شوف تشوف

الرئيسية

تهم ثقيلة وغرامات ببضعة دراهم..

عزيز الحور

وفق اختصاصاته الدستورية والقانونية فإن المجلس الأعلى للحسابات، والذي يضم قضاة كما هو معلوم، له اختصاص قضائي يشمل، إلى جانب مراقبة التسيير المالي والإداري بالمؤسسات العمومية والجماعات المحلية وغيرها من الهيآت التي تضخ فيها أموال عمومية، إصدار عقوبات تأديبية في حال ارتكاب مخالفات في تدبير المالية العامة. تبعا لذلك، يصدر مجلس الحسابات سنويا قرارات قضائية في حق مسؤولين بموجب ارتكاب واحد أو أكثر من المخالفات الأربعة عشر المحددة ضمن اختصاصات التأديب، وتبدأ من مخالفة قواعد النفقات العمومية والصفقات وتمر عبر إخفاء المستندات أو الإدلاء بأوراق مزورة أو غير صحيحة إلى المحاكم المالية.
العقوبات تشمل فرض غرامات مالية على المسؤولين الذين اقترفوا جريمة مالية أو الحكم بإرجاعهم المبالغ المالية المطابقة للخسارة التي تسببت فيها المخالفات التي ارتكبوها.
تخضع القرارات القضائية التأديبية الصادرة في حق مسؤولين وموظفين عموميين من طرف قضاة الحسابات للنسق القضائي ذاته المعمول به في بقية المحاكم، إذ يجري رفع دعاوى من طرف رئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين أو الوزير المكلف بالمالية أو الوزراء فيما يخص الأفعال المنسوبة إلى بعض الموظفين أو الأعوان العاملين تحت سلطتهم، وفيما يخص الأفعال المنسوبة إلى المسؤولين والأعوان بالأجهزة المعهود إليهم بالوصاية عليها.
وتشمل مراحل التأديب مرور الملف من النيابة العامة إلى التحقيق الذي يشرف عليه مستشار مقرر ثم يصدر الحكم عن هيأة قضائية، على أن لا تخرج العقوبات عن نطاق الغرامة والحكم باسترجاع قيمة المبالغ التي خسرتها الجهة العمومية نظير سلوك مسؤول عمومي.

الموظفة والمدير
من آخر القرارات القضائية التأديبية الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات، وفق ما هو مدرج في منشور المجلس نفسه، قرار يعود إلى تاريخ 10 يونيو 2014، ويتعلق بكلية من كليات التعليم العالي، إذ توبع عميد هذه الكلية بمخالفة مالية في إطار عملية تدبير ملف مداخيل التكوين المستمر المؤدى عنه، وهو الملف الذي يمثل قنبلة موقوتة بقطاع التعليم العالي.
القرار أقر عقوبة مالية في حق العميد بأداء غرامة قدرها 6 آلاف درهم. مبلغ الغرامة الزهيد جاء بناء على حيثيات تعمق الغموض الذي يكتنف تدبير ملف التكوين المستمر المؤدى عنه في عدة مؤسسات تعليمية عمومية عليا في المغرب.
وتشير حيثيات القضية أن العميد أدرج أرباحا متحصلة عن التكوين المستمر بالكلية التي يسيرها ضمن «الإيرادات والأرباح الناتجة عن أشغال البحث العلمي والخدمات»، في الوقت الذي كان يجب أن تدرج ضمن «مداخيل التكوين المستمر».
لوائح مسجلين في التكوين المستمر بالكلية ونسخ من شيكاتهم التي أدوا بها مقابل التكوين هي التي فضحت الكل، على اعتبار أنه تبين أنها متطابقة مع المعطيات المالية المضمنة ضمن «المحاصيل والأرباح المتأتية من القيام بالأبحاث ومن تقديم الخدمات» في السجل المالي للكلية.
تم الاستماع إلى عميد الكلية بتاريخ 20 نونبر 2013، وحاول تبرير ما حدث بالقول إن الأمر يتعلق بتأويل الانتساب المالي الذي من المفترض أن يتم في إطاره إدراج مداخيل التكوين المستمر المخصصة للعمليات خارج الميزانية والتي كانت تنزل في العنوان المالي «الإيرادات والأرباح الناتجة من أشغال البحث العلمي والخدمات» قبل دخول القانون الجديد المتعلق بتنظيم التعليم العالي حيز التنفيذ، مبرزا أنه في غياب نصوص تنظيمية توضح الخانة التي يجب أن تنزل فيها مداخيل التكوين المستمر تم الاستمرار في تنزيلها تحت مسمى آخر دون اعتراض المحاسب.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقد سقط عميد الكلية المذكور في ورطة أخرى عندما تبين أنه أمر بتحويل مبلغ يفوق 127 مليون سنتيم لفائدة مقاولة بعد إنجاز أشغال تركيب أبواب ملحقة بالكلية، وذلك سنة 2010، ففي الوقت الذي كان المبلغ الضخم مخصصا لأبواب مصنوعة من خشب الأرز، تبين أن الخشب الذي استعمل في تصنيع الأبواب من النوع العادي، وفق عملية معاينة.

رئيس غرفة للصناعة التقليدية في القفص
في ملف آخر يعود إلى سنة 2013 اكتفت هيأة الحكم بالمجلس الأعلى للحسابات بإلزام رئيس غرفة من غرف الصناعة التقليدية بسداد مبلغ 17 ألف درهم رغم ثبوت تلاعبات في صفقات تأمين على أعضاء الغرفة ومستخدميها.
وتكشف تفاصيل هذا الملف أن الغرفة أصدرت سند طلب برسم سنة 203 بمبلغ 31 ألف درهم، موقع من طرف رئيس الغرفة في موضوع التأمين الفردي لأعضاء الغرفة خلال سنة 2004، وقد تم توجيه الطلب لوكيل تأمين، غير أنه تبين أداء مستحقات الانخراط في التأمين مرتين بسبب خطأ إداري ارتكبه الخازن الذي لم يدرج أداءات سابقة في محضر تسليم السلط مع الخازن السابق.
وفي السنة ذاتها التي تم فيها النظر في الملف سالف الذكر أصدر المجلس الأعلى للحسابات عقوبة في حق مدير مؤسسة عمومية تم إلزامه بأداء غرامة قدرها 5 آلاف درهم فقط رغم جسامة الأفعال المنسوبة له، فقد توبع بتنفيذ اتفاقية مبرمة مع الغير دون المصادقة عليها من طرف المجلس الإداري للمؤسسة والأمر بأداء حوالتين متعلقتين بها في غياب تأشيرة المراقب المالي، فضلا عن توظيف مستخدمة بالمؤسسة دون اجتياز المباراة المنصوص عليها في النظام الأساسي لمستخدمي المؤسسة، إلى جانب عدم تطبيق الغرامات المترتبة عن عدم وضع برامج الأشغال وعدم الإدلاء بالتصاميم المنصوص عليها في دفاتر الشروط الخاصة المتعلقة بمجموعة من الصفقات، ثم إلحاق ضرر مالي بالمؤسسة جراء عدم احترام مساطر صرف التسبيقات المالية للجمعيات المنضوية في إطار برنامج.
وفي حيثيات القضية تبين أن مدير المؤسسة العمومية تعاقد مع مكتب التكوين المهني بموجب اتفاقية لتكوين أطر المؤسسة بناء فقط على توصية من المجلس الإداري بتشجيع الشراكة مع المكتب المذكور، إذ لم يجر عرض الاتفاقية على أعضاء المجلس الإداري، وبناء على الاتفاقية تم صرف مبلغ 40 مليون سنتيم في إطار أداء مستحقات الاتفاقية البالغة أزيد من 10 ملايير سنتيم، وقد اعترى عملية الصرف أمر ملغز زاد من العملية غموضا، ذلك أن المدير لم يتحر تأشير المراقب المالي على هذه النفقة.
وتجلت المخالفة الثانية التي اقترفها هذا المدير العمومي توظيف مستشارة في التشغيل بتاريخ 11 نونبر 2008 رغم أن الموظفة المحظوظة لم تمر بالمراحل المفترض المرور عبرها للحصول على المنصب، ذلك أنه كان يفترض أن تجتاز الاختبار الكتابي والشفوي في مركز بمدينة طنجة غير أنها قررت اجتياز الاختبار بالرباط، من تلقاء نفسها، في حين لم تتمكن من إجراء الاختبار الشفوي الذي خضعت له في وقت لاحق، وبطريقة غامضة.

5 آلاف درهم غرامة إبرام صفقات وهمية
عدد من القرارات التأديبية صدرت في حق مسيرين ماليين بوزارات، والسبب مخالفات مالية بدائية كتلك التي سقط فيها مسير مالي بإحدى الوزارات والذي صدرت في حقه غرامة 5 آلاف درهم فقط رغم أنه أوخذ باللجوء إلى الإعلان عن صفقة وهمية سنة 2004 لتسوية ديون سابقة لدى نيابة تابعة للوزارة بعد حصولها على مواد غذائية، علما غرار ما يحدث مرارا على مستوى وزارة الشباب والرياضة إبان تنظيم المخيمات الصيفية، إذ يجري الحصول على مواد غذائية قبل أداء مستحقاتها أو حتى رصد هذه المستحقات.
وتشير تفاصيل الملف أن المتابع أبرم الصفقة التي فاقت 22 مليون سنتيم من أجل اقتناء مواد غذائية سنة 2004، غير أن المثير أن المسؤول المتابع لم يكن يتوفر على الاعتماد المالي الخاص بالصفقة، ولكنه رغم ذلك فوتها لمقاولة عمدت بدورها على تزويده بالمواد الغذائية إلى حين توفر الاعتماد المالي المخصص للصفقة، وقد تكرر الأمر في صفقة أخرى تقارب قيمتها 10 مليون سنتيم. وما استرعى قضاة الحسابات أن هذا المسؤول كان يعمد إلى حيلة ماكرة، كما يقر بذلك خلال الاستماع إليه، إذ كان يشير إلى صرف المبالغ المالية في الوثائق ويؤشر على تسلم المواد الغذائية رغم أن ذلك لم يكن يتم حقيقة، وفي هذا الصدد أقر المسؤول بذلك قائلا: «نظرا لانطلاق الأنشطة قبل التوصل بالاعتمادات، تم إصدار نوعين من أوامر الشروع في العمل، الأول فعلي والثاني صوري، يكون الأمر الفعلي مواكبا للأنشطة ويتماشى مع تواريخ المذكرة المنظمة للنشاط، في حين أن الأمر الصوري يطابق بنود الصفقة التي تكون أبرمت من أجل تسوية دوين سابقة».
حتى الآن تبين أن أهم ما استرعى الانتباه هو هزالة الغرامات المحكوم بها بالنظر إلى حجم المخالفات المنسوبة لمسؤولين، والسبب أن الغرامات المحكوم بها هي في الواقع ما هو منصوص عليه في القانون المحتكم إليه في هذا الصدد. الملف التالي يوضح بجلاء هذه المفارقة ويتعلق الأمر بمتابعة مسؤول عمومي والحكم عليه بغرامة مالية لم تتجاوز ألفي درهم، بسبب ارتكاب مخالفة عدم احترام النصوص التنظيمية المتعلقة بالصفقات العمومية في سنة 2011.
وتكشف حيثيات الملف أنه رئيس المصلحة المذكور، والذي يشتغل بإحدى الوزارات، أشر على أداء مستحقات بلغت قيمتها أزيد من 27 مليون سنتيم من أجل شراء 12 جهاز تلفاز من نوع معين، قيمة الجهاز الواحد تفوق ألفي درهم، في حين تبين أن الوزارة تسلمت أجهزة من نوعية مختلفة عن تلك التي تم الاتفاق عليها في الصفقة، وقد تم، مع ذلك، تحرير محضر تسلم مؤقت للسلعة المتفق عليها.
المسؤول ذاته برر ما قام به، خلال جلسة الحكم التي انعقدت نهاية سنة 2012، بأن نوع التلفزات التي تقرر شراؤها بموجب الصفقة نفذت من السوق، ونظرا للحاجة إليها بشكل استعجالي، وافقت الإدارة على تسلم معدات ذات مواصفات مشابهة أو جودة أعلى مع الاحتفاظ بنفس الأثمنة المنصوص عليها في الصفقة.
ورغم أن تبرير المسؤول يبدو منطقيا في الظاهر، وذلك في حال ما إذا تبين فعلا أن الأجهزة التي فورتها المقاولة المتعاقد معها أفضل من تلك التي كانت مقررة بموجب الصفقة، إلا أن هيأة الحكم اعتبرت أن تغيير محدد أساسي في الصفقة بعد إبرامها يضرب مبدأ التنافسية بين المقاولات التي شاركت في الصفقة بناء على المعطيات المحددة سلفا.
تمضي بقية الملفات المنشورة في تقرير الحسابات على النحو ذاته، على غرار ملف رئيس جماعة عوقب بغرامة ألفي درهم رغم أنه أوخذ بمنح سندات طلبات عن صفقات تفوق قيمتها 20 مليون سنتيم كما هو مجدد قانونيا، باستثناء ملف آخر أظهر أن قضية مسؤول متابع اتخذ مسارا مختلفا بعدما توفي وهو في غمرة النظر في ملفه القضائي.

لهذه الأسباب تتدنى قيمة غرامات في حق مسؤولين اقترفوا مخالفات مالية
استبق تقرير الحسابات ملاحظة تدني قيمة العقوبات المالية المحكوم بها رغم فظاعة المخالفات في بعض الأحيان، إذ أفرد ضمن تقديمه للتقرير، حيزا لتوضيح طريقة اعتماد قيمة العقوبات.
التقرير يذكر أن هذه العقوبات تستند على مدونة المحاكم المالية، وهي تشكل غرامة يحدد مبلغها حسب خطورة وتكرار المخالفة، على أن لا يقل مبلغ الغرامة عن ألف درهم عن كل مخالفة، لكنه لا يمكن أن يتجاوز مجموع مبلغ الغرامة عن كل مخالفة أجرته السنوية الصافية التي كان يتقاضاها المعني بالأمر عند تاريخ ارتكاب المخالفة، غير أن مجموع مبالغ الغرامات المذكورة لا يمكن أن يتجاوز أربع مرات مبلغ الأجرة السنوية المذكورة.
هذا الأمر هو الذي يفسر الحكم على رئيس جماعة مثلا بغرامة لا تتجاوز ألفي درهم على اعتبار أن تعويضه عن المهام لا يتعدى مبلغ 7 آلاف درهم شهريا، في أفضل الحالات، في حين لا يتم الالتجاء إلى مسطرة استرجاع المبالغ التي تبين أن إدارة عمومية خسرتها من جراء سلوك موظف عمومي إلا في حالة المراقبين والمحاسبين العموميين، وهي الحالة التي لم يتم تطبيقها، على الأقل في القضايا التي عرضها التقرير الذي محصناه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى