سري للغاية

حسن فرج: «ثروة عبد الفتاح تقدر الآن بمئات ملايين الأورو بالإضافة إلى وثائق ومجوهرات»

قلت إن الدكتور عبد الفاضل قنيدل، الملحق الثقافي في السفارة المغربية ببرلين وقتها، كان حاضرا في مراسيم دفن عبد الفتاح فرج. بأي صفة جاء؟
جاء لأنه كان على اتصال بي. لم يأت بصفته الدبلوماسية، هذا أمر مؤكد، وكان وقتها مقربا جدا مني.. حضر للتعزية. ومنذ الجنازة أصبحت علاقته بي وطيدة أكثر من السابق.

  • تقول دائما إن شخصية والدتك كانت قوية جدا. هل تماسكها بعد وفاة عبد الفتاح دليل على قوتها أم أن علاقتها به كانت سيئة؟

لقد حزنت لوفاته، أما تماسكها بعد الوفاة فهو موضوع آخر. والدتي كانت من النوع الذي يستطيع أن يستمر وحيدا. قوة شخصيتها ساعدتها، لكن الأكيد أنها كانت حزينة كأي امرأة أخرى تفقد زوجها، رغم الخلافات التي كانت بينها ووالدي وغياب التواصل العائلي بينهما خلال حياتهما سواء في المغرب أو في ألمانيا.

  • قلت بالأمس إن عملية الدفن لم تستمر إلا ربع ساعة..

نعم جئنا حوالي العاشرة صباحا، وبعد ربع ساعة فقط كان كل شيء قد انتهى وانصرفنا. ما وقع أننا اتجهنا جميعا صوب أحد الفنادق، وتناولنا وجبة الإفطار هناك، وانسحبنا، كل في طريقه.
أنا عدت إلى فرنسا لأنني كنت أتابع الدراسة، أمي غيثة وأختي خديجة توجهتا إلى المغرب.

  • مباشرة؟

لا. أظن بعد الدفن بيومين تقريبا. لم نتواصل، لكنني علمت أنهما توجهتا إلى المغرب.

  • هل ودعتهما أثناء الجنازة؟ وهل أخبرتاك أنهما ستتوجهان إلى المغرب؟

لم تقولا لي أي شيء. علمت بالأمر فقط أياما قليلة بعد الجنازة. يوم الجنازة كان عليّ أن أتوجه إلى فرنسا لأنني أتابع دروسي لأتخصص.
لم تقيما في المغرب فترة طويلة، وعادتا إلى ألمانيا، وبقيت والدتي تتردد بين البلدين، فيما أختي خديجة كانت تتنقل بين المغرب وألمانيا وفرنسا وإيطاليا أيضا، وأنا في فرنسا بطبيعة الحال.

  • أ بقيت على اتصال بوالدتك؟

لم يتوطد التواصل بعد وفاة والدي، لكنه لم ينقطع. لم تعد تتصل بي كما في السابق، وسأراها من جديد مرات كثيرة عندما تبدأ مشاكل الإرث والثروة الهائلة التي خلفها عبد الفتاح فرج. بالنسبة لأختي فقد استمرت القطيعة بيني وبينها.

  • قلت لنا سابقا إن المانع الوحيد أمام دخولك إلى المغرب كان هو والدك عبد الفتاح.. ألم تفكر في العودة بعد وفاته؟

كان علي أن أنهي دراستي أولا. التكوين بعد الباكلوريا استلزم مني أن أبقى في فرنسا لمدة سنتين وعبد الفتاح فرج توفي بالضبط خلال الأشهر الأولى، يعني أنني لم أعد إلى المغرب إلا بعد سنة وبضعة أشهر وبالضبط بعد وفاته.

  • هل عدت بسبب مشاكل الإرث؟ أ كنت ترغب في معرفة ما يروج من خلافات بين والدتك غيثة وإخوة عبد الفتاح فرج؟

عدت لاعتبارات أخرى، وهي أنني كنت أشعر دائما أنني بعيد عن بلدي الأصلي. الحياة في الغربة قاسية، خصوصا في الظروف التي مررت منها.

  • لا نريد أن نحرق المراحل.. توطدت علاقتك بالدكتور قنيدل وقتها أكثر. صحيح؟

نعم علاقتي به أصبحت أقوى من السابق، ويمكن أن أقول إنها أصبحت شخصية بعد وفاة عبد الفتاح فرج.
في الحقيقة، هناك غموض كبير في شخصية الدكتور قنيدل رغم أنني سكنت معه لفترة وسافرنا سويا، وأمضينا مدة طويلة علمت خلالها أشياء كثيرة عنه.
أكثر الأمور التي كانت تثير استغرابي، هي أولا مساره العلمي في جامعة القرويين بفاس، وتكوينه في المدرسة العسكرية بـ«أهرمومو»، التي ارتبط اسمها في ما بعد بلعنة انقلاب الصخيرات سنة 1971. ثم التحاقه بالسفارة المغربية ببرلين كملحق ثقافي. هذه نقط لم أفهمها في حينها، وسأجد لها تفسيرا بعد سنوات عندما تتوطد علاقتي به أكثر.
الأمر الثاني هو إقامته في ألمانيا لأربعين سنة كاملة لم يعد خلالها إلى المغرب نهائيا، ولو مرة واحدة. وهو أمر أكثر من غريب، خصوصا أن وضعه في ألمانيا كان ممتازا والوظيفة التي يشغلها اعتبارية وتخول له إمكانية التنقل بين المغرب وألمانيا وقضاء العطل كبقية المهاجرين، لكنه لم يزر المغرب.

  • سألته مرة عن سر القطيعة مع المغرب لأربعين سنة؟

نعم واجهته بالسؤال مرة، فكان جوابه غريبا جدا ومخيفا في الوقت نفسه. كنا جالسين في شقته في برلين، وكنت وقتها قد أنهيت دراستي، وانتقلت عنده إلى برلين وأقمت معه في تلك الشقة، بدعوة منه بطبيعة الحال. عندما طرحت عليه السؤال بدت عليه علامات الارتباك، وأجاب بأنه لا يريد الدخول إلى المغرب لأنه رأى في منامه ذات ليلة أنه عاد إلى المغرب، وأن طائرين حطا فوق رأسه وبدآ يأكلان مخّه، فاستيقظ مرعوبا، وقرر من يومها ألا يعود إلى المغرب نهائيا، لأن ما رآه في منامه لا يعني شيئا آخر غير الموت.

  • أقنعك جوابه؟

لا أعلم. بطبيعة الحال الأمر غير عادٍ ولا يقبله عقل، لكن هذا هو التفسير الذي قدمه ردا على هذا اللغز.

  • سيدخل إلى المغرب سنة 2007، عندما دخلت أنت وبقيت تتردد بين المغرب وألمانيا، في عز أزمة الإرث. ألا ترى الأمر غريبا أيضا؟

نعم. غادر وظيفته في السفارة، أي أنه استقال مبكرا، لكنه قبل الدخول إلى المغرب كان قد توجه إلى هنغاريا لأنه تزوج سيدة روسية وعاش معها لفترة وبعدها عاد إلى المغرب، وأصبحنا نلتقي كثيرا ويزورني هنا في الرباط.
كان يحكي لي أنه غادر المغرب في العشرينات من عمره، وعندما عاد إليه كان قد تجاوز الستين. حكى لي أيضا عن أصوله وعائلته، لكني في الحقيقة لم أهتم بمعرفة تلك التفاصيل، كل ما أتذكره هو مساره اللافت، وجمعه بين التكوين العلمي الأكاديمي والعسكري.

  • قلت لي إن الدكتور قنيدل كان مهتما جدا بتتبع مشاكل الإرث التي تركها عبد الفتاح فرج خلفه. أريد أن أبدأ الآن معك من البداية. أخبرني ماذا تعرف عن ثروة عبد الفتاح أولا.. قبل أن نمر إلى المشاكل.

في الحقيقة هناك أمور علمتها من أمي في أيامها الأخيرة، حول ما قام به عبد الفتاح فرج في السنة الأخيرة في منصبه كمدير للكتابة الخاصة للملك الحسن الثاني، وأيضا بعد مغادرته المنصب عقب وفاة الملك. عثرت أيضا بين أوراقه التي تركها خلفه في المغرب، ووجدتها بعد عودتي، على معلومات حول ما كان يقوم به لتدبير أمواله قبل أن يغادر المغرب، من قبيل فيلا الصخيرات التي باعها، وفيلا أخرى أعطاها لأحدهم مقابل تأمين خروجه من المغرب بعد أن أحس أنه يجب أن يرحل حفاظا على الثروة التي راكمها، بفضل ثقة الملك الحسن الثاني فيه..

  • هناك روايات كثيرة تقول إن عبد الفتاح فرج كان يحول المال لنفسه..

الثروة التي كونها كانت ضخمة للغاية. أمي قالت لي إن شخصيات مهمة في الدولة، بعد وفاة الملك الحسن الثاني، زاروه في ألمانيا، ليناقشوا معه مسألة إرجاع ما أخذه معه من أموال، وما يتوفر عليه في أبناك سويسرا من ملايير داخل حسابات بنكية فتحها بنفسه. لكنه لم يرجع أي شيء، بل عقّد مسألة الإرث بعد رحيله بسبب الوصية التي كتبها بخط يده، والتي لم أكن أعلم عنها أي شيء عند وفاته، ولم تصارحني لا أمي ولا أختي بشأنها، ولم أعلم بأمرها إلا في المغرب، عندما برزت الخلافات العائلية حول اقتسام تركة عبد الفتاح فرج.

  • قبل ذلك.. احك لي أولا كيف حوّل عبد الفتاح أمواله إلى الخارج؟ ماذا تعرف عن هذه المرحلة بالذات؟

لا أحد يعلم كيف كوّن تلك الثروة، لكن الأكيد أن مصدرها هو ثقة الملك الحسن الثاني به. لقد كانت لديه، كرئيس للكتابة الخاصة، صلاحيات واسعة للتصرف في الأموال والنفقات. والدتي نفسها لم يخبرها بأمور كثيرة، هي روت لي فقط ما رأته بعينيها في المراحل الأخيرة لحياة عبد الفتاح فرج. ثم لا تنس أنه استمر في منصبه لأربعة عقود تقريبا، وهي مدة طويلة، حاز خلالها الثقة الكاملة للملك الراحل، ما كان يسهل له أمر تحويل تلك الأموال إلى الخارج.
ما علمته من والدتي أيضا، أنه مباشرة بعد إعفائه من منصبه كمدير للكتابة الخاصة للملك، أحس بالإهانة لأن المنصب الذي كان يشغله كان محط أطماع المحيطين بالملك الحسن الثاني، واستطاع هو الحفاظ عليه كل تلك السنوات. لم يتقبل أن يتم إعفاؤه، لذلك غادر المغرب بطريقة مستعجلة في اليوم الموالي، وترك خلفه كل شيء، أقصد العقارات.. أما الأموال فقد حولها إلى سويسرا.

  • في تقديرك كم يمكن أن تبلغ قيمة أموال عبد الفتاح فرج؟

حسب ما علمته من تقديرات وشهادات متشابهة، فإن ثروة عبد الفتاح تقدر بمئات الملايين من الأورو. بالإضافة إلى كمية كبيرة من المجوهرات والحلي والأحجار الكريمة. فضلا عن وثائق حساسة جدا تهم الدولة المغربية.

  • هل تتفق مع الطريقة التي دبر بها أمر تركته؟

الوصية التي تركها منافية أولا للشريعة الإسلامية. لم يترك لإخوته أي شيء، علما أنه يتوفر على عائلة. وحتى نصيب والدتي، وهي ألمانية مسلمة، لم يكن وفق الشريعة الإسلامية، ولم يترك لها إلا 20 في المائة فقط. المستفيد الوحيد، أختي خديجة لأنها بموجب الوصية التي كتبها بخط يده، ستحصل على 80 في المائة من حجم الثروة.

  • سبق لك أن رأيت تلك الوصية.. هل هناك احتمال أن تكون مزورة؟

هي حقيقية ومكتوبة فعلا بخط اليد، وهناك شاهد لحظة كتابتها. لكن المشكل أنها لا تحمل أي طابع أو خاتم، وبالتالي هناك مسألة مهمة تتعلق بمصداقيتها وسلامة عبد الفتاح فرج الذهنية أثناء كتابتها. سأشرح لك كل شيء بالتفصيل بخصوصها..

  • هل هذا هو سبب تمسكه بعدم دفنه في المغرب بعد وفاته؟

نعم. أراد القطع نهائيا مع المغرب، لكنه لم يعرف كيف يتدبر أمر كل تلك الأموال. استغربت كثيرا عندما رأيت كيف أنه اشترى فيلا في حي صناعي، في الأيام الأولى لقدومه إلى ألمانيا. كان الحي بئيسا ويطل على المصانع والمداخن. يومها، أدركت أنه لم يكن يعرف كيفية تدبير كل تلك الثروة، الشقة الراقية اشتراها في ما بعد حتى يكون قريبا من المصحة التي كان يتلقى فيها العلاج. وفي آخر أيامه، كانت الدولة المغربية تريد استرجاع ما أخذه معه من ملايير إلى حسابات بنكية في سويسرا، لكنه رفض أن يعيد تلك الأموال، وبقي على حاله إلى أن مات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى