سري للغاية

حسن فرج: «تلقيت اتصالا من قريبتي تقول إن والدتي توفيت متأثرة بحروق خطيرة»

حاوره: يونس جنوحي
كنت تريد المكوث في ألمانيا طيلة الأسبوع، لماذا عدت سريعا إلى المغرب في اليوم الموالي للقائك مع المحامي؟
أردت ألا أخبر أحدا بموعد عودتي، لأن مولاي عبد الله العلمي حذرني من أن أتعرض لمكروه ما، فاخترت ألا أخبر أحدا ببساطة. عندما تحدثت معه، أخبرته أنني سأبقى في ألمانيا طيلة الأسبوع، لكنني قررت أن أعود إلى المغرب في اليوم الموالي. أي في يوم الجمعة 31 يناير 2014، ليلا، وصلت إلى مطار الرباط وكان كل شيء عاديا في الحقيقة.
بعد يومين، أي في الأحد ثاني فبراير، كانت أمي في مستشفى Nyon بسويسرا.

  • علمت بالأمر؟

لم تكن هناك وسيلة لأعلم، ببساطة لأن لا أحد علم بما وقع لها هناك في نيون. لكني في ما بعد حصلت على سجلها الطبي، ولدي الدليل القاطع في فقرة داخله، أنها جاءت ذلك اليوم إلى المستشفى لأنها تعاني من حروق من الدرجة الثانية في وجهها وذراعيها.. (يفتح التقرير الطبي أمامه).. هنا توجد حالتها بالتفصيل في تاريخ قدومها إلى المستشفى. عندما واجهتُ أختي بالأمر لأنها كانت برفقتها هي وصهرها، قالت لي إن الأمر يتعلق بمغص بسيط، استدعى نقلها إلى المستشفى، وهي، أي أختي، لم تكن تعلم بطبيعة الحال أنني نجحت في الحصول على التقرير الطبي لوالدتي كاملا من مستشفى نيون. سأعود إلى تفاصيل مواجهتِها به لاحقا. والدتي ذهبت إلى ذلك المستشفى للعلاج، وعادت مع خديجة من جديد. وبعد يومين آخرين، أي في الرابع من فبراير سيقع حريق ديفون، بسويسرا، وستنقل والدتي على وجه السرعة إلى مستشفى لوزان، بعد أن أصيبت بحروق بليغة هذه المرة، ولم تصمد بعدها طويلا لتفارق الحياة متأثرة بآثار حروق من الدرجة الثالثة. سيدة في مثل سنها، أي 74 سنة، لا يمكنها أن تصمد أمام حروق بتلك الخطورة.
أنا لم أكن أعلم بكل هذه التطورات للأسف فقد كنت مشغولا بوضع شكايات لدى الشرطة الألمانية ولا علم لي بأن والدتي وصهري وأختي يوجدون في سويسرا بالضبط. عندما كنت اتردد بين «أولم» والرباط خلال نفس الأسبوع، كنت لا أزال أظن أن والدتي مختطفة، لكني سأعلم أنها ذهبت معهم خوفا على حياتها فقط ولم تتعرض للإكراه. لكن الحروق التي أصيبت بها عندما كانت معها خديجة تدل بقوة على أن حادث الحريق يطرح تساؤلات كثيرة.

  • متى علمت بوفاتها إذن؟

بعد الانتهاء من وضع الشكايتين لدى الشرطة الألمانية وعودتي إلى الرباط في الجمعة السابع من فبراير. وبعد يوم قررت التوجه إلى إفران، وبينما أنا هناك اتصلوا بي ليقولوا لي إن والدتي توفيت.
كان هذا يوم الأحد 9 فبراير. اتصلت بي قريبتي الألمانية وقالت لي إنهم أشعروها بأن قريبتها غيثة بريجيت فرج قد توفيت نتيجة حروق من الدرجة الثالثة بمستشفى لوزان بسويسرا.

  • اتصلت بك أختك؟

لا أحد اتصل بي، ولولا قريبتي الألمانية ربما لما علمت بالأمر أساسا. فور علمي بالخبر عدت إلى الرباط، واتجهت صوب الكتابة الخاصة للملك، لأخبرهم بهذا الأمر، فلم أفلح في مقابلة أحد، حارس البوابة سألني عن سبب زيارتي وأخبرته أني هنا لأخبر الكتابة الخاصة أن والدتي غيثة فرج قد توفيت بالخارج، فعاد إلي بعد دقائق وأخبرني أن الخبر وصلهم ولا حاجة لدخولي لإخبار أحد.. وعدت أدراجي وأنا أحبس دموعي، وقررت أن أستقل الطائرة مجددا نحو ألمانيا، في اليوم الموالي، أي الاثنين، لأن قريبتي «كارولا» أخبرتني بتاريخ الجنازة. عندما وصلت إلى مطار محمد الخامس بالدار البيضاء، فكرت في إجراء بعض المكالمات لأخبر أصدقاءها بأنها توفيت. منهم من تلقى الخبر ببرود شديد وكأنه يوحي إلي ألا أعيد الاتصال به مرة أخرى، ومنهم من بقي محايدا، لكني لم أحس أبدا أن أحدهم تأثر لخبر وفاتها. آخر من اتصلت به كان هو مولاي عبد الله العلمي وأخبرته بما أعرف وقتها. لم تكن لدي أي معلومات عن مكان الحادث، فقريبتي أخبرتني أنهم اتصلوا بها وقالوا لها إن غيثة توفيت نتيجة حروق من الدرجة الثالثة في مكان ما بأوروبا، ولم يخبروها بمكان وجود جثمان بريجيت ولا أي مستشفى. فشكرني على إخباره بالأمر وقلت له إنني في المطار أستعد للإقلاع صوب «أولم» لأحضر الجنازة التي أدرجت يوم 11 فبراير. عندما انتهت المكالمة فاجأني بأن أرسل إلي رابط خبر لجريدة إلكترونية، على «الواتساب» وعندما فتحته وجدت خبرا لاحتراق سيدة مسنة في شقة بمدينة ديفون Divonne. فلم أعره اهتماما وظننت في البداية أنه أرسله إلي عن طريق الخطأ، لأنني كنت منشغلا باتصال مع قريبتي تخبرني فيه وأنا في المطار دائما أن تاريخ الجنازة قد تأجل لأن 11 فبراير يصادف عيد ميلاد أختي خديجة!
قلت لها ليس بإمكاني تأجيل السفر، وليس لدي المال الكافي لأستبدل تذكرة الطائرة ولا يمكنني قضاء يوم قبل الجنازة.
أمام هذا المعطى الجديد، وجدت نفسي عالقا في المطار، ولم أستطع أن أقرر ماذا أفعل. عندما استخرجت هاتفي، وأعدت تصفح رسالة مولاي عبد الله العلمي، قلت في نفسي: لماذا يرسل لي رابط خبر يتحدث عن حريق في مدينة بسويسرا؟ تجمدت مكاني.. لم أقدر على استيعاب أن يكون هذا الخبر يتحدث عن والدتي لأنه يذكر أن الأمر يتعلق بسيدة مسنة تعرضت لحريق أيضا.

  • وهل كان الخبر فعلا بخصوص والدتك؟

ولماذا يرسله لي في تلك الظروف وأنا في المطار، بل وبتلك السرعة التي تلت إخباره بوفاة والدتي في مكان لا أعلم عنه أي شيء وقتها. كل ما كنت أعلمه هو موعد جنازتها في «أولم» بألمانيا. اتصلت به على الفور وسألته عن الخبر الذي أرسله لي فبدأ يتلعثم. لدي تسجيل كامل لمكالمتي معه، وقال لي فيها إنه أرسل إلي الخبر فقط لاشتباه أن تكون هناك علاقة وأن أحدا ما أرسله له وأراد إطلاعي عليه. قلت له على الفور: إذن أنت كنت تعلم بأن والدتي في سويسرا ولم تخبرني بشيء عندما كنت أبحث عنها وهي مختفية. فقال لي إنه لا يعلم أي شيء.. لكني لم أفهم لماذا كان يعلم بالخبر ولم يخبرني بشيء، وكيف أرسل لي خبر الحريق. في نفس اليوم لا بد أن حرائق كثيرة وقعت في أرجاء أوروبا وليس واحدا فقط. لماذا أرسل إليّ الرابط إذن.

  • كيف انتهت هذه القصة على كل حال؟

أول ما قمت به أنني قررت ألا أعود إلى البيت وأن أستقل الطائرة في موعدها المحدد. من المضحك فعلا أن أكون شبه مفلس وأنا أستقل الطائرة صوب ألمانيا يوما قبل موعد الجنازة ولا فكرة لي أين سأبيت ليلة قبل الجنازة. أول ما قمت به فور وصولي إلى ألمانيا، أني اتصلت بصديقي ابن الحاج المديوري، مرافق الملك الحسن الثاني، وأخبرته أنني في ألمانيا وأنه يتعين عليّ الانتقال فورا إلى Divonne حيث توفيت والدتي لأعرف ما وقع تحديدا. فوضع رهن إشارتي سيارة أوصلتني من ألمانيا إلى سويسرا وشكرته لأنه وفّر علي ثمن رحلة كانت لتكلفني الكثير من المال.

  • لكن لا دليل لديك وقتها أن والدتك توفيت هناك تحديدا. لماذا سويسرا؟

الخبر الذي أرسله إلي العلمي يستحيل أن يكون بريئا. أنا فهمت أنه أراد أن يلمح إلى الأمر رغم أنه لم يعترف مباشرة، وبعد انتهاء الاتصال اقتنصت الرسالة وقررت الذهاب إلى المدينة السويسرية لأبحث في الأمر. لم أفهم كيف أن والدتي ذهبت إلى هناك دون أن تخبرني على الأقل.

  • ماذا وجدت هناك؟

أول ما قمت به فور وصولي أني توجهت إلى الشرطة وقدمت لهم نفسي، وأخبرتهم أنني ابن غيثة فرج وأنني جئت لأستفسر إن كانت هي المتوفية في حادث حريق ماتت على إثره سيدة مسنة. فور سماعهم اسمي، طوقوني في دائرة صغيرة وكانوا يتحدثون معي وهم يضعون أيديهم على أسلحتهم في حالة تأهب. بعد التأكد من هويتي، قالوا لي فعلا إن الهالكة هي غيثة فرج وتأكدت بالتالي أن الأمر يتعلق بوالدتي. وقالوا لي إن الحوادث من هذا النوع تتكرر بين الفينة والأخرى، وأن سبب الحريق، قد يكون مجرد تماس كهربائي في غرفة نومها، أدى إلى احتراقها. قالوا لي أيضا إن خادمة كانت معها، أخبرتهم أنها فرت عندما ازداد اندلاع النيران لأنها لم تقو على إخراجها. اتجهت إلى المستشفى وحاولت الحصول على سجلها الطبي بعد أن أخبرتهم أني ابنها لكن لم أحصل عليه بالسهولة التي توقعت.

  • لم تتصل بأختك خديجة؟

وضعت أولا شكاية ضدها واتهمتها وصهرها باختطاف والدتي، لأن الاستقبال في المستشفى بسويسرا أخبروني أن ابنتها جاءت لزيارتها فور إصابتها بالحريق جراء احتراق الشقة وكان معها صهرها الذي أدلى باسمه أيضا في سجل الزوار وقدم نفسه على أنه عمها، والحال أنه صهرها وليس عمّها. وانصرف الاثنان فور علمهما بأنها فارقت الحياة متأثرة بحروق خطيرة من الدرجة الثالثة.
جوابا على سؤالك، فقد توجهت بعد ذلك إلى ألمانيا، إلى أولم تحديدا، وأبقيت على رقم سويسري اقتنيته هناك واتصلت بخديجة التي كانت في أولم. قلت لها إنني في سويسرا (لم أرد أن أخبرها أنني في أولم) وأنني جئت من المغرب لأحضر جنازة والدتي فأخبرتني أنها مبرمجة في يوم الجمعة، وقد كانت تكذب عليّ لأن الجنازة برمجت في صبيحة الخميس.

  • كيف عرفت؟

قمت بالاحتياطات الضرورية واتصلت بقريبتي وابنتها، وعلمت باسم الشركة التي تنظم الجنائز، واتصلت بهم من رقم سويسرا وأخبرتهم أنني ابن غيثة فرج، وأنني فقدت رقم أختي خديجة ومن الضروري أن أعلم بالتاريخ المحدد للجنازة فأخبروني بالموعد. خديجة أرادت أن أصل متأخرا بيوم وألا أحضر جنازة أمي أصلا. لذلك عرفت أنها تضللني عندما اتصلت بها، وهي بطبيعة الحال لم تكن تعلم أنني موجود في أولم في تلك اللحظات التي كنا نتحدث فيها. وهكذا قررت المبيت في فندق قريب من الكنيسة، إلى أن يحل اليوم الموالي لأرافق خالتي وابنتها إلى الجنازة. وستصدم خديجة عند رؤيتي، لأنها كانت تظن أنني عالق في سويسرا أنتظر الجمعة!

  • مهلا.. لكن والدتك غيثة اعتنقت الإسلام وأكدت لنا سابقا أن الملك الحسن الثاني شخصيا أشرف على توثيق الأمر.

للأسف.. حاولت إقناعهم أنها مسلمة الديانة، لكن خديجة أصرت أن تتم الجنازة في كنيسة، وقريبتاها الألمانيتان لا علم لهما بالموضوع.. وضاعت جهودي في إقناعهم أن أمي مسلمة، بل إن أغلب الأصدقاء هنا في المغرب كانوا ينادونها «الحاجة». لكن الجنازة تمت وفق المراسيم المسيحية وأقيم لها حفل ديني أيضا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى