الرأي

«زيرو جامعة عمومية»

هناك حقائق باتت راسخة في تعامل هذه الحكومة مع قطاع التعليم، ومنها اعتمادها منطق التهريب والاستغفال في إصدار القوانين والمراسيم، وآخرها إجراء تعديل على القانون 001 المنظم للتعليم العالي، وتحديدا المادة 41 منه، والتي تندرج في الباب المخصص للتعليم العالي الخاص، قبل ثلاثة أسابيع من الانتخابات. فبعد أن كانت هذه المادة تصعب على المستثمرين إمكانية إعطاء مؤسساتهم الخاصة اسم كلية أو جامعة، وهي الصعوبة التي لطالما اعتبرت الحصن الأخير الذي يحمي الخدمة العمومية في مجال التعليم العالي، ارتأى الحسن الداودي أن يختم مساره الوزاري المخجل، والمعادي تماما لكل المؤسسات العمومية في هذا المجال الحيوي، بتسهيل هذه العملية، بحيث سيصبح بإمكان أي كان أن يبني «خربة» ويسميها جامعة خصوصية أو كلية خصوصية، في إصرار على نقل الفوضى التي تجري في التعليم الخصوصي المدرسي إلى التعليم العالي، وطبعا، وحسب الداودي دوما، فالعملية كلها تدخل في إطار تشجيع «المزيد من التنافسية بين الفاعلين في مجال التعليم العالي الخاص لكي يطلع بدور قطاع التعليم العالي الخاص بالدور المنوط به كشريك»، وإذا أردنا أن نترجم كل هاذ الكلام «الغليظ» بلغة أوضح، فإننا سنقول بأن التعديل هو إسقاط آخر عقبة أمام لوبيات التعليم الخصوصي لنقل الكوارث التي يقومون بها في التعليم المدرسي إلى التعليم العالي، فكما أن المئات من البنايات التي تحمل اسم «مدارس خاصة» هي في الأصل مجرد شقق معدة للسكن حولها أصحابها إلى مدارس فقط لأنهم رسموا عليها جداريات لـ«ميكي ماوس»، فإن الأمر سيصبح ممكنا الآن أيضا في التعليم العالي الخاص، إذ يمكن لأي كان أن يبني منزلا من طابقين ويسميه جامعة خاصة، ويكفيه فقط أن يختار اسما «غليظا» من قبيل باستور أو إنشطاين ليبدأ في مص الدماء على غرار باقي «البعوض» الذي وجد في المناخ الذي وفره الداودي مجالا حيويا للتكاثر والتناسل.
هذه الخطوة هي الأخيرة من سلسلة خطوات اتخذها لحسن الدوادي لتقوية القطاع الخاص في التعليم العالي، ففي السنوات الخمس التي قضاها على رأس وزارته رخص لخمس جامعات خاصة ولكنه في المقابل لم يَبنِ ولو جامعة عمومية واحدة. علما بأن التقسيم الجهوي الجديد قد جعل جهات معينة بدون جامعات في حين أن هناك جهات أخرى بثلاث جامعات، وبدل أن يعالج هذا التوزيع غير المنصف للجامعات العمومية، ببناء جامعات جديدة، فإنه آثر فقط أن يعفي الحكومة من هذه المهمة ويلقي المسؤولية على عاتق القطاع الخاص، باسم الشراكة طبعا. والشراكة هنا، شعار رنان لكنه لا يمكن أن يخفي حقيقة ساطعة لا غبار عليها، وهي أنها تعني «الإخلال بالمسؤولية». لذلك ولكي يقدم الداودي المزيد من الخدمات الجليلة لهؤلاء، لم يكتف بتغيير هذا القانون، بالرغم من المعارضة الشديدة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين في وقت سابق، بل وفر أيضا أرضية قانونية مناسبة لتيسير عملية الحصول على معادلة الشهادات، بتفويت العملية للقطاع الخاص أيضا، بل وتهريب القانون في الجريدة الرسمية في شهر غشت أي في العطلة الصيفية. طبعا الداودي الآن مرتاح البال تماما لكونه أنهى مهمة ضرب الجامعات العمومية في الصميم، وقد غادر وزارته نهائيا إلى مدينة بني ملال استعدادا للانتخابات القادمة، وعينه على الفقراء من طلبة جامعة المولى سليمان العمومية، والمنتمين لفصيله الحزبي والدعوي ليدعموه ويحملوه فوق أكتافهم..ففي الأخير هم مجرد «عالات على المجتمع» كما وصفهم سعادته مرارا..إنها مشكلة أخلاقية قبل كل شيء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى