شوف تشوف

الرئيسية

ضمان جـودة التعليم يتم باحتـرام مـوظفين اجتهدوا في تنمية مستواهم المعرفي في الجامعات

عبد الوهاب السحيمي
استمر حق الترقية وتغيير الإطار لموظفي وزارة التربية الوطنية حاملي الشهادات مكفولا في قطاع التعليم منذ الاستقلال. وكان موظفو هذا القطاع، بمجرد حيازتهم الشهادات الجامعية العليا التي تمنحها الجامعات المغربية (إجازة أو ماستر أو ما يعادلهما)، يترقون ويغيرون وضعيتهم الإدارية، مباشرة (أوتوماتيكيا)، ودون أي إشكال. بيد أن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية، الصادر بتاريخ 03 فبراير 2003، والذي أُعِدَّ في ظروف استثنائية، اغتصب هذا الحق بمنطوق المادة 108 مكرر. لكن، وبحكم خصوصية القطاع، سمحت المادة نفسها بالترقية وتغيير الإطار لحاملي الشهادات من نساء ورجال التعليم، بشكل استثنائي، مدة خمس سنوات بعد صدور المرسوم في الجريدة الرسمية، والذي تم بموجبه إصدار نظام أساسي جديد خاص بموظفي وزارة التربية الوطنية.

رغم تنصيص المادة 108 مكرر، على إيقاف الترقية وتغيير الإطار لحاملي الشهادات بشكل نهائي سنة 2008، أي بعد مرور الخمس سنوات الاستثنائية بعد 03 فبراير 2008، فقد بقي الاقتناع راسخا عند الجميع – وحتى عند أولئك الذين فرض عليهم إقحام المادة المشؤومة رقم 108 مكرر في نظام 2003 – بالدور الجوهري للتكوين الذاتي الجامعي باعتباره الحل الفعلي لإرساء مفهوم الجودة، وتطوير التعليم داخل وزارة التربية الوطنية. لذلك استمرت الترقية بالشهادات حتى بعد سنة 2008. وننبه، في هذا الصدد، إلى أن تكليف أساتذة الابتدائي والإعدادي حاملي الإجازة والماستر للتدريس في الثانوي التأهيلي لا يزال قائما إلى الآن، وهو اعتراف صريح بكفاءة شهادات الجامعة المغربية، لكنه بالمقابل اغتصاب وظلم لحائزي هذه الشهادات ما داموا لا يُشكَرون رسميا وقانونيا، من خلال ترقيتهم ماديا وتغيير إطارهم إداريا.
وعموما، يمكن التأكيد على أن كل الوزراء المتعاقبين على وزارة التربية الوطنية، قبل أمزازي، كانوا واعين بخصوصية ملف حاملي الشهادات، وبعدالته، ومن ثمة مسارعين لحله وإنصاف مظلوميه.
ولرفع هذا الحيف، ولتصحيح هذا الوضع، يخوض موظفو وزارة التربية الوطنية حاملو الشهادات منذ أكثر من ثلاث سنوات، وبالضبط منذ يناير 2016، نضالات سلمية وحضارية ومسؤولة، من أجل تمكينهم من حقهم المسلوب، والمتمثل أساسا في الترقية وتغيير الإطار لجميع حاملي الشهادات على غرار جميع موظفي الوزارة قبل 2015. وعوض أن تتجاوب وزارة التربية الوطنية مع هذه النضالات الراقية بتفاعل إيجابي، وتدعو لعقد حوار جدي يفضي إلى تسوية هذا الملف تسوية شاملة وعادلة، خاصة أن عدد المعنيين به ضئيل جدا ولا يتجاوز 4000 معني، وجزء كبير منهم مرتب سلفا في السلم 11، تفضل، للأسف، أن تلجأ لسياسات اللامبالاة والتعنت والآذان الصماء.
وها نحن اليوم في 2019، ومنذ دجنبر 2015، نخاطب السيد أمزازي دون أن نجد منه إصغاء جديا. ويا للغرابة، فهو يعلم يقينا، باعتباره كان يشغل منصب أستاذ جامعي، أن جميع الاعتبارات التي يتم بموجبها تخويل حاملي الشهادات الترقية وتغيير الإطار قائمة، بل وبحدة أكبر اليوم، خاصة إذا علمنا أن الجامعات المغربية راكمت رصيدا علميا مهما، وانفتحت على معارف ونظريات نوعية، جنى ثمارها كلها هؤلاء الذين يريدون الأفضل للمغرب ولا يجدون، للأسف، عقولا لبيبة يحاورونها.
حقا إن بعض المفارقات الغريبة في قطاع التربية الوطنية تدمي القلب أحيانا، وتثير السخرية أحايين أخرى. فكما ذكرنا، آنفا، كيف يعقل أن حاملي شهادات الإجازة والماستر، أو ما يعادله، مكلفون خارج إطارهم الأصلي ويؤدون مهمة تعترف لهم الوزارة بقدرتهم العلمية على إنجازها، ولا تريد مكافأتهم عليها! كذلك حين تبحث في تاريخ التوظيف داخل هذا القطاع، سواء البعيد أو القريب، سيتبين لك استهتار المسؤولين بقطاع التعليم في بلادنا من جهة، وستشكك في نواياهم «الإصلاحية» المزعومة من جهة ثانية.
فكيف ذلك؟ ستجد أن توظيفات بالآلاف في الثانوي التأهيلي لا يتوفر أصحابها على أي تكوين؛ أساسيا كان أم مستمرا. وهذه «الجريمة» عُرِفت في تاريخ الوظيفة العمومية عامة، وداخل وزارة التربية الوطنية خاصة بالتوظيف «المباشر». ومن الجدير بالذكر أن كثيرا من المطمئنين في مناصب عليا وسامية بدؤوا بهذا النوع من التوظيف، ومنهم من يعرقل، ويا للخبث، حل ملفنا العادل والمشروع.
وهكذا، نتساءل مع السيد الوزير أمزازي باستنكار: لماذا ترفض وزارة التربية الوطنية الحالية نهج الطريقة التي كان يعتمدها الوزراء السابقون في هذا الملف! ولماذا تتلكأ في تسوية وضعية موظفيها من حاملي الشهادات على غرار زملائهم السابقين، رغم أنهم حاصلون على الشهادات نفسها، ومن الجامعات المغربية العمومية عينها!
ومنذ ميلاد نضالات حاملي الشهادات، كان رد الوزير أمزازي، في مناسبات مختلفة، متناقضا. فها هو يصرح تارة بما معناه: (أن الحكومة لا تسمح بالترقية وتغيير الإطار لحاملي الشهادات، وأن الأمر قد حسمته الحكومة سنة 2011)، وها هو تارة أخرى يقول: (إن هذا الأمر يتعارض مع مبدأ إرساء الجودة بالقطاع حيث إن الحامل لشهادة جامعية لا يعني بالضرورة أنه كفء)، وها هو في مناسبة ثالثة، يعترف بعدالة الترقية بالشهادة، ويشترطها بقيود مجحفة…
– إن الواقع أن تصريحات السيد الوزير، ومسؤوليه المباشرين، غير دقيقة، ومتناقضة أحيانا، وتكشف تخبطا، وربما سوء فهم تام لحقيقة ملف حاملي الشهادات. ولذلك كنا حريصين، ولا زلنا، على الجلوس مع السيد الوزير على طاولة الحوار بهدف توضيح جميع الحيثيات التي ستجعله يصل إلى قناعة التعجيل بترقية حاملي الشهادات، لما فيه من خدمة جليلة لمنظومة التربية والتكوين.
لقد خضنا نضالات بطولية يعرفها القاصي والداني. واستطاعت هذه النضالات المدعومة من طرف النقابات الأكثر تمثيلية أن تُنطِق وزارة التربية الوطنية. وكان أول رد رسمي لها في ملف الترقية وتغيير الإطار، يوم 25 فبراير 2019، حين أصدرت بلاغا، مباشرة بعد اجتماعها مع ممثلي النقابات الذي عُقد في نفس اليوم، وقدمت من خلاله موقفها في مجموعة من الملفات التعليمية العالقة، وأعطت بعض المقترحات لتسويتها.
لقد تحدثت وزارة التربية الوطنية، في بلاغ 25 فبراير 2019، عن ملف الترقية وتغيير الإطار لحاملي الشهادات. واعترفت، ولأول مرة منذ 2015، بوجود مشكل في المنظومة التعليمية يتعلق بوضعية موظفي وزارة التربية الوطنية حاملي الشهادات. ولمعالجة هذا الملف، قدمت مقترحا يمكن اعتباره مناورة لضرب وحدة المعنيين وثنيهم عن مواصلة دربهم النضالي. إذ لا يمكن اعتباره بالإطلاق والإجماع حلا عادلا لتسوية وطي هذا الملف.
واقترحت الوزارة تخويل الترقية لعدد ضئيل جدا من المعنيين الذين سيكون عليهم اجتياز مباراتين؛ أولى كتابية، وبعد النجاح فيها يجتازون الثانية الشفهية. واقترحت كذلك تغيير الإطار، والذي سيكون هو الآخر من نصيب فئة قليلة جدا، أي لمن حالفه الحظ في المباراتين. وكل هذه التعجيزات والضرب المباشر للحقوق والمكتسبات ملغوم بتعجيز أكبر، وهو الخضوع لكل هذه الامتحانات السيزيفية: (في حدود حاجيات الوزارة)، والتي على أساسها ستفتح المباراة!
ولم تعد الوزارة، بعد هذا المقترح، تذكر هذا الملف في اجتماعاتها. كما لم تبد حتى الرغبة في تجويد هذا العرض، رغم أنها تعهدت في اجتماع 25 فبراير 2019 بالقيام بذلك رفقة النقابات الأكثر تمثيلية.
تطرح، إذن، أسئلة عديدة حول النوايا المُبطّنة للوزارة وراء مقترحات 25 فبراير 2019، وحول صدقها في إحراز تقدم في الملفات العالقة وخدمة رجال التعليم قُطب العملية التعليمية، أم فقط لتقديم مقترحات زائفة ومناورة لربح الوقت وتجاوز الظرفية الحرجة التي شهدها هذا الموسم الدراسي، وبالنتيجة ضمان إنهائه كباقي المواسم بوتيرة عادية ينزف فيها جرح جودة التعليم دماء مضاعفة.
إن موظفي وزارة التربية الوطنية حاملي الشهادات، لا يطالبون إلا بالمساواة واحترام مبدأ تكافؤ الفرص، فمن غير المنطقي أن تتم ترقية وتغيير إطار جميع موظفي وزارة التربية الوطنية حاملي الشهادات قبل 2015، ويقصى موظفو أفواج 2016 و2017 و2018 و2019، رغم أنهم حاصلون على الشهادات الجامعية نفسها، ومن المؤسسات والجامعات المغربية العمومية عينها، ويقومون بالمهام ذاتها؟
ولأجل تسوية هذا الملف تسوية شاملة وعادلة، ولرفع جميع أشكال الحيف عن موظفي وزارة التربية الوطنية حاملي الشهادات، خاض (ويخوض وسيخوض) المعنيون والمعنيات نضالات سلمية وحضارية ومسؤولة منذ أكثر من ثلاث سنوات. وستستمر هذه النضالات في إطار ما يكفله القانون والدستور والمواثيق الدولية إلى حين تصحيح هذا الوضع، وتمكين جميع موظفي وزارة التربية الوطنية حاملي الشهادات من حقهم العادل والمشروع في الترقية وتغيير الإطار على غرار زملائهم السابقين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى