الرأي

عودة الوعي لدى رفاق «الكتلة الديمقراطية»

لم يحدث في تاريخ الأحزاب السياسية في المغرب أن حظي تنظيم بفرش السجاد وتشجيع الخصوم على الاحتماء بمظلته، كما يحدث الآن لحزب «العدالة والتنمية»، كونه لم يكتف باكتساح أصوات الناخبين فقط، بل صارت أحزاب منافسة تطلب وده وتتقرب إليه.
فقد زهد في بلديات وجهات، وما من شك في أنه تحرر من عقدة تشكيل الغالبية النيابية والحكومية، لأن الخيارات أمامه صارت متعددة ومتنوعة. فهو يستطيع أن يشطب تجمع الأحرار وفي متناول اليد أكثر من حزب يحل مكانه، كما أنه يقدر على إبعاد الحركة الشعبية، من دون أن تتأثر تحالفاته، لأن هناك الاستقلال والاتحاد الاشتراكي ينتظران على الصف.
بين ما لوح به الاستقلال من استخدام ورقة «المساندة النقدية» لحكومة عبد الإله بنكيران، وما قاله الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر في انتخابات مجلس المستشارين، تبرز حقيقة ساطعة، وهي أن المعارضة لم تعد على قلب واحد. وأن من يخفق قلبه يمينا أو يسارا لن يعدم الوسائل في الإبقاء على نبضه خارج المعارضة. وفي الخلاصة أن نظرية التصويت العقابي ضد أحزاب الغالبية الحكومية ليست صحيحة دائما، وأن المعارضة لا تجلب النفوذ السياسي كما كان يعول عليه.
اللافت في خطاب النقد الشديد للتجربة الانتخابية الراهنة، أن ثلاثة أصوات على الأقل ارتفعت منددة ومستنكرة وغاضبة. وعلى رغم اختلاف مواقعها بين المعارضة والغالبية، فإنها تلتقي بطريقة غير مباشرة عند مرجعية واحدة، عنوانها الكبير «الكتلة الديمقراطية». كيف ذلك؟
الثابت عمليا وسياسيا أن هذه الكتلة علقت أعمالها وخطوات تنسيقها، منذ أن اختار حزبان منها الانضمام إلى حكومة عبد الإله بنكيران، هما الاستقلال والتقدم والاشتراكية. وبقي الاتحاد الاشتراكي وحده يغرد خارج سرب رفاق الطريق. ولئن أنعش انسحاب وزراء الاستقلال ما بقي من نبض سياسي لدى المعارضة، فإن التطور البارز اليوم يكمن في أن الحليفين الاستقلال والاتحاد أصبحا أكثر قربا إلى معزوفة الرفاق في التقدم والاشتراكية.
أليس نبيل بن عبد الله أول من أطلق النار بالتجاوزات التي حددها في الاستخدام المفرط للمال في استمالة الناخبين؟ أليس حميد شباط هو من لوح بالمساندة النقدية؟ وأخيرا أليس إدريس لشكر من شبه الأجواء بسوق الدعارة؟ إذ قال إن ما حدث يذكر بتجارب سنوات الرصاص.
لنتذكر أن الراحل علي يعته كان النائب الوحيد عن حزبه، ومع ذلك استطاع أن يسمع صوته المجلجل. ولنتذكر أيضا أن الاتحاد الاشتراكي كان يتوفر على أقل من عشرين نائبا في مواجهة تجمع الأحرار الذي منحته طبخة انتخابية أكثر من 140 نائبا، ومع ذلك كانت الكفة تميل إلى المعارضة. ولنتذكر أن الاستقلال عانى كثيرا من مضايقات السلطة التي تعمدت محاولات تقزيمه، ومع ذلك فإن تاريخ أول تجربة سياسية حظيت بتقدير الرأي العام الداخلي والخارجي، تمثلت في حكومة التناوب.
لم يعد «العدالة والتنمية» يحتاج إلى القيام بحملات انتخابية، فقد أصبح له من ينوب عنه، من فعاليات في المعارضة وفي أوساط أخرى. حتى أن الترويج لفكرة اكتساحه المحتمل لتشريعيات العام القادم، بدأ يصدر عمن كانوا خصوما، فهل حدث كل هذا بفعل الصدفة؟
نظريا وعمليا، قطع المغرب مع سياسة صنع الخرائط، أو هكذا على الأقل فهم من تطورات التجربة السياسية.
وحين يدخل القضاء على الخط، فدلالات ذلك أن التجاوزات المتمثلة في استخدام رسائل غير مشروعة لاستمالة الناخبين فاقت الحد. وبالتالي فالتجربة برمتها وضعت على المحك، وسواء سجلت المؤاخذات في نطاق هفوات الرعاية السياسية للانتخابات التي أسندت إلى رئيس الحكومة، أو ألصقت بممارسات بائدة لم تتغير طبيعتها، فإن ارتفاع الأصوات له ما يبرره.
يلزم التذكير بقضية بالغة الأهمية في مسار التجارب الانتخابية، وهي أن معظم المؤاخذات والانتقادات والعيوب، ركزت دائما على ما كان يعرف بـ«الثلث الناجي» فقد أدت إحدى التجارب إلى انسحاب الزعيم عبد الرحمن اليوسفي ومغادرته البلاد. ثم تطور الأمر إلى درجة إلغاء انتخابات الثلث غير المباشر، بعد أن أصبحت له مؤسسة قائمة الذات هي مجلس المستشارين. فأي صدفة هاته التي جعلت الانتقادات حامية الوطيس تعود إلى المربع الأول. انطلاقا من ظروف اقتراع مجلس المستشارين؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى