الرأي

جاسوس اسرائيلي في مكتب عريقات.. ما الجديد؟

أعترف مسبقا بأن الكتابة في الشأن الفلسطيني هذه الأيام عملية شاقة، فباستثناء هذه الانتفاضة الشبابية المشرفة في الأراضي المحتلة، بشقيها في مناطق محتلة عام 1948، أو الضفة الغربية، تبدو الصورة الفلسطينية محبطة وقاتمة للغاية.
لدينا رئيس فلسطيني انشغل عن مقاتلة اسرائيل بتصفية حساباته مع مساعديه وثُقاته، يهدد ولا ينفذ، وجميع رهاناته على السلام فشلت، وحوّل سلطته، والشعب الفلسطيني كله إلى شعب متسول ينتظر راتب آخر الشهر، والويل كل الويل لمن يتجرأ على المعارضة، أو توجيه أي نقد للسلطة أو الرئيس.
التلفزيون الفلسطيني الذي من المفترض أن يكون لكل الفلسطينيين، ويتصدر المحطات العربية كلها بشفافيته ومصداقيته، ومناقشاته الساخنة، وبرامجه الوطنية، تحول إلى تلفزيون السيد الرئيس تماما على غرار التلفزيونات العربية الرسمية في زمن الأسود والأبيض، زمن أهل الكهف، وكأنه لا توجد طفرة في وسائط التواصل الاجتماعي، ومواقع الأنترنت و”الفيسبوك”، و”التويتر”، فكل هم هذا التلفزيون هو تغطية سفرات الرئيس وخطاباته التي لا يسمع بها إلا القلة القليلة.
نكتب عن الشأن الفلسطيني اليوم بعد أن تناهت إلى أسماعنا أنباء عن اكتشاف جاسوس في مكتب الدكتور صائب عريقات كبير المفاوضين، الذي لم يعد يجد مفاوضات يشارك فيها، أو محطات تلفزة تسعى إليه، لكي يغرد باللغتين العربية والإنكليزية فيها ليل نهار، وحسب كل التوقيتات العالمية أو المحلية، لأن القضية الفلسطينية، وبفضل مفاوضاته، وسياسة سلطته، احتلت مكانة متدنية في سلم اهتمامات العرب والعالم.
ما هي الأسرار التي سيعثر عليها هذا الجاسوس في مكتب الدكتور عريقات ولا تعرفها إسرائيل وأجهزتها الأمنية؟ وما هي الوثائق التي يمكن أن يخفيها عن أعين عملاء “الموساد” و”الشين بيت” وغيرها، فالرجل، أي الدكتور عريقات، على اتصال دائم بالمسؤولين الاسرائيليين، وضيف دائم على وجبات فطورهم وغدائهم وعشائهم، ويعتبر بعضهم مثل تسيبي ليفني من أقرب الأصدقاء إليه.
التجسس الحقيقي هو الذي تمارسه الأجهزة الأمنية الفلسطينية تحت مسمى “التنسيق الأمني”، فهذه الأجهزة هي التي تتعامل في وضح النهار مع نظيراتها الاسرائيلية، وتتبادل معها المعلومات عن المقاومين للاحتلال، وأنشطتهم، وتسهل أعمال اعتقالهم، بل وحتى إعدامهم، وتدمير منازلهم.
فإذا كانت الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وكبار جنرلاتها وعقدائها تتعاون مع المحتل وأجهزته، وتوفر الحماية لعملائه، ومستوطنيه، وتتصدى لأي مظاهرة احتجاجية ضده، بأشرس الأدوات القمعية، فهل نلوم أي موظف “صغير” في مكتب “كبير” المفاوضين؟ مع إقرارنا وتسليمنا بأنه، إذا ثبت تجسسه، يستحق أقصى العقوبات.
الرئيس عباس، ومنذ أن تولى رئاسة السلطة خلفا للشهيد ياسر عرفات، وهو يهدد بإلغاء اتفاقات أوسلو، أو بالأحرى عدم الالتزام بالشق الفلسطيني منها، وعلى رأسها التنسيق الأمني، وألقى خطابا عرمرميا، وصفته أجهزة إعلامه بأنه تاريخي، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال فيه إن سلطته بلا سلطة، وإن مجندة صغيرة في الجيش الاسرائيلي تستطيع منعه من مغادرة مقره في رام الله، فماذا حدث لا شيء على الإطلاق، فلا ما ورد في الخطاب طبق على الأرض، ولا قرارات المجلس المركزي جرى تنفيذها، ولا المجلس الوطني انعقد.
قالوا لنا سنذهب إلى الأمم المتحدة لانتزاع انضمام دولة فلسطين الذي سيمكن، أي الانضمام، السلطة من مطاردة مجرمي الحرب الاسرائيليين ومثولهم أمام محكمة الجنايات الدولية، ورقص أنصار الرئيس طربا أمام مكتبه بعد عودته من نيويورك احتفالا بهذا النصر الكبير، وشاهدنا تلفزيون فلسطين يبث لقطات للسيد الرئيس وهو يوقع على وثائق الانضمام لهذه المحكمة لاحقا، فماذا حدث؟
السيد عباس زكي عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” بشرنا قبل أسبوع بأن السلطة لن تطارد مجرم حرب اسرائيلي واحد أمام المحاكم الدولية، لماذا يا سيد زكي؟ أفدنا، أفادك الله، السيد زكي كان صريحا وواضحا عندما قال دون لف ودوران، لأن أمريكا هددتها ورئيسها، بوضع جميع المسؤولين الفلسطينيين على قائمة الارهاب إذا فعلوا ذلك، فهل نستطيع مواجهة أمريكا الدولة العظمى؟ وهل يمكن تحديها وكسر كلمتها؟
الرئيس عباس يقترب من الثانية والثمانين من عمره، فما الذي يخشى منه، أو يخشى عليه، وماذا يضيره لو جرى وضعه على قائمة الارهاب؟ أو استدعته محكمة الجنايات الدولية للمثول أمامها كمجرم حرب؟ هذا شرف كبير له، واعتراف دولي به كمقاوم لمحتلي أرضه، وسالبي حقوق شعبه، والإقامة في جناح محكمة لاهاي قد تستغرق جلساتها سنوات، أفضل من الإقامة في مقر المقاطعة في رام الله، والنكد المترتب على ذلك من رجال السلطة والاسرائيليين معا، ثم إن إجراءات التسليم إلى المحكمة قد تستغرق سنوات فهل يضمن أن يعيش كل هذ السنوات، وإن ضمنها فعلا، والأعمار بيد الله، فسيكون تحول إلى “موسوعة” أمراض، وربما يكون من بينها مرض “الزهايمر” الذي سيجعله لا يحس بما يجري حوله، ولا يميز بين السجان والسجين، وإن كنا لا نتمنى له ذلك، ونقولها من القلب.
تستحق القوات الأمنية الفلسطينية التي كشفت عن هذا الجاسوس في مكتب الدكتور عريقات كل الشكر والتقدير على كفاءتها العالية، ولكن إذا وضعنا جانبا، أن جميع جنرالاتها يمارسون هذا الدور، أي التجسس لصالح الاحتلال، تحت ذريعة اتفاقات أوسلو وبنودها، فإننا نسأل عن سبب فشلها حتى هذه اللحظة، في كشف الجاسوس الأخطر الذي دس السم للشهيد ياسر عرفات، وهو معروف جيدا لديها ولغيرها في أوساط السلطة.
إنها سلطة فاسدة، أقيمت أساسا بقرار اسرائيلي، لكي تخدم الاحتلال، وتغطي على جرائمه، وتمنع مقاومته، وتعفيه من مسؤولياته كسلطة احتلال في الأراضي المحتلة، ونحن في انتظار رصاصة الرحمة التي تطلق عليها، لوضع حد لها، ووجودها، الجاثم على صدر الشعب الفلسطيني، ونتمنى أن تأتي هذه الرصاصة من الرئيس عباس نفسه، وإن كنا نعرف مسبقا أن الرجل لا يريد أن يكون على قدر هذه المهمة الوطنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى