الرئيسيةخاص

عمليات احتيال وتدليس تضيع على بلدية سلا ملايين الدراهم

عبد المولى الزاوي
يتربع سوق الجملة للخضر والفواكه بمدينة سلا في الرتبة الثانية من بين أكثر من 40 سوقا للجملة بالمغرب، وذلك خلف سوق الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للبلاد. ورغم مركز الوصافة هذا فإن آلاف التجار وأصحاب مئات العربات، الذين يحجون إلى السوق مع فجر كل يوم، غير راضين البتة على ظروف عملهم التي تحيط بها المخاطر من كل جانب، وفق ما عبر عنه أكثر من تاجر. «الأخبار» جالت بسوق مدينة سلا وحاورت التجار والنقابيين، واقتربت من المسؤولين عن إدارة المرفق لاستطلاع موقفهم وانتظاراتهم، فعادت بالورقة التالية.

في الطريق المؤدية إلى القنيطرة، ينتصب سوق مدينة سلا للخضر والفواكه في بناية شامخة عبارة عن مصنع «عملاق» بغطاء «شاهق» يستطيع توفير الغطاء والتغطية، ليس فقط للخضروات والفواكه، بل لما قد لا يخطر على بال مما يسميه التجار أنفسهم بعمليات «احتيال وتدليس» تختفي وراء غبار الشاحنات وعوادم الدراجات «الثلاثية»، أبطالها أشباح تجيد اللعب على الأوراق وضحيتها، الأولى والأخيرة، بلدية المدينة التي تضيع عنها ملايين الدراهم، جراء التراخي في التعاطي مع الموضوع بما يليق به من جدية وحزم، يقول لسان حال العاملين بسوق المدينة، ودليلهم في ذلك ارتفاع نسبة المداخيل بقرابة النصف ذات زيارة افتحاص قام بها المجلس الأعلى للحسابات.
في السوق يختلط الحابل بالنابل والكلمة الفصل يمتلكها «الفتوات» ممن يحملون وراء ظهورهم ماض «زاخر» بالسوابق العدلية، يعرفهم العام والخاص ولا يعترض طريقهم إلا أمثالهم ممن لا يستحضرون سلطة القانون، بدليل سيل المشاجرات التي ما إن تنفجر الواحدة في ركن من السوق، حتى تليها أخرى في ركن آخر.
هي الفوضى إذن تعم السوق الكبير لمدينة سلا التي تعرف في العديد من أحيائها الشعبية بالخصوص «فوضى» السرقة وتجارة المخدرات، فهل لهذا ارتباط بذاك؟ وما الذي يمنع عمدة المدينة من توفير الأمن بهذا الفضاء الذي يدر مداخيل هامة على بلدية المدينة، تصل إلى قرابة 4 ملايير سنتيم سنويا؟ وهل يكفي عنصران من القوات المساعدة لتوفير الأمن والطمأنينة بالفضاء المذكور؟

سوق مقترن باستقلال المغرب
يحفل سوق الجملة للخضر والفواكه بالمدينة المليونية سلا، بتاريخ زاهر، إذ ترتبط ولادته بولادة المغرب الجديد، ذلك أنه في عام 1956 تم تدشين السوق الكبير للمدينة، وإن في مكان غير المكان الحالي.
وبحسب تصريحات مختلفة لبعض المسؤولين ببلدية العمدة إدريس الأزرق، فإن السوق عرف تطورا كبيرا منذ نشأته إلى الآن، سواء من حيث منشأته العمرانية أو من حيث ارتفاع عدد الوكلاء العاملين به، والذين إليهم وحدهم يوكل أمر تدبير التجارة بالفضاء ذاته، مضيفين أنه في عام 1996 تمت عملية الانتقال إلى المقر الجديد للسوق، والذي هو عبارة عن معمل قديم جديد، كان يختص في إنتاج أسقف «ديماتيت» الشهيرة، التي كانت العديد من مؤسسات الدولة تعتمد عليه في إنشاء المدارس والمستشفيات بالعالم القروي على وجه الخصوص.
أما بخصوص الوكلاء، الذين يثير ملفهم حساسية خاصة لدى التجار، فقد عرض المسؤول الترابي ذاته على الجريدة تطور أعدادهم من محطة إلى أخرى بالقول إنه في العام 56 انطلق السوق بوكيلين فقط، استمرا، هما أو من خلَفَهما، في إدارة السوق إلى غاية عام 1994، تاريخ تعيين 3 وكلاء جدد، لم يقووا هم الآخرون على مسايرة تعداد الشاحنات والتجار الزائرين للسوق، فقررت السلطات الوصية في عام 1995 رفع عدد الوكلاء إلى حوالي 5 وكلاء، وبعد ذلك بأربع سنوات ارتأى المسؤولون عن الفضاء التجاري «الكبير» مسايرة أوضاعه الداخلية بالرفع من عدد الوكلاء إلى 12 وكيلا، ينتمي نصفهم إلى المندوبية السامية للمقاومة، في ما ينتمي النصف الآخر إلى القطاع الخاص بشكل عام، وليس إلى فئة التجار، وفق ما تتم المطالبة به إلى حدود الساعة من طرف التجار أنفسهم، وذلك لاعتبارات عديدة، ليس أقلها معرفة المرشحين للمنصب بخبايا التجارة في السوق، التي تعتبر عالما خاصا، لا يعلم به إلا الراسخون في البيع والشراء، يقول المطالبون بتولية أمورهم إلى وكلاء من فئتهم.

سوق الخضروات.. أو معمل «الديماتيت» سابقا
ساهم الموقع الجغرافي المتميز لـ «السوق الكبير» بسلا، حيث الطريق الرئيسية المفضية إلى جهة الغرب عموما ببوابتها مدينة القنيطرة، في الرواج «الكبير» الذي تعرفه هذه المنشأة والتي تعتبر ثاني فضاء تجاري بعد سوق مدينة الدار البيضاء.
ويرى العديد من التجار أن كثيرا من زملائهم يحطون الرحال بسوق المدينة بعد أن يكونوا في طريقهم إلى أسواق العاصمة الرباط أو مدينة الدار البيضاء، لكن مرورهم «الضروري» أمام بوابة السوق يولد لديهم «الفضول» في الدخول إليه عبر تجاوز بوابته التي تلتصق بطريق القنيطرة.
هو عالم خاص إذن بباب رئيسي تعلوه إشارة «ممنوع المرور» من مدخَليه معا، وهي إشارة «دالة» وفق ما قاله أحد الظرفاء رافق الجريدة في جولتها بالسوق، مضيفا أن اقتحام العربات لعلامة ممنوع المرور يعتبر الخطوة الأولى في درب السوق الذي يحتاج علامة من الداخل مكتوب عليها «ممنوع الخروج» في إشارة منه إلى الازدحام المروري «القاتل» بداخل الفضاء التجاري.
ما إن تتغلب على «زحمة» الولوج، التي تتعقد كثيرا بمزاحمة الدراجات الثلاثية للعربات المجرورة باليد، يثير انتباهك العلو «السامق» لسقف السوق، فيحدث أن تتلاعب الأفكار في ذهنك وتتساءل عن سر هذا العلو وأسرار أخرى ككثرة «السواري» وغيرها من «الديكورات» التي لا تتناسب وسوقا للجملة، تباع فيه الخضروات والفواكه.
إنه معمل قديم، شاءت الأقدار أن تتحول ملكيته من أصحابه إلى البلدية مثلما شاءت أن يتحول نشاطه من صناعة الأسقف إلى لعب دور السقف الذي يحمي الكثير من الأطعمة قبل وصولها إلى معدة ملايين الأفواه، إن بالمدينة المليونية سلا، أو حتى في العاصمة الرباط، التي تفضل نسبة كبرى من ساكنتها التبضع مباشرة من سوق سلا.
في مقارنة سريعة لبناية فضاء سلا التجاري بباقي الفضاءات المنتشرة في المدن المغربية، يمكن القول إن العدوة الثانية لأبي رقراق محظوظة في هذه النقطة بالذات، بشهادة العديد من التجار، الذين استدلوا في شهادتهم لـ «الأخبار» بزياراتهم المتنوعة على أسواق عديدة، قالوا إن سلعهم تتلف في الكثير منها جراء ضيق المساحات المغطاة، مثلما هو الشأن في سوق الرباط، الذي تعرض أغلب السلع فيه تحت أشعة الشمس صيفا، وزخات المطر شتاء.
لم يشفع لسوق المدينة كبره وشساعة غطائه الذي يشمل جل السلع المعروضة فيه، إلا قليلا منها يتم تصريفها في جنباته المغطاة هي الأخرى، وإن بميزانيات ضخمة، يقول الكثيرون إنها كافية لبناء سوق جديد وليس رفع بعض الحديد بملايين الدراهم، مضيفين أنه وبالرغم من المعطيات السابقة، فإن المشكل الذي يعترض الجميع هو الازدحام الذي يخنق حركة التبضع في السوق ذاته.
هكذا إذن تغيب راحة التجار، بسبب سوء التنظيم، الذي يتمظهر أكثر في السماح للدراجات بمزاحمة الراجلين داخل السوق، مع ما ينتج عن ذلك من تطاير للغبار لدرجة يُصاب معها المرء بضيق في التنفس، وبناء عليه يطالب الحرفيون بالتدخل العاجل لسلطات الوصاية بمد سوقهم بقائد ملحق، شأن باقي الأسواق، وذلك لمعالجة المشاكل الطارئة بالسرعة اللازمة، مستشهدين على مطالبهم بكثرة اللقاءات مع عمدة المدينة، التي لم تفض لحد الساعة إلى أية نتيجة على حد قولهم.

قصة ريع بحوالي 500 مليون
يبلغ تعداد وكلاء سوق الجملة بمدينة سلا حوالي 12 وكيلا، لا يحضر معظمهم لمتابعة ما يجري بالفضاء المؤتمن عليه، إلا أنهم مع ذلك يحصلون على أكثر من 3 ملايين سنتيم شهريا، تقول مصادر «الأخبار»، مضيفة أن هذا الريع لا مثيل له، اعتبارا للعديد من العوامل، ليس أقلها أن الظروف التي تم فيها منح الامتيازات لرجال المقاومة، غداة استقلال البلاد، لم تعد هي نفس الظروف بعد حوالي 60 عاما على ذلك.
وعدا رجال المقاومة، فإن باقي الوكلاء وإن كانوا ظاهريا من المنتمين إلى القطاع الخاص ويتقدمون للمشاركة في المباراة المعدة لذلك، فإن أغلبهم لا تربطهم رابطة بالسوق، وهو ما يعني حسب المهتمين «تطفلا» تلعب فيه الأيادي الخفية للمنتخبين وغيرهم من الأسماء النافذة بالمدينة، دورا محوريا في تعيين المقربين لتمكينهم من أجر شهري يوازي الأجر الخالص لعامل مدينة أو يزيد، يقول أحد النقابيين الغاضبين.
إنه إذا كان الوكلاء خطا أحمر يتجنب التجار تجاوزه ليقينهم بأن الموضوع شائك، فإن المطالب الكبرى تركز على باقي الأمور التقنية من قبيل إحداث وكالة بنكية تسهل على الباعة حمل أموالهم والتصرف فيها داخل فضاء السوق، تجنبا لمخاطر حملها في الطرقات، التي يحدث أن يعترضهم فيها لصوص محترفون، إضافة إلى «تبليط» السوق من الداخل لمحاربة ظاهرة تطاير الأتربة التي تحدثها عجلات الشاحنات والدراجات على وجه الخصوص، هذا دون نسيان الأوراق المهملة وما يقترب لموضوع تدقيق المراقبة، سواء من قبل إدارة السوق التي تعاني الأمرين إن هي أقدمت على ضبط جميع المخالفات، أو من قبل لجن التفتيش المختلفة، التي تملك جماعة المدينة سلطة تحريكها أنى شاءت.

بين سوقي الرباط وسلا
بحثا عن أوجه الاختلاف بين السوقين الكبيرين في كل من العاصمة الرباط وجارتها مدينة سلا، وقفت الجريدة عند العديد من أوجه الاختلاف، لعل أهمها هو الفارق في الواجب الضريبي الذي يؤديه نفس التجار في السوقين معا، إذ في الوقت الذي يؤدي فيه تجار العاصمة حوالي 7.2 في المائة لخزينة الجماعة، يكتفي زملاؤهم في مدينة سلا بتأدية 7 في المائة فقط، علما أن هذا الفارق البالغ حوالي 0.2 يعتبر رمزا لمبالغ مالية تعد بالملايير، إذ وبحسب مراسلة لنقابة المستخدمين بسوق الرباط، فإن هذا الفرق موضوع النقاش لامس المليار و200 مليون سنتيم في الفترة الفاصلة بين 1986 و2010.
من هي الجهة التي تصطف إلى جانب القوانين الجاري بها العمل؟ تتساءل مصادر الجريدة، في إشارة منها إلى عمدة مدينة سلا الذي ألغى الرسم المذكور بزرة هاتف، باعتباره آمرا بالصرف في الملف، أم هو عمدة مدينة الرباط، الذي لم يستجب للمطالب العديدة لتجار سوق المدينة المرتبطة بالقضية ذاتها.
عن الوكلاء بين المدينتين تنتصب فوارق أخرى أولها يخص العدد الذي لا يتجاوز في الرباط 6 وكلاء، بينما في المدينة الجارة يصل تعداد الوكلاء إلى 12 وكيلا، ويتعاظم الفرق أكثر في الضمانة التي تقدمها هذه الفئة بعد فوزها في مباراة انتقائها إذ في الوقت الذي تلزم فيه دفاتر التحملات وكلاء سلا بوضع قرابة 5 ملايين سنتيم كضمانة، لا يلتزم نظراؤهم في الرباط إلا بدفع حوالي 2000 درهم، وهو ما يشجع الكثيرين منهم على عدم الالتزام الحرفي بأداء واجباتهم إزاء بلدية المدينة.
وفي الوقت الذي توجد دفاتر تحملات، وإن كانت شكلية في مدينة سلا، فإنها لا توجد على الإطلاق في العاصمة الرباط، التي يجب أن تكون رائدة المدن المغربية جميعها في بسط سلطة القانون.

مصطفى إوريعن: «ليس هناك اعتراف للتاجر بهذه الصفة رغم أنه يؤدي لخزينة الدولة آلاف الدراهم يوميا»
يرى نقيب تجار سوق الجملة للخضر والفواكه بمدينة سلا أن التاجر العامل في السوق يتعرض لأكبر حيف على حد قوله، مضيفا في حديثه إلى «الأخبار» أنه من غير المقبول أن يؤدي التاجر العادي آلاف الدراهم يوميا لخزينة الدولة دون أن يتمكن من أبسط حقوقه، المتمثلة في الاعتراف الرسمي له بصفة التجارة، إذ درجت بطائق الهوية لهذه الفئة على حمل عبارة «بدون» في خانة المهنة.
وقال إوريعن إن سوق الجملة يعتبر أول الموارد الثلاثة، التي تنعش خزينة البلدية، متقدما على المحطة الطرقية والمجازر البلدية، ومع ذلك لا يلتفت إليه المسؤولون إلا لماما، مستشهدا بلقائه مع عمدة المدينة يوم 11 ماي الماضي، وهو اللقاء الذي تلقى فيه وعودا بحل مشاكل التجار، إلا أن شيئا من ذلك لم يحصل، حسب محدث الجريدة، الذي استفاض في شرح النقط العالقة، من قبيل غياب الأمن وغياب النظافة ناهيك عن ضعف الإنارة.
وعن الرسوم الضريبية البالغة 7 في المائة، طالب نقيب التجار بإعادة النظر فيها، لأنها تحتسب من رأس المال وليس من الأرباح، مضيفا أن الكثير من الباعة يحصل ألا تلاقي سلعهم الرواج المنتظر، فيجدون أنفسهم مجبرين على التعشير عليها إن هم أرادوا إخراجها، وهو ما يعتبر «حيفا» وجب النظر فيه من جديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى