الرأي

فرنسا ـ الجزائر.. عقود معقدة

قام مانويل فالس٬ الوزير الأول الفرنسي٬ أول أمس (السبت)، بزيارة عمل للجزائر استغرقت يومين، وهي الثالثة من نوعها منذ تعيينه على رأس الوزارة الأولى. ويعطي حجم الطاقم الوزاري الفرنسي المرافق له صورة عن أهمية وثقل هذه الزيارة التي ضمت 10 يمثلون وزارات المالية٬ الثقافة والتربية الوطنية. وشارك مانويل فالس في منتدى اقتصادي حضره 100 من أرباب المؤسسات الكبرى٬ كما ساهم  في ملتقى خصص للتكوين المهني، قبل أن يرأس إلى جانب نظيره عبد المالك سلال اجتماع اللجنة الحكومية العليا، ووقع الطرفان عدة عقود.
ويتم الحديث عن مشروع إنشاء مصنع لسيارات «بيجو» بوهران، مع إعادة تأهيل إنتاج الفوسفاط والغاز الصناعي. كما خصص اجتماع اللجنة الحكومية المشتركة لتدارس التعاون المشترك في قطاعات الصناعة٬ الفلاحة٬ البيئة٬ التربية٬ النقل٬ وقضايا الأمن والعدالة والتعليم العالي والشؤون الدينية. ومن المقرر أن يعلن الطرفان عن عقد منتدى للشراكة الاقتصادية. وفي مقابلة مع صحيفة «الوطن» الجزائرية، أعرب مانويل فالس عن ثقته في مستقبل الجزائر.
إن كان هدف الزيارة اقتصاديا، فإن العلاقات بين فرنسا والجزائر لم ولن تسلم من وباء السياسة والتاريخ، هكذا وقبل الزيارة بأربعة أيام، وعلى خلفية فضيحة «أوراق باناما»، تشنجت فجأة العلاقات بين البلدين ووصلت إلى حد استدعاء السفير الفرنسي بالجزائر من طرف وزير الخارجية الجزائري رمتان لعمامرة.
ويذكر أن صحيفة «لوموند» المنخرطة ضمن الشبكة الإعلامية العالمية التي نشرت القائمة٬ أرفقت الملف المخصص لهذه الفضيحة بصورة للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة٬ لإظهار تورط نظامه والمقربين منه في فضائح «أوراق باناما»، وهو ما لم يفاجئ الجزائريين أنفسهم. ويتربع عبد السلام بوشوارب، وزير الصناعة والمعادن، على رأس قائمة  الشخصيات الجزائرية المتورطة في «أوراق باناما».. وبعد أن أرسلت الرئاسة الجزائرية رسالة توضيحية لجريدة «لوموند»، استدعت سفير فرنسا بالجزائر٬ مع العلم أن وزارة الخارجية لا سلطة لها على الصحافة الفرنسية.  وتفاقمت حدة هذا التشنج بعد رفض السلطات الجزائرية منح تأشيرات لمبعوثي جريدة «لوموند» وبرنامج «لوبوتي جورنال» الذي يبث على قناة «كنال بلوس». وعلى الرغم من تدخل الوزير الأول الفرنسي لدى عبد المالك سلال، فإن هذا الأخير بقي متشبثا بالموقف الرسمي للسلطات الجزائرية. وتضامنا مع زميلتها، رفضت كل من إذاعة «فرانس كيلتير»، «فرانس آنتير»٬ صحيفتي «ليبيراسيون» و«لوفيغارو» القيام برحلة للجزائر لتغطية الزيارة.
حدث هذا الانفجار في وقت لا يزال النظام يجر ذيول فضيحة أخرى عصفت  بشكيب خليل، وزير الطاقة السابق، والمورط في قضية عقود مع شركة إيطالية. ويعتبر الرجلان من مقربي دائرة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. ولن ترفع هاتان الفضيحتان الشبهات عن نظام مرتش حتى النخاع. ومع ذلك أبقي على أجندة زيارة الوفد الفرنسي وعلى المقابلة التي تمت بين مانويل ماكرون٬ وزير المالية الفرنسي ونظيره الجزائري عبد السلام بوشوارب.. لكن بقيت فقرة استقبال فالس من طرف عبد العزيز بوتفليقة محط تساولات، لكن في غياب الصحافة الفرنسية٬ وخوفا من تقاريرها اللاذعة٬  قد تنظم مقابلة «شوفي نشوف فيك».
لكن نقطة التشنج السياسية التي لم يفت السلطات الجزائرية طرحها هي ملف الصحراء المغربية. فخلال زيارة جان مارك آيرو للجزائر، في  29 من شهر مارس، دعا رمتان لعمامرة فرنسا إلى مساندة مسلسل تقرير المصير بالصحراء الغربية. لكن وزير الخارجية، الذي سبق له أن ساند هذه الأطروحة، اكتفى بالتذكير بالمواقف المبدئية الكلاسيكية لفرنسا٬ الشيء الذي لم ترض عنه الجزائر. وهذا ما كرره الوزير الأول الفرنسي على مسامع الطرف الجزائري. وتساءل بعض خبراء الاقتصاد والسياسة عن توقيع الجزائر لهذه العقود في ظرفية يمر فيها اقتصاد الجزائر بأزمة بدأت آثارها في خنق معاش المواطنين وأدخلت البلد في نفق مظلم٬ وذلك نتيجة انهيار أسعار الغاز والبترول. فقد فقدت العملة الوطنية٬ الدينار٬ 15 في المائة من قيمتها مقابل الأورو٬ كما بلغت نسبة البطالة 12,70 في المائة، حيث طالت بشكل أساسي الشباب. أما عجز الميزان التجاري فبلغ 13,7 بليون دولار. وتعتزم الحكومة الجزائرية تسريح مليون موظف، كما أوقفت الدولة «المشاريع الكبرى»، مثل بناء الطرق السيارة وخطوط «الميترو» و«الترام٬» فيما أبقت على مشروع بناء «المسجد الكبير للجزائر»٬ الذي سيدشن في شهر نوفمبر القادم، وقد بلغت تكاليف هذا المشروع السريالي مليار أورو. ويبلغ علو المنارة 300 متر ويمكن للمسجد أن يستوعب 120.000 مصل. وتنطبق  في حق هذا الوضع الحكمة الشعبية القائلة: «آش خصك آلعريان»؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى