الرأي

سجّل عندك..

هناك اهتمام كبير هذه الأيام بموضوع اليهود المغاربة. وبما أن أغلب المسؤولين هنا لا يتذكرون حتى وعودهم الانتخابية، فإنه من المستحيل أن يُبرمجوا في سياساتهم حيزا لتذكير المغاربة بإخوانهم اليهود الذين هاجروا أو هُجّروا بالقوة.
رأينا جميعا كيف أن حزب العدالة والتنمية أقام الدنيا ولم يقعدها بسبب مواطن مغربي يسمى «اسحاق»، وكيف أن الحزب رفض منحه الانخراط لتنطلق الإشاعات حول كونه مواطنا يهوديا، وكأنه سقط من السماء. وسواء ارتبط الأمر بحقيقة أو إشاعة، لأن الموضوع تعقد وقتها إلى الحد الذي قيل معه إن «اسحاق» المسكين كان مسلما وليس يهوديا كما روج الذين دافعوا عن أطروحة الرفض. وهكذا أعطى الحزب الحاكم صورة سلبية ومخجلة عن التسامح الديني بين المغاربة، خصوصا وأن الشخص المعني لم يثبت أنه هاجر إلى اسرائيل، بل قال آخرون إنه لم يكن يهوديا أصلا!
تحول النعت اليهودي هنا إلى «سبّة»، وبما أن الذين دافعوا وقتها عن تحفظ الحزب الإسلامي، يا حسرة، يشكلون كتلة كبيرة من الذين لا يزالون يتوجهون إلى صناديق الاقتراع كلما احتاجهم هؤلاء السياسيون «المكرفطون» للصعود على أصواتهم إلى كراسي المسؤولية، فإن مسألة التسامح الديني في المغرب تبقى بعيدة جدا، خصوصا وأن المغاربة المسلمين ليسوا متسامحين في ما بينهم، فما بالك بالتسامح مع الأديان الأخرى، حتى لو كان أصحابها مغاربة أبا عن جد.
في الجنوب المغربي توجد أقدم الآثار التي تؤكد وجود اليهود في المغرب قبل ظهور الإسلام، وهكذا يبقى من الحمق أن يحاول البعض سلخ الهوية المغربية عنهم، لأنهم، مقيمين أو مهاجرين، يتحدثون اللسان المغربي أفضل من بقية المغاربة الذين يمزجون الفرنسية بالعربية، ليتحدثوا بمسخ لغوي لا علاقة له بالهوية المغربية الحقيقية.
السؤال المحير يتعلق بالخواء السياسي المغربي في جانب تدبير الأزمات الوطنية. لم يحدث أبدا، منذ بدء الانحطاط السياسي في المغرب عندما سيطرت وزارة الداخلية على كل شيء وأصبحت الأحزاب المغربية حديقة خلفية لها، أن قام حزب مغربي واحد بالمشاركة في نقاش الأزمات الوطنية أو العمل على تقديم حلول يشارك في صياغتها جهابذة الحزب. كل ما قامت به الأحزاب المغربية، خلال العقود الأخيرة، هو الترشح في الانتخابات وتنظيم الأيام الخطابية وحضور جنازات الذين يرحلون، ليعطوا تصريحا للتلفزيون الرسمي يعددون فيه مناقب الفقيد، وينتظرون دورهم بصبر ليرحلوا هم أيضا عن هذه الحياة.
من المخجل أن تغيب الأحزاب الوطنية جميعا عن نقاش مسألة الأمازيغية، وألا يتطرقوا إليها إلا بعد أن جعلها الدستور المغربي لغة رسمية في المغرب، وقتها فقط قامت الأحزاب المغربية بتغيير لوحات مقراتها العتيدة في المدن، لتعلّق أخرى تحمل شعار الحزب بأحرف «تيفيناغ». قبل الدستور، لم يتقدم أي حزب مغربي بملتمس في هذا الباب، وقال المحجوبي أحرضان، في مذكراته الأخيرة التي لم تجر عليه إلا الانتقادات، إن دستور 1962 كان فرصة لدسترة الأمازيغية بعد أن طرح الحسن الثاني الفكرة، لكن علال الفاسي رفض الأمر رفضا قاطعا واعترض على دسترة الأمازيغية، وأقبر الأمر إلى أن تم اعتمادها أخيرا.
الهوية مسألة مقلقة فعلا، والأحزاب المحترمة هي التي تأخذ على عاتقها مسألة الهوية والجذور التاريخية. أما الأحزاب التي لا تمارس السياسة إلا للوصول إلى المناصب والامتيازات، وزرع أعضاء المكتب السياسي فوق كراسي مؤسسات الدولة والقطاعات العمومية، فإن ما يهمها هو الصناديق.. لذلك تبدأ رحلة أغلب الأحزاب عندنا غالبا من الصندوق وإليه.
سجّل عندك، سيذكر التاريخ دائما أن الأحزاب المغربية تخلت عن المغاربة، ولم تطرق بابنا إلا في الانتخابات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى