكل في البداية، ذلك أنني أخبرت أنني سأعمل مديرا للوكالة البنكية الموجودة هناك، لكن حينما وصلت فوجئت بمدير الوكالة السابق ما زال يعمل ولم يبلغ بقرار نقله. وحتى أحرص على تأكيد حضوري اليومي بالوكالة، بسبب عدم تمكني من الولوج إلى نظام التأشير على الحضور، كنت أعمد كل صباح ومساء على سحب كشف حساب بنكي من الشباك الإلكتروني الخاص بالوكالة للتأكيد على وجودي بالمكان يوميا، لأن الكشوفات كانت تتضمن تواريخ وساعات القيام بسحبها، وقد ساعدني ذلك في إثبات وجودي بالعمل حين عمدت الإدارة إلى الاقتطاع من راتبي بدعوى تغيبي عن العمل”، يكشف إطار المؤسسة البنكية لـ “الأخبار”.

بنجلون يتدخل
بدا أن الإطار البنكي استشعر أن ثمة رغبة في التخلص منه، وقد زاده ذلك تيقظا كما يقول، لكن ذلك لم يمنع من إصدار قرار شهر أبريل 2014 يقضي بتسريحه عن العمل استنادا إلى تقرير طبي يقول إن الإطار غير مؤهل للعمل. التقرير أعده طبيب متخصص في الطب النفسي، ما يعني أن التقرير كان يتحدث عن عدم أهلية نفسية.
رفض المدير تسريحه بمبرر معاناته من مشاكل نفسية، وطلب عرضه على خبرة مضادة. هنا قرر رفع كل شيء إلى علم عثمان بنجلون، الرئيس المدير العام للبنك المغربي للتجارة الخارجية، عبر مراسلة مؤرخة بيوم 14 ماي 2014. جاء في المراسلة ما يلي: “فوجئت، إن لم أقل صدمت، بمضمون كتابكم المؤرخ بـ21/04/2014 والذي أرفضه جملة وتفصيلا لسبب عدم مطابقته مع الوقائع في حقيقتها. ونظرا لارتباطي الدائم بمؤسستكم التي ترعرعت فيها مهنيا، فإنني أود وبكل احترام تفادي نقاش عقيم، الشيء الذي يجعلني أطلب منكم، تأكيدا للحقيقة، إجراء فحص طبي مضاد بحضور الطبيب المعتمد لدى مؤسستكم البنكية، وذلك من طرف طبيبين أو عدة أطباء يقينا مني أن قدراتي على العمل قائمة وثابتة ولن يفلح من له أهداف خاصة أن يثبت العكس. وعليه، فإنني أرجوكم أن تخبروني داخل أجل 8 أيام من تاريخ توصلكم بهذا الكتاب إن كنتم ترغبون أم لا في توضيح هذا الوضع المفتعل ضد شخصي، علما أن كتاب الفصل لا يرتكز على أي أساس واقعي أو قانوني سليم، وأنه في حالة عدم استجابتكم سأكون مضطرا وبكل أسف أن ألجأ إلى الجهات المختصة لتجسيد الحقيقة مع ما يترتب عن ذلك قانونا”.
اطلاع بنجلون على ملف الموظف بمؤسسته البنكية أفضى إلى إعطائه تعليمات بإرجاعه إلى العمل، وبالفعل اتصل به مسؤولو المؤسسة لاستيفاء إجراءات الإرجاع، وفق ما تثبته أدلة ومراسلات ومحادثات، الأمر الذي يؤكد، حسب المدير المفصول، تناقض إدارة البنك التي طردته بمبرر معاناته لمشاكل نفسية قبل أن تبادر إلى إجراءات إرجاعه لعمله إلى الحد الذي اقترح عليه مسؤول بالإدارة نقله إلى أحد فروع البنك في الخارج وفي العاصمة البريطانية لندن على الخصوص. “أتوفر على ما يثبت عرض مسؤول بالمؤسسة علي الاشتغال بأحد فروع المؤسسة في لندن. طلب مني فقط تحرير رسالة أطلب فيها ذلك. القصد أن أظهر في موقف محرج حينما يتم إخبار بنجلون بالأمر؛ ها هو المستخدم الذي قررت إرجاعه للعمل يغتر ويطلب نقله إلى لندن دفعة واحدة، ما يؤكد على ما يحيل عليه التقرير الطبي الذي استند عليه قرار التسريح. لم أسقط في الفخ، وطلبت من المسؤول، بكل أدب، أن تحدد الإدارة المنصب الذي سأشغل وفق ما تراه مناسبا”، يردف المدير.
تفيد معطيات الملف أن إجراء الإرجاع تأخر كما ظل راتبه موقوفا، الأمر الذي اضطره إلى اللجوء إلى القضاء بعد مراسلة مسؤولي البنك دون رد، كما أنه لجأ إلى مجلس القيم المنقولة وبنك المغرب بعد قرار البنك بيع حصة من الأسهم منحت له في إطار عملية تقوم بها مؤسسة البنك المغربي للتجارة الخارجية دون موافقته، إلى جانب المسارعة إلى بدء إجراءات عرض شقته التي اقتناها بقرض من البنك الذي كان يعمل به على البيع في المزاد العلني عبر القضاء.
ظل الإطار البنكي يوجه مراسلات لإدارة البنك المغربي للتجارة الخارجية، وبعد ستة أشهر كاملة، وبالضبط في منتصف شهر يناير سيتوصل برسالة وقعها الرئيس المدير العام للبنك المغربي للتجارة الخارجية، عثمان بنجلون، بنفسه، كان قد حررها الملياردير يوم 16 دجنبر 2014، يقول فيها إن مسار إرجاع الإطار المسرح إلى عمله توقف إلى حين البت في الملف الذي رفعه إلى القضاء. لكن المدير اعتبر أن إقرار بنجلون نفسه بوجود مسار إعادة توظيف يتعلق به هو تأكيد يتناقض مع مضمون قرار تسريحه ووقف راتبه، والذي استند على تقرير طبي يعتبر أن مدير الوكالة غير مؤهل “نفسيا” للعمل. كيف يمكن لشخص كان غير مؤهل للعمل أن يصبح كذلك بعد مدة قليلة؟
على كل، ظل كل شيء معلقا إلى حين البت في نزاع الشغل المعروض على القضاء. في المقابل كانت إدارة البنك قد سحبت الأسهم الممنوحة للمدير فضلا عن اتخاذ إجراءات بيع شقته المقتناة عن طريق قرض طويل الأمد في المزاد العلني. في المقابل، عمد المسؤول البنكي ذاته إلى اللجوء، قبل أيام، إلى القضاء الاستعجالي لإيقاف تنفيذ بيع شقته إلى حين البت في النزاع الذي يدور بينه وبين البنك الذي كان يشغله. “بعد توقيف راتبي وبيع أسهمي صرت أعيش مشاكل مالية كبيرة. زوجتي تعرضت لوعكة صحية بعدما حل مفوض قضائي بمنزلي لإبلاغي بقرار عرض الشقة للبيع في المزاد العلني. الآن أنا مهدد بالتشرد إلى حين البت في ملفي الذي يعرف تأخيرا”، يخلص الإطار البنكي الذي يذكر أن مسلسله انتهى بأمر آخر غير مفهوم حين يقول: “أفاجأ أيضا برفض جميع طلبات توظيفي في مؤسسات بنكية أخرى وكأن تعليمات أعطيت لإغلاق الباب في وجهي بشكل نهائي”.
إلى حين البت في الملف بالقضاء، حاولنا تسليط الضوء على الجانب الآخر من الحقيقة. اتصلنا بعدد من مسؤولي البنك المغربي للتجارة الخارجية وراسلناهم بخصوص الملف.
بعد أيام وردنا، من القسم القانوني بالمؤسسة البنكية، رد يؤكد أن المؤسسة تعتذر عن عدم الإدلاء بأي تصريح إعلامي في الملف نظرا لأنه معروض حاليا على أنظار المحكمة الابتدائية الاجتماعية للدار البيضاء بطلب من الموظف نفسه، كما أردف الرد أن المؤسسة تترك المجال مفتوحا للقضاء الذي عرضت عليه النازلة لإعطاء كلمته والحسم في حقيقة وظروف فسخ عقدة الشغل التي كانت تربط المؤسسة بالموظف المذكور.

«دركي البورصة» وبنك المغرب والنقابات.. لا جواب
فاقت المراسلات التي بعث بها الإطار البنكي المطرود إلى رؤسائه في العمل 100 مراسلة، جلها لم يصله عنها رد. كثير من المراسلات التي بعث بها أيضا إلى بنك المغرب ومجلس القيم المنقولة لم تجد جوابا، باستثناء مراسلات قليلة تضمنت مشاكل شكلية، وفق الإطار ذاته.
الإطار المذكور كان قد توجه إلى مجلس القيم المنقولة، المعروف بـ”دركي البورصة”، للتدخل في قضية تصرف البنك في الأسهم التي كانت قد منحت له في إطار عملية تحفيزية تقوم بها إدارة البنك وتستهدف المستخدمين عبر حصص من الأسهم لا يمكن للبنك استرجاعها إلا إذا تم تسريح أصحابها بموجب خطأ جسيم. الإطار البنكي يقول إن قرار تسريحه لا يتضمن ارتكابه خطأ جسيما، وبالتالي ليس من حق البنك بيع أسهمه. على كل حال، يفترض أن يحدد “دركي البورصة” موقفه مما حصل. لم يرد رد بهذا الخصوص أيضا.
الأمر ذاته، هم ممثلين نقابيين بالبنك المغربي للتجارة الخارجية. الإطار المسرح راسل ممثل الاتحاد المغربي للشغل بهذه المؤسسة. لم يتلق جوابا أيضا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى