سري للغاية

حسن فرج: «أخبرني قنيدل أن اجتماعا في الخارجية خُصص للتداول في قضية ثروة والدي ببنوك سويسرا»

انفجر إذن خبر وجود خزنة حديدية في ملكية عبد الفتاح فرج بعد وفاته، في غمرة نقاشكم حول طريقة تقسيم الإرث بعيدا عن الوصية التي اكتشفت أمرها متأخرا نوعا ما.. لنواصل من اللقاء الذي جمعكم بالسيد العلمي..
قلت لك إن السيد مولاي عبد الله العلمي، المكلف بتقسيم تركة عبد الفتاح فرج على الورثة وتنفيذ الوصية التي تركها الوالد، لم يؤكد وجود صندوق حديدي ولم يتطرق له، لكن الوصية تشير إلى أن خديجة هي الوحيدة المخول لها حق فتحه والاستفادة من محتوياته. ما نعرفه أن الصندوق يحتوي على أوراق بالغة الأهمية وعبد الفتاح نقلها مع الأموال إلى سويسرا.
في ذلك اللقاء، قلت لأمي وأختي، بحضور مولاي عبد الله العلمي، إن هذا الكلام خطير للغاية، ويتوجب علينا أن نعيد محتويات الخزنة إلى الدولة المغربية، ما دامت تلك الأوراق بالغة الأهمية، وتقسم الأموال بطريقة عادية على جميع الورثة، أي نحن والأعمام. ونطوي هذه الصفحة. لكن رد والدتي وأختي كان معارضا، حيث اعترفتا بوجود الأموال فقط، وكذّبتا أمر وجود الخزانة الحديدية والأوراق التي لا تخص العائلة.
في غمرة هذا اللغط، قلت لهما إنني أريد أن أرى الوصية، لكنهما امتنعتا عن تمكيني من الاطلاع عليها. كان هذا دائما في سنة 2006، ولم أتمكن من رؤية الوصية كما أخبرتك إلا سنة 2014، ويومها تأكدت فعلا من خلال قراءتها أن هناك صندوقا حديديا يضم أشياء ثمينة، وأن والدتي وأختي عمدتا إلى إبقاء أمره سرا. وبطبيعة الحال فإن الشخص الوحيد المخول له الاستفادة من محتويات الصندوق هي خديجة.

  • ماذا كان رد فعلك لما علمت سنة 2006 رسميا بوجود الوصية؟

في ذلك اللقاء نهضت مهددا بأنني سأذهب إلى عمي عمر فرج، وأخبره بوجود الوصية، وأعلم أنه سيصدقني لأنه يعلم من أخيه عبد الفتاح، يوم التقاه في ألمانيا أنه يملك ثروة خيالية راكمها خارج المغرب وليس داخله. لكنهما منعتاني من الخروج، وأُخبرتُ أنه سيتم منحي بعض المال مقابل ألا أضخم الأمور.

  • هل أخبرتك أمك؟

لا أمي بقيت صامتة وتتأمل، تجول بعينيها في القاعة.. كان صمتها غريبا. سألتُ مرة أخرى عن مقدار الأموال التي تتحدث عنها الوصية عموما، لأنها تشير إلى حسابات بنكية في سويسرا.. لكن خديجة لم تكن تريد أن أعلم مقدار تلك الثروة بالضبط. وقالت لي إنه لا ضرورة لأن أعرف مقدار الثروة بالضبط، وإن أمي وأختي ستمنحاني بعض المال من باب «الإحسان» فقط وليس من باب الواجب. وهناك توجهت إلى الخارج من جديد لأحصل على المال الذي ستفوته لي أمي وأختي. مادام أمر توزيع التركة الذي كان سيتم في المغرب، بيننا وأعمامي لم يتم، فقد كنت أحتاج المال كثيرا. كما أن الحجز على الممتلكات، تسبب لي في ضرر مادي كبير وأزمات مالية متلاحقة، لولا التحويل الذي استفدت منه.

  • قبل أن نصل إلى أمر التحويل، نبقى دائما في موضوع تلك الأوراق «المهمة». كيف علمت أنت بأمرها مبكرا، في حين أنك لم تطلع على الوصية إلا في 2014، علما أن الوصية لا تشير إلى وجود «أوراق سرية».

علمت بأمرها من والدتي، لقد أخبرتني أن عبد الفتاح فرج في آخر أيامه بألمانيا، تلقى اتصالات ليعيد أشياء لا تخصه، إلى الدولة المغربية، ويتعلق الأمر بأوراق سرية بالغة الأهمية، لكنه رفض. وهذا ما يفسر عدم رغبته في العودة إلى المغرب في أيامه الأخيرة.

  • طيب والدكتور قنيدل، بما أنه سألك مرة عن الصندوق الحديدي دون أن تكون قد بُحت له بالأمر، وقد كان سرا.. كيف تفسر معرفته بأمره؟

الدكتور قنيدل بنفسه لغز كبير جدا، قصتي معه تحتاج كتابا لوحدها. لقد فاجأني حقيقة عندما سألني عن صندوق حديدي، بشكل مباشر، عندما لمس أنني لم أخبره أي شيء بخصوص نزاع الإرث والوصية والمشاكل التي تتخبط فيها العائلة الكبيرة لعبد الفتاح فرج.

  • هل من المرجح أن تكون أمك أخبرته بأمر هذا الصندوق؟

أستبعد هذا الأمر، لأنها تعرفه أكثر مني رغم أنها قيد حياتها أنكرت دائما وجود معرفة مسبقة بينهما، وهو أيضا كان يقول لي إنه لا يعرفها ولم يلتقها قبلا إلا عندما احتاجت مساعدته سنة 1999 عندما طردني عبد الفتاح فرج من المغرب وبقيت في ألمانيا. لا أظن أنها ستخبره بأمر الصندوق الحديدي، لقد كانت تريد أن يبقى الأمر سرا، وليس من مصلحتها إطلاعه على أمر مماثل.
اهتمام الدكتور قنيدل بأمر الإرث لم يكن عاديا، وهو أمر جعلني أشك في دوره وسبب حرصه على أن يبقى التواصل بيني وبينه قائما، رغم أن الدور الذي اختير من أجله انتهى منذ سنوات.
كان يتصل بي ويخبرني أنه قادم لرؤيتي، وأستقبله، دون أن أعلم لماذا أستقبله أصلا. يأتي ويجلس فوق الكرسي، وينظر إلي في صمت لساعات ولا نتبادل إلا حوارات قصيرة. كان موقفا سخيفا.. شخص يقطع مسافة طويلة ويأتي ليجلس في الصالون ويجول بعينيه في المكان وينظر إليك نظرات مريبة، وبعد خمس أو ست ساعات ينصرف إلى حال سبيله.

  • كان هذا في المغرب أو في أوربا؟

في أوربا أولا، ثم في المغرب لاحقا عندما قرر العودة سنة 2009 أو 2010.. لا أذكر بالضبط.

  • ألم تسأله مرة هذا السؤال: ماذا تريد بالضبط؟ لماذا تحيطه بكل هذا الغموض؟

كنت أعلم يقينا أنه لن يقدم لي جوابا، لذلك وفرت على نفسي عناء السؤال. لا تنس أنني سكنت معه في شقته لمدة عندما أنهيت دراستي ولم أجد سببا لبقائي في فرنسا، وتوفيرا للمصاريف سكنت معه في شقته بدعوة منه طبعا. وهناك اكتشفت أنه لا نتيجة ترجى من طرح أسئلة جريئة عليه لأنه لن يجيب عنها ببساطة، ثم إن طريقة تعامله معي قد تتغير، كنت أريده ألا يحس بأنني أشك فيه ولا في علاقته بي. لهذه الأسباب كلها لم أسأله هذا السؤال وبقيت «أجاريه»، إن صح التعبير.. كنت ولا أزال متأكدا أنه لن يقدم جوابا على كل حال.
لكن عندما جاء إلى المغرب، وزارني هنا في الرباط، ألمحت له مرة إلى هذه الأمور وكان يضحك، كما اكتشفت أن اهتمامه بالقضية ازداد، إلى درجة تقليب محتويات المكاتب والبحث في الأوراق المتراكمة في أرجاء المنزل.

  • سنأتي إلى مرحلة عودته إلى المغرب، عندما سألك عن الصندوق الحديدي وثروة والدك، ألم تسأله عن مصدر معلوماته؟

تظاهرت بأنني لم أفاجأ بسؤاله، ونفيت أن أكون على علم بأي شيء. لكنه زاد ليخبرني أن جلسة في الخارجية، كان موضوعها هو الثروة الضخمة التي هربها عبد الفتاح فرج خارج المغرب وأودعها في أبناك سويسرا. لقد قال لي الدكتور قنيدل هذا الأمر في ألمانيا، عندما عدت إليها بعد زيارتي للمغرب وتفاقم مشكل الإرث.
المهم أنني اتصلت بوالدتي غيثة وأخبرتها بما قاله لي الدكتور قنيدل. سألتها كيف له أن يعلم بأمر وجود ثروة ضخمة في الخارج وبأمر الصندوق الحديدي، الذي يضم أوراق الدولة، والذي أنكرت هي وجوده
أساسا..

  • لنكن أكثر دقة، هل سألك الدكتور قنيدل عن محتويات الصندوق الحديدي، أم عن الأموال؟ ألم يسألك عن «أوراق سرية»؟

كان يتحدث بشكل عام عن الثروة والمال. هذا في البداية، لكنه في إحدى المرات اتصل بي هاتفيا، في ألمانيا دائما، وتظاهر بأنه يتساءل فقط، وقال لي: «.. حسن هل أنت متأكد من أن الضرائب الألمانية يلاحقونكم من أجل الضرائب عن الأموال التي في الصندوق، أم أن الأمر يتعلق بأشياء أخرى داخله؟». لم أجبه لكنني تأكدت من أنه يلمح إلى الأوراق المهمة التي أخذها عبد الفتاح فرج معه.

  • هل كان هناك صندوق واحد فقط في الحكاية، أم أن الأمر يتعلق بمجموعة من الخزائن المقفلة؟

كانت هناك خزانة حديدية في الشقة بمدينة أولم، بالإضافة إلى صندوق آخر في بنك «UBS» بجنيف، وأظن أن هناك صندوقا آخر في فرنسا، لكني لست متأكدا.
هناك في الحقيقة أمور كثيرة كانت تشكل بالنسبة لي لغزا كبيرا في ألمانيا، بخصوص شخصية الدكتور قنيدل، ووجدت أجوبة عنها هنا في المغرب. كنت أجلس لساعات وأفكر في بعض الأمور التي كان يقولها والأسئلة التي يطرحها، وأحاول ربطها مع بعض سلوكاته عندما دخل إلى المغرب، وأفهم أن وجوده في حياتنا لم يكن عاديا ولا بالصدفة.

  • بأي طريقة منحتك أمك وأختك المال الذي قالتا لك إنهما ستتبرعان به لك كمساعدة؟

توجهت إلى سويسرا للحصول عليه، كان تحويلا بنكيا مهما لي. بعد حصولي على المال فكرت في الذهاب إلى برلين، وهناك استقررت مع الدكتور قنيدل في شقته لفترة، أحسست بأنه علي التخلص من ضغط كل تلك المشاكل المتراكمة في المغرب. كما أن الإرهاق والتعب النفسي نالا مني، تصور أنني لم أحظ بأي ساعة صفاء ذهني منذ سنة 1999. قررت الابتعاد عن المغرب لفترة، وبقيت في ألمانيا، لكني وجدت أنه لا يمكنني القيام بأي شيء هناك، وعدت من جديد إلى المغرب. بين هذه التنقلات وقعت أمور كثيرة بخصوص قضية الإرث والوصية، فقررت العودة إلى المغرب، وعندما استفدت من مبلغ مالي ضخم، عشت حياة رغيدة جدا، شكلت تحولا كبيرا في حياتي، وأحسست لفترة أن التوازن عاد لحياتي، لكني لم أكن أعلم أنني دخلت دوامة أخرى لمشاكل أكبر.

  • أفهم من هذا الكلام أنك بعد سنة 2006 عشت متنقلا بين المغرب وألمانيا؟

نعم خصوصا في السنوات ما بعد 2009 و2010. ازدادت وتيرة تنقلاتي بين المغرب وألمانيا لتتوقف نهائيا أخيرا، نظرا لمشاكل الإرث.

  • طيب، وأنت في ألمانيا ألم تعش أحداثا مهمة بخصوص قضية الإرث؟

لم أعش تطورات في قضية الإرث لأني قررت الهروب منها، وأمي بقيت تتنقل بانتظام بين المغرب وألمانيا، ولم أكن أقابلها كثيرا. لازمت الدكتور قنيدل في شقته ببرلين، وكان يسألني كثيرا، ولاحظت أنه كان منهمكا في تأليف كتاب عن قضية الصحراء، لأنه كان دكتورا.
كان رغم انشغاله بمسودة الكتاب والتأليف، يجد الوقت ليتابع قضيتي وعندما ابتعدت عنه إلى المغرب، كان يتصل بين الفينة والأخرى ليتابع الأمور، إلى أن عدت أنا إلى هناك. كانت تنقلات كثيرة، أفشل كثيرا في تذكر تواريخها بالتحديد، تخللتها أحداث جعلتني أفهم الكثير من الأمور في ما بعد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى