شوف تشوف

الرئيسية

حينما تمكن الحسن الثاني من استدراج القذافي للاعتراف بالوحدة الترابية عبر خلق اتحاد بين المغرب وليبيا

حتى الآن تمكن الملك محمد السادس من عرض الجوانب القانونية والمؤسساتية المحيطة بالاتحاد العربي الإفريقي الناشئ بين المغرب وليبيا عبر استقراء معاهدة وجدة والملاحق المرفقة بها، وقد كانت قراءة الملك لهاته الوثائق القانونية قراءة أكاديمية محضة موضوعية إلى الحد الذي لم نعثر فيه على موقف ملكي من البنية المؤسساتية والهيكلية للاتحاد الذي اتفق الحسن الثاني والقذافي على إنشائه.

بدءا من الفصل الثاني في البحث سيشرع الملك في قراءة سياقية لإنشاء الاتحاد العربي الإفريقي عبر دراسة «مدى انسجام الاتحاد مع استراتيجية التعامل الدولي للمملكة المغربية» كما تحمل تسمية الفصل.

بدأ الملك هذا الفصل بالتمهيد التالي: «للاتحاد العربي الإفريقي أغراض متنوعة. فهو يرمي من جهة إلى توحيد المغرب العربي والأمة العربية، ودرء الأخطار المحدقة بالأمة العربية والعالم الإسلامي، خاصة بفلسطين والقدس الشريف. كما أنه من جهة أخرى يهدف إلى انتهاج سياسة مشتركة في مختلف الميادين، سواء كانت داخلية كقضايا التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي، أو خارجية مثل المحافظة على السلام، وعدم الانحياز، وتدعيم التعاون الدولي وخاصة التعاون العربي الإفريقي».

يتابع الملك استهلاله لهذا الفصل الثاني والأخير من البحث، والذي سيورد فيه الملك، ضمنيا، مواقفه الخاصة من قضايا عربية ووطنية مؤثرة، قائلا: «جميع هذه الأهداف تكرس قيام تضامن بين الدولتين على الصعيد الاتحادي وفي مواجهة الدول الأخرى، وجاءت متطابقة مع أهداف التعامل الدولي للمملكة المغربية، سواء على الصعيد المحلي والإقليمي مثل تكريس الوحدة الترابية، ونصرة القضية الفلسطينية، وتشجيع التعاون العربي الإفريقي، أو على الصعيد العالمي مثل عدم الانحياز ومناهضة الاستعمار والميز العنصري، والتعاون مع المنظمات الدولية، والموقف بالنسبة لمشكلات الدولية الأخرى».

توافق أهداف الاتحاد المغربي الليبي مع ثوابت التعامل الدولي للمملكة المغربية، وفق ما ذكره ذكر الملك محمد السادس، حدد مباحث الفصل الثاني التي توزعت بين مبحثين أولهما سيعالج إشكالية التضامن في الاتحاد العربي الإفريقي، والثاني يتعلق بالاستراتيجية المغربية في مجال التعامل الدولي وهو الذي سيتضمن تصورات الملك وآراءه بخصوص قضايا دولية ووطنية لها أبعاد خارجية.
غير أنه، ولحدود الساعة، نجد أن الملك محمد السادس يخلص إلى أن الاتحاد العربي الإفريقي الذي جمع بين المغرب وليبيا كان ينطوي على أهداف تتطابق مع أهداف التعامل الدولي للمملكة المغربية، بما في ذلك الأهداف الحالة على الصعيد المحلي والإقليمي مثل تكريس الوحدة الترابية، فهل يعني ذلك أن الاتحاد مع ليبيا كان خطوة لسحب اعتراف من العقيد القذافي بوحدة المغرب على كامل أراضيه؟

هذه النقطة بالغة الأهمية، وأهميتها تتجلى في أن اعتراف القذافي بوحدة المغرب الترابية وإقراره بمغربية الصحراء يعني أن الموقف الليبي تغير كلية وانتقل من دعم الانفصال، أطروحة وعسكرة، إلى الاعتراف الكامل بالوحدة التربية، وإذا صح ذلك فحينها يُعلم سبب مبادرة الملك الحسن الثاني إلى الرد على رسالة القذافي المنتقدة للأوضاع العربية عموما بمقترح إنشاء وحدة بين ليبيا والمغرب في سياق حرب صامتة بين الحسن الثاني والقذافي، وهو المقترح الذي أثار استغراب الجميع بمن فيهم المبعوث الليبي الذي نقل إلى الملك الحسن الثاني رسالة القذافي، كما ذكر الملك محمد السادس في مستهل بحثه.

حينما نتابع ما كان يحدث من تقارب بين المغرب وليبيا في هاته المرحلة، كما سيجري بيانه في كتاب الملك محمد السادس، يتضح لنا مدى دهاء الملك الراحل الحسن الثاني والذي استطاع، بدبلوماسية فطنة، استمالة القذافي عوض الاستمرار في الدخول معه في صراع بين الخاسرين في المغرب الذي كان يعاني من أعمال القذافي التي كانت تذكي جذوة الانفصال في الصحراء المغرب، بل وسعت حتى إلى قلب نظام الحكم في المغرب. لقد تمكن الحسن الثاني من امتصاص حماس القذافي وهوسه الشخصي بالزعامة عربيا وإفريقيا وتصريف هذا الهوس في كيان اتحادي ألحق به مجال هوس القذافي، وهو العروبة والعمق الإفريقي، بشكل يمأسس لتعاون وطيد بين المغرب وليبيا، وهنا تبرز أهمية بيان هيكلة الاتحاد ومدخلاته ومخرجاته القانونية.

ذلك أن الاتحاد العربي الإفريقي لم يكن مجرد اتفاق ثنائي بين دولتين فقط، بل كان مؤسسة قائمة ومؤطرة بمعاهدة ملزمة للطرفين، ورغم أن الاتحاد لم يلغ حصرية تدبير الدولتين لشؤونهما الداخلية والخارجية، كما فصل الملك وتابعنا هذا التفصيل في الحلقات الماضية، إلا أنه وضع قواعد أخلاقية بقدر ما هي قانونية ودبلوماسية تجعل من العصي على أية دولة من الدولتين تبني موقف يتناقض مع روح الاتحاد الحاصل بينهما، وليس أكثر ما يستجلب هذا التناقض هو التعبير عن كل ما من شأنه الانتقاص من الوحدة الترابية لبلد من البلدين.

ولقد ترجمت هذه الخطوة النبيهة من الملك الراحل الحسن الثاني عمليا عبر إعلان ليبيا، بطريقة غير مباشرة، ما يمكن اعتبار مراجعات في مواقفها تجاه الصراع المفتعل في الصحراء المغربية، كما سنكتشف في بقية حلقات قراءتنا في كتاب الملك محمد السادس، إذ مباشرة بعد التوقيع على معاهدة وجدة سارعت ليبيا إلى تبديد كل التموقفات التي ارتبطت بها تجاه قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية، معبرة عن تصورات جديدة تدعم، بشكل من الأشكال، الوحدة الترابية للمغرب، ولو أن ذلك لم يتم في شكل اعتراف بتراجع عن مواقف سابقة، وإنما كإيهام بتصحيح أحكام خاطئة رسمت حول ليبيا بهذا الشأن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى