ن- النسوة

زنا المحارم.. هكذا تدفع العقد النفسية إلى الاعتداء الجنسي على الأقارب

إعداد: إكرام أوشن
إن تفشي ظاهرة زنا المحارم بين الأفراد والمجتمعات ظاهرة سلبية مرضية، فهي تمثل علاقة مضطربة شاذة تصل آثارها السلبية إلى أقرب المقربين إلى الشخص وهم محارمه أو ذوو قرباه.
ومن هنا كانت آثار هذه الظاهرة السلبية مزدوجة الخطورة، وكذلك عواقبها النفسية والاجتماعية والدينية والأخلاقية، ولذلك فقد أدانتها كل الشرائع والقوانين الشرعية والوضعية.
ينتشر الزنا بين الأخ وأخته أو الأب وابنته أو الأم وابنها، كما قد يحدث بين زوج الأم وابنة زوجته أو زوجة الأب وابن زوجها. ويكون ذلك بوجه خاص في المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المتدنية، ولكنه لا يقتصر عليها فقط، فهو موجود في الطبقات العليا أيضا. غير أن انتشاره بين الطبقات المتدنية يكون أكبر، وذلك لدواعي الاختلاط الشديد بين الجنسين، خاصة في المراحل المبكرة من العمر وما بعد المراهقة، وانعدام الخصوصية أو ضعفها ما يتيح فرصة الاطلاع على العورات والأسرار وإثارة الغرائز بطرق وأساليب فجة، بالإضافة إلى انخفاض المستوى الاجتماعي والثقافي والديني والأخلاقي بشكل يحول دون الوقاية من الوقوع في مثل هذه الجرائم.

الآثار النفسية لضحية زنا المحارم
أشارت بعض الإحصاءات إلى أن هذا نسبة هذا النوع من الممارسات تتراوح بين 4،2 و6،3 بالمائة من الجرائم الجنسية. ولكن هناك إحصاءات تشير إلى أن النسبة تتعدى ذلك بكثير، حيث تصل إلى 15 بالمئة من البنات المودعات في إصلاحيات الأحداث، كن ضحايا لزنا المحارم أو كن يمارسنه .
وتكون الآثار النفسية لهذا النوع من الزنا قاسية ومدمرة على نفسية الفتاة، حيث يتولد لديها خليط من مشاعر الكراهية والإحساس بالذنب إزاء الشخص الفاعل أو المجتمع أو الجنس ذاته. ويمكن أن يعتريها النفور الشديد من الرجال قد يؤدي بها إلى عدم الزواج أو ممارسة البغاء أو جرائم ومشاكل نفسية وسيكوباتية متعددة .
هذا وتبين أنه حتى ولو تهاونت الفتاة أو شاركت بالفعل في هذه الجرائم، فإن ذلك يكون عن جهل منها. فعندما تتعرف على حقيقة ما اقترفته تنشأ لديها مشاعر سلبية هي مزيج من ازدراء الذات والقلق والاكتئاب والمخاوف المرضية .
وأثبتت العديد من الدراسات أن هذه العلاقات، خاصة بين الأب وابنته، تكون ناجمة عن تدهور عضوي في خلايا المخ أو خلل في التفكير عند الأب بسبب مرض عقلي أو بفعل الشيخوخة المبكرة أو لإصابته بتصلب في شرايين المخ. ولذلك آثاره النفسية السلبية التي تؤدي إلى تدني مشاعر وسلوك هذا الشخص وإصابته بجوانب سيكوباتية جنسية وأخلاقية، فيخرج عن كافة الضوابط والنواهي والقوانين الإلهية والوضعية وتتداخل لديه معاني الحلال والحرام .
فضلا عن ذلك، تشير بعض الدراسات إلى أن مرتكبي هذا الجرم من الراشدين يعانون من اضطرابات حتى ولو بدا مظهرهم متوافقا اجتماعيا. وكثيرا ما يكونون مصابين بفصام في الشخصية أو أعراض مرضية سيكوباتية. وقد يكونون مصابين ببعض مظاهر وأشكال التخلف العقلي أو واقعين تحت تأثير إدمان الكحول أو المخدرات. أوهم من أصحاب المذاهب التي تتسم بالتطرف الديني والفكري. وتبين أيضا أن الفتيات والنساء اللاتي يجامعن أبناءهن الذكور مصابات بالفصام أو التخلف العقلي الشديد. وهناك بعض المؤشرات عن حالات لبعض الشباب الذين يسيرون أثناء النوم ويمارسون أشكالا من هذا السلوك المنحرف مع محارمهم.
وتشير بعض التحليلات النفسية إلى أن مثل هذه السلوكيات تشي عن رغبات لاشعورية كانت ضاغطة ومكبوتة تجاه المحارم وعن أعراض مرضية. وهي تحتاج إلى الكشف عنها وعلاجها أو تصحيح مسارها، بحيث لا تؤدي إلى مشاكل سلوكية لاحقة تصيب الفرد والمجتمع، وتكون شديدة الخطورة في آثارها على ضحايا هذه العلاقة من الأبناء أو المحيطين من المقربين لهؤلاء الأفراد .
إلى ذلك، تبين أن نتائج هذه العلاقة تبدو آثارها السلبية في الإصابة بالمخاوف والأفعال القهرية شديدة التعقيد، والتي من شأنها أن تحول بين إحساس الفرد والمجتمع بالرضا والسعادة سواء على المستوى الظاهري أو الباطني. وتؤدي إلى العنة عند الذكور والبرود الجنسي لدى الإناث، وإلى غير ذلك من السلبيات على المستوى الجسمي والجنسي والنفسي للأفراد. ومن الواجب الكشف عن مثل هذه الحالات وإخضاعها للتحليل والدراسة ومعرفة الأسباب النفسية والاجتماعية وراء ذلك، حتى لا تستفحل وتصبح أمرا ضاغطا أو ظاهرة مرضية كما هو الحال في بعض المجتمعات، وأن يتعاون جميع المختصين من علماء النفس والتربية والاجتماع والطب النفسي وغيرهم، لدرء مخاطرها والوقاية من آثارها السلبية على الفرد والمجتمع.

ما هي أنماط زنا المحارم؟

يمكن رصد ثلاثة أنماط أساسية في حالات زنا المحارم:
✹ النمط الغاضب: حيث تكون هناك مشاعر غضب من الضحية تجاه الجاني، وهذا يحدث حين تكون الضحية قد أجبرت تماما على هذا الفعل دون أن تكون لديها أي قدرة على الاختيار أو المقاومة أو الرفض. ومن هنا تحمل الضحية مشاعر الغضب والرغبة في الانتقام من الجاني. وربما يعمم الغضب تجاه كل أفراد جنس الجاني، ولذلك تفشل في علاقتها بزوجها وتنفر من العلاقة الجنسية ومن كل ما يحيط بها، وتصاب بحالة من البرود الجنسي ربما تحاول تجاوزها أو الخروج منها بالانغماس في علاقات جنسية متعددة، أو أنها تتعلم أن السيطرة على الرجال تتم من خلال هذا الأمر فتصبح العلاقة الجنسية مع رجل نوعا من سلبه قوته وقدرته، بل والسيطرة عليه وسلبه أمواله.
وتبين من الدراسات أن 37 بالمائة من البغايا كن فريسات لزنا المحارم, وهذا يوضح العلاقة بين هذا وذاك.
✹ النمط الحزين: في هذه الحالة نجد أن الضحية تشعر بأنها مسؤولة عما حدث، إما بتهيئتها له أو عدم رفضها، أو عدم إبداء المقاومة المطلوبة, أو أنها حاولت الاستفادة من هذا الوضع بالحصول على الهدايا والأموال أو بأن تتبوأ مكانة خاصة في الأسرة باستحواذها على الأب أو الأخ الأكبر، وهنا تشعر بالذنب ويتوجه عدوانها نحو ذاتها، وربما تقوم بمحاولات لإيذاء الذات كأن تحدث جروحا أو خدوشا في أماكن مختلفة من جسدها، أو تحاول الانتحار من وقت لآخر أو تتمنى الموت على الأقل، وتكون لديها كراهية شديدة لنفسها .
✹ النمط المختلط: وفيه تختلط مشاعر الحزن بالغضب.

ما هي طرق علاج المخلفات النفسية للضحية؟

✹ الإفصاح: إن أول وأهم خطوة في علاج زنا المحارم هي تشجيع الضحية على الإفصاح، وذلك من خلال علاقة علاجية مطمئنة ومدعمة من طبيب نفسي أو أخصائي نفسي أو اجتماعي. وقد وجد أن الإفصاح عن تلك العلاقة يؤدي في أغلب الحالات إلى توقفها تماما، لأن الشخص المعتدي يرتدع خوفا من الفضيحة أو العقاب، إضافة إلى ما يتيحه الإفصاح من إجراءات حماية للضحية على مستويات أسرية ومهنية وقانونية. وعلى الرغم من أهمية الإفصاح، فإن هناك صعوبات تحول دون حدوثه أو تؤخره، ومنها الخوف من العقاب أو الفضيحة، أو الإنكار على مستوى أفراد الأسرة.. ولذلك يجب على المعالج أن يفتح الطريق ويساعد على هذه الخطوة دون أن يوحي للضحية بأشياء من تخيلاته أو توقعاته الشخصية، وربما يستدعي الأمر (بل غالبا ما يستدعي الأمر) تقديم أسئلة مباشرة ومتدرجة تكشف مدى العلاقة بين الضحية والمعتدي في حال وجود شبهات أو قرائن على ذلك. وتتفاقم المشاكل النفسية التي تصيب الضحية بسبب عدم قدرتها على البوح بهذا الأمر، فتكتم كل الأفكار والمشاعر بداخلها وتنكمش على نفسها، ومن هنا يكون العلاج بإعطاء الفرصة لها للحديث عن كل ما بداخلها، مع تدعيمها ومساندتها وطمأنتها أثناء استعادة تلك الخبرات الصادمة، ثم محاولة إعادة البناء النفسي من جديد بعد تجاوز هذه الأزمة.
✹ حماية الضحية: بمجرد إفصاح الضحية عن موضوع زنا المحارم أو انتهاك العرض، يصبح على المعالج تهيئة جو آمن لها لحمايتها من تكرار الاعتداءات الجنسية أو الجسدية أو النفسية. ويمكن أن يتم هذا بالتعاون مع بعض أفراد الأسرة الأسوياء، وإن لم يكن هذا متاحا فيكون من خلال الجهات الحكومية المتاحة.
✹ العلاج النفسي الفردي: ويقدم للضحية لمداواة المشاكل والجراح التي لحقت بها من جراء الاعتداءات الجنسية التي حدثت. ويبدأ العلاج بالتنفيس فالاستبصار ثم القرار بالتغيير قبل التنفيذ، وكل هذا يحدث في وجود دعم من المعالج وفي وجود علاقة صحية تعيد فيها الضحية رؤيتها لنفسها ثم للآخرين (خاصة الكبار) من منظور أكثر صحة تعدل من خلاله رؤيتها المشوهة التي تشكلت إبان علاقتها بالمعتدي.
✹ الوالدان: يتم تقييم حالة الوالدين نفسيا واجتماعيا بواسطة فريق متخصص، وذلك للوقوف على مدى قدرتهما على القيام بمهامهما. وفي حال وجود خلل في هذا الأمر يتم إخضاعهما لبرنامج تأهيلي حتى يكونا قادرين على القيام بواجباتهما نحو أطفالهما. وفي حالة تعذر الوصول إلى هذا الهدف يقوم طرف ثالث بدور الرعاية للأطفال حتى لا يكونوا ضحايا لاضطرابات والديهم .
✹ العلاج الأسري: بما أن زنا المحارم يؤدي إلى اضطراب الأدوار والعلاقات داخل الأسرة، فإن الأمر يستوجب إعادة جو الأمان والطمأنينة وإعادة ترسيم الحدود وترتيب الأدوار والعلاقات، مع مداواة الجراح التي نشأت جراء تلك العلاقة المحرمة.. وهذا يستدعى جلسات علاج عائلي متكررة يساعد فيها المعالج أفراد الأسرة على التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم وصراعاتهم وصعوباتهم، ثم يساعدهم على محاولة إعادة التكيف مرة أخرى على مستويات أفضل.
✹ العلاج الدوائي: ويقدم للحالات المصابة باضطرابات نفسية من قبيل القلق أو الاكتئاب أو الإدمان أو الفصام أو الهوس. وهذا العلاج يمكن أن يوجه نحو الضحية أو نحو المعتدي حسب حاجة كل منهما.

للتعافي من الصدمة العاطفية.. إليك هذه النصائح
✹ لا تتجاهل الألم أو تحاول الهروب منه: تعايش مع الألم، واشعر بالحزن. لا تهرب منه باللجوء لأمور أخرى مثل علاقة عاطفية أخرى بشكل فوري، أو بإدمان أمر ما من قبيل المخدرات أو العلاقات الجنسية المحرمة أو غيرها. لابد أن تعطي الألم والحزن حقهما، لتشعر بأنك أصبحت أفضل بعدها، لأن الهروب يطيل عملية الألم، فهو آت لا محالة.
✹ تعلم شيئاً من هذا الألم: من السهل جداً أن تعيش في دور الضحية، وأن تشعر بالألم مضاعفاً. ولكن، لا بد أن تنظر إلى السبب الحقيقي الذي أدى إلى ترك شريكك لك، فقد يكون معه حق، وقد تكون هناك أمور يجب أن تصلحها في نفسك، أو أخطاء ارتكبتها دون أن تشعر. حاول أن تجعل تجربة الانفصال تلك مادة جيدة لتعلم شيئاً مفيداً حتى لا يتكرر الأمر في العلاقة اللاحقة.
✹ تخل عن التوقعات والآمال الكاذبة: من السهل أن تترك نفسك للآمال والتوقعات التي تكون كاذبة في أغلب الوقت، كأن يعود شريكك إليك شاعراً بالندم من تركه لك، أو أنه من شدة حبه لك لم يستطع العيش من دونك. أو أن تؤمن بأنك ستجد من هو أفضل منه خلال فترة زمنية قصيرة.. وغيرها من الأمور التي إن لم تحدث ضاعفت ألمك وجرحك الذي لم يندمل بعد.
✹ البعد عن العزلة: تجنب الجلوس على انفراد في المنزل لفترات طويلة، فلابد من الخروج المستمر، إقامة علاقات اجتماعية والبعد عن الانعزالية.
✹ الابتعاد: الابتعاد، ولو لفترة مؤقتة، عن الأشخاص الذين تستعيد معهم الذكريات المؤلمة، مع التمسك بالوازع الديني ومعرفة أن ذلك قضاء وقدر الله، بجانب محاولة النسيان من خلال الانشغال بأعمال في المنزل أو العمل أو مع الأصدقاء، أو الانشغال بمشاكل وضغوط الحياة الأخرى، علاوة على الاهتمام بتنمية الثقافة العاطفية، من خلال الاستماع إلى المشاكل العاطفية الأخرى وصدمات الحب، من أجل تعديل التوازن النفسي والفكري والعقلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى