خاص

عيد الأضحى وسلاطين المغرب

ليس عيد الأضحى المبارك مجرد فرصة لنحر الأضاحي والاستمتاع بدخان شواء لحومها، بل هو مناسبة سنوية بالغة القيمة والأثر، تهدف إلى ترسيخ معنى العفو والتسامح عما سلف على أمل الاستقامة في ما هو آت. لذا ظل الملوك والرؤساء والزعماء يحرصون على جعل العيد نهاية لألم عمر طويلا، وفسحة روحية سامية المعنى لدى الأمة الإسلامية والعربية، يتخللها قرار الصفح عن كثير من المعتقلين خاصة السياسيين، الذين لطالما انتظروا عفو العيد لينهي إقامتهم الجبرية وراء القضبان.
تلين قلوب الحكام كلما اقترب موعد العيد، خاصة حين يتعلق الأمر بعيد ديني له رمزيته، وتهفو النفوس للعودة إلى سواء السبيل بعمل صالح ونهج قويم والالتزام «بما ارتضاه المجتمع من ضوابط»، لذا تتقاطر على الحكام ملتمسات الصفح وطي صفحة الماضي الأليم، فتعم الفرحة أهالي المستفيدين من عفو العيد.
لكن ليس العفو هو الحدث الأبرز في علاقة الحاكم بالمحكوم خلال العيد، بل هناك قرارات مؤثرة تزامنت مع هذا العيد الذي يسميه المغاربة «العيد الكبير» نظرا لمكانته وقيمته التي تجعله سيد الأعياد في المعتقد الشعبي. من أبرز القرارات مصادرة فرحة العيد للضرورة الاقتصادية، حين ألغي العيد بقرار ملكي في مناسبتين، وحين تزامن مع أحداث صادرت فرحته، أو عندما أريد له أن يكون بطعم الإعدام حين تقرر تنفيذ الإعدام في معارضين يوم العيد «الكبير».

رسالة الشاوي للمقيم العام قبيل عيد الأضحى
قدمت الطيارة المغربية ثريا الشاوي ملتمسا للسلطات الاستعمارية من أجل إنهاء مسلسل الاعتقالات الذي طال عددا كبيرا من الوطنيين، وعلى الرغم من حالة الغضب التي انتابتها بعد نفي الملك محمد الخامس، إلا أن صرخاتها لم تجد صدى لدى سلطات الحماية التي اعتبرت إبعاد محمد الخامس بمثابة تهريب للقضية بعيدا عن انشغالات الرأي العام.
حين بح صوت ثريا، قررت حمل القلم وكتابة رسالة إلى المقيم العام الفرنسي «لاكوست»، ليلة عيد الأضحى، هذا نصها:
«سعادة سفير فرنسا لاكوست:
إن أيام المحنة والحوادث الدموية، التي يعيشها المغرب منذ 20 غشت 1953 لتزداد تفاقما وخطورة. وإن لهذه الحوادث المؤلمة لعواقب وخيمة، في الميدان السياسي والاقتصادي والاجتماعي. لهذا يجدر بنا أمهات وفتيات المغرب، أن نتقدم إليكم بطلب إيجاد حل للقضية المغربية المشروعة حسب مطامع المغاربة، وتحققوا لهم أملهم المنشود في عودة الملك الشرعي، مولانا محمد الخامس نصره الله وأيده، كما نرجو من سعادتكم أن تسعوا لدى الحكومة الفرنسية، بأن تطلق سراح جميع المعتقلين السياسيين، حتى يتسنى للمغاربة أن يحتفوا بعيد الاضحى المبارك تحت قيادة ملكهم المعظم سيدي محمد بن يوسف أيد الله ملكه، وفي جو يملأه العدل والثقة والإخوة والسلام.
لنا كامل الثقة في حسن نية الوزير، «مانديس فرانس» ووزير الشؤون التونسية والمغربية، وفي سعادتكم للسعي وراء تنفيذ هذه الرغبات. وبهذا يرجع الهدوء إلى نصابه، ويعم الهناء أطراف البلاد المغربية، وبهذا تكونون قد أديتهم خدمة جليلة للمغرب ولفرنسا.
وإليكم في الأخير يا سعادة السفير أجمل التحيات
الدار البيضاء في 4 غشت 1954
الإمضاء: الطيارة ثريا الشاوي».
شاءت الأقدار أن تموت ثريا بعد أقل من سنة على انبلاج صبح الاستقلال، فصنف مقتلها في خانة الجرائم السياسية، وأجمع الكل على أن تزامن رحيلها مع الذكرى الأولى لاستقلال المغرب فيه كثير من الإشارات لمن يهمه الأمر، خاصة وأن رحيلها في فاتح مارس 1956 ألغى كثيرا من الطقوس الاحتفالية لليوم الموالي (2 مارس) التاريخ الرسمي لذكرى عيد الاستقلال.

الملك يرفض اعتذار الانقلابيين قبيل عشية العيد

ألقي القبض على عدد من الطيارين الذين أحيلوا على محاكمة «مهاجمي الطائرة الملكية»، إلا أن عدد المتابعين فاق 1200، من بينهم طيارون وتقنيون وعساكر من مختلف الرتب. في 7 نونبر 1972، حكم بالإعدام على أمقران وكويرة وسبعة آخرين من الطيارين، بالأشغال الشاقة على 32 وبرأت 170، سبعة طيارين أعدموا يوم وقفة عيد الأضحى.
حاول عدد من المحامين تأجيل قرار الإعدام، والتمسوا من الملك الحسن الثاني عبر مستشاريه الصفح ولو بسبب قدسية المناسبة الدينية. قال أحمد المرزوقي أحد سجناء تازممارت الرهيب في حوار مع قناة الجزيرة: «تلقينا الخبر في صباح العيد، لقد جرت العادة أن يفتح الحراس علينا أبواب الزنازين لنأخذ قسطا من الشمس ونخرج إلى الساحة للمشي ولو لدقائق، في تلك الصبيحة فتحوا علينا الأبواب وجاء بعض معتقلي الحق العام الذين كانوا يوزعون علينا الماء فشرعوا يقولون لنا البقية في حياتكم، كانوا متأثرين جدا، وتلك الليلة شعرنا بجلبة وبأشياء غير عادية، طبعا لم يكن أحد يعتقد أنهم سيعدمون والكل كان ينتظر أن يعفو عنهم ليلة عيد الأضحى».
قيل إن ثمة من جاء إليهم يساومهم أن يعتذروا لكنهم رفضوا الاعتذار وقبلوا أن يموتوا على أن يعتذروا، ويروى أن الكولونيل الشلواطي تعرض قبيل إعدامه لصفعة من الوزير السابق أحمد العراقي، لكن القائد العسكري الأمازيغي الأصول رد على الصفعة بالبصاق وقال له: «ما زالت الأمازيغية ستلد حرا، لن يعدم البربر أمهات ينجبن رجالا».
المثير في هذه القضية أن يرافع مستشار الملك رضا كديرة لفائدة مجموعة من المتهمين بتدبير الانقلاب، وينتقد أحكام القضاء التي كانت جاهزة، حين قال: «إن المحكمة سترتكب جرما إن أدانت هؤلاء، هؤلاء أبرياء».
كان الجميع يعيش حالة من التفاؤل، بعد وصول الملتمس إلى الملك الحسن الثاني، الذي قدم إشارات تفيد بالرغبة في طي صفحة الخلاف، وأن هناك عفوا شاملا، فإذا بالجميع يفاجأ بخبر الإعدام يوم عيد الأضحى، الذي تزامن مع السابع من غشت 1973.
راجت أخبار مفادها أن الطيارين سينقلون إلى جناح العزلة في السجن المركزي، إلى جانب انقلابيي الصخيرات، لكن الأحداث ستأخذ مسارا آخر، حيث فوجئ نزلاء سجن القنيطرة المركزي بحالة استنفار غير مسبوقة داخل المؤسسة العقابية، لتبين أن ثمة قرارا بترحيل عدد من المدانين في الانقلابين إلى سجن تازمامارت.

بوطالب يحرج الحسن الثاني في حفل تهاني العيد
حسب وثائق وزارة الخارجية والتعاون بالمغرب، فإن قرار إقامة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإيران يعود إلى مطلع ستينيات القرن الماضي، بحيث لم تقتصر العلاقات على مستوى التمثيل الدبلوماسي، بل تعدتها إلى التنسيق السياسي والأمني بين البلدين. لكن العلاقات الإيرانية المغربية تميزت بحضور البعد الشخصي بين الملك الراحل الحسن الثاني والشاه «رضا بهلوي».
كانت لهذه العلاقات امتدادات وتبادل ملك المغرب والشاه الزيارات، بل شمل التنسيق بعض العمليات الأمنية والإستراتجية في إفريقيا زمن الحرب الباردة. يقول الكاتب المصري محمد حسنين هيكل إن اتفاقيات سرية أبرمت بين المغرب وإيران والسعودية وفرنسا، في إطار ناد يجمع البلدان الأربعة أطلق عليه اسم «نادي السافاري».
لذا كان من الطبيعي أن يساند الملك الحسن الثاني صديقه شاه إيران في محنته، ويرسل إلى البلد الفارسي مستشاره عبد الهادي بوطالب، من أجل رأب الصدع بين الشاه وجماعة العلماء. لقد طلب الشاه من الملك الحسن الثاني القيام بالوساطة بينه وبين الخميني وقيادة الثورة. توجه المبعوث إلى العراق لملاقاة الإمام الخميني، إلا أنه فوجئ بقرار السلطات العراقية ترحيل هذا الأخير خارج العراق. وعاد المبعوث المغربي دون إنجاز مهمته، وتم الاتفاق من جديد مع الشاه على توجيه محاولة الصلح نحو من يوجدون في إيران من المعارضين لنظام الشاه.
لكن نجاح الثورة الإسلامية تمثل في الإطاحة بنظام الشاه عام 1979، ودخلت الدولتان مرحلة القطيعة، واتخذ خلالها المغرب موقفا مناقضا للنظام الجديد هناك، ثم انقطعت العلاقة بين البلدين عام 1981، نتيجة إعلان المغرب عن قرار استضافة الشاه، وهكذا تأزمت العلاقة بين المغرب وإيران وشابها جفاء دام طويلا.
لكن مستشار الملك عبد الهادي بوطالب، الذي كان «مرسول» سلام، سرعان ما تمرد على الشاه. ففي عيد الأضحى لسنة 1979، ومباشرة بعد صلاة العيد، وقف الحسن الثاني وشاه إيران، المطاح به، لتلقي تهاني العيد. وبينما السفراء والوزراء يتقدمون للسلام على الملك والشاه، امتنع عبد الهادي بوطالب، عن السلام على الشاه، وهو ما أغضب الحسن الثاني الذي استدعى بوطالب ونهره على فعلته، إلا أن بوطالب برر موقفه الرافض قائلا: «أنا لا أعرف إلا ملكا واحدا في المغرب».
«كان ذلك خلال الفترة التي نزل فيها «شاه إيران» ضيفا على الملك الراحل الحسن الثاني، حيث حدث تمرد غريب على البروتوكول الملكي، إذ تضمن البرنامج الذي وزعه مولاي حفيظ العلوي على الوزراء، فقرة تنص على أن استقبال الوزراء سيتم من طرف الملكين (الحسن الثاني وشاه إيران) حسب الترتيب البروتوكولي، ولما شرع الوزراء في السلام على الملك و«الشاه» تراجع عبد الهادي بوطالب إلى الخلف، حتى أصبح خارج الصف، وبعد أيام من حادثة رفضه السلام على شاه إيران المطاح به، أقيل عبد الهادي من منصبه الحكومي.

مستشار الملك يلتمس «العفو» عن الأضاحي

في سيرته الذاتية يتحدث المستشار الملكي عبد الهادي بوطالب عن ملتمس وجه للملك الحسن الثاني، يتضمن دعوة المواطنين المغاربة لصرف النظر عن أضحية العيد وإعفاء الأكباش من النحر.
بدأت بوادر الجفاف في سنة 1979، وهي السنة التي عرفت ذروة الاحتقان الشعبي بسبب الحرب الدائرة في الصحراء، وحسب شهادات عبد الهادي بوطالب المستشار السابق للملك الحسن الثاني، فإن الظرفية الاقتصادية للبلاد جعلت بوطالب يقترح على الملك إلغاء عيد الأضحى، مستندا على تقرير قدمه وزير المالية يقول إن المغرب «يخسر رصيده من العملة الصعبة باستيراده فائضا من الأغنام»، وأضاف بوطالب: طلبت من الملك أن ينوب هو عن الأمة بذبح كبشين، واحد عن نفسه وثان عن الأمة، لكن الحسن الثاني رفض المقترح وسمح للمغاربة بذبح الأكباش والاستمتاع بالعيد قائلا: «دعوهم ينعمون بلحظة فرح ويأكلون الشواء. لن نحرمهم من هذه النعمة».
لكن في السنة الموالية ضرب المغربَ جفاف رهيب، كان من تبعاته نفوق ما لا يحصى من رؤوس الأغنام، لذلك قرر الحسن الثاني منع العيد، «وهو الأمر الذي لم يرق عددا كبيرا من المغاربة الذين كانوا ينتظرون العيد الكبير على أحر من جمر مواقد العيد».
تقول محاضر هيئة الإنصاف والمصالحة إن البوليس السري أحرق رجلا يشغل مهمة مؤذن بأحد مساجد المدينة، كان قد عارض مقترح الملك في كلميمة وقام بنحر كلبين وتعليقهما على باب أحد قصور المدينة.
ورغم أن شدة جفاف فترة 1980ـ 1981 أقل من سابقتها، فإن هذه السنة اكتست «طابع الخطورة» على حد تعبير عبد الله العوينة الباحث في الجغرافية المناخية، بل إن الجفاف تولدت عنه قرارات صادرة عن حكومة المعطي بوعبيد تدعو إلى التقويم الهيكلي على المستوى الاقتصادي، ما دفع إلى انتفاضات في الدار البيضاء ومدن أخرى».

حمادي عمور يعتذر للحسن الثاني بسبب مسرحية

يتداول الوسط الفني حكاية غضب الملك الحسن الثاني من الفنان حمادي عمور، فقد كتبت تقارير استخباراتية بأن مسرحية قدمت على شاشة التلفزيون بعد يومين عن عيد الأضحى، قد تناولت موضوع كبش العيد، ومحنة رجل يكد من أجل توفير الأضحية. وتشير التقارير إلى أن المسرحية تتهكم على قرار الملك الحسن الثاني القاضي بإلغاء نحر الأضاحي يوم العيد، فصدر أمر بحبس حمادي، في الوقت الذي كان فيه الملك متواجدا في زيارة رسمية للولايات المتحدة مباشرة بعد متم العيد. وزير الإعلام حينها قال إنه «أثناء وجودنا بواشنطن، بلغ إلى علم وزارة الدولة في الإعلام أن حمادي عمور قد اعتقل واقتادته الشرطة من منزله بعدما عصبت عينيه، وأنه لم يبلغها خبره منذ ذلك. فأبلغت جلالة الملك بما حصل مستنكرا متأثرا، فبادر جلالته إلى إعطاء أمره بإطلاق سراحه واستقبله بالقصر الملكي ونفحه نفحة مالية جبر بها كسره وخفف من كربه».
لكن الفنان حمادي عمور، انتفض ضد ما راج حول اعتقاله، دون أن ينفي قضية الاحتجاز، وقال في بيان حقيقة عممه على كثير من المنابر الإعلامية، يعيد ترتيب روايته لواقعة اعتقاله أيام الملك الراحل الحسن الثاني، وما ورد في كتاب «نصف قرن من السياسة».
«إن الواقعة عرفت مجموعة من المغالطات، نعم لقد تعرضت بالفعل للاعتقال بعيد عرض التمثيلية، من داخل منزل ابنتي بالبيضاء، معصب العينين، في السادسة فجرا، لكن تم إطلاق سراحي بعد أسبوع، وكان ذلك مباشرة بعد عودة الملك الراحل الحسن الثاني من زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، لكن لم يتم استقبالي بخصوص هذا الموضوع بعد إطلاق سراحي أبدا من طرف العاهل الراحل، ولم أتوصل بأية نفحة مالية».
«أثناء تشكيل لجنة الإنصاف والمصالحة، رفض عمور وضع شكواه لدى الهيئة، من أجل جبر الضرر، للحصول على تعويض إزاء اعتقالي التعسفي المذكور، خصوصا أن وضعي المادي بعد التقاعد لا يكفي حتى لتغطية أدوية السكري مدى الحياة، ومضاعفاته على العينين والقدمين».

العيد الذي قضاه الحسن الثاني في اتصال بمخيمات المطرودين

وصل الاحتقان المغربي الجزائري ذروته حين قرر حكام الجزائر ترحيل 75.000 مغربي مقيم بالجزائر، على خلفية ملف نزاع الصحراء. وتزامنت عملية التهجير مع صبيحة عيد الأضحى، وتحديدا في 18 دجنبر 1975، خلال فترة حكم الراحل هواري بومدين.
ففي عيد الأضحى بدأت مأساة جزء كبير من المغاربة الذين كانوا يعيشون حياتهم العادية في الجزائر، قبل أن يتحول الترحيل الإجباري إلى فاجعة، خاصة وأن من بين المرحلين مغاربة لازالت أجسامهم تحمل جرحا وعاهات نتيجة مشاركتهم في حرب تحرير الجزائر. لم يقدم نظام هواري مبررا لإجلاء مغاربة ليلا إلى الحدود الغربية للجارة الجزائر، في ظروف أقل ما يقال عنها أنها لا إنسانية «سوف تظل وصمة عار في جبين النظام الجزائري»، خاصة حين «تم الفصل بين الزوجة المغربية والزوج الجزائري وبين الزوج المغربي والزوجة الجزائرية، وتجريد المرحلين من كل ممتلكاتهم وأموالهم».
تقول بديعة المختاري، التي كانت مكلفة في التعاون الوطني بالسهر على أحوال المهجرين، إن السلطة ظلت ترابط بالمخيمات وتنجز تقارير تعرض فورا على عمالة وجدة، التي كانت ترسلها على الفور للرباط، إذ ظل الملك الحسن الثاني على الخط يتابع تطورات الترحيل بأدق تفاصيلها.
وتضيف المختاري إن أكبر تحقير من طرف الجزائريين هو إصرارهم على أن يتزامن الإجلاء مع مناسبة دينية، لذا كانت المخيمات تعيش العيد بطعم النكبة، «علم أهالي مدينة وجدة والمناطق الشرقية بما تعرضنا له من معاملات سيئة حين طردنا ليلا، ووصل الأمر في بعض الأقاليم إلى حد الاغتصاب والتجريد من الممتلكات والخروج من الجزائر بما عليهم من ملابس فقط، والتخلي عن الممتلكات والأموال. وكلما حل عيد الأضحى تذكرت قطع اللحم التي كان يوزعها المقدمون والشيوخ علينا في مخيمات وجدة».
ويحكي رئيس جمعية المغاربة المطرودين من الجزائر ميلود الشاوش، لقناة الجزيرة، عن ذكرياته المؤلمة وهو طفل مرحل فجأة محروم من أصدقاء طفولته ومن زملائه في المدرسة ومعلميه، وهو الآن معلم للرياضيات بالمرحلة الثانوية، «الآباء والأمهات المطرودون عاشوا نكبة حقيقية وهم الآن لازالوا ينتظرون من الدولة الجزائرية الاعتذار الرسمي عما بدر منها تجاههم».

الملك يزف لبوعبيد خبر الإفراج عن الاتحاديين من إفران

استقبل الملك الحسن الثاني في أوائل شهر أبريل 1965، كلا من عبد الرحيم بوعبيد وحسن صفي الدين، وذلك في أعقاب الاحتقان السياسي لبلد خارج لتوه من إضراب طلابي رهيب أو ما بات يعرف باضطرابات الدار البيضاء مارس 1965. كان اللقاء فرصة اقترح فيها الحسن الثاني على الاتحاديين المشاركة في حكومة ائتلاف وطني، لكن بوعبيد التمس الإفراج عن المعتقلين، وقال: «لا تنقية للأجواء السياسية في ظل استمرار مسلسل الاعتقالات».
لبى الملك مقترح المعارضة، وجاء العفو الملكي عن المعتقلين في خطاب رسمي بعد يوم عيد الأضحى من سنة 1965، ولم يكن الإفراج يعني دخول الاتحاد الوطني للحكومة، إذ أصدر مذكرة رسمية في غشت 1965 بعنوان «خطتنا الوفاء للشعب وللمبادئ الديمقراطية والاشتراكية»، حدد فيها مسار المفاوضات وشروط المشاركة في الحكومة بعد أحداث مارس 1965، واشترط توفير «الوسائل الضرورية لتطبيق برنامج الإنقاذ شريطة تكوين حكومة منسجمة»، بحسب ما جاء في مذكرة جوابية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
لكن الرياح جرت بما لا يشتهيه الاتحاديون، إذ إن اغتيال المهدي بن بركة بعد ستة أشهر عن لقاء إفران، وما تلاه من احتقان بعثر أوراق الإصلاح، وأعاد إلى البلاد جو القلق.
ومن تداعيات هذا المناخ، محاولة الإجهاز على القيادي الاتحادي محمد اليازغي في ليلة عيد الأضحي من سنة 1973 داخل بيته، عبر طرد ملغوم انفجر في وجهه، وحول ليلة العيد إلى ما يشبه المأتم.
وحسب اليازغي فإن الواقعة كادت من شدة فظاعتها أن تحول العيد إلى فاجعة، «يوم 13 يناير 1973، يوم الوقوف بعرفة الذي توصلت فيه بالطرد الملغوم، سيكون هو يوم تنفيذ حكم الإعدام في الضباط المتورطين في الانقلاب الذين شاركوا في محاولة إسقاط الطائرة الملكية. وقبل الإعدام، وفي لقائهم مع محاميهم، ومن ضمنهم المحاميان محمد الفاروقي وجواد العراقي اللذان قال لهما أمقران إنه في اليومين الماضيين عذب تعذيبا شديدا لكي يشهد بأن محمد اليازغي وعمر بن جلون كانا ضمن أعضاء مجلس قيادة الثورة الذي سيعلن عنه بمجرد نجاح الانقلاب».

قاتلو عمر بن جلون يستفيدون من عفو العيد

في الأسبوع الأول من سنة 2004، استجاب الملك محمد السادس لملتمسات العفو المرفوعة إليه، فأصدر عفوا عن 33 من الأشخاص المحكوم عليهم في قضايا مختلفة من العقوبة الحبسية أو الغرامة. بلاغ للقصر الملكي إثر تنصيب هيئة الإنصاف والمصالحة قال إن العفو الملكي جاء «لاعتبارات إنسانية وسيرا على السنة المولوية الحميدة في التمسك بقيم الإسلام المثلى في السماحة والعفو والصفح الجميل والتشبث بالديمقراطية».
يقول ملك البلاد وهو يعلن عن تنصيب الهيئة الحقوقية «إننا سنظل حريصين على الطي النهائي لهذا الملف، بتعزيز التسوية العادلة غير القضائية، وتضميد جراح الماضي، وجبر الضرر، بمقاربة شمولية، جريئة ومتبصرة، تعتمد الإنصاف ورد الاعتبار، وإعادة الإدماج، واستخلاص العبر والحقائق لمصالحة المغاربة مع ذاتهم وتاريخهم، وتحرير طاقاتهم».
في جو المصالحة، استجاب الملك لملتمس رفعه المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، الغاية منه تمتيع كل المعتقلين السياسيين الذين صدرت في حقهم أحكام قبل أحداث 16 ماي 2003 بالعفو. وضمت لائحة المنعم عليهم بالعفو الملكي أسماء وازنة على غرار: حكيمي بلقاسم، الذي صدرت في حقه عقوبة الإعدام منذ ماي 1985، ومصطفى عقيل الذي كان في عداد المحكومين بالإعدام ثم المؤبد، وسعد أحمد المحكوم بالإعدام منذ 1975، ومصطفى خزار الذي صدرت في حقه عقوبة الإعدام في نفس العام وحولت إلى السجن المؤبد، في ملف تصفية عمر بن جلون. وضمت اللائحة حسن إغيري المحكوم من طرف المحكمة العسكرية بـ20 سنة سجنا، وعمر شبلال وعبد القادر بن الجيلالي وقاسو وعلي والحسين المودن وعبد الواحد ناجم وسعيد حماز ومحمد بوصوف، فضلا عن عدد من الصحافيين كعلي المرابط ومحمد الهرد ومصطفى العلوي الذي كان محكوما بحبس موقوف التنفيذ لسنة واحدة، ومجموعة من المعتقلين الصحراويين.

عليوة وبنعلو.. سراح مؤقت للضرورة الجنائزية

قبل حلول عيد الأضحى سارع رفاق خالد عليوة، المدير العام السابق للقرض العقاري والسياحي، والوزير الاتحادي الأسبق، إلى وضع ملتمس يقضي بمنحه السراح المؤقت، في القضية التي كان يتابع فيها إلى جانب عبد الحنين بنعلو، المدير العام السابق للمكتب الوطني للمطارات، في ملف اختلاسات وتبديد أموال المؤسستين. لكن قدر لهما أن يقضيا عيد الأضحى بسجن عكاشة الذي أودعا به، رفقة مجموعة من المتهمين الآخرين.
تلقى خالد تطمينات بقضاء العيد بين أهله وذويه، لكن المحكمة رفضت، رغم أن كل المؤشرات كانت تتحدث عن إفراج قبيل العيد، ليتأجل الحلم الذي راود المتهمين في قضايا فساد مالي. وينتظرا سويا فاجعة وفاة والدة كل منهما لينعم خالد وعبد الحنين بفسحة حرية للضرورة الجنائزية.
بقرار من ملك البلاد ولاعتبارات إنسانية، تمكن المدير العام الأسبق للقرض العقاري والسياحي، من مغادرة عكاشة متوجها إلى مقبرة الشهداء، حيث رخص له بحضور جنازة والدته التي وافتها المنية. توصلت إدارة السجن برسالة تتضمن ترخيصا لخالد بمغادرة المعتقل لمدة أربعة أيام، «كي يحضر دفن والدته، ويقوم بواجب العزاء».
كان خالد يمني النفس بقضاء العيد مع والدته كي يعيش معها آخر شهورها، لكن قاضي التحقيق رفض ملتمس الدفاع الذي عزز بتوفر موكليه على مجموعة من الضمانات القانونية والمادية من أجل الحضور، وقدر له أن يتابع أخبار الأم المريضة عبر أهله.
شاءت الأقدار أن يحصل عبد الحنين بنعلو، المدير العام السابق للمكتب الوطني للمطارات، المعتقل بسجن عكاشة على ترخيص مماثل من المندوبية العامة لإدارة السجون من أجل حضور مراسيم تشييع جنازة والدته التي جرت بمدينة سلا، لكن مع اختلاف مسطري بسيط مقارنة مع الترخيص الذي ناله رفيقه في السجن عليوة، يكمن في «ترخيص تحت مراقبة حراس السجن المرافقين له، حيث تمت إعادته إلى زنزانته مباشرة بعد انتهاء مراسيم دفن والدته، عكس خالد الذي نال متسعا من الوقت لتلقي العزاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى