شوف تشوف

ثقوب في المركب

 

 

هناك 725 مديرا عاما لمؤسسات عمومية لا يفعلون سوى اقتراض الديون، وقد وصلت مديونيتهم الداخلية والخارجية إلى 440 مليار درهم، مما دفع وزير المالية في البرلمان إلى مخاطبتهم في اجتماع لجنة المراقبة المالية بمجلس النواب بـ”نتوما غرقوها ديون ووحلوها فيا”.
كثيرون يستهينون بالديون التي تغرقنا فيها الحكومات المتعاقبة، والحال أن عجز المملكة المغربية عن دفع ديونها هو ما عجل بفرض الحماية الفرنسية عليها في 30 مارس 1912. بحيث تم تقسيم المغرب إلى ثلاث محميات، المنطقة الشمالية والمنطقة الصحراوية في الجنوب تحت الحماية الإسبانية، والمنطقة الوسطى تحت الحماية الفرنسية، فيما خضعت مدينة طنجة لحماية دولية بين فرنسا وإنجلترا وألمانيا وإسبانيا.
المغرب في تلك الفترة كان يسيل لعاب الدول الإمبريالية الكبرى، كما هو الحال اليوم، ومن أجل أن تنفرد فرنسا بالمغرب تنازلت لإيطاليا عن ليبيا ولبريطانيا عن مصر ولألمانيا عن الكونغو.
تهافتت مجموعة من الدول الأوروبية على المغرب لتوفير سوق لمنتجاتها والسيطرة على ثروات المغرب وما كان على فرنسا إلا توقيع بعض الاتفاقيات مع الدول الأخرى للتخلي عن رغبتها في احتلال المغرب مقابل تنازل فرنسا عن حقها في بعض المستعمرات ومن ضمن ما تضمنته هذه الاتفاقيات: أنه بما أن المغرب كان مثقلا بالديون وعاجزا عن دفعها فقد نصت معاهدة الحماية على ما أسمته إصلاحا ماليا ضروريا لضمان مصالح الدائنين للخزينة الشريفة، وكذا للمحافظة على عائدات الخزينة، مع منع “المخزن” من عقد أي اتفاق تجاري أو مالي مع الخارج.
اليوم، هناك محاولة لفرض الحماية على المغرب بطريقة أخرى أكثر ذكاء، وهي ما يقوم به البنك الدولي عندما يعطي أوامره للمغرب لكي يقوم بتطبيق حمية اقتصادية قاسية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من خلال إصداره لتقرير أسود عن المغرب يقرع فيه كل نواقيس الخطر.
والحقيقة أن البنك الدولي، وهو يعبر عن قلقه من أحوال البلد، ليس حريصا على مستقبل المغرب والمغاربة، بل إن همه الوحيد أن يظل المغرب واقفا على رجليه لكي يدفع ديونه الثقيلة للبنك حتى آخر دولار، تماما كما كانت الدول الدائنة للمملكة الشريفة سنة 1912 حريصة على استخلاص ديونها فقررت تفويض فرض الحماية على المغرب لفرنسا التي قسمت المغرب إلى محميات.
الفرق اليوم أن التقسيم الذي يتعرض له العالم العربي والإسلامي، والمغرب جزء منه، لم تعد تقوم به الدول الإمبريالية بشكل مباشر، بل إنها أصبحت تفوض ذلك إلى “جيوش” داخلية تستثمر النعرات القبلية والعرقية لحشد التابعين.
في العراق وسوريا وليبيا نجح مخطط التقسيم، فالعراق مقسم بين الأكراد والسنة والشيعة، وسوريا تم تفتيت أوصالها بين داعش وعلويي النظام وعشرات المجموعات المسلحة، وليبيا تتقاسمها فرنسا عبر شركة طوطال ودول خليجية وداعش وقادة القبائل والعشائر.
وبالنسبة للمغرب والجزائر ليست هناك طائفية يمكن العزف على أوتارها، بل هناك ما هو أخطر، وهو العرق، وهو مادة شديدة الاشتعال وقابلة للانفجار. ففي الجزائر هناك أمازيغيو القبايل، وفي المغرب هناك أمازيغيو الريف وسوس والأطلس.
خطورة شروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أنها تطلب من الدولة أن تقدم استقالتها من قطاعات عمومية حساسة كالصحة والتعليم وخدمات الماء والكهرباء والطريق السيار وفتح ذلك أمام الرأسمال الشرس، وهذا ما تسبب في إخراج المواطنين للشارع للاحتجاج على انسحاب الدولة من هذه المجالات.
كيف تتسبب الديون في الاحتجاجات الشعبية بالمغرب؟ المعادلة بسيطة، ارتفاع الديون يؤدي إلى خوف الدائنين من عدم دفعها، وبالتالي تلجأ الجهات الدائنة إلى إصدار تقارير وتوجيهات لدفع الدولة نحو تقليص الاعتمادات المخصصة للقطاعات العمومية بهدف توفير السيولة الضرورية لتسديد أقساط الديون.
هكذا تستقيل الدولة من أدوارها العمومية وتسلم رقاب دافعي الضرائب لمضاربي القطاع الخاص لكي ينهشوا لحمهم وجيوبهم. والنتيجة الطبيعية هي أن الحل الوحيد المتبقي أمام المواطن المسحوق هو الخروج إلى الشوارع والاحتجاج.
ولهذا نرى من يوم لآخر المواطنين ينزلون إلى الشوارع والساحات للاحتجاج. فالأمر ليس معقدا، والحل أيضا ليس معقدا، يجب فقط أن يتوقف النهب والفساد اللذان يثقبان قعر السفينة التي نركبها جميعا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى