الرئيسية

حتى لا ننسى

يونس جنوحي
بصدور أحكام الإعدام على المتورطين في مذبحة منطقة «إمليل» ضد السائحتين الاسكندنافيتين، عادت المنطقة من جديد إلى الواجهة بعدما طالها النسيان. وهذه العادة المغربية القبيحة تأبى أن تموت، سواء في صفوف الحكوميين أو حتى بقية المغاربة.
هذا الانتباه الموسمي هو الذي قتل كل مبادرات إصلاح الأوضاع المعيشية في هذا البلد. وربما تلزمنا مجلدات لكي نُذكر المغاربة بالمآسي التي عاشوها طيلة السنوات الأخيرة فقط ونسوها بعد أسابيع فقط على وقوعها، لتعود بعدها الحياة المغربية إلى وضعها الطبيعي السابق.
كادت «إمليل» أن تُنسى نهائيا لولا صدور الأحكام في حق المتابعين، ليعود النقاش حول تنفيذ عقوبة الإعدام، بدل فتح نقاش حول الأحياء المتبقين هناك فوق الخريطة معزولين تماما عن العالم.
هؤلاء الأحياء الذين يسكنون الجبل لقرون دون أن يتغير أي شيء في حياتهم، يستحقون أن يخرج الحقوقيون من أجلهم ويحتجوا أمام البرلمان على التهميش الذي طال الأحياء، قبل أن ينددوا بتنفيذ حكم الإعدام الذي يعني في المغرب «مؤبدا» غير مباشر، بحكم أن المغرب، شأنه شأن أزيد من مائة دولة، جمد منذ عقود تنفيذ تلك العقوبة.
كل القوانين الدولية في مجال حقوق الإنسان تؤكد أن الأولوية للأحياء أولا. وبدل الانكباب على الدفاع عن «الحق في الحياة» بالنسبة للمُدانين فقط، يجب التفكير أولا في حق الحياة الذي يجب أن يُمنح للأحياء..، لأن الوضع الذي يعيشونه في الجبال المعزولة تماما والواقعة خارج اهتمامات الأحزاب المغربية، لا يُمكن أن يُسمى حياة ما دام الناس لا يزالون مُجبرين على البحث عن الماء وجلبه فوق ظهور الحمير، تماما كما كان يقع في القرون الوسطى.
هناك قرى في المغرب العميق لم ير سكانها سيارة منذ أيام «السيبة»، ولم يسبق لسكانها أن رأوا في حياتهم مستشفى ولم تحلق فوقهم أية مروحية رغم أنهم يُعزلون تماما في جبالهم في مواسم الثلوج. ولا يزالون يدبرون أمر التدفئة بطرق بدائية، تماما كما لو أنهم ليسوا مثل بقية المغاربة.
هؤلاء هم الذين يستحقون منا أن نخرج من أجلهم في كل الساحات وليس فقط أمام ساحة البرلمان.
بعيدا عن «الإصلاح» الذي كانت تدافع عنه الحكومة لموسمين متتاليين، فإن الإصلاح الحقيقي سوف يبدأ عندما نبدأ كمغاربة بأخذ الأمور بالجدية اللازمة. مثل هذه الحملات الموسمية لن تفك العزلة لا عن إمليل ولا عن غيرها من المناطق. هناك سياح يعرفون المغرب العميق أكثر مما نعرفه نحن المغاربة. وهذه المصيبة مرتبطة أساسا بأمور ثقافية واجتماعية، والأهم أنها اقتصادية أيضا. أغلب المغاربة يصارعون الحياة للوصول إلى آخر أيام الشهر، والأكيد أن «إمليل» و«شمهروش» خارج اهتماماتهم تماما ولا يحلمون بزيارتها ولا يدخل السفر أصلا ضمن اهتماماتهم.
لكن المعيب أن أغلب السياح الذين سبق لهم ممارسة السياحة الجبلية في «إمليل» عادوا إليها بعد الحادث، كتأكيد على أن التجربة التي عاشوها هناك مع الفقراء والبسطاء من سكان المنطقة، كانت بعيدة تماما عن ثقافة التطرف والقتل. ولحُسن حظنا أن أولئك السياح عادوا إلى المنطقة وكتبوا بالآلاف عن تجاربهم الإنسانية المؤثرة هناك والعلاقات التي نسجوها مع شباب المنطقة الذين يشتغلون في مجال السياحة، وبينهم حملة الشهادات العليا الذين استثمروا في المجال وتركوا وراءهم الحرب مع الحكومة للفوز بوظيفة في القطاع العام.
هؤلاء الشبان يستحقون بالتأكيد أن ننوه بهم، بدل التركيز على الاحتجاج ضد تنفيذ عقوبة الإعدام، علما أن هؤلاء الذين خرجوا هذه الأيام لهذا الغرض، نسوا أن «إمليل» موجودة أصلا.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى