الرأي

زيارة مقلقة وتصريحات محيرة

أيحق للمرء أن يعبر عن عدم ارتياحه للزيارة التي قام بها وفد المنظمات اليهودية الأمريكية للقاهرة وأن ينسحب عدم الارتياح على تصريحات المتحدث باسم الرئاسة عن مضمون لقاء الوفد مع الرئيس عبدالفتاح السيسي؟ فالزيارة لم تكن مستحبة من الأساس، والتصريحات التي صدرت عنها جاءت منقوصة ولا تعبر بدقة عن الموقف المنتظر من مصر. حتى التغطية الإعلامية للزيارة جاءت خجولة وملتبسة وفيها من المداراة بأكثر ما فيها من الإفصاح والإبانة. لذلك أزعم أن العملية كلها جاءت خصما من رصيد مصر بل لم تكن حتى إسهاما في الحفاظ على ذلك الرصيد دون زيادة أو نقصان.
فالوفد المذكور يعبر عن «اللوبي» الصهيوني في الولايات المتحدة، المعادي للعرب على إطلاقهم خصوصا الفلسطينيين منهم. وفي الوقت ذاته فإنه يمثل مركز القوة الداعم لليمين الإسرائيلي والواقف دائما في صف «الليكود» وكل قوى التطرف الصهيوني. بالتالي فهو بمثابة خط الدفاع الأول لإسرائيل في واشنطن. وهو لا يمثل قوة ضغط على الإدارة الأمريكية فحسب، وإنما هو أيضا يتحرى المصالح الإسرائيلية في كل نشاطاته الخارجية. وليس سرا أن تلك المنظمات هي الأكثر حماسا للدفاع عن الرئيس عبدالفتاح السيسي، لا لشيء سوى أن إعلانه خوض الحرب ضد الإرهاب دفعة إلى تهدئة وتيرة الصراع ضد إسرائيل، على نحو فتح الباب لتأويلات عدة وقد حرصت تلك المنظمات على تثبيت أسوأ ما فيها على نحو يوحي بحدوث انقلاب في الموقف المصري يطوي صفحة الصراع الذي قادته القاهرة في دفاعها عن القضية الفلسطينية ويسقط التزامها بمقتضيات الدفاع عن الأمن القومي العربي. من ثَمَّ فإن الزيارة كانت تستهدف المصلحة الإسرائيلية أولا وأخيرا. وذلك وحده سبب كاف للامتعاض والاستهجان إزاء حدوثها.
ما قاله المتحدث باسم الرئاسة عن لقاء الوفد مع الرئيس السيسي لم يكن مريحا أيضا، إذ نقل عن الرئيس تأكيده على «أهمية الارتقاء بالتعاون مع الولايات المتحدة إلى مرحلة جديدة تتناسب مع المتغيرات الإقليمية والدولية، وعلى رأسها خطر الإرهاب مشيراً إلى الجهود التي تقوم بها مصر على صعيد مكافحة الإرهاب والتطرف وتصويب الخطاب الديني وتنقيته».
الفقرة السابقة نص مقتبس من تقرير جريدة الأهرام عن الزيارة، الذي أبرزته على صفحتها الأولى يوم الجمعة ١٢/٢. وبعد ذلك الاستهلال نقلت الأهرام عن المتحدث باسم الرئاسة قوله إن الرئيس «شدد على أهمية الدفع قدما بعملية السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، مشيراً إلى ضرورة التوصل إلى سلام عادل وشامل بين الطرفين ينهي الصراع بشكل دائم، ويفسح المجال لدول المنطقة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تتطلع إليها شعوبها».
العناوين التي نشرتها بعض صحف الجمعة عن الزيارة والتي وصفتها بالملتبسة كان منها ما يلي:
«تعزيز التعاون مع أمريكا بما يتناسب مع المتغيرات الإقليمية والدولية ــ الرئيس: لابد من دفع عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين (الأهرام) ــ السيسي لوفد المنظمات اليهودية الأمريكية: تحقيق السلام العادل والشامل خطوة مهمة في مكافحة الإرهاب (الأخبار) ــ السيسي لوفد المنظمات الأمريكية اليهودية: «تحقيق السلام يقضي على الإرهاب» (المصري اليوم) ــ «السيسي: سلام الشرق الأوسط يقضي على الإرهاب» (الوطن) ــ السيسي: علاقة القاهرة وواشنطن استراتيجية وثابتة ومستقرة ــ تحقيق السلام يقضي على الإرهاب ويفسح المجال للتنمية» (الجمهورية).
هل هذه التصريحات وتلك العناوين تعبر حقا عن موقف ضمير مصر ورؤيتها الاستراتيجية؟ لا أستطيع أن أجيب على السؤال بالنفي أو التأييد، لكنني لا أريد أن أصدق أن هذا هو كل ما لدى مصر في الموضوع، بوجه أخص حين يكون الكلام عن زيارة وفد أمريكي يناصر الإرهاب الإسرائيلي بالتأييد والتمويل والتسويق. ذلك أنني أفهم أن يكون الإرهاب مشكلة داخلية في مصر، وأن التصدي للإرهاب الإسرائيلي هو أحد عناوين سياستها الخارجية، كما أفهم أنه تتعذر المساواة بين القاتل والقتيل في القضية الفلسطينية. وأن هدف التوصل إلى سلام عادل وشامل ليس تحقيق التنمية الاقتصاية الاجتماعية فحسب، ولكن يسبق ذلك ويتقدم عليه هدف تحرير الأرض المغتصبة وإعادة الشعب المشرد والمعذب إلى دياره التي طرد منها.
يحز في نفسي أن أقارن بموقف السويد التي أدانت وزيرة خارجيتها التطرف الإسرائيلي، أو البرازيل التي رفضت سفيرا إسرائيليا من قادة المستوطنين، أو البرلمان الأوروبي الذي رفض الاعتراف بالمستوطنات ومنتجاتها، أو حملة المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل ونجاحاتها في الولايات المتحدة وأوروبا وكندا.
إن جيلنا يعرف أن مصر أولى بكل ما سبق. ولا تقنعه التبريرات التي تساق لغض الطرف عن الممارسات الإسرائيلية، أو السكوت على التصريحات الجارحة التي تصدر في تل أبيب، ومنها ما نشرته صحيفة جيروزاليم بوست في 6 فبراير لوزير الطاقة هناك يوفال شناينيتز الذي تبجح وادعى أن مصر أغرقت الأنفاق مع غزة بطلب من إسرائيل. وهو ما أغضب المؤسسة العسكرية الإسرائيلية طبقا لما ذكرته الإذاعة البريطانية في 8 فبراير لكننا لم نجد أثرا لذلك الغضب في مصر. وهو سبب إضافي يضاعف من الحيرة والبلبلة، ويشيع لدى أمثالي خليطا من الحزن والخزي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى