شوف تشوف

الرأي

غيثة علوش أرملة عباس لمساعدي التي حاول الحسن الثاني تزويجها من القصر

حسن البصري
مرت حوالي ستة عقود على اغتيال المناضل عباس لمساعدي، دون أن تظهر بجلاء معالم الجريمة السياسية التي حولته إلى فقيد للحركة الوطنية وضحية لمشهد سياسي كان يتكلم لغة التصفية الجسدية.
لكن مقتل عباس لم يمسح اسمه من الذاكرة، حيث ظل حاضرا في مذكرات السياسيين والمقاومين، بل إن الفقيد خلف بعد وفاته ابنا اسمه خليل كان في السابعة من العمر لحظة اغتيال والده. ولتخليد اسم الفقيد فقد أصر الابن على إطلاق اسم عباس على فلذة كبده بتزكية من الأم غيثة، التي رافقت الراحل في أصعب المراحل التي عاشها، وتحولت إلى سيدة تقضي وقتها مرابطة أمام الدوائر الأمنية والسجون. وحرصت- بالموازاة مع ذلك- على تنشئة ابنها الوحيد خليل التنشئة الصالحة كي لا يتأثر بفقدان والده، إلى أن أصبح من كبار المهندسين.
ولدت غيثة في مدينة فاس داخل أسرة تشع علما، إذ إن والدها كان من علماء القرويين، فضلا عن دوره في الحركة الوطنية في العاصمة العلمية، ولكن للأسرة امتدادات جبلية، حيث إن جدها الكولونيل علوش لقي حتفه بعد تصفيته عقب الانقلاب العسكري بالصخيرات سنة 1971.
عاشت غيثة حالة من الرعب وهي تتعرض بين الحين والآخر لمداهمات الشرطة، التي كانت تبحث عن زوجها، خاصة حين كانت تقيم معه في إحدى الشقق بالدار البيضاء، ليقرر، بعد تشديد الخناق عليه، الرحيل إلى المنطقة الخاضعة للحماية الإسبانية، حيث استقر في تاركيست وتطوان ثم الناظور، تاركا زوجته في عهدة والديها بفاس. اندمج الفتى سريعا مع المحيط الريفي رغم أنه قادم من ثقافة أخرى لأصوله الممتدة إلى قبائل أيت سيدي مساعد تزارين بإقليم ورزازات.
بعد أن استقر به المقام في الريف، أرسل عباس مقاومة أمازيغية تدعى فاطمة التاغزوتية إلى فاس، من أجل مرافقة زوجته غيثة في رحلة الالتحاق بالزوج، وافق الوالد، على مضض، على المهمة المحفوفة بالمخاطر، وصدقت تنبؤاته حين اعتقلت السلطات الفرنسية غيثة وفاطمة وهما تخترقان جبال الريف، فأحيلتا على المعتقل الذي قضتا به أزيد من شهرين.
تقول غيثة في روايتها لجمال الكتابي وسعيد العمراني، الباحثين في تاريخ المقاومة الريفية، إنها كانت تحمل اسما حركيا وهو «خديجة»، وعند كل اعتقال تدعي أمام المحققين أنها مجرد خادمة عند عائلة في فاس، «ما جعلهما تخرجان من السجن بالبراءة دون أن يتنبه الجيش الفرنسي إلى أن غيثة كانت هي الزوجة الشرعية لقائد جيش التحرير بالشمال عباس المساعدي».
التقى عباس بزوجته في تاركيست ورافقته إلى مسكن في مدينة تطوان، قبل أن يتوصل المخبرون إليه ويقرر العودة إلى الناظور حيث سكنا بيتا سريا. وخلال هذه الفترة كانت تعد الوجبات الغذائية للمناضلين أعضاء جيش التحرير إلى جانب نساء ريفيات أخريات «يحضرن بسرية الخبز والمأكل لعشرات المقاتلين بجيش التحرير»، كما لعبت دورا كبيرا في نقل السلاح وتخزينه حين حلت باخرة «دينا» بشاطئ الناظور محملة بالسلاح القادم من مصر.
لا تتردد زوجة عباس في وصف زوجها بالصارم، فقد كان «طويل القامة قوي الشخصية شديد الصرامة مع خصومه كثير الحركة والسفر»، وتضيف أنه كان يتمتع، بخلاف عدد كبير من المناضلين، بالقدرة على الجهر بالحق حتى ولو أدى ثمن صراحته غاليا، كأن يصعد إلى منصة الخطابة وينزل المهدي بن بركة من فوقها فقط لأنه حاول تسييس جيش التحرير.
تصر غيثة على أن زوجها عباس تمت تصفيته بسبب حسابات سياسية، وأنه ذهب ضحية مؤامرة دنيئة أقدم عليها قادة حزب الاستقلال، وأضافت أن مخطط التصفية هو المهدي بن بركة، بمعية علال الفاسي، وأن منفذها هو الغزاوي مدير الأمن، لكنها لم تنس الوعد الذي قطعه مولاي الحسن حين كان وليا للعهد، حين قالها وهو يقدم التعازي يوم 27 يونيو 1956، «لن أنزع هذا القميص من جسدي حتى أكشف اسم القاتل». وأضافت أن الحسن الثاني حاول تزويجها من شخصية نافذة في القصر فرفضت المقترح، قبل أن تتزوج من بناني أحد أقاربها.
ظلت غيثة تتردد على قبر زوجها عباس المساعدي، الذي دفن مرتين، في فاس أولا قبل أن ينقل رفاته إلى أجدير. واعترافا بدورها منحها الاتحاد العربي لقدماء المحاربين صفة «الأم العربية المثالية».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى