الرئيسية

جرائم جديدة تثير رعب سكان مدينة بنسليمان

عزيز الحور
كان لمسؤولي مدينة بنسليمان، خلال الأسبوع الأخير من سنة 2015 اجتماع ذو طابع خاص؛ ذلك أنه كان يندرج في سياق تدارس كيفية ملاءمة الإدارة الأمنية بالمدينة مع النمط الجهوي الجديد. المنطقة الأمنية الإقليمية لبنسليمان محسوبة حتى حدود اللحظة على ولاية أمن سطات، رغم أن التقسيم الجهوي الجديد يفرض تبعيتها ترابيا إلى ولاية أمن البيضاء. هذا النقاش
قد لا يهم كثيرا سكان بنسليمان. ما يهم هؤلاء هو الوضع الأمني بالمدينة. عدد كبير من السكان يبدون انزعاجهم من التدهور الأمني الذي باتت تعرفه بنسليمان،
فعلى صغر المدينة جغرافيا تجري بها جرائم تجعلها تتصدر عناوين أخبار القتل والسرقة والاغتصاب. وضع مقلق بحثت «الأخبار» عن أسبابه وحاولت تتبع مظاهره وتجلياته.
قبل أيام، وقعت أحداث إجرامية تؤشر على وجود خلل ما هنا في بنسليمان. آخر هذه الوقائع جرت قبل نحو أسبوعين، إذ تعرضت حديقة ساحة محمد الخامس بالمدينة، إلى جانب ممتلكات ومحلات قريبة منها، لتخريب نفذه أشخاص يشتبه في أنهم كانوا تحت تأثير المخدرات.
الحادث وقع في قلب المدينة وقرب مقرات إدارية بها، إذ جرى تخريب ستة أعمدة إنارة عمومية واقتلاعها من مكانها، فضلا عن تكسير زجاج سيارة كانت مركونة قريبا من الساحة، إلى جانب تدمير ألعاب أطفال وكراسي حديدية.
تبين أن المعتدين كانوا يعاقرون الخمر في هذا المكان. تأكد ذلك بعد العثور على شظايا قنينات خمر منتشرة بالمكان. كيف يمكن لحادث مثل هذا أن يقع وسط المدينة؟ أين كان رجال الأمن حينها؟

دجنبر.. الشهر المرعب
قبل هذا الحادث بأيام جرى تسجيل واقعة أخرى مثيرة، غير بعيد هذه المرة عن حاجز أمني منصوب على الدوام بعرض الطريق الرابطة بين بنسليمان وبوزنيقة. جانحون يعترضون سبيل حافلة النقل الحضري التي تصل بنسليمان ببوزنيقة، ويسلبون ركابها ما يملكون.
كان هذا الحادث أمارة على أن شيئا ما لا يسير على ما يرام ببنسليمان، ففي شهر دجنبر أيضا جرت واقعة أخرى مثيرة للانتباه، وتكشف تطور مستوى الجريمة في هذه المدينة، فقد ضبطت عصابة إجرامية تضم ثلاثة أشخاص، تم الوصول إلى اثنين منهما إثر شكاية من شخص يقطن في الحي الحسني، أحد أكثر الأحياء التي تعيش مشاكل أمنية ببنسليمان. الضحية قال في شكايته إن اثنين من المتهمين اعتدوا عليه بالضرب والجرح، محددا أوصافهما بدقة، الأمر الذي قاد أمن المدينة إليهما قبل الوصول إلى شخص ثالث متورط معهما. تبين أن المتهمين يشكلون عصابة تقوم بترويج الخمور في المنطقة. المتهمون ينشطون أساسا بمدينة الكارة القريبة من بنسليمان. هذا ما تم الوصول إليه بعد تفتيش سيارة يكترونها إذ تم العثور داخلها على 48 قنينة خمر و40 قنينة جعة. التحقيق مع المتهمين أفضى إلى الوصول إلى معطيات خطيرة، ذلك أن المتهمين كانوا قد احتجزوا، من قبل، شابين، مات أحدهما بسبب تعرضه لضرب شديد، في حين توفي الآخر بعدما صدمته شاحنة عقب تمكنه من الفرار من قبل المتهمين.
قبل ذلك بيوم واحد كانت مدينة بنسليمان تتحدث عن حادث انتحار مرعب، إذ جرى اكتشاف جثة رجل في الخمسينات من عمره بدوار بجماعة «أولاد يحيى لوطا»، التابع لإقليم بنسليمان، داخل الحظيرة القريبة من منزله. المنتحر وجد مشنوقا بواسطة حبل.
مثل حوادث الانتحار هاته صارت مألوفة، خصوصا في المناطق الواقعة بضواحي المدينة. الأسباب غالبا ما ترتبط بمشاكل عائلية وخلافات حول الإرث تشهد أرشيفات المحكمة الابتدائية على كثرتها.
في المقابل، وقبل أيام من الواقعة، جرى حادث آخر صار بدوره مألوفا في المدينة. يتعلق الأمر بحريق جديد في السوق القديم بوسط المدينة. ففي منتصف شهر نونبر الماضي أعلنت حالة الاستنفار بالمدينة إثر اندلاع الحريق بالسوق المعروف بـ «الأربعاء». السوق كان قد شهد حريقا مماثلا قبل نحو عامين. بضائع كثيرة تعرضت للتلف. دائما ما تزيد مواد بناء أكواخ السوق القصديرية والخشبية من فداحة خسائر الحرائق التي تضربه. كان من المفترض نقل المحلات التجارية هنا إلى مكان آخر لكن الأمر ما زال معلقا حتى الآن.
لماذا تشهد مدينة بنسليمان كل مظاهر الدموية هاته؟

أحياء سوداء
للبحث عن جواب انتقلنا إلى المدينة، خلال الأسبوع الأخير من شهر دجنبر، وهو الشهر الذي شهد وقائع إجرامية ملفتة. حاولنا ترصد مدى الحضور الأمني بالمدينة، خصوصا بالمناطق شديدة السواد بالخريطة الأمنية هنا.
بدأنا البحث من مقر المنطقة الأمنية الإقليمية. الغرض مقابلة مسؤول أمني يفسر لنا ما الذي يحدث هنا. تم إخبارنا أن المسؤول عن المنطقة الأمنية يعقد اجتماعا خارج الإدارة.
الساعة تشير إلى السادسة مساء. بدأ الليل يخيم على المدينة. انطلقنا نتعقب سيارات أمن وطني كي نرصد الحركة الأمنية في المدينة. بدا ملفتا غياب دوريات أمنية ساعة زيارتنا. سيارتان أمنيتان وجدناهما واقفتين قرب السوق الموجود وسط المدينة، قريبا من باعة متجولين يعيقون حركة المرور هنا. سيارة أخرى وجدناها تتوجه صوب المحكمة الابتدائية بالمدينة وتتوقف هناك قبل أن يترجل منها شخص بزي مدني.
كان ملفتا وجود عدد من أحياء المدينة في ظلمة كاملة، بما في ذلك الحي الذي تقطن فيه عائلة رئيس المجلس البلدي، محمد اجديرة. وحده الزقاق الذي يوجد عليه منزل المسؤول المنتخب مضاء. جل أزقة الحي الإداري مظلمة. هنا، في هذا الحي، تكثر الجرائم. المشهد ذاته يشهده الحي المحمدي، أحد النقاط السوداء ببنسليمان. ظلمة حالكة أيضا تغزو حي لالة مريم. هنا توجد حديقة عمومية تعد وكرا للجانحين، وتشهد وقوع جرائم عدة. أبناء المدينة الذين التقيناهم يفسرون ذلك بأن المرور عبر الحديقة هو الطريق الأسهل والأكثر أمنا، على كل حال، كي يصل أبناء حي لالة مريم إلى مساكنهم.
مصالح المدينة كانت قد أنفقت على هذه الحديقة ميزانية ضخمة. تم تجهيزها وتهيئتها قبل أن تتعرض للخراب والإهمال عقب ذلك. هي الآن أشبه بغابة موحشة يعسكر فيها جانحون.
حتى الشارع المؤدي إلى الطريق الرابطة بين بنسليمان والمحمدية كان مظلما. وحده الشارع الرئيسي المخترق للمدينة الذي كان مُنارا بالكامل
توجهنا صوب أحد أكثر الأحياء التي يقول سكان المدينة إنها تشكل مصدر قلق أمني هنا؛ الحي الحسني تجمع سكني منعزل تحيط به مساحات فارغة مظلمة ليلا، خلفه حديقة معتمة المكان، مناسبة للتواري عن الأنظار في حال مرور دورية أمنية. العتمة كثيفة بسبب غياب الإنارة العمومية. في أفضل الحالات توجد مصابيح ضعيفة الإنارة لا تضيء إلا محيطها الضيق.
يشهد الحي الحسني، حسب سكان بنسليمان، انتشارا للجريمة، والسبب أنه، في الأصل، كان مكانا لإعادة إيواء سكان «النوايل» بالمدينة. غير أن أكثر أسباب ترسب صورة سلبية عن الحي هو توطن عدد من تجار المخدرات والخمور هنا. هذا هو المكان الذي يقصده من يبحث عن مخدرات في الغالب.
في هذا الحي كانت قد وقعت أكثر الجرائم إثارة للرعب ببنسليمان خلال الأعوام الأخيرة، إذ عمد شاب إلى قتل عمته القاصر بطريقة مشينة، وهو ما ظهر من خلال التحقيق معه، والذي كشف فيه أنه كان مهووسا بعمته البالغة من العمر 17 سنة، وكان يراودها لتحقيق نزواته الجنسية، غير أن تمنعها عنه في الفترة السابقة، أثار غضبه ليقرر طعنها بسكين وهي نائمة قبل أن يستمني فوق جثتها.
التحقيق أظهر أن الشخص الموقوف من ذوي السوابق العدلية، علما أن عددا من ذوي السوابق بالمدينة معروفون على الدوام بجنوحهم الإجرامي، وهو ما تثبته حالات العود المسجلة هنا.
يظهر أن ثمة عوامل اجتماعية مركبة تفسر ما يحدث في بنسليمان، فضلا عن مسؤولية مؤسسات معنية بما فيها بلدية المدينة المسؤولة عن الإنارة العمومية وبنيات تحتية يعيش جانحون على أثار تدهورها، إلى جانب المؤسسات الأمنية.
مصدر مسؤول بالمدينة يقول إن مشاكل كثيرة تواجه الأمن هنا. «لا بد أن نعلم أن المدينة بدأت تكبر بشكل متسارع كما ارتفع عدد سكانها بشكل كبير. نسب البطالة والأمية كبيرة هنا، ولا توجد مشاريع اقتصادية وصناعية على الخصوص لتشغيل العاطلين. الإمكانيات الأمنية المرصودة بالمدينة أصبحت متجاوزة، كما أن وجود عدد من الأمنيين من أبناء المدينة يشكل عائقا أمام تحريك دوريات أمنية. يضاف ذلك إلى مشاكل يواجهها الدرك الملكي بسبب قلة العناصر وشساعة إقليم بنسليمان»، يقول المصدر ذاته.
حاولنا التدقيق في حقيقة «ضعف الإمكانيات الأمنية» التي تحدث عنها المسؤول الذي تحفظ عن إيراد اسمه. اتصلنا بمسؤولين أمنيين بالمدينة لعرض كل هذه المعطيات، لكن دون التوصل بجواب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى