الرأي

حكم في الجنة وحكمان في النار

تضاربت القرارات بين اللجان المنبثقة من الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وتباينت الأحكام بين لجنة الأخلاقيات ولجنة التأديب والروح الرياضية. في كرتنا تعددت اللجان والحكم واحد.
وقف مدرب الرجاء رشيد الطاوسي وإداري النادي رضوان الطنطاوي أمام قاضي الأخلاقيات ووجه لهما تهمة الإخلال بالنظام العام للمنافسات الكروية والتحريض على مقاطعة الكرة والمس بمقدسات اسمها مباراة كأس العرش. ونظرا لثقل التهم، فقد طالب الضنينان بتمكينهما من المساعدة القضائية وتعيين محام نبيه يقف في صفهما ضد عاديات الزمن.
قبل أن يتأكد رئيس الجلسة من هوية الماثلين أمامه في قفص الاتهام ويحيطهما علما بتفاصيل صك الاتهام، تناول الكلمة ممثل النيابة العامة وشرع في تعداد سوابق الرجاء في منافسات كأس العرش.
لديكم سوابق في مقاطعة منافسات كأس العرش، لقد سبق لكم أن امتنعتم قبل عشر سنوات عن خوض مباراة برسم تصفيات الكأس ضد حسنية كادير، وخسرتم المواجهة بالقلم دون أن يكون للقدم دخل في النازلة.
رد الطاوسي بنبرة غاضبة:
لا علم لي بسوابق الرجاء، أنا مدرب لا أصدر قرارات الانسحاب من رقعة الملعب.
وقبل أن ينهي تدخله، طالب زميله في قفص الاتهام بإسقاط سابقة الحسنية بسبب التقادم.
يعرف كاتب الضبط أكثر من غيره قصة مقاطعة الرجاء لمباراة برسم كأس العرش قبل عشر سنوات، فمن مكر الصدف أن كاتب الضبط الخاص باللجنة وهو محمد أبو القاسم كان شاهدا على العصر في تلك الواقعة، إذ كان حينها رئيسا لحسنية أكادير وأصر من موقعه على رفض تعديل موعد المواجهة.
دخلت القضية منحى آخر، وأصبح المتهمان من أصحاب السوابق في منافسة لها قدسيتها عند اللجنة، فاختار كل منهما الإفلات بجلده من تهمة معدة سلفا وحكم جاهز للنطق. إذ أصر المتهمان على مسح التهمة في رئيس الفريق الذي أعطى تعليمات هاتفية بالمغادرة وهو آخر قرار قبل أن يغادر بدوره رئاسة النادي.
من المفارقات الغريبة أن يغادر الرجاء رقعة الملعب قبل الإفطار، ويغادر رئيس النادي منصبه بعد صلاة التراويح، بينما كانت المصيدة جاهزة في الرباط لكن لا أحد يعلم أكان فيها سم أو عسل.
تبين أن منافسات الكرة صنفان: صنف قابل للكر والفر والاحتجاج والانسحاب، وصنف آخر لا يقبل الاستئناف ولا الطعن. فهم الماثلان أمام اللجنة الدرس جيدا وتبين أنهما متابعان بقانون جنائي، لا دخل فيه للكرة ولا حاجة فيه لقوانين التحكيم.
في هذه المحاكمة غاب طرف أساسي في القضية، وهو حكم المباراة الذي غادر الرجاويون رقعة الملعب احتجاجا على قراره، لم يحضر النوني لغاية في نفس يعقوب التحكيم الذي يصر على منح حكامه راية وصفارة وحصانة. لذا ظهرت أعراض إعاقة على المحاكمة، التي حضرها الشاهد وغاب الجاني والمجني عليه.
كثير من القرارات الصادرة عن لجنة الأخلاقيات في حاجة إلى رؤية أخلاقية، بدل المقاربة الجنائية التي تحول أشغالها إلى جلسة مقتطعة من غرفة قضايا الإرهاب، لذا لا فرق بين جلسات الاستنطاق وجلسات قاضي التحقيق إلا بغياب شرطي يحرس البوابة، وبدلة سوداء ورائحة المحكمة.
لكن الأكثر غرابة في القضية هو أن كثيرا من الماثلين أمام اللجنة، يملكون صفة تخول لهم التصويت أثناء انتخاب أعضاء لجنة الأخلاقيات، فالطاوسي مدرب الرجاء هو عضو جامعي وكل عضو فإن القانون يمنحه حق التصويت في انتخاب اللجان القضائية للجامعة وهنا مربط الفرس.
كثير من مكونات لجان التأديب والأخلاقيات في جامعة كرة القدم والأجهزة المنبثقة عنها تحتاج إلى تأديب، لأن تاريخها يحيلنا على سوابق في الضرب والجرح والتنكيل بقيم الممارسة الكروية، والأغرب أن تجد على رأس لجنة الروح الرياضية رجلا سبق له أن أدين بتهمة التلاعب بنتيجة مباراة ولازال الملف يرقد في دولاب محكمة الدار البيضاء.
يحيا العدل!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى