الرأي

عام من حراك الجزائر

توفيق رباحي
يصادف هذا الأسبوع مرور عام على الحراك الشعبي الجزائري، فأين هي الجزائر بعد 52 أسبوعا من التظاهرات الشعبية السلمية المطالبة بتغيير نظام الحكم وتكريس الحقوق والحريات السياسية والمدنية؟
نظريا، كل الناس مع الحراك، ولا أحد مع النظام. أما عمليا، فكثيرون جدا في صف النظام يتآمرون على الحراك ويعملون على تحطيمه، عن علم وعن جهل. الرئيس عبد المجيد تبون يصفه بـ«المبارك»، ويعد بأنه سيلبي كل مطالبه، لكنه في الواقع يقطع خطوة إلى الأمام واثنتين إلى الوراء. كثيرون خدموا المخلوع بإخلاص في أحلك أيام الجزائر، أصبحوا بين ليلة وضحاها «حراكيين» ومعارضين للنظام! التصريحات العلنية في هذا الصدد تفوقت على المعارضين التاريخيين والصادقين. وسائل الإعلام الحكومية والخاصة، نظريا «حراكية»، وعمليا تفعل ما في وسعها لتبقى أسوأ مما كانت في عهد المخلوع. هناك فئة تحاول مسك العصا من الوسط بين نظام يمارس سياسة العصا والجزرة، والشارع المصرعلى التغيير.
لهؤلاء جميعا مسوغاتهم. فئة تزعم أن الحراك حقق أهدافه بذهاب العصابة، فيجب الآن العودة إلى الحياة الطبيعية. أخرى تدعي أن الحراك انحرف عن مساره الأصلي النزيه، وأصبح في قبضة فئة من الأمازيغيين والفرانكوفونيين المرتبطين بجهات أجنبية معادية! فئة ثالثة ترى أن استمرار الحراك مؤامرة خارجية هدفها تركيع الجزائر! فئة رابعة تقف في الوسط وتدعي ضرورة الحفاظ على الحراك كوسيلة ضغط على النظام لمنعه من العودة إلى ممارسات الماضي القريب. أما الصادقون في إيمانهم بالتغيير الحقيقي وبأهميته وحاجة الجزائر إليه، فأصبحوا قلة لا منبر لها ولا صوت، تلاحقها لعنات التخوين ومزايدات الوطنيين الجدد في مختلف المستويات السياسية والاجتماعية.
بعد عام من الحراك، تعيش الجزائر «البوتفليقية» من دون بوتفليقة. ذهب رأس العصابة وبقيت العصابة وممارساتها وثقافتها وعاداتها السيئة المتجذرة. باستثناء رحيل المخلوع وبعض رموزه وأركان حكمه، لا أحد في إمكانه أن يجزم بأن الجزائر أفضل حالا من حيث الحريات المدنية والسياسية مقارنة بعهد المخلوع.
هناك عملية تضليل كبرى، مستمرة، تسعى إلى حصر مفهوم العصابة في المخلوع وشقيقه واللواء توفيق مدين، ثم حفنة من الوزراء وأخرى من رجال الأعمال، وتصر على أن الوحيد صاحب الفضل على الجزائريين في رحيل المخلوع، هو قائد أركان الجيش السابق، الراحل أحمد قايد صالح. غير أن العصابة أكبر ولا تتعلق فقط برجال سرقوا المال العام. هي عبارة عن ثقافة وعقلية وممارسات. أخطر ما فيها أن هناك مَن يحميها ويرعاها دون أن يكون بالضرورة لصا استولى على أموال الشعب وممتلكاته. لا يمكن لعاقل أن يتفاءل خيرا وهو يشاهد الذين كانوا رموزا لعهد المخلوع ودافعوا عنه باستماتة منقطعة النظير إلى آخر نفَس، يقفون اليوم في الصفوف الأولى يصفقون لتبون، ويقولون فيه من نفاق الثناء ما قالوا في بوتفليقة. على رأس هؤلاء أحزاب مثل جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي، ونقابات العمال وتنظيمات أبناء الشهداء والشباب والنساء وما شابه ذلك. ولا يمكن لعاقل أن يتفاءل أيضا وهو يرى التلفزيون الجزائري أداة دعائية لرجال المرحلة الجديدة، يمارس تضليلا لا يختلف في شيء عما كان يفعل في عهد المخلوع. ومثله الإعلام الحكومي الآخر وكذلك الخاص.
الجزائر في هذا المربع الآن ليس بسبب عجز الحراك أو عبثيته كما يروج رموز الثورة المضادة، بل بسبب عجز النظام عن الحركة وعن بلورة أسباب الانتقال إلى واقع جديد يعرف أنه لن يكون في صالحه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى