الرئيسيةخاص

شقائق «العدوان».. حكاية أشقاء انتحاريين

حين نشرت الشرطة الفرنسية صورتي الشقيقين المطلوبين في إطار التحقيق حول الهجوم الدامي الذي استهدف أسبوعية «شارلي إيبدو»، أرفقتهما بتحذير من أن أحد الشقيقين شريف وسعيد كواشي، البالغين 32 و34 عاما، «سبق أن مثل للمحاكمة في اتهامات بالإرهاب. وبدأت عملية بحث واسعة عن المهاجمين اللذين يشتبه أنهما متشددان إسلاميان».
ومن بوسطن أعلن جوهر تسارناييف الذي وجه إليه الاتهام رسميا، لضلوعه في اعتداء ماراطون بوسطن، أثناء استجواب المحققين له أن شقيقه هو الذي قاد التفجيرين اللذين استهدفا ماراطون المدينة، الأسبوع الماضي، مؤكدا عدم ضلوع أي مجموعة إرهابية دولية فيهما. وفي مختلف العمليات الانتحارية التي ضربت المغرب وأوربا ودول عربية وإفريقية كانت رابطة الدم حاضرة، نظرا للثقة التي يجدها الشقيق في شقيقه وهما يرسمان طريق الدم.
لكن هناك استثناءات طبعا، حين يرفض شقيق الانخراط في المشروع الدموي، كحالة لاعب التايكواندو البلجيكي مراد العشراوي، الذي خرج عن صمته، ليعبر عن استنكاره لأفعال شقيقه نجيم العشراوي، الانتحاري الثاني الذي فجر نفسه في مطار بروكسيل، الثلاثاء قبل الماضي، إذ أدان مراد، الذي يحمل الألوان البلجيكية في المنافسات الأوربية والعالمية، باسم عائلته الاعتداءات وأعرب عن تعاطفه مع عائلات الضحايا.
«الأخبار» ترصد دور آصرة القرابة والدم في إنجاح كثير من المغامرات الدامية، وإحاطة عدد من العمليات الإرهابية بالتكتم، وتساهم في تحقيق هدف قوى الشر وتنفذه أسماء سريعة العجن والتحول سريعا إلى ضفة التطرف.

خالد وابراهيم البكراوي.. شقيقان يعشقان الدم
بعدما وقع الفأس في الرأس، خرجت الاستعلامات الأمنية البلجيكية لتعلن للرأي العام بأن الشقيقين خالد وإبراهيم البكراوي، اللذين فجرا نفسيهما في ميترو بروكسيل ومطارها، الثلاثاء قبل الماضي، كانا مدرجين على القوائم الأمريكية لمكافحة الإرهاب، ونقلت شبكة «إن بي سي» التلفزيونية الأمريكية، أول أمس (الخميس)، أن اسميهما كانا مدرجين ضمن «المشبوهين بالإرهاب».
بين الأخوين علاقة تتجاوز أسوار البيت، بل إن وكالة الصحافة الفرنسية حاولت التحقق من معلومات تفيد بأنهما كان يجلسان طويلا في حدائق الحي ليضعا خططهما بعيدا عن أعين المراقبين، حيث اتفقا على أن يفجر إبراهيم نفسه في مطار بروكسيل، وينفجر شقيقه خالد في محطة الميترو بالمدينة نفسها، وهي المعلومات التي تبادلها المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، المسؤول عن تبادل المعلومات بين كل أجهزة الاستخبارات في ما يتعلق بالبيانات المتعلقة بالأخوين البكراوي.
وحسب رواية لجدة الشقيقين التي تقيم في مدينة الحسيمة، خصت بها وكالة «إيفي» الإسبانية، فإن خالد وإبراهيم المتورطين في تفجيرات بروكسيل، قد زاراها في مسكنها الذي تقطنه لوحدها قبل عامين، وأضافت أن والدهما كان يبيع سوائل التنظيف «جافيل»، قبل أن يشد الرحال إلى بلجيكا، فيما اختار أعمام الانتحاريين هولندا، وظلا يترددان على مدينة الحسيمة كل صيف. وكان المدعي العام البلجيكي قد أكد أن إبراهيم أحد منفذي عملية المطار من مواليد سنة 1986، وأن خالد منفذ الاعتداء على الميترو يصغره بثلاث سنوات، فيما كشف موقع «بيس وكر» الرياضي، أن التحقيقات الأولية أكدت انتحال إبراهيم وخالد البكراوي، منفذي تفجيرات بروكسيل، لهوية رياضيين، وأن الأخير انتحل صفة لاعب الوداد البيضاوي سابقا إبراهيم المعروفي، خلال تحركاته بين الدول الأوربية، للتشابه الحاصل بينهما أولا، ولممارسة خالد لهواية كرة القدم ضمن أحد الفرق البلجيكية الهاوية. وقال الموقع نفسه التابع لقناة «سكاي سبورت»، استنادا إلى مضامين تحقيقات أمنية، إن خالد البكراوي الانتحاري الذي فجر نفسه في ميترو الأنفاق ببروكسيل، قد «سافر في الصيف الماضي إلى العاصمة اليونانية، آثينا، عبر إيطاليا، مستعملا بطاقة هوية مزورة تحمل اسم اللاعب الدولي المغربي، وذلك بعد لقائه بالإرهابي المغربي صلاح عبد السلام، الذي قتل في أحداث باريس في نونبر الماضي».

صلاح عبد السلام وشقيقه إبراهيم.. جمعهما اللهو والرعب
عانت الشرطة البلجيكية كثيرا قبل اعتقال صلاح عبد السلام، المشتبه فيه الرئيسي في اعتداءات باريس، التي أوقعت 130 قتيلا في شهر نونبر الماضي، خلال مداهمة لإحدى شقق حي مولنبيك بالعاصمة البلجيكية، بروكسيل، وهي المداهمة التي نتجت عنها إصابات في ساق عبد السلام.
يبلغ صلاح عبد السلام من العمر 26 عاماً، وهو فرنسي من أصل مغربي من أصحاب السوابق. كان يعيش في مولنبيك، ويعتقد أنه قام على الأقل بدور لوجيستيكي خلال اعتداءات باريس وقام أصدقاء له بتهريبه من فرنسا، بعد أن كان من المفترض القيام بعملية انتحارية، لذا ظل مطلوبا من القضاء الفرنسي، ليتم التحقيق معه على الأراضي الفرنسية.
قال محمد عبد السلام، شقيق صلاح وإبراهيم، إن أفراد أسرته فوجئوا بالتحول الذي ميز حياتهما في الآونة الأخيرة، إذ انتقلا بسرعة فائقة نحو التطرف الديني، ولا يستبعد تأثير صديق طفولتهما، أبا عوض، الذي كان يرافقهما في عالم السهر، سيما بعدما كان عبد السلام وشقيقه يديران حانة في منطقة مولنبيك، إلا أن السلطات أغلقتها قبل أسابيع قليلة من هجمات باريس.
تجمع كل التقارير على أن حياة صلاح عبد السلام وشقيقه، الذي كان سباقا لتفجير نفسه في مطعم «فولتير» بعاصمة الأنوار، قبل تنفيذهما عملية باريس والتي تبناها تنظيم «داعش»، كان عنوانها الأبرز اللهو والإدمان قبل أن يتغيرا بشكل سريع.
لكن المثير في القضية هو دور محمد عبد السلام، شقيق صلاح عبد السلام، المشتبه في مشاركته في هجمات باريس الإرهابية، وإبراهيم الذي فجر نفسه في باريس، حيث دعا شقيقه عبد السلام إلى تسليم نفسه إلى الشرطة، قبل اعتقاله، وقال: «نريد أن يقدم صلاح نفسه للشرطة، حتى يتمكن بذلك من أن يعطينا نحن عائلته وعائلات الضحايا وكل الأشخاص الآخرين الإجابات التي نحن في انتظارها. نحن نفضل أن نرى صلاح في السجن على أن نراه في المقبرة».
صلاح وشقيقاه ينحدرون من حي مولنبيك بالعاصمة البلجيكية، بروكسيل، وكان إبراهيم عبد السلام قد فجر نفسه في مطعم «كومبتوار فولتير» ضمن الهجمات الإرهابية التي وقعت في باريس، والتي كان صلاح من بين الفاعلين فيها.

محمد وعمر ماها.. شقيقان ضد أمريكا
ساعات بعد التفجيرات التي تمت بالقرب من مقر القنصلية الأمريكية بالدار البيضاء، يوم عاشر أبريل 2007، قالت أجهزة الأمن إنها تعرفت على هوية الانتحاريين، وأضافت أن الذي فجر نفسه يدعى محمد ماها المولود بالدار البيضاء، بينما فجر شقيقه عمر ماها نفسه قرب مدرسة لغات أمريكية، غير بعيد عن بؤرة الانفجار السابقة. المصادر نفسها اكتشفت أن محمد حديث العهد بالتطرف، ولم يسبق له أن كان موضوع مذكرة بحث.
وقد أسفر تفجير الانتحاريين الذي وقع في شارع مولاي يوسف، وسط العاصمة الاقتصادية، عن إصابة إحدى العابرات، وإثارة حالة من الذعر لدى سكان تلك المنطقة الراقية من المدينة، وكشفت التحريات أن الشقيقين الانتحاريين حلا بالمكان على متن سيارة أجرة وجلسا في إحدى الحدائق المجاورة للشارع الذي يضم أيضا مقر القنصلية البلجيكية وأحد المعابد اليهودية.
وتزامن الحادث مع تفجيرات مماثلة بالدار البيضاء، وتحديدا في حي الفرح وفي سيدي مومن.
تقطن أسرة الشابين في بيت فوق السطوح بشارع بني مكيلد في درب السلطان، وسط الدار البيضاء، من أسرة أمازيغية الأصول، ولد محمد سنة 1975، وبعد أربع سنوات سترزق الأسرة بعمر، «لم يستطع محمد أن يلمع على مقاعد الدراسة، وتركها بعدما أدركت عائلته أنه لا نفع فيها، لكنه حصل على دبلوم التكوين المهني في الكهرباء، وأن الصدف شاءت أن تقتاده ذات يوم للعمل في ورشة مواطن يهودي مغربي بالدار البيضاء من أجل تعلم حرفة السريغرافيا (الرسم على الملابس الرياضية)، وهي الحرفة ذاتها التي اتبعها شقيقه عمر».
الوالد عابد قال في حوار مع صحيفة «الشرق الأوسط»، إنه ربى، لقد لقنت أبنائي تربية حسنة، وأضاف: «ابني الأكبر محمد ملتزم دينيا منذ سنوات، بيد أنني لم ألحظ عليه أي مظهر من مظاهر التشدد، لم يكن يؤدي الصلوات الخمس جميعها في المنزل، بل خارجه. أما عمر فكان يلبس سراويل الجينز والملابس الرياضية».
في البوح نفسه، قالت شقيقتهما خديجة، إنها كانت آخر من شاهد محمد وعمر، قبل أن يفجرا جسديهما. وكانت آخر صورة طرية احتفظت بها ذاكرتها، هي أن محمد كان يتناول وجبة الفطور، بينما كان عمر يشاهد القنوات الفضائية، قبل أن يصبح وأخاه بعد ساعات قليلة، المادة الرئيسية للنشرات الإخبارية العالمية.

أسرة الرايضي.. تجمع عائلي في المعتقل
تعود وقائع نازلة العمل الانتحاري للشقيقين الرايضي إلى يوم 11 مارس 2007، حين فجر عبد الفتاح الرايضي نفسه داخل مقهى للأنترنت، بحي سيدي مومن بالدار البيضاء، بواسطة عبوة ناسفة، عندما منعه ابن صاحب المحل من الدخول للاطلاع على مواقع تحث على أعمال إرهابية، فيما فر شريكه القاصر، بعدما أصيب بجروح طفيفة قبل أن تتمكن مصالح الأمن من إيقافه. أما شقيق عبد الفتاح فيدعى أيوب الرايضي، وفجر نفسه يوم 10 أبريل 2007، بحي الفرح بالعاصمة الاقتصادية بواسطة حزام ناسف، حين فوجئ رجال الأمن الذين كانوا يحاصرون منزلا يقطنه متطرفون بحي الفرح، بشخص يخبئ وجهه تحت عباءة وقد انسل من بين الجموع البشرية التي كان يعج بها المكان ويقتحم الحواجز، وهو يقصد سيارة والي أمن مدينة الدار البيضاء ومسؤولين آخرين، وهو يردد «الله أكبر»، وكانت الكارثة ستكون أكبر لو لم يتصد له مفتش شرطة، ما أرغمه على تفجير نفسه ليقضي معه الشرطي المذكور في هذا الحادث. كان هذا الانتحاري هو «أيوب الرايضي»، الأخ الأصغر لعبد الفتاح، الذي فجر نفسه يوم 11 مارس 2007 بنادي أنترنت بحي سيدي مومن. ويحكي عثمان الرايضي، الأخ الأصغر لأيوب، أن الأخير كان يشتغل في بيع السمك وكان قليل الكلام وكتوما ويميل إلى العزلة والانطوائية. وتتكون أسرته من سبعة أشقاء، إضافة إلى الأم، وتعيش تفككا كبيرا بسبب طلاق الوالدين. وأضيف إلى هذا المشكل العائلي الفقر والحاجة وعجز الأم (رشيدة) عن تغطية نفقات أبنائها السبعة. وهذا ما دفع عبد الفتاح وأيوب الرايضي إلى مغادرة المدرسة في وقت مبكر، والبحث عن عمل لمساعدة أمهما على نفقات البيت.
في هذا الملف حوكم عثمان الرايضي الذي قضى فترة اعتقال بسجن عكاشة، بينما كان شقيقه مراد يقبع في زنزانته بسجن برشيد، وقد أدينا بتهم «صناعة وحيازة أسلحة ومواد سامة مضرة بصحة الإنسان، وجمع أموال، وعدم التبليغ عن جرائم إرهابية كان يحضر لها».

شقيقان إسبانيان يخطفان مغربيا قبل تصفيته
قبل عامين أصدرت المحكمة الإقليمية في كاسطيون (شرق إسبانيا) حكما بالسجن لمدة 37 سنة، في حق مواطنين إسبانيين متورطين في اختطاف وقتل مواطن مغربي سنة 2009.
وقالت وكالة المغرب العربي للأنباء التي نقلت تفاصيل الجريمة، إن ناطقة باسم المحكمة العليا في فالنسيا أكدت لمراسلها في عين المكان، أن المحكمة الإقليمية أصدرت حكما بالسجن لمدة 18 سنة ونصف السنة في حق أخوين إسبانيين، مشيرة إلى أنه تم الحكم على مواطن إسباني ثالث توبع في إطار القضية نفسها بالسجن لمدة خمس سنوات لمشاركته في الاحتجاز غير القانوني، لكن تمت تبرئته من ارتكاب جريمة قتل. كما حكمت المحكمة الإقليمية في كاسطيون على المواطنين الإسبانيين الاثنين بدفع تعويض لأسرة الضحية بمبلغ 240 ألف أورو، وكانت النيابة العامة قد طالبت بالحكم على هؤلاء الأشخاص بالسجن لمدة 25 سنة، لاختطافهم المواطن المغربي البالغ من العمر آنذاك 32 سنة، والمقيم ببلدة بنيكارلو بجهة فالنسيا. وتعود وقائع هذه الجريمة النكراء إلى شهر يوليوز سنة 2009، عندما اختطف هؤلاء الأشخاص المواطن المغربي (متزوج وأب لطفلة صغيرة) بالقرب من منزله، قبل نقله على متن سيارة وهو مكبل اليدين والرجلين إلى مكان مهجور، ليحرقوه حيا. ويعتقد أن المجرمين ارتكبوا فعلتهم لحساب أشخاص آخرين، صدرت في حقهم مذكرة اعتقال دولية.

انقلاب الصخيرات.. سر بين اعبابو وشقيقه
ولد امحمد اعبابو سنة 1935 في دوار بورد التابع لدائرة أكنول بإقليم تازة، وأطلق عليه والده اسم امحمد، رغم وجود شقيقه الذي يكبره بأربع سنوات ويحمل بدوره اسم محمد. كان محمد بن مسعود اعبابو، شيخ القبيلة، متزوجا بأكثر من امرأة، لكن ذلك لم يؤثر على المستوى المعيشي للعائلة الكبيرة التي كانت تملك أرضا فلاحية وقطيعا كبيرا للمواشي.
دخل امحمد المدرسة الابتدائية الفرنسية بمدينة تازة. التي لم تفتح أبوابها إلا في وجه أبناء الطبقة الميسورة، والتحق بأكاديمية العساكر بمكناس التي تخرج منها برتبة «سو ليوتنان» وكان تحت إمرة النقيب حبيبي، الذي عينه مسؤولا عن مخزن بالثكنة، وشاءت الصدف أن يلتقيه في انقلاب الصخيرات ويجهز عليه. عاد اعبابو سنة 1961 إلى الأكاديمية العسكرية بمكناس كمدرس، لكنه سافر إلى فرنسا وخضع لدورة تدريبية لمدة سنة، ثم عاد بعدها إلى المغرب وهو يحمل رتبة «كومندار».
عين امحمد مديرا لمدرسة الحاجب العسكرية، وبعدها أصبح مديرا لمدرسة أهرمومو، هناك تغيرت أشياء كثيرة في شخصية اعبابو، حيث سكنه هوس الانقلاب على العرش، بعد أن رتب رفقة الجنرال المذبوح لمهاجمة موكب الملك على طريق فاس الحاجب، مرورا بعين الشكاك، لكن الفكرة تأجلت إلى العاشر من يوليوز سنة 1971. اعتمد اعبابو على شقيقه الأكبر محمد في خطة الهجوم على قصر الصخيرات، بعد أن توزعوا إلى ثلاث فرق على الأقل لمحاصرة المكان من كل الاتجاهات.
قال عبد الغني عبابو، ابن محمد عبابو، في حديثه لـ«الوطن الآن»، إن والده اعتمد على عمه حتى لا يتسرب سر الانقلاب، «ساعات بعد العملية، استفسرت أحد أفراد عائلتنا عن التطورات التي تعرفها الرباط، وسألته كذلك عن أخبار والدي وعمي (الكولونيل محمد عبابو)، إلا أن هذا الشخص لم يتفوه ولو بكلمة، وكان القلق والخوف باديين على وجهه، متنكرا للرابطة العائلية».
النكبة تجاوزت عبابو وشقيقه، إلى ابنه الذي مورس عليه حصار رهيب، بينما اعتقل شقيقه عبد العزيز فقط لكونه أخ منفذ الانقلاب. «حوكم والدي بـ20 سنة أما عمي عبد العزيز فقد حوكم بـ5 سنوات، بينما ابن خالي بولماكول فحوكم بـ5 سنوات، وكنا نزورهم جميعم، وكانت مدد الزيارات قصيرة جدا».
قال بوزوبع، محامي محمد اعبابو، في المحكمة أثناء مرافعته إن موكله ضحية الثقة في أخيه امحمد وضحية رابطة الدم، «بالنسبة لوالدي كانت تربطه علاقة قوية بعمي، وقد سبق لوالدي أن تحدث معي خلال مقابلاتي له في السجن المركزي، ولم يتفوه ولو بكلمة».

شقيقان في الرضاعة.. زميلان في الانفجار
حين وزع انتحاريو تفجيرات 16 ماي 2003 الأدوار في ما بينهم، اكتشف خالد بن موسى أن المشرفين على الخطة وضعوا شقيقه بالرضاعة في مجموعة أخرى، فقد عهد لخالد بمهمة رئاسة المجموعة المكلفة بتفجير نادي دار إسبانيا، فيما انضم عادل الطائع إلى المجموعة المكلفة بالهجوم على مطعم قرب القنصلية البلجيكية.
كان خالد بنموسى يبلغ من العمر إحدى وعشرين سنة، وهو يمارس تجارة صغيرة من أجل تدبير مصاريف عيش العائلة، كبائع متجول بعد أن أعلن استقالته من الدراسة التي لم يمض فيها إلا ست سنوات فقط. بعد انقطاعه عن المدرسة أخذته والدته لحلاق قصد تعلم حرفة الحلاقة.
أما عادل الطائع فلم يكن مساره أفضل من سابقه، حيث توقف عن الدراسة وولى وجهه صوب التكوين المهني، أملا في الحصول على عمل يساعد به أسرته. حصل فعلا على الشهادة، لكنه لم يفلح في وجود أي عمل. وعندما طوقته إيديولوجية الموت تجنب أقرانه ورفقاء الدراسة وأبناء الحي، واختلى بأخيه في الرضاعة، خالد بنموسى، ليصنعا من نفسيهما قنبلتين بشريتين انفجرتا، ليلة الجمعة 16 ماي 2003 بمدينة الدار البيضاء.

المؤبد لشقيقين تقاسما الإجهاز على أم وابنيها

أصدرت غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بمكناس، في مثل هذا الشهر من العام الماضي، قرارها في الملف رقم 15/ 490، وأدانت الشقيقين (ح.ف) و(س.ف) بالسجن المؤبد، بعد مؤاخذتهما من أجل القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد وإخفاء جثث.
كان مركز الحمام بضواحي مريرت (إقليم خنيفرة)، مسرحا للجريمة البشعة، التي يعود تاريخ اقترافها إلى منتصف دجنبر 2014، يقول محضر الضابطة القضائية إن «أفراد الفريق القضائي للدرك الملكي قد وقف على رائحة كريهة تنبعث من داخل بئر مهجورة بالدوار، ما جعلهم ينتقلون إلى هناك للتأكد من صحة المعلومة. وبعد إزاحة الغطاء الخشبي عن البئر، وهو عبارة عن أداة معدة للغسيل، صدم الجميع بمنظر ذراع طفلة تطفو فوق سطح الماء، قبل أن تسفر عملية نبش الجب المهجور عن اكتشاف ثلاث جثث في وضعية متحللة، تبين بأنها لامرأة حامل، المسماة قيد حياتها (م.ع)، من مواليد 1983، وابنتها (ف.ف) تسع سنوات، وابنها (ي.ف) ثلاث سنوات، قبل أن تودع جثث الضحايا مستودع حفظ الأموات بالمستشفى الإقليمي بخنيفرة بغرض إخضاعها للتشريح الطبي لتحديد أسباب الوفاة».
وأكد تقرير الطبيب الشرعي أن الضحايا قتلوا قبل رمي جثثهم في البئر، مما جعل البحث ينصب حول محيط الضحايا، إذ استمع المحققون إلى رب الأسرة (ح.ف)، الذي سبق له أن أبلغ رجال الدرك عن اختفاء زوجته وابنيه في ظروف غامضة، إذ «تظاهر، عند الاستماع إليه تمهيديا في محضر قانوني، بتأثره الشديد على فقدان أفراد أسرته الصغيرة، نافيا أن يكون هو من قام بتصفيتهم أو علمه بالجاني أو الجناة أو حتى شكه في أحد، مؤكدا أن علاقته بزوجته كانت جيدة للغاية»، يقول محضر الاستماع. ووفق المصدر نفسه، فإن الضابطة القضائية اضطرت، بعد إذن من النيابة العامة المختصة، إلى تمديد فترة الحراسة النظرية في حق رب الأسرة إلى 96 ساعة، قبل أن يعترف بضلوعه في الجريمة، مقرا أن الدافع إليها هو شكه في خيانة زوجته له، ما دفعه بالتالي إلى التشكيك حتى في نسب ابنيه منها، وهو الدافع عينه الذي أقنع به شقيقه الأصغر، (س.ف)، كي يشاركه في تنفيذ الجريمة. وأضاف المصدر ذاته، أن الزوج أغرى شقيقه بمبلغ 10 آلاف درهم نظير مساعدته على تنفيذ الجريمة، الشيء الذي أكده الأخير عندما صرح أنه تسلم من الأول مبلغ 2000 درهم، في انتظار التوصل بالجزء المتبقي بعد تنفيذ العملية.

طريق الدم من بوسكورة إلى أربيل
في حوار مثير أجرته صحيفة «الهافينغون بوست» مع أفراد أسرة شقيقين، كشفوا من خلاله عن الطريق التي قادت شقيقين من حي شعبي في بوسكورة، ضواحي الدار البيضاء، إلى أربيل العراقية، أحد معاقل «داعش». بدأت الرحلة في صيف سنة 2013، حين توجه الشقيقان محمد وعبد الرزاق إلى تركيا، ومنها عبرا نحو سوريا للقتال ضد نظام بشار الأسد، قبل أن يقتل محمد، البالغ من العمر 31 سنة في إحدى المعارك، في حين ما زال الشقيق الآخر، عبد الرزاق، في عداد المفقودين.
حسب رواية الوالد بوشعيب، فإن الشقيقين ولدا في منطقة بوسكورة، نواحي مدينة الدار البيضاء، من أب يشتغل كبائع متجول، ومن أم تعمل ربة بيت. غادرا المدرسة في سن مبكرة، حيث استسلما للشارع، وأدمنا المخدرات بشتى أنواعها. «بعد مدة قرر ابني عبد الرزاق مرافقتي إلى «كراج علال» بمدينة الدار البيضاء، حيث امتهن التجارة، وبيع الآلات الإلكترونية المستعملة، فكان مدخوله اليومي يتراوح ما بين 50 و100 درهم، وبالكاد كان يكفيه لمساعدة أسرته لتلبية بعض حاجياتها الضرورية، في حين استسلم ابني محمد للخمول والكسل، واعتمد على العائلة، قبل أن يمتهن الحلاقة بعد سنة تدريبية بإحدى المدارس الخصوصية».
«على غرار أسر الانتحاريين ما زال بوشعيب يبحث عن سر التحول الذي طرأ فجأة على سلوك ابنيه، بعدما أدمنا على مشاهدة الأشرطة المحرضة على التطرف، وكرسا معظم أوقاتهما للصلاة وقراءة القرآن، ومشاهدة مقاطع أشرطة القتل، بعد أن غادر محمد فجأة صالون الحلاقة، حيث كان يشتغل كحلاق، وتفرغ لبيع «الرايب» رفقة شقيقه عبد الرزق، وقال إن امتهان الحلاقة حرام، فيما باعا دراجتهما النارية وأوهماني بالسفر إلى السعودية بحثا عن عمل، قبل أن ينكشف أمرهما في ما بعد، حيث سافرا في اتجاه تركيا، وسوريا عبر الحدود بين البلدين».
علم الوالد أن ابنه محمد قد لقي مصرعه، وأن عبد الرزاق قد وجد نفسه في مأزق، لكنه أصر على مواصلة المغامرة، تحت طائلة الانتقام لمقتل شقيقه محمد، وظل يقاتل إلا أن أصبح في عداد المفقودين فلا أخبار تصل عنه، فقط لأنه أصر على الوفاء لروح شقيقه محمد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى