الرأي

سينما الدعم

ألف المؤرخ الفرنسي بيير فيرميرن العديد من الكتب حول المغرب، كما عمل في وقت سابق مدرسا بـ «ليسي ديكارت» بالرباط لمدة ست سنوات. ومن أهم مؤلفاته «تاريخ المغرب منذ الاستقلال». لذلك فحين يخوض فيرميرن في الشأن المغربي، فإنه يقوم بذلك عن دراية ومعاينة ميدانية وليس عن تطفل أو ابتزاز. ومن هذا المنطلق، فإنه يؤكد أن منع فيلم من قبيل «الزين اللي فيك» لمقترفه نبيل عيوش ﻻ يعني شيئا بالضرورة ما دام الواقع المغربي يحول دون مشاهدة اﻷفلام بعد اﻹغلاق التدريجي للقاعات السينمائية، مضيفا أنه حتى ولو سمح لفيلم عيوش بالعرض فإنه سيظل بلا جمهور، وهو ما يعني بالنسبة لفيرميرن أن الحكومة تسرعت في منع كان واقع القاعات سيتخذه بالوكالة عنها.
والحقيقة أن تحليل المؤرخ الفرنسي ليس مجانبا للصواب مادام أن عدد القاعات بالمغرب تقلص من 250 قاعة عام 1980 إلى 37 قاعة اليوم، بل هناك مدن مغربية لا تتوفر على قاعة واحدة بما فيها مدينة ورززات «عاصمة السينما العالمية». وكانت القاعات في الثمانينات تبيع 54 مليون تذكرة في السنة الواحدة فيما لا تكاد تبيع اليوم مليون تذكرة.
نسوق هذه المعطيات لكون المركز السينمائي المغربي كان قد راهن على عرض حوالي عشرين فيلما خلال سنة 2015، منها أفلام عرضت لأيام قليلة ثم أعيد وضعها على الرفوف، ومنها أخرى شوهدت لمرات محدودة في المهرجانات، وأخرى حصلت على الدعم العمومي وتم إنجازها، لكنها لم تصل أبدا إلى الجمهور، فما مصير هذه الأفلام التي استفادت من الدعم ؟ وهل يقوم المركز السينمائي بمتابعة العملية الانتاجية لهذه الأفلام ؟
هذه أسئلة مشروعة لكون الأمر يتعلق بمصير المال العام، خصوصا إذا كان ذلك المال سائبا أو «سائلا» كما كان عليه الحال في عهد سابق لمركز كان شعاره «المقربون أولى»، إلى درجة أن بعض المدعومين من السينمائيين المقربين اغتنوا بشكل مباغت، فأصبحت لهم بين عشية وضحاها أرصدة وكروش منتفخة، بل منهم من «اقتنى» زوجة جديدة تليق بالوضع والمقام الجديد، وإن سألته عن مصير الفيلم الذي استفاد من المال العام يجيبك وهو يمتطي سيارته الفاخرة: «كل توخيرة فيها خيرة».
في المقابل سيتمكن شريطان من ولوج القاعات هذه الأيام، ويتعلق الأمر بـ «عايدة « لإدريس المريني و»نصف سماء» لعبد القادر لقطع، على أمل أن لا يعرفا نفس مصير الأعمال التي تعرض مرة واحدة قبل أن يطويها النسيان، لكن كل المؤشرات تفيد بأن العشرين شريطا التي حصلت على المال العمومي لن يشاهدها المغاربة، بل سيلتحق بركب المهرجانات العالمية لمحاورة جماهير لم تعد لها أصلا، وذلك من أجل الحصول على تكريمات وجوائز لا تغني ولا تسمن من جوع، كما لو تعلق الأمر بالسينما الايرانية التي تعرض أفلامها الرائعة في المهرجانات العالمية وتحصد أكبر الجوائز، لكنها ممنوعة على الجمهور الايراني في الداخل الذي يكتفي باستهلاك أشرطة تحظى بمباركة الرقابة المحلية.
هذه المعطيات السلبية لم تمنع الجمهور المغربي من أن يستهلك السينما بغزارة بعد أن وجد بدائل سواء في سوق القرصنة أو عبر المواقع المختصة على الانترنيت، «انتقاما» من سياسة إنشاء المركبات السينمائية الموجهة للطبقة الميسورة، وتكريسا للعزوف عن ارتياد ما تبقى من قاعات رديئة تحول بعضها إلى أوكار للدعارة.
فر الجمهور بجلده هاربا مما تبقى من قاعات زاغت عن وظيفتها الفرجوية لتضطلع بوظائف أخرى، فإلى متى سنعالج الجسد السينمائي المغربي العليل بشعار «شوف وسكت»؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى