الافتتاحية

شاطئ الأطفال الضائعين

قررت الحكومة الإسبانية إعادة حوالي 3000 طفل مغربي قاصر يجوبون شوارعها بدون وثائق شرعية إلى بلادهم، وبدون شك أنه في كل العواصم الأوربية ينتشر الآلاف من الأطفال القاصرين ينتظرون فرصة لتسوية وضعيتهم القانونية أو إعادتهم إلى بلدهم الأصلي.
هذه الأرقام للأطفال المغاربة المشردين بإسبانيا كافية لوحدها لتأكيد حقيقة واحدة لا تقبل التشكيك، وهي الفشل الذريع لوزارة الأسرة والتضامن التي تشرف عليها بسيمة الحقاوي منذ ثماني سنوات، وتؤكد غياب أي مخطط لتأطير الأطفال القاصرين المشردين أو المتخلى عنهم عكس ما تسوقه أرقام حكومة العثماني.
وكما قال الملك محمد السادس، في رسالته إلى المشاركين في أشغال الدورة الثامنة لقمة منظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة الإفريقية، «لا يمكن لأحد إنكار وجود هذا التحدي، إلا عديم البصيرة، ولا يستهين به إلا فاقد الضمير».
ماذا كنا ننتظر من نتائج مبهرة لحكومة تسن قوانين لتشغيل الأطفال في بيوت الأغنياء بدل أن تجبرهم على التوجه للمدارس؟ ماذا ننتظر من حكومة ستقدم هذا الأسبوع مشروع قانون يسمح للأطفال بالشغل في ورشات الصناعة التقليدية لأكثر من عشر ساعات في اليوم؟ ماذا ننتظر من حكومة تغمض عينها على أكثر من 30 ألف زواج للقاصرات وتبارك ذلك من خلال توثيق زواج الفاتحة؟
بدون شك لن ننتظر سوى هجرة جماعية للأطفال نحو البحث عن عالم أفضل بعدما ضاقت بهم سياسات وطنهم التي لم توفر لهم الحماية الكافية، ولم تجبرهم على التزام مقاعد الدراسة ونيل حقهم في التربية والتكوين.
لا نفهم لماذا نكلف أنفسنا عناء الدفاع عن حقوق الأطفال في الدستور ونحدث وزارة خاصة، دون أن تكون لذلك أي جدوى على مستوى المنجزات، ودون أن تستطيع الحكومة إيقاف نزيف الهدر المدرسي الذي يطيح بـ300 ألف طفل سنويا.
المؤكد أن الجميع له نصيب من مسؤولية الأوضاع السيئة التي تعيشها هاته الفئة العمرية، وبالتالي لا يمكن القضاء على ضياع عشرات الآلاف من الأطفال إلا إذا عولجت الأسباب التي أدت إلى هذا النزيف. ومن هنا، فإن القضاء على تيه الأطفال يتأتى من خلال معالجة الفقر الذي يدفع العائلات الفقيرة إلى تشغيل أطفالها وتحويلهم إلى مصدر رزق. وليس هنا أفضل من وصفة فعالة مثل التي اقترحتها الرؤية الملكية في نونبر 2018، والتي قدمت خريطة طريق لحماية أطفال المملكة دون أن تجد طريقها للتفعيل من طرف حكومة العثماني، حيث شدد الملك على أن الحماية لا تنحصر في جهود الحفاظ على سلامتهم الجسدية والمعنوية والنفسية، بل ينبغي أن تقترن أيضا بتوفير الشروط الكفيلة بالنهوض بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ولا تستلزم حماية الأطفال، وفق منظور الملك، تجنيبهم أسباب الخوف فحسب، بل تقتضي كذلك تخليصهم من براثن الفاقة والحاجة، ومدهم بكل ما من شأنه أن يكفل كرامتهم. فهذا التحدي، وإن كان جسيما بحمولته، فهو جدير بأن نخوض غماره من أجل كسب الرهانات المرتبطة به.
فالكرامة والسلم، والحد من الفقر والقضاء على الجوع، والنهوض بالصحة وضمان التعليم الجيد للجميع، والمساواة بين الذكور والإناث، وتأمين خدمات الماء الصالح للشرب ومرافق الصرف الصحي، كلها متطلبات على قدر كبير من الأهمية، وهي مرتبطة في جوهرها بحماية الطفولة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى