الرأي

تلك الشبيبة من ذاك الحزب..

في المغرب لدينا أحزاب الشيوخ. الشباب الذين تستهويهم السياسة، وهم في طور الانقراض على كل حال، يشتكون من التهميش الذي يطال وجودهم بسبب سيطرة الشيوخ على المشهد.
والحقيقة أن أغلب شيوخ السياسة لا يزالون يعتبرون الأحزاب السياسية باحة خلفية لضيعاتهم، لذلك لا يستأمنون عليها الشباب. وبعضهم محق في هذه الدكتاتورية الحزبية. ستصابون بالصدمة إذا ما خصصتم يوما كاملا لمشاهدة بعض مداخلات أغلب شباب الأحزاب السياسية، بكل أطيافها. شباب سقط سهوا في السياسة لا يفرق بين المؤتمر الوطني والنشيد الوطني، يعتبر الحزب مطية للوصول إلى أي منصب كيفما كان.
على هؤلاء أن يحمدوا الله على نعمة الانتماء الحزبي لأنه لولا عطف الحزب عليهم وتعيين شيوخه لهم على رأس الكتابات الإقليمية والمناصب الأخرى، لانتهوا عاطلين تماما عن العمل.
في بعض الأحيان تتحول شبيبة الأحزاب السياسية إلى مرادف للانحراف، وهكذا وجب تحويل بعض الشباب السياسي إلى الإصلاحيات ومراكز إعادة التأهيل العلمي والنفسي والاجتماعي أيضا بدل إدماجهم في الحزب بهدف تعيينهم في مؤسسات الدولة مستقبلا.
قمة «الطيش» السياسي، هذه التي يمارسها هؤلاء الذين يرددون كل يوم، أنهم يشتغلون بغيرة كبيرة على الوطن ومستقبل بناته وأبنائه، والحقيقة أنهم ليسوا إلا متنطعين وباحثين عن التغلغل في الدولة. يسوقون للديمقراطية والحال أنهم لا يعرفون إلا الريع.
كيف يعقل مثلا، أن يكون لدينا حزب سياسي لا يختار شبيبته بعناية ويقبل بذلك النوع من «الشبيبات» التي لا تتكاثر إلا في مواسم الانتخابات، حيث يعترف أغلبهم بكل صفاقة، أنهم يشتغلون بأجرة يومية طيلة موسم الانتخابات، ويقدمون خدماتهم لمن يعد أكثر.
هناك شبان ينسبون أنفسهم إلى اليسار، لم يقرؤوا كتابا واحدا عن اليسار، واليسار الوحيد الذي يعرفونه هو «الكوشية» التي تسجل بها الحياة أهدافا في مرماهم الفارغ. كيف يعقل لحزب سياسي يعترف جميع أبنائه أنه يعاني ويتلقى العقوبات الشعبية بعد كل انتخابات، أن يراهن على شبان تاهت بهم الحياة وتقطعت بهم السبل على شاطئ الأحزاب السياسية؟
ثقافة تسول المناصب ليست جديدة على كل حال. السطحية هي أخطر ما يمكن أن يصيب الأطر السياسية للمستقبل، وها نحن نرى كيف أنها نخرتهم تماما.
بعض هؤلاء الشباب، يدافعون عن زعماء الأحزاب بشكل مستميت. والسبب واضح لا يحتاج إلى طرح الأسئلة. الرغبة في تأبط حقيبة ما، أو العمل ناطقا رسميا باسم شخص لا يتحدث أصلا. وفي أفضل الحالات، الحصول على حقيبة حزبية في حكومة مقبلة يصل إليها الحزب العتيد بمعجزة أو بتحالفات يخجل الشيطان نفسه من مباركتها.
شبيبة العدالة والتنمية وحدها تحتاج إلى دراسة سياسية عاجلة لأنها تعد ظاهرة سياسية جديدة في المغرب. فالرجل الذي يوجد على رأسها يبدو أنه يضع رجلا مع الشباب وأرجلا أخرى مع الشيوخ. ويعترف بعض المنتسبين لشبيبة الحزب أن مشروع الانتماء الحزبي منقذ حقيقي من البطالة. وبعد أن كان بعض الشبان يحلمون كحد أقصى بالحصول على وظيفة بدون مسؤولية في جماعة محلية باسم الحزب، أصبحوا بقدرة قادر يركبون السيارات الوزارية في الرباط ويعملون في خلايا التواصل ودواوين الوزراء.
ما لا يعرفه المغاربة، أن الحزب السياسي عندما يصل إلى المسؤولية، يبدأ أولا في زرع أرجله الكثيرة في كل مكان يصل إليه. يضع أناسا لم تكن تجمعهم بالسياسة إلا مطالعة الجرائد بالمجان في مقاهي المملكة، في مناصب المسؤولية، وفي مناصب الحزب أيضا. وفي الأخير يقولون لنا إن الرهان على الشباب أمر ضروري.
على الأقل، كانت هناك فترة يأتي إليها الشبان إلى السياسة من الجامعات، ويدافعون بكل حماس عن أفكار قرؤوا عنها في الكتب ويقدمون رأيهم في كل ما يقع في البلاد، أيام كان مجرد التفكير الباطني سببا لدخول السجن. هؤلاء انقلبوا تماما على كل الأفكار التي دعوا إليها، وذاقوا حلاوة السلطة وتمرغوا في نعيمها وذهبوا اليوم إلى الظل لممارسة خدعة «حكمة الصمت». على كل حال، فقد فاتهم الوقت المناسب للكلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى