سري للغاية

حسن فرج: «رفضت أمي الوساطة من أجلي لأبدأ مشاريع في المغرب خوفا من انتقام أعداء والدي»

  • أنت الآن في المغرب.. أريدك أن تحدد لي وضعية مشاكل الإرث بعد عودتك.

في الحقيقة كنت قد تجاوزت الأمر منذ حصولي على المال. لكن المشكل الذي كان يقض مضجعي وقتها هو الحجز على الممتلكات، وهو الإجراء الذي باشره أعمامي كما تعلم.

  • أنت حصلت على مبلغ مهم.. لماذا لا تطوي الصفحة؟

لا يمكن. هناك حقوق لأصحابها. أنا لم أطلب ذلك المال ولم أسع للحصول عليه بأي طريقة، وبالتالي لا يمكني اعتباره ملزما لي حتى أصمت. الإجراء الذي باشره عمي عمر فرج، كان بهدف إيقاف عملية تقسيم الإرث سنة 2006، وكان واضحا أن ثروة عبد الفتاح فرج تتجاوز ما كان يتم تقسيمه بكثير.
أعود إلى إجراء الحجز، فليس في صالح أحد أن تُحجز تلك الممتلكات في انتظار ظهور حقيقة الممتلكات الأخرى، التي تفوتها الوصية لأختي بنسبة مهمة (80 في المائة) ثم أمي بنسبة 20 بالمائة المتبقية، أي لا أحد سيستفيد منه إن طبقت الوصية. الخاسر الأكبر هو أنا وأعمامي بطبيعة الحال. لذلك أقول إن الحجز على الممتلكات خسارة كبيرة، وقد أخبرت عمي عمر أنني مستعد لكتابة تنازل له، مقابل أن يزيل ذلك الإجراء، على الأقل حتى يُتاح لي التصرف في الفيلا التي كنا نقطن فيها والإقامة الأخرى، التي سيتم كراؤها في ما بعد لسفارة دولة الإمارات.

  • هل اتصلت بوالدتك عندما دخلت إلى المغرب؟

جرى بيننا اتصال وكنا نلتقي كلما سنحت لها الفرصة، لأنها أيضا كانت تسافر بين المغرب وألمانيا.

  • وخديجة؟

لم نتواصل، ولم أكن أعرف عنها أي شيء. كانت تسافر كثيرا ولا أحد يعلم مكانها.

  • كيف بدأت من جديد في المغرب؟

حاولت العمل على بعض المشاريع، كنت أخطط لأستثمر أموالي فيها، حتى لا أكون عالة على أحد. كنت أعلم أن أي مبلغ مهما كان ضخما لا بد أن ينتهي إن لم يتم تدبير إنفاقه بحكمة. أمي أيضا كانت تلمح إلى هذا الأمر، لكنها في الحقيقة لم تساعدني بأي شيء. أصدقائي نصحوني بالاستثمار في عالم العقار، وقالوا لي إن لديهم معارف نافذين.. وزراء سابقين وجنرالات، سيتحدثون إليهم ليتوسطوا لي حتى أحصل على تسهيلات لأستثمر في العقار والبناء.. لكن تلك الأمور كانت تحتاج إلى بعض الوقت، وهو ما لم أكن أملكه. عندما تزوجت كان الأوان قد فات على تلك الأمور لأني سأوظف مالي كله في شراء بعض الأراضي لبدء مشروع رفقة أصهاري، لأكتشف في الأخير أنني لم أعد أملك أي شيء.

  • قبل أصهارك.. هل حاولت والدتك التوسط لك لدى أصدقائها وصديقاتها؟ قلت إن لديها علاقات صداقة قليلة جدا لكنها وثيقة، مع عاملين سابقين في القصر ومسؤولين.

طلبت منها في الحقيقة أن تتدخل لتساعدني لأني كنت أجهل تماما مجريات الأمور في المغرب. لكنها كانت تغلق الموضوع وتقول لي إن هؤلاء الناس لن يقدموا لنا أي مساعدة وأنهم يُجاملونها فقط. كانت تدرك أن عبد الفتاح فرج لم يقم بقضاء مصالح أناس كثيرين وبالتالي توقعت أن يحدث الأمر نفسه معي إن طلبت صديقاتها وأصدقاءها بالتدخل لأجلي واستعمال علاقاتهم في هذا الباب.. كانت تخاف من الانتقام.

  • الانتقام؟

نعم لأن الكثيرين كانوا يطلبون منها أن تتدخل لصالحهم عندما كانت تدخل إلى القصر الملكي بشكل دائم، أيام عبد الفتاح فرج. وكانت تقول لا بشكل مباشر لأن شخصيتها كانت صارمة ولا تعرف المجاملات. وبالتالي لما دار الزمان دورته، كانت تضع في اعتباراتها أن هناك من سيردون لها الضربة ويقولون «لا».. لذلك كانت تتجنب هذه الأمور.

  • قلت لنا إنها كانت تتعلل بوجود مشاكل مادية لديها وإن مدخولها الوحيد هو معاش زوجها فقط.

كانت تقول هذا الأمر، وتؤكد عليه بمناسبة أو بدون مناسبة. ولأقربك من الصورة، فإني عندما قررت الدخول إلى المغرب لبدء حياة جديدة، كانت هي تقيم معي في الفيلا التي أصبحت الآن سفارة لدولة الإمارات، وسأحكي لك بالتفصيل عن كواليس تحويلها إلى سفارة. أو تنتقل للإقامة في فيلا مقابلة كانت تقطن فيها أختي خديجة، أي أنها كانت تقيم مع كل واحد منا لفترة.

  • ألم تقل إن خديجة كانت غير موجودة؟

كانت تتحرك بين دول كثيرة والرباط. تكون معها أمي عندما تأتي إلى المغرب، وأنا لا أراها إلا في مناسبات نادرة جدا، علما أنني كنت أسكن في الفيلا المقابلة لها.
كانت والدتي أيضا تذهب إلى إفران، إلى الإقامة التي قلت لك إن خديجة رفضت بالمطلق أن تقبل عرضا للتخلي عنها لصالح القصر الملكي. وأصرت على أن تذهب إليها بين الفينة والأخرى، رغم أنها لا تبعد عن الإقامة الملكية إلا بأمتار قليلة. أنا تخليت عن نصيبي لصالحها، ومنحتني مقابلا ماديا لأني أردت الابتعاد عن هذا النوع من المشاكل.

  • لكنك كنت تزور الإقامة..

زرتها مرات كثيرة حتى بعدما بعت نصيبي فيها لخديجة. وكانت غرفة نوم والدتي مفتوحة وتحتوي على ملابسها، وهناك علمت أنها كانت تأتي إلى إفران للاسترخاء بين الفينة والأخرى..
كانت الإقامة رائعة بكل المقاييس وتطل على مناظر طبيعية ساحرة. زرتها عندما طلبت أختي خديجة مساعدتي، وكانت تلك المرة الأولى التي سيقع فيها بيننا اتصال من هذا النوع، والأخيرة أيضا.

  • طيب يبدو أنها أقامت معك فترة معينة، ثم تقول إن الاتصال بينكما كان قليلا.. كيف تفسر هذا التناقض؟

ليس تناقضا. أقامت أمي معي لفترة قصيرة، ومع خديجة كذلك، وتنقلت بين الإقامتين في الرباط وإقامة إفران. لكن أشهرا بعد ذلك ذهبت إلى ألمانيا، وعندما عادت لم تخبرني بمكانها، واتصلت بها لتقول لي إنها في ألمانيا، لكني علمت من صديق العائلة أنها كانت في الرباط، ونزلت في فندق حتى لا تلتقي أحدا، وأقامت به لأيام ثم عادت إلى ألمانيا دون أن ألتقيها أو تلتقي خديجة. وفي مرات أخرى توجهت إلى إفران دون إخباري لتعود إلى ألمانيا.

  • كيف تصرفت؟

في إحدى المرات توجهت إلى مقهى في الرباط، غير بعيد عن مقر الأركان العامة. وكنت جالسا هناك لتناول وجبة الغداء، فرأيت أمي، علما أنها قالت لي في آخر اتصال بيننا قبل أيام من ذلك اليوم إنها في ألمانيا. رأيتها جالسة مع صديقتها زوجة مربي الخيول أيام الملك الحسن الثاني، مدام «كاركور». بالإضافة إلى صديقتها الأخرى التي تشتغل في المدرسة الأمريكية. كانت تتحدث معهما ويستمتعن جميعا بتلك الجلسة. أنا انسحبت من المطعم، واتصلت بها، لأني لم أطق أن تأتي إلى المغرب دون أن تخبرني كما كانت تفعل من قبل، أو تقيم معي في الفيلا بالرباط على الأقل. جربت أن أتصل بها، وكانت لا تزال داخل المقهى، وعندما رن هاتفها، رأيتها بحركة بسيطة تقطع الخط لتواصل حديثها مع صديقاتها، وغادرتُ المكان.
في الحقيقة حدث هذا الأمر مرتين. في المرة الثانية كنتُ على موعد في الرباط دائما، مع شخص هولندي الجنسية. كان لقاء عمل، وكنا نخطط لبدء مشروع مشترك.

  • أي مشروع؟

الهولندي كان عالم بيولوجيا، وكانت لديه مشاريع واعدة عن الاستثمار في النفايات لتحويلها إلى أسمدة. التقيته حتى أمول أحد المشاريع في هذا المجال، لكنه فوجئ كما قال لي باستفحال الرشوة وأنه طُلبت منه مبالغ مهمة لمسؤولين مغاربة مقابل تسريع إجراءات بدء مشروعه، فانسحب غاضبا وتوجه إلى دول آسيوية وبدأ مشروعه هناك. وهكذا ضاعت علي فرصة ثمينة للاستثمار في هذا المجال.
عندما التقيته في الرباط، كنا قد اخترنا أحد الفنادق لنتداول أمر المشروع، فإذا بي أفاجأ بوالدتي تجر حقيبة سفرها وتتجه نحو بهو الاستقبال لتأخذ مفتاح غرفتها فأدركت على الفور أنها جاءت لتوها من المطار. رأيت معها أستاذ الموسيقى، صديق العائلة، وقال لي لاحقا إنها اتصلت به لاستقبالها وتوصيلها إلى ذلك الفندق.

  • ألم تحاول الحديث إليها هذه المرة؟

نعم. رأتني وعلمت أني رأيتها ولم يكن هناك مجال للتخفى، فسلمت عليها وبدت عليها علامات الدهشة، وكانت توزع نظراتها بيني وضيفي الهولندي، وكأنها تتساءل ماذا يفعل حسن مع أجنبي في بهو فندق بالرباط.

  • ماذا دار بينكما؟

قلت لها «على سلامتك». وسألتني إن كنت مشغولا فأجبتها بأنني مشغول فعلا. سألني الهولندي من تكون تلك السيدة؟ قلت له إنها أمي، فظهرت عليه علامات الصدمة. لم يظهر من حديثنا أنها والدتي..

  • هل نفهم من هذا الكلام أن مشاريعك بقيت بعيدة عن والدتك؟

هي من أبعدت نفسها في الحقيقة.

  • هي اتهمتك في النهاية بأنك بددت الأموال التي حصلت عليها.

هي لا تعلم أي شيء عن الظروف التي خسرت فيها أموالي، لقد تم النصب عليّ ولدي الحجج والوثائق التي توثق للعمليات التي انخرطت فيها وكيف خسرت فيها أموالي. لم أصرفها في النوادي أو الفنادق أو الملاهي. هي تعلم جيدا أنني كنت أبحث عن فرص حقيقية للاستثمار مثل باقي رجال الأعمال، لكن ما تعرضت له غيّر كل شيء، وهي كانت تبعد نفسها ولم يجبرها أحد على ذلك. ستتحسن علاقتي بها لاحقا.. وسأفهم أمورا أخرى.

  • أين كان الدكتور قنيدل في هذا الوقت بالذات؟

كان لا يزال يترنح في ألمانيا، وأخبرني أنه قرر الدخول إلى المغرب. لم يبق له أي شيء هناك. في ألمانيا، كنت أساعده في الأشهر الأخيرة قبل أن أدخل إلى المغرب. كنت أرى فيه رجلا خسر كل شيء بسبب زواجه وطلاقه. غامر ببدء حياة جديدة في هنغاريا ولم يُوفق، وبالتالي فإنه عاش مشاكل مادية حقيقية لدى عودته إلى برلين، وكنت أقدم له مساعدات مالية بانتظام. وعندما غادرت أنا ألمانيا وأغلقت شقتي هناك، لا بد وأن وضعه تأزم أكثر.

  • هل كان يطلب منك مساعدات بشكل مباشر؟

لا.. لم يحدث أن طلب مني مالا بشكل مباشر، لكنه كان يتذمر أمامي ويعلن إفلاسه، فأقوم بمساعدته. عندما دخلت إلى المغرب بفترة، اتصل بي وأخبرني أنه قرر الدخول أيضا، وقال إنه لم يعد يملك شيئا يبرر بقاءه في ألمانيا التي عمل بها 40 سنة داخل السفارة المغربية. وهكذا جاء ليزور عائلته في الدار البيضاء، ثم انتقل ليسكن معي هنا  في الرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى