الرئيسيةالملف السياسي

الغنائم السياسية تشعل صراعات طاحنة داخل الأحزاب

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
يعرف المشهد السياسي والحزبي المغربي أزمة حقيقية، سواء داخل مكونات التحالف الحكومي أو داخل المعارضة التي تعاني من الضعف والوهن وأصبحت غائبة عن الساحة، وتتوجه أغلب الأحزاب السياسية المغربية إلى محطة الاستحقاقات الانتخابية الجماعية والجهوية المزمع إجراؤها خلال سنة 2021، بجسد أنهكته الحروب الداخلية بين تيارات متصارعة حول «كعكة» المناصب في القيادة الحزبية. وعلى خلاف الصراعات التقليدية التي كانت سببا في انشقاق الأحزاب التقليدية الإدارية منها أو التي تسمي نفسها الأحزاب الوطنية والديمقراطية، والتي كانت تدور حول الأفكار والتوجهات الإيديولوجية، فإن الصراعات التي تعرفها الأحزاب المغربية، اليوم، هي في جوهرها صراعات بخلفيات شخصية وتدور حول مواقع القيادة والحفاظ على المصالح.

إذا كان، في السابق، يتمرد الأعضاء على قيادة أحزابهم ويلتفون حول قائد الانقلاب أو زعيم التمرد الذي يطرح أفكارا جديدة أو توجهات سياسية تختلف عن توجهات القيادة الحزبية، فإن تقاطع المصالح الشخصية الضيقة هو ما يخلق الولاء للزعيم في الوقت الراهن، مع تعدد أشكال الريع السياسي التي أصبحت تفتح أبوابها في وجه كل الطامحين والمتسلقين إلى مواقع متقدمة من القيادة الحزبية، في تغييب تام للديمقراطية الداخلية في الأحزاب السياسية، وغياب أساليب إشراك جميع أعضاء الحزب في صنع القرار وتداوله ضمن الهيكلة الحزبية، من خلال وضع ضوابط قانونية للعمل الداخلي الحزبي تتضمن قواعد اختيار المرشحين للانتخابات والمنافسة الداخلية للمناصب القيادية، أو تمثيلية النساء والشباب. ورغم إقرار هذه الضوابط ضمن قانون الأحزاب السياسية، إلا أن غياب ثقافة ديمقراطية داخل معظم الأحزاب يجعلها مجرد حبر على ورق.
صراع المصالح
وضع الخطاب الملكي الذي ألقاه الملك محمد السادس الأسبوع الماضي بمقر البرلمان، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية العاشرة، الأصبع على الداء الذي بدأ يستشري وسط الأحزاب السياسية المغربية، والمتمثل أساسا في فقدان تلك الأحزاب لدولاب مهمتها التأطيرية والتوجه نحو الصراعات الداخلية والمصالح السياسية الضيقة وتبادل الاتهامات والتصريحات. فقد أكد الملك، في خطاب البرلمان، على أن المرحلة الجديدة تتطلب انخراط الجميع، بعيدا عن الصراعات الفارغة واستهلاك الوقت والطاقات، مشددا على أنها «تسائل الطبقة السياسية من حكومة وبرلمان وأحزاب من أجل توفير شروط نجاحها»، موضحا أن هذه المرحلة التي حدد محاورها خطاب العرش، تسائل الطبقة السياسية من حكومة وبرلمان وأحزاب من أجل توفير شروط نجاحها، بعيدا عن منطق الخلافات والانقسامات، خدمة لمصالح الشعب المغربي ومصالح الوطن.
الإشارة الملكية التي جاءت في خطاب افتتاح الدورة البرلمانية، أياما قليلة بعد التعديل الحكومي، وضعت النقاط على حروف واقع الأحزاب السياسية في السنوات الأخيرة، وما شهدته الساحة السياسية من تجاذبات بين الأحزاب المشاركة في الحكومة في ظل مشاورات التعديل الحكومي، والتي دفعت حزب التقدم والاشتراكية إلى مغادرة الأغلبية بسبب «شح» المناصب، في الوقت الذي كان الحزب قد دخل «معركة» التصريحات والتصريحات المضادة بين أمينه العام، نبيل بنعبد الله، والكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إدريس لشكر، الذي سارع إلى مطالبة العثماني بالتقليص من عدد الأحزاب المشاركة في الحكومة ومعه عدد الوزراء بسبب «ثقل الحكومة العددي والسياسي».
ولم تكن خلافات يساريي الحكومة أول ولا آخر الصراعات الحزبية لأحزاب الأغلبية، فقد أثيرت العديد من الأزمات التي كادت تعصف بحكومة سعد الدين العثماني منذ شهورها الأولى، بل إن الصراعات الحزبية لم تكن سوى تجل لصراعات داخلية عاشتها تلك الأحزاب، على رأسها الحزب الذي يقود الحكومة، العدالة والتنمية، الذي دشن ترؤسه للحكومة في ولاية ثانية بصراع أقطاب في ما عرف بـ«تيار الاستوزار» و«تيار بنكيران»، منذ القرار الملكي بإعفاء الأمين العام السابق للحزب ورئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، من مهمة تشكيل الحكومة وإسناد الأمر لسعد الدين العثماني، وبعده المؤتمر الوطني للحزب الذي زكى طي «البيجيدي» لصفحة بنكيران وبروز توجهين قويين داخل الحزب كان الصراع بينهما تحركه حرب المواقع وامتيازات المناصب الحكومية والوزارية والقيادية في الحزب.
ولم يكن حزب الاستقلال، الذي اختار المعارضة منذ البداية، بعيدا هو الآخر عن صراع داخلي حمله المؤتمر الوطني للحزب، حيث برز شركاء متخاصمون في الحزب مع مرشحين متنافسين على القيادة، حميد شباط، الأمين العام السابق، الذي كان يمني النفس بالخلود وراء دفة قيادة الحزب والأمين العام الحالي الذي انتخبه مؤتمر الحزب وأزاح شباط، نزار بركة. وحول الصراع بين القطبين، حينها، المؤتمر الوطني للحزب إلى ساحة معركة كانت أوج مسارها «معركة الصحون الطائرة» التي اندلعت بين مؤيدي المتنافسين في خضم المؤتمر، وحسمت خلافات قيادة حزب الاستقلال بالإطاحة بشباط وتولي حفيد علال الفاسي زعامة الحزب، في واحد من أشرس الصراعات الداخلية بين تيارات حزب الاستقلال، وهو الصراع الذي أججته حرب المواقع والمناصب في الهيئة التقريرية للحزب ومنظماته الموازية.
صراع القيادة والمناصب الحزبية انفجر أيضا داخل حزب الأصالة والمعاصرة، الذي كان على مشارف انعقاد المؤتمر الوطني الرابع للحزب، الذي كان من المزمع عقده في شتنبر الماضي، حيث تواصلت حرب المواقع بين تيارين قويين داخل الحزب، هما تيار «الشرعية» الذي يقوده الأمين العام، حكيم بنشماش، وتيار «المستقبل» بقيادة البرلماني عبد اللطيف وهبي. وطرق الصراع الحزبي باب القضاء وحكمت المحكمة الابتدائية بالرباط، في الدعوى التي رفعها حكيم بنشماش، ضد سمير كودار، رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر، لصالحه، فيما كسب تيار «المستقبل» بدوره معركة قضائية أخرى مع بنشماش في الدعوى التي رفعها ضده كودار حول قرار طرده من الحزب. وامتد صراع القيادة إلى المنظمات الموازية، في حين لم تلق الدعوة التي وجهها الأمين العام للحزب إلى المناهضين له بفتح صفحة للصلح والحوار، التجاوب الذي كان يرجوه، وواصل الصراع داخل الحزب تقزيم دوره في المعارضة، بل إن الصراع الداخلي وسط «البام» أثر بشكل واضح على فريقيه داخل المؤسسة التشريعية، وغاب الانسجام بينهما وطغت حالة الجمود التي يعرفها الحزب على مشهده الداخلي.
وكان الصراع حول المناصب الحكومية قد فجر الخلاف داخل حزب التقدم والاشتراكية، بعد قرار الحزب الخروج من الحكومة وتشبث الوزير السابق، أناس الدكالي، بمنصبه الوزاري، تلا ذلك الاجتماع الأخير للجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية، وتبادل الاتهامات بين رفاق نبيل بنعبد الله، الأمين العام للحزب، ومؤيدي أناس الدكالي، الرافضين لقرار خروج الحزب من الحكومة، وهو القرار الذي اتخذه الديوان السياسي للحزب وصوتت اللجنة المركزية بتأييده، في الوقت الذي اتهم الدكالي قيادة الحزب بتزوير التصويت خلال اجتماع اللجنة المركزية لصالح قرار الخروج من خلال عدم احتساب عدد من أصوات الرافضين للقرار والذين كانوا خارج القاعة، وطفت للعلن خلافات في البيت الداخلي لحزب التقدم والاشتراكية بُعيد اجتماع اللجنة المركزية، ففي الوقت الذي وجه الدكالي اتهاما مباشرا لقيادة الحزب بتزوير التصويت لصالح قرار الخروج، ذهب الأمين العام للحزب، نبيل بنعبد الله، إلى التلويح بطرد الدكالي وعدد من مؤيديه من الحزب واتخاذ عقوبات رادعة، وطالب المكتب السياسي للتقدم والاشتراكية الدكالي بالاعتذار الذي رفضه الوزير السابق ودعا رفاقه إلى «المصالحة» والخروج من الأزمة التي خلفها الصراع حول مناصب حكومية.

ضعف الهياكل الحزبية
يرى الباحث في العلوم السياسية، زين العابدين الحمزاوي، في دراسة حول «الأحزاب السياسية وأزمة الانتقال الديمقراطي بالمغرب»، أن المفارقة التي تسجل هي أنه مع انطلاق المسلسل الديمقراطي الذي من المفروض أن يضع الديمقراطية على سكتها الصحيحة، وأن يرقى بالممارسة والسلوك السياسيين، بزغت ظاهرة التطور غير الطبيعي للتعددية الحزبية، بحيث أخذت الأحزاب في التناسل إما من فراغ، أو من خلال اللجوء لآلية الانشقاق، إلى الحد الذي صارت هذه التعددية تشكل عبئا على الحياة السياسية وشاهدا على التطور السلبي الذي تم على هذا المستوى. ويضيف الباحث أنه في إطار هذه التعددية، صارت الأسماء والألوان والرموز تتكدس إلى الحد الذي أصاب هذا الجانب من الحقل السياسي بالتخمة والتضخم، وهو ما لا يمكن اعتباره ظاهرة صحية بقدر ما يعتبر تجسيدا لأزمة وعي وسلوك وثقافة وقيم. وأضاف الباحث ذاته «حاليا، يوجد بالمغرب 38 حزبا، وهو العدد الذي يفرض علينا طرح السؤال التالي: هل هذا العدد من الأحزاب يدل على وجود عدد مماثل من البرامج السياسية والمشاريع المجتمعية؟ وهل هذه الأحزاب تعتبر تجسيدا لمصالح وقيم وآمال 38 طبقة اجتماعية؟».
واعتبر الحمزاوي أن التعدد الضروري للبناء الديمقراطي والمفيد للتنمية والتقدم هو الذي ينطوي على تعدد حقيقي في الاجتهادات والتصورات السياسية، بحيث يكون الهدف من تأسيس حزب جديد هو تقديم برامج واقتراحات جديدة مغايرة لما تطرحه الأحزاب القائمة، وهذا يدخل في إطار التنافس المشروع الذي يعطي أفكارا جديدة ويشجع على الابتكار ويخلق الدينامية التي تفتح باب التطور. ومن العيوب التي تسيء للتعددية نجد تفاقم النزعة الانشطارية داخل الأحزاب السياسية، والتي لا يوجد ما يبررها، في غالب الأحيان، سوى ضعف الحوار أو انعدامه، والعجز عن التدبير الديمقراطي للاختلاف الطبيعي في الآراء وطغيان نزعة الإقصاء، في حين أن المطلوب في العمل الحزبي هو أنه بدل سيادة لغة الإقصاء والتهميش، يجب أن تسود ثقافة الاختلاف التي تعتبر ركنا أساسيا من أركان التدبير المجتمعي. وفي هذا الإطار، يلاحظ أن الانشقاقات أصبحت أحد المعالم المميزة للمشهد الحزبي المغربي، وهو الأمر الذي ساهم في إضفاء المزيد من الابتذال على التعددية الحزبية. وفي ظل هذا الواقع، حسب الحمزاوي، «تضعنا الوتيرة العالية لتناسل الأحزاب أمام مشهد تبدو فيه التعددية الحزبية عبارة عن ترجمة لتعددية في الطموحات السياسية لقادتها أكثر منها تعددية سياسية أو إيديولوجية».
ويشير الباحث إلى أن المغرب عرف عقب الاستقلال حياة سياسية صاخبة وغنية، شكلت الأحزاب السياسية فيها عنصرا فاعلا محوريا، إلا أنه منذ مطلع الثمانينات، أخذ الضعف والوهن يدب في الهيكل الحزبي المغربي. وإذا كانت أسباب ذلك متعددة، فإن أهمها، على الأرجح، تتعلق بتعطيل منهجية العمل الديمقراطي داخلها، وهو الأمر الذي ظلت عليه إلى أن جاءت المبادرة الملكية بإصلاحها. وما يسجل على الحزب السياسي المغربي هو انغلاق بنيته التنظيمية وعدم الانفتاح ليس فقط على المجتمع وطبيعة التحولات التي يعرفها، وإنما على النقاشات الداخلية، سواء كانت فردية أو جماعية، وهي الظاهرة التي ارتبط بها منطق الإقصاء والإقصاء المضاد، الأمر الذي يترك تأثيرا سلبيا على إنتاج الأفكار والمفاهيم. كما أن الأحزاب المغربية التي رفعت راية التحديث على مدى العقود التي أعقبت الاستقلال، وجدت نفسها تغرق في أساليب إدارتها لشأنها الداخلي من صميم ما ظلت تندد به وتعيبه على نظام الحكم الشمولي.
وتعتبر الدراسة أنه من المفروض في الأحزاب السياسية أن تكون نموذجا ومثالا لاحترام قواعد الممارسة الديمقراطية، بحيث يجب أن تكون قنوات الترقي في الهرمية التنظيمية للحزب مفتوحة أمام كل الطاقات، وتكون الانتخابات الدورية والمؤتمرات العامة الآلية الأساسية لتجنيد النخبة القيادية في الحزب، وكذا في عزلها وإحلال نخبة أخرى محلها، بالإضافة إلى تحديد التوجهات العامة للحزب. وبهذا الصدد، أكد الباحث المتخصص على الموقف الذي يفيد بكون الحزب المغربي يمتاز بجمود بنياته الداخلية، حيث لا يسمح بتحقيق طموح سياسي داخله، «فمن يوجد في القواعد السفلى لا يستطيع التسلق إلى الأجهزة القيادية إلا في بعض الحالات النادرة».

غنائم المناصب الحكومية تشعل حروب الاستوزار داخل الأحزاب
بعد كل انتخابات تشريعية، أو تعديل حكومي جزئي، تظهر صراعات داخل الأحزاب السياسية حول الحقائب الوزارية، أو ما يعرف بحرب الاستوزار، وأصبح بعض القادة السياسيين يربطون مصيرهم داخل أحزابهم بنيلهم للمنصب الوزاري الذي يضمن لهم، بالإضافة إلى السلطة والجاه، مداخيل مالية محترمة بالإضافة إلى تقاعد مدى الحياة تصل قيمته حوالي 4 ملايين سنتيم شهريا.
ويعتبر محللون سياسيون أن تعويضات أعضاء الحكومة، التي يحددها ظهير خاص، بذلك مرتفعة، بالمقارنة مع الخدمات التي يقدمونها، فيما يراها آخرون هدراً للمال العام، بالنظر إلى قيمتها، فهي أرقام تبدو مغرية، في بلد يصل فيه الحد الأدنى للأجور إلى ما دون 2500 درهم، وبأخذ أجور ومرتبات من يحيطون بهم من رؤساء وأعضاء الديوان بعين الاعتبار، وكذلك التكلفة «الباهظة» التي تتحملها خزينة الدولة المتعلقة بالتعويضات عن التنقل وغيرها من التعويضات الجزافية.
وتبدو أجور الوزراء عادية بمقارنتها مع ما يتقاضاه بعض رؤساء المؤسسات العمومية والخاصة، لكن المراقبين يبررون ارتفاعها بالمهام التي يقومون بها، والفضائح التي يتسببون فيها.
فالبنسبة للوزير الأول (رئيس الحكومة حالياً)، فإنه يتقاضى بموجب ظهير 1975، حوالي 90 ألف درهم، بمعنى أنه يتقاضى خلال فترة ولايته التي تمتد خمس سنوات، حوالي خمسة ملايين و 400 ألف درهم، فيما يتقاضى مدير ديوانه 16 ألف درهم شهرياً، و 12 ألف درهم بالنسبة لمستشاريه، في الوقت الذي يتقاضى رئيس الكتابة الخاصة لرئيس الحكومة 8000 درهم. وفي تفاصيل أجر وتعويضات رئيس الحكومة، فحدد الظهير أجره الجزافي في 32 ألف درهم، و 18 ألف درهم كتعويضات عن التمثيلية، و15 درهم كتعويضات عن السكن، و 5 آلاف درهم كتعويضات التأثيث والأواني الزجاجية.
وبخصوص الوزراء، فيحدد ظهير 1975 أجورهم في 70 ألف درهم شهريا، مما يعني أن الوزير يتقاضى خلال ولايته الممتدة خمس سنوات في الحكومة 4 ملايين و 200 ألف درهم، في الوقت الذي يتقاضى فيه رؤساء الديوان والمستشارون 16 ألف درهم و 12 ألف درهم على التوالي. وفي تفاصيل أجور وتعويضات الوزراء، فقد حدد الظهير الأجر الجزافي للوزير في 26 ألف درهم، و 14 ألف درهم عن التمثيلية، و 15 درهم كتعويضات عن السكن، و 5 آلاف درهم كتعويضات عن التأثيث والأواني الزجاجية.

الأحزاب تتخلى عن دورها التأطيري وتتحول إلى شركات للترقي الاجتماعي
يمثل العمل الحزبي مظهرا أساسيا من مظاهر ممارسة الحقوق والحريات العامة بالمغرب، حيث تساهم هذه الأحزاب في تأطير وتوعية المواطنين، ويعتبر الحزب السياسي بمثابة جماعة منظمة من المواطنين متفقين على مبادئ سياسية معينة يسعون للوصول إلى الحكم من أجل تطبيق هذه المبادئ. ودخلت الظاهرة الحزبية إلى المغرب مع الاستعمار الفرنسي، وقد نهج المغرب بعد الاستقلال التعددية الحزبية التي تقتضي وجود عدة أحزاب بعضها يشارك في الحكومة، وتسمى أحزاب الأغلبية، والبعض الآخر معارض لها ينتقدها ويراقب أعمالها، وتسمى أحزاب المعارضة.
ويسمح القانون المغربي للمواطنين بتأسيس الأحزاب والجمعيات السياسية، شريطة أن يكونوا من جنسية مغربية، ويعتمدوا على تمويل وطني محض، مع تقديم طلب إلى السلطات المحلية يتضمن القوانين الأساسية للحزب، ولائحة بأسماء المؤسسين وأعضاء المكتب المُسيّر. ولا يجوز إحداث أي حزب على أساس ديني أو عرقي أو جنسي أو إقليمي، كما يمنع القانون على العسكريين ورجال السلطة الانتماء للأحزاب السياسية. ويخضع كل حزب سياسي لتنظيم هيكلي على الصعيد الوطني والجهوي والمحلي، يشرف عليه رئيس أو أمين بمساعدة مكتب سياسي، يتم انتخابه من قبل ممثلي جميع فروع الحزب أثناء انعقاد المؤتمر الوطني للحزب، ويشارك كل حزب في الانتخابات الجماعية والتشريعية، بناء على برنامج سياسي محدد يطمح الحزب إلى تنفيذه في حال وصوله إلى السلطة.
ينص الدستور على أن الأحزاب السياسية تعمل على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية. وتُؤسس الأحزاب وتُمارس أنشطتها بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون، ويمنع الدستور، نظام الحزب الوحيد، ويعتبره نظاما غير مشروع، كما لا يجوز أن تؤسس الأحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي، وبصفة عامة، على أي أساس من التمييز أو المخالفة لحقوق الإنسان، ولا يجوز أن يكون هدفها المساس بالدين الإسلامي، أو بالنظام الملكي، أو المبادئ الدستورية، أو الأسس الديمقراطية، أو الوحدة الوطنية أو الترابية للمملكة.
ويحدد القانون التنظيمي للأحزاب السياسية القواعد المتعلقة بصفة خاصة، بتأسيس الأحزاب السياسية، وأنشطتها ومعايير تخويلها الدعم المالي للدولة، وكذا كيفيات مراقبة تمويلها. وتنص المادة الثانية من القانون على أن الحزب السياسي هو تنظيم سياسي دائم، يتمتع بالشخصية الاعتبارية، يؤسس طبقا للقانون، بمقتضى اتفاق بين أشخاص ذاتيين، يتمتعون بحقوقهم المدنية والسياسية، يتقاسمون نفس المبادئ، ويسعون إلى تحقيق نفس الأهداف.
لكن الأحزاب السياسية تخلت عن دورها التأطيري، وتحولت إلى ما يشبه شركات للترقي الطبقي والمهني السريع، من خلال توزيع الحقائب الوزارية والتعيين في الدواوين الحكومية والمناصب العليا، بحيث كل وزير يحصل على حقيبة وزارية له الحق في تعيين 30 مستشارا بديوانه، بأجور شهرية تفوق 3 ملايين سنتيم، وأغلب هؤلاء يحصلون على هذه المناصب دون أن تطأ أقدامهم مقرات الوزارات المحسوبين عليها، فيما بعضهم يملكون شركات أو يشتغلون في قطاعات أخرى. وهناك غنيمة أخرى تثير شهية قادة الأحزاب السياسية، وهي لائحة الشباب ولائحة النساء، التي دخل بموجبها 30 شابا و60 امرأة إلى قبة البرلمان، حيث غابت المعايير السياسية في اختيار المرشحين، وتم مقابل ذلك تغليب منطق العلاقات العائلية والولاء الحزبي في اختيار النساء والشباب المرشحين، وبذلك سيضمنون على الأقل أجورا محترمة على مدى خمس سنوات وتقاعد مريح مدى الحياة.
ويطغى منطق القرابة العائلية وعلاقات المحسوبية والمحزوبية (من الأحزاب) معيارا في توزيع «غنائم» السياسة، ولعل ما شهدته الانتخابات التشريعية الأخيرة، التي أفرزت خريطة سياسية وحزبية جديدة، وكما أفرزت تصدر حزب العدالة والتنمية ووصوله إلى قيادة الحكومة لولاية ثانية، أفرزت كذلك خريطة أخرى يبدو أنها هي المتحكمة في الخريطة الحزبية والانتخابية بالعديد من الجهات، ويتعلق الأمر بشبكة القرابة العائلية داخل غرفتي البرلمان، فداخل مجلسي النواب والمستشارين، تجد الأب يجلس إلى جانب ابنه والزوج إلى جانب زوجته وابن الأخ إلى جانب عمه، لذلك تحولت غرفة البرلمان إلى ما يشبه غرفة عائلية أغلب أعضائها تربطهم علاقات «النسب والحسب» والتي تكون فوق كل اعتبار سياسي أو حزبي، لأن البرلمان بفضل هذه العلاقات تحول إلى «بورصة» لقضاء المصالح الشخصية ليس إلا. ومن خلال البحث في خريطة مجلس النواب العائلية، يتضح أن العلاقات الحزبية أو السياسية تأتي في المرتبة الثانية بعد العلاقات العائلية التي تتحكم في رسم الخرائط الانتخابية والحزبية، وأصبحت معيارا للانتماء الحزبي في بعض الجهات. وبعد تصفح لائحة أعضاء مجلسي النواب والمستشارين الحاليين، يتضح أن نصفهم تقريبا تربطهم علاقات قرابة عائلية.

صراع الدواوين الوزارية يحول مقر الحركة الشعبية إلى ساحة حرب
تحول المقر المركزي لحزب الحركة الشعبية الموجود بحي حسان بالرباط، قبل التعديل الحكومي إلى ساحة حرب حقيقية، إثر تبادل العنف بين محسوبين على تيار الأمين العام امحند العنصر، والتيار المعارض، الذي يقوده محمد الفاضيلي، حول اقتسام المناصب بقيادة منظمة الشبيبة الحركية، التي كانت تعقد دورة عادية لمجلسها الوطني.
وكان المقر يحتضن أشغال دورة المجلس الوطني للشبيبة الحركية، لانتخاب رئيس المجلس، وأعضاء المكتب التنفيذي، برئاسة الأمين العام، امحند العنصر، وإدريس مرون، عضو المكتب السياسي للحزب، قبل أن يتحول الاجتماع إلى حلبة لتبادل الضرب والجرح باستعمال الكراسي، مما أسفر عن إصابة عدد من الحاضرين بجروح، ما استدعى تدخل عناصر الشرطة لتهدئة الأوضاع، وتم نقل أربعة مصابين على متن سيارات الإسعاف التابعة للوقاية المدنية إلى قسم المستعجلات بالمركز الاستشفائي الجامعي، حيث أجريت عمليات جراحية لاثنين منهم بسبب إصابتهما بكسور، فيما نقل أحد المصابين إلى مستشفى التخصصات بسبب إصابته على مستوى الرأس، أما العضو الرابع فقد غادر المشفى بعد استفادته من العلاجات الأولية.
ووقع الاشتباك بين أعضاء الشبيبة، إثر احتجاج تيار الفاضيلي داخل الشبيبة على حضور أشخاص غرباء داخل قاعة الاجتماع، كما اعترضوا على إضافة بعض الأسماء إلى لائحة المجلس الوطني، فيما وجهت اتهامات إلى مستشار في ديوان أحد الوزراء باستعمال «البلطجة» لنسف أشغال الاجتماع، لكن حسب رواية التيار الآخر، فإن أعضاء الشبيبة المحسوبين على تيار الأمين العام، قاموا بإنزال أشخاص لا علاقة لهم بالمجلس الوطني، من أجل التصويت على لائحة محسومة سلفا، وتضم في عضويتها مقربين من أعضاء المكتب السياسي، كما تضم أعضاء بدواوين الوزراء وموظفين بالبرلمان، لكن مصادر قيادية بالحزب، أرجعت سبب الصراع إلى التطاحنات والصراعات الداخلية التي يعرفها الحزب، تزامنا مع مشاورات التعديل الحكومي، ما انعكس على وضعية الشبيبة، لأن العضوية داخل المكتب التنفيذي تضمن لصاحبها الحصول على امتيازات من قبيل التوظيف في دواوين الوزراء المنتظر تعيينهم بعد التعديل الحكومي.
وبدأت تظهر معالم الانقسام داخل حزب الحركة الشعبية منذ مؤتمره الأخير، بعد فشل كل مساعي الحوار من أجل التوافق حول لائحة موحدة للمكتب السياسي، الذي تم انتخابه خلال دورة المجلس الوطني للحزب، حيث عرف الاجتماع تنافس لائحتين على 30 مقعدا، الأولى قادها البرلماني السابق، بناصر أزوكاغ، وتضم أغلب الأسماء البارزة في القيادة الحالية للحزب، بينهم حليمة العسالي، مهندسة هذه اللائحة، إلى جانب صهرها محمد أوزين، أما اللائحة الثانية قادها رئيس المجلس الوطني السابق، محمد الفاضيلي، متبوعا بوزير الداخلية السابق، محمد حصاد، وتمكنت اللائحة الثانية من حصد ستة مقاعد داخل المكتب السياسي.

معركة تكسير العظام متواصلة داخل «البام»
دخل حزب الأصالة والمعاصرة مرحلة التفكك، ما يفسر تهافت مجموعة من القياديين على نيل حصتهم من «الغنيمة» ولو تطلب الأمر اللجوء إلى استعمال لغة «النطيح»، كما حصل في حادث نطحة إبراهيم الجماني للأمين العام للحزب، حكيم بنشماش، بسبب منصب في مكتب مجلس النواب، يدر على صاحبها تعويضا إضافيا شهريا قدره 7 آلاف درهم وسيارة فاخرة وامتيازات السفريات إلى الخارج، أو من خلال تبادل الاتهامات بسرقة الملايير من ميزانية الحزب.
وكان أعضاء بالمكتب الفدرالي للحزب فجروا قنبلة من العيار الثقيل في وجه بنشماش، بمطالبته بالكشف عن مصير حوالي 4 ملايير و500 مليون سنتيم، التي تركها إلياس العماري، قبل مغادرته منصب الأمانة العامة للحزب، من أجل بناء مقر جديد للحزب بحي الرياض. وتحدث بعض أعضاء المكتب عن الملايير التي صرفت في ظروف غامضة خلال الاستحقاقات الانتخابية التشريعية والجماعية الأخيرة. وحسب وثائق حصلت عليها «الأخبار»، فإن الدعم العمومي الذي حصل عليه الحزب من خزينة الدولة، بلغ 12 مليون درهم.
ويمر الحزب بأزمة تنظيمية خانقة منذ وصول إلياس العماري إلى أمانته العامة، وتركه مشروخا لخلفه بنشماش، الذي دق آخر مسمار في نعشه. ويظهر، من خلال عدة مؤشرات، أن الجميع بدأ ينفض من حول الحزب، حيث قاطع العشرات من النواب والمستشارين البرلمانيين الاجتماع الذي عقده فريقا الحزب بمجلسي النواب والمستشارين قبل افتتاح الدورة التشريعية، فيما قرر بعضهم تجميد عضويتهم وأنشطتهم داخل الحزب، ويظهر ذلك من خلال غيابهم المستمر عن جلسات البرلمان واجتماعات اللجان البرلمانية، كما أن بعض البرلمانيين ينتظرون بفارغ الصبر قرارات طردهم لمغادرة الحزب في اتجاه أحزاب سياسية أخرى، حتى لا تسقط عضويتهم داخل المجالس المنتخبة، وينطبق الأمر نفسه على رؤساء الجماعات بمختلف مناطق المغرب، حيث التحق العديد منهم بحزب التجمع الوطني للأحرار.
وعادت لغة التصعيد بين التيارين المتصارعين داخل حزب الأصالة والمعاصرة، بعد إجهاض «صفقة» المصالحة بين الطرفين، حيث عقدت اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني الرابع للحزب، برئاسة سمير كودار، أحد قادة تيار «المستقبل»، اجتماعا تنظيميا للتداول بشأن التحضير للمؤتمر، فيما يعرف تيار الأمين العام للحزب، حكيم بنشماش، انقساما في صفوفه.
ومارس أعضاء بالحزب ضغوطات قوية على بنشماش لإصدار بلاغ باسم المكتب السياسي يعلن من خلاله رفضه لأية مصالحة مع من أسماهم «رموز التمرد والانقلاب على قوانين الحزب ومؤسساته، والذين كانوا وراء افتعال الأزمة الداخلية التي عاشها الحزب خلال الشهور الماضية»، وبالتالي تم إجهاض «صفقة» المصالحة. وأمام تصعيد التيار الموالي للأمين العام، قررت اللجنة التحضيرية التابعة لتيار «المستقبل»، تحديد موعد المؤتمر خلال شهر دجنبر المقبل.
ووصلت حدة الصراع إلى حد توصل بنشماش بتهديدات بالقتل، حيث كشف في اجتماع مشترك عقده المكتب السياسي والمكتب الفدرالي للحزب، عن توفره على تسجيل صوتي خطير يتضمن تهديدات بالتصفية الجسدية له ولقياديين محسوبين على التيار الذي يتزعمه. وأوضح مصدر قيادي بالحزب أن الشريط الصوتي يتضمن تهديدات بالقتل واردة على لسان شخص في اجتماع احتضنه فندق بمدينة طنجة. وأكد المصدر أن المدينة احتضنت أخيرا عدة اجتماعات داخل الفنادق المصنفة بتمويل من أحد المنتخبين الكبار يتحدر من الشمال. وقال بنشماش، في الاجتماع، إنه يتوفر على الشريط الذي يتضمن كلاما خطيرا يسيء لمؤسسات الحزب، وأضاف «أتمنى أن يكون ما ورد فيه غير صحيح». وأفاد المصدر ذاته بأنه تمت إحالة الشريط على القضاء لفتح تحقيق بشأنه، خاصة أنه يتضمن تهديدات صريحة في حق الأمين العام وقيادي بارز بالحزب يترأس مؤسسة تنظيمية داخل الحزب.

حقيبة حكومية تفجر صراعات بحزب التقدم والاشتراكية
تتواصل تداعيات الأحداث التي شهدها الاجتماع الأخير للجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية، بعد تبادل الاتهامات بين رفاق نبيل بنعبد الله، الأمين العام للحزب، ومؤيدي أناس الدكالي، وزير الصحة السابق وعضو الديوان السياسي للحزب، الرافضين لقرار خروج الحزب من الحكومة، وهو القرار الذي اتخذه الديوان السياسي للحزب وصوتت اللجنة المركزية بتأييده، في الوقت الذي اتهم الدكالي قيادة الحزب بتزوير التصويت خلال اجتماع اللجنة المركزية لصالح قرار الخروج، من خلال عدم احتساب عدد من أصوات الرافضين للقرار والذين كانوا خارج القاعة.
وبدأت تطفو للعلن خلافات في البيت الداخلي لحزب التقدم والاشتراكية بُعيد اجتماع اللجنة المركزية، ففي الوقت الذي وجه الدكالي اتهاما مباشرا لقيادة الحزب بتزوير التصويت لصالح قرار الخروج، أكد مصدر مقرب من الوزير السابق تراجعه عن التوجه إلى الطعن في قرار الانسحاب من الحكومة المعدلة في نسختها الثانية، وأضاف المصدر أن «الدكالي يؤمن بمعالجة الخلافات الداخلية داخل الأجهزة التقريرية للحزب وأن جميع القرارات المتخذة تلزمه، بما فيها قرار اللجنة المركزية ليوم الجمعة 04 أكتوبر 2019»، مضيفا أن الدكالي اعتبر الصراع والانتقادات التي طالت أشغال اللجنة المركزية حول خروج حزب «الكتاب» من الحكومة «لا تهمه لوحده، بل تهم مجموعة من الرفاق ومن بينهم قيادات وازنة عبرت عن أسفها وقلقها من الطريقة التي دبر بها اتخاذ قرار الانسحاب».
ويعد نبيل بنعبد الله، الأمين العام للحزب، العدة لعرض عدد من قياديي الحزب وأعضاء اللجنة المركزية وعلى رأسهم الدكالي على لجنة المراقبة السياسية والتحكيم، التي يرأسها السعيد سيحيدة، من أجل اتخاذ قرار في حق الأعضاء الرافضين لخيار انسحاب الحزب، وعلى ضوء الأحداث التي شهدها اجتماع اللجنة المركزية، فيما اعتذر بنعبد الله عن الأحداث التي شهدها الاجتماع، واعترف بكونه قصَّر في التسيير، وأرجع سبب المناوشات التي التقطتها عدسات الهواتف النقالة، ونقلتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى «فئة قليلة لا تمت بصلة لأخلاق مناضلي التقدم والاشتراكية»، على حد قوله، في إشارة إلى «تيار الاستوزار» الذي يقوده الدكالي.

الحقائب الوزارية تشق صفوف الاتحاد الاشتراكي
يعيش حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على صفيح ساخن منذ الإعلان عن التشكيلة الحكومية الجديدة، وحصول الحزب على حقيبة وزارية واحدة، وهي وزارة العدل، أسندت إلى الوزير محمد بنعبد القادر، ما لقي موجة من الغضب في صفوف قادة وأعضاء الحزب، الذي طالب بعضهم بالخروج من الحكومة، وانطلقت حملة التمرد على الكاتب الأول للحزب، إدريس لشكر، من جهة سوس ماسة، حيث عقد أعضاء الحزب اجتماعا موسعا، خلص إلى مطالبة القيادات الاتحادية والمناضلين الغيورين، بتنظيم محطة تصحيحية، بعد أن استنفدت القيادة الحالية مدتها، وأبرزت فشلها في إنقاذ الحزب.
ودعا المجتمعون إلى عقد مجلس جهوي موسع، ووضع جدولة لتنظيم هياكل ودعوة كافة الاتحاديين عبر ربوع الوطن لعقد مؤتمرات تصحيحية، تعيد للحزب قوته وبريقه.
وفي خضم الأزمة التنظيمية والسياسية التي يتخبط فيها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بسبب سوء تدبير الكاتب الأول للحزب إدريس لشكر ورئيس اللجنة الإدارية الحبيب المالكي لمفاوضات التعديل الحكومي، والتي أفضت إلى تقليص عدد حقائبه الوزارية إلى حقيبة وزارية واحدة يتولاها محمد بنعبد القادر، تعالت أصوات الاتحاديين مطالبة بضرورة تقديم الكاتب الأول ورئيس اللجنة الإدارية لاستقالتهما من الحزب.
ودخل حزب الاتحاد الاشتراكي بقيادة إدريس لشكر منذ سنة 2012، في مفترق الطرق، بعد اشتداد الأزمة التنظيمية داخله، ومغادرة أغلب أطر الحزب، وذلك منذ إعلان الراحل أحمد الزايدي، عن ميلاد تيار «الانفتاح والديمقراطية» الذي يضم الغاضبين على القيادة الحالية، ولم يبق الصراع مقتصرا داخل الحزب، فقد انتقلت شرارته إلى قطاع شبيبة الحزب، ثم إلى نقابة الفدرالية الديمقراطية للشغل التي عرفت بدورها أول انشقاق منذ انفصال هذه النقابة عن النقابة الأم الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، ما جعل كل المؤشرات السياسية والتنظيمية تتجه نحو آفاق وقوع انشقاق داخل الحزب.

الصراعات الداخلية لـ«البيجيدي».. لا يُصلح الحوار أزمة المسار
عاش حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة الحالية، على وقع أزمة حادة سنة 2017، على خلفية نقاش التمديد لعبد الإله بنكيران لولاية ثالثة، والذي وجد معارضة كبيرة من العديد من القيادات داخل الحزب، على رأسهم الأمين العام الحالي، سعد الدين العثماني. وبدأ الصراع مع اقتراب المؤتمر الثامن للحزب، والذي تم خلاله انتخاب أمين عام جديد، بعد تعديل المادة 16 من النظام الداخلي للحزب من أجل السماح لبنكيران بالترشح لولاية ثالثة، بعد أن كانت تنص على حصر ولاية الأمين العام في ولايتين. وتقوى الصراع بتشكل قطبين داخل الحزب منذرين بالمزيد من الاحتقان داخل «البيجيدي»، حيث دافع تيار «الولاية الثالثة» عن مواصلة بنكيران تولي مقاليد الزعامة، فيما اعتبر تيار «الاستوزار» أن الإعفاء الملكي لبنكيران رسالة نحو ضرورة تغيير قيادة الحزب.
حزب العدالة والتنمية دخل مرحلة تيه سياسي نقلت الصراع السياسي للحزب مع المناوئين للانتقال الديمقراطي بالمغرب، إلى صراع داخلي بين تيار لم يستسغ تنازل الحزب عن رفضه لمشاركة حزب الاتحاد الاشتراكي في الحكومة، وقبوله بمناصب حكومية «لا تعبر عن وزنه الانتخابي»، وتيار آخر بدا أكثر مرونة واعتبر أن هذه التنازلات فوتت فرصة تغييب الحزب من المشهد السياسي. وامتد الاختلاف في الآراء والتقديرات السياسية إلى ظهور فرز تنظيمي بين تيار يدعو إلى تعديل النظام الداخلي للحزب وتيار ثان يدعو إلى ضرورة الالتزام بقوانين الحزب وأنظمته الداخلية تجنباً لتكريس منطق الزعامة، وإن كان المؤتمر الوطني للحزب لعب دورا هاما في تخفيف حدة الصراع بين التيارين، بأن أزاح بنكيران عن المشهد السياسي ومعه عن قيادة الحزب، غير أن هذا الانقسام والتصدّع الذي ظهر داخل الحزب والخلافات التي خرجت للعلن، كان لها تأثير سلبي على وضعية الحزب.
الصراع الداخلي وسط العدالة والتنمية لم يكن لينتهي بإزاحة بنكيران عن المشهد داخل الحزب، فبعد المؤتمر الوطني الذي انتخب العثماني أمينا عاما جديدا، وهو الذي عينه الملك رئيسا للحكومة، تواصل الشد والجذب بين تيار «الاستوزار» وتيار «بنكيران»، إذ، وإن كان الصراع خفيا بين المعسكرين، إلا أنه ظل خفيا وسط الحزب، قبل أن تنفجر الأزمة من جديد مع التصريحات التي أدلى بها القيادي في الحزب عبد العالي حامي الدين، ووجه فيها انتقادات قوية إلى طبيعة النظام الملكي بالمغرب، حيث عبر عضو الأمانة العامة لقيادات الحزب عن غضبه الشديد من نشر بوابة الحزب الإلكترونية لمقطع تفاعلي داخلي ظهر فيه حامي الدين ينتقد المؤسسة الملكية، مقرراً تعليق مشاركته في «حوار الإخوان الداخلي» الذي أطلقه سعد الدين العثماني، الأمين العام للحزب، في محاولة منه لرأب الصدع بعد مرحلة بنكيران التي كادت أن تتسبب في «تفجير التنظيم الإسلامي»، في الوقت الذي تدخلت قيادة الحزب لمعالجة تداعيات تصريحات حامي الدين بالتأكيد على أنه خرج عن موضوع الحوار الداخلي، وهو الموقف الذي أثار الغضب ضد العثماني ومقربيه من قياديي الحزب، خصوصا من تيار «بنكيران» الذي يعتبر حامي الدين أحد أكبر «مؤيديه»، لتبدأ من جديد موجة المواجهة بين التيارين، وهي المواجهة التي لم تخمد نارها بعد المؤتمر بل ظلت تحت الرماد لتستعر من جديد.
الصراعات الداخلية وسط «البيجيدي» لم تكن لتنتهي مع طي صفحة تداعيات تصريح حامي الدين، بل، وبشكل غير مسبوق، خرجت الخلافات الداخلية في حزب العدالة والتنمية إلى العلن من جديد، حاملة معها قائمة أسئلة حول حقيقة ما يجري في البيت الداخلي للحزب، ومدى تأثير ذلك على مستقبله. وشكل الموقف الذي عبر عنه رئيس الحكومة السابق والأمين العام السابق للحزب عبد الإله بنكيران، عقب المصادقة على القانون الإطار للتربية والتكوين، والذي ينص على تدريس العلوم باللغة الفرنسية، محطة فارقة في تطورات تلك الخلافات، بعد أن عبّر بوضوح عن تفكيره في ترك الحزب، إثر قرار الحزب التصويت لصالح قانون التعليم، الذي اعتبره بنكيران «يخدم بالصيغة الحالية اللوبي الاستعماري في المغرب».
وفي ظل الخلاف الداخلي، تواصل مسلسل الفضائح الجنسية التي تلاحق حزب العدالة والتنمية، بعدما تفجرت فضيحة الصور الباريسية للقيادية في الحزب وعضو الأمانة العامة، أمينة ماء العينين، وهي الصور التي أدخلت الحزب في دوامة نقاش واسع حول الحريات الفردية، ومراجعة بعض مواقفه الإيديولوجية، فيما ظل جانب التقاطب بين تياري «الاستوزار» و«بنكيران» يطفو بين الفينة والأخرى، إذ اعتبر تيار «بنكيران» أن موقف قيادة الحزب الرافض لتصرف ماء العينين نابع من كونها أحد داعمي تيار «بنكيران»، بل إنها اتهمت بشكل مباشر الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية يكونها تدخلت لمنعها من تقلد منصب نائب رئيس مجلس النواب، على الرغم من أن الفريق البرلماني لم يعترض عليها.
وفي خضم الصراع الداخلي وسط الحزب تواصلت ندوات الحوار الداخلي الذي كان قد أطلقته قيادة «البيجيدي» لرأب الصدع بين «الإخوان»، وبعد عام ونصف من انطلاقه، وصل إلى خلاصة توصي بطيّ المرحلة السابقة التي قادها عبدالإله بنكيران. وتأتي هذه التطورات بعد أجواء الخلافات الداخلية التي عرفها الحزب خلال مرحلة الانسداد، وإعفاء بنكيران من تشكيل الحكومة بعد فشله في هذه المهمة السياسية والدستورية آنذاك. وأكدت قيادة حزب العدالة والتنمية، في تقرير صادر عنها، أن «الحوار الداخلي جاء مؤكدا أن الحزب مطالب اليوم بطيّ تلك الصفحة، مع استخلاص العبر والنتائج الضرورية، وتجاوز تداعيات تلك المرحلة، معترفا بأنه واجه مخاطر سياسية على مستوى تنظيمه الداخلي كادت تحدق بتماسكه ووحدته التنظيمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى